مفهوم العرف في الفقه الإسلامي

'); }

تعريف العرف في الفقه الإسلامي

  • العرف في اللغة:[١]
    • المرتفع من كلِّ شيءٍ، كعرف الديك والجبل.
    • ما تعارفه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم.
    • هو كل معروف، أي ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه.
    • العرف المتتابع المتصل بعضه الببعض، كعرف الفرس؛ سُمّي بذلك لتتابع الشعر.
  • العرف في الإصطلاح

هو ما استقرّت عليه النفوس بشهادةِ العقول، وتلقته الطبائع السليمة بالقبول.[١]

حجية العرف في الإسلام

اتفق الفقهاء على حجية الأخذ بالعرف شريطة عدم مخالفة دليلًا شرعيًا مُعتبرًا، إلّا أنّهم اختلفوا في اعتبار العرف كمصدرٍ مستقل في التشريع على قولين:[٢]

  • القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية وابن القيم من الحنابلة إلى أنّ العرف حجة ودليل شرعي مستقل.
  • القول الثاني: ذهب الشافعية إلى أن العرف ليس حجة ودليلًا شرعيًا إلّا إذا أرشد الشارع إلى اعتباره.

'); }

الأدلة على حجية العرف

هناك العديد من الأدلة في القرآن على حجيّة العرف، وسنذكر ذلك فيما يأتي:[٣]

  • قول الله -تبارك وتعالى-:﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[٤] ووجه الدلالة بالمعروف؛ أي بما يجب لمثلها على مثله، فالحكم الشرعي في هذه الآية الكريمة هي الإنفاق على من تجب عليه نفقتهم بمثل ما يُنفق على مثلها، وجعل الله -تبارك وتعالى- تقدير المثل راجعًا لما تعارف عليه النّاس بحسب تفاوت أحوالهم وقدراتهم.
  • قول الله -تعالى-:(لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ[٥] ووجه الدلالة فيها: أنّ الله -تبارك وتعالى- جعل كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، ولكنه سبحانه لم يقدّر كمية الإطعام التي تُعتبر في الكفارة، بل ترك تقديرها لعرف الناس كلٌّ حسب زمانه ومكانه.
  • حين شكت هندًا -رضي الله عنها- شكى أبو سفيان للنبيّ -صلّى الله عليه وسلم- وقال أنها تحتاج أن تأخذ منه المال قالَ:(خُذِي ما يَكْفِيكِ ووَلَدَكِ بالمَعروفِ)،[٦]

ووجه الدلالة في هذا الحديث: أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ردّ هندًا -رضي الله عنها- إلى الأخذ من مال زوجها إلى المعروف، عندما عرف أنّه يكفيها من الطعام وغيره، وذلك بحسب العادة المعهودة التي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والازمنة والأمكنة.

شروط العرف المعتبر في الإسلام

اشترط العلماء لاعتبار العرف شروطًا، أهمها:[٧]

  • أن يكون العرف مطردًا أو غالبًا، ويقصد بالإطراد أن يكون العمل بالعرف مستمرًا في جميع الحوادث، لا يختلف من شخصٍ لآخر.
  • أن يكون العرف مقارنًا أو سابقًا، ولا عبرة بالعرف المتأخر.
  • أن لا يترتب على العمل بالعرف تعطيل نص ثابت أو معارضة أصل قطعي، فكلّ عرفٍ ورد النّص بخلافه فهو غير معتبر؛ لأنّ العرف لا يستقل بإنشاء الحكم الشرعي، بل يؤدّي دوره في تنزيل الحكم الشرعي على الواقع.

وعليه لو تعارض العرف مع النّص من كلِّ وجهٍ أو مع الأصل الشرعي القطعي؛ فإنّ هذا العرف يُهدر ولا يُلتفت إليه؛ كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول المحرّمات، وأكل الربا، وخروج النساء متبرجات، فإذا كان كذلك فلا اعتبار له.

  • ألّا يعارض العرف بتصريحٍ بخلافه، كأن يُخالف العرف شرطًا على خلافه فإنّ الشرط مقدّم؛ لأنّه أقوى.
  • أن يكون العُرف عامًا، وقد اختلف العلماء بهذا الشرط، والذين قالوا باشتراطه في العرف لا يقصدون كل أنواع العرف، وإنّما يقصدون العرف القاضي على الأدلة، وهو ما يكون دليلًا على الحكم ظاهرًا، أمّا العرف المرجوع إليه في تطبيق الأحكام العامة أو المطلقة على الحوادث، فهذا لا يُشترط فيه العموم.
  • التَّكرار والشيوع؛ بمعنى أنّ العادة حتى تُعتبر لا بدّ من تكرار استعمالها، إلى أن يصير المعنى المنقول إليه مفهومًا بغير قرينة، ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره عند الإطلاق، وهذا الشرط مختلفٌ فيه، فإذا تحقّقت الشروط السابقة كان العُرف مُلزمًا ومُعتبرًا.

أنواع العرف

للعرف عدّة أنواع، وسنذكر كل نوع بالتفصيل فيما يأتي:[٨]

  • العرف العملي

وهو ما تعارف عليه الناس من الأعمال، كتعارفهم على بيع التعاطي،مثلاً: يدخل المشتري إلى البقالة، فيأخذ السلع ثم يدفع ثمنها لمالك الدّكان دون الحاجة للتلفّظ بالإيجاب والقبول، والعرف في تقسيم المهر إلى معجّل ومؤجّل.

  • العرف القولي

وهو التعارف بين الناس على إطلاق لفظٍ على معنى معين، بحيث لا يتبادر إلى الذهن غيره عند سماعه؛ كالعرف بإطلاق لفظ اللحم على الحيوان وعدم إطلاقه على السمك والطير.

  • العرف العام

هو الذي يتفق عليه الناس في كلِّ البلادِ أو جُلّهم؛ كالتعارف على بيع الاستصناع.

  • العرف الخاص

هو العادة التي تكون لشخصٍ أو مجموعة أشخاص، أو بلدٍ معين، كعادة شخص في أكله وتصرفاته.

كما ينقسم العرف من حيث اعتباره في الأحكام إلى:[٩]

  • ما قام الدليل الشرعي على اعتباره

وفي هذا النوع لا يكون العرف مصدر للتشريع، بل يكون الحُكم معتبرًا في الشرع، ومثال ذلك: الكفاءة في النكاح، والدية على العاقلة.

  • العرف الفاسد

وهو ما قام الدليل الشرعي على نفيه وتحريمه وعدم اعتباره؛ كعادة أهل الجاهلية في التبرّج، والجمع بين الأختين فى الزواج.

  • ما لم يقم الدليل الشرعي على اعتباره أو نفيه

وهذا النوع من العرف ينظر فيه الفقهاء لإقراره أو منعه.

أمثلة على الاستدلال بالعرف

ومن الأمثلة على الاستدلال بالعرف ما يأتي:[١٠]

  • إذا استعان شخصٌ بآخر على شراء عقار، وبعد وقوع البيع والشراء طلب المستعان به من المستعين أجرة، فينظر في تعامل أهل السوق، فإن كان معتادًا في مثل هذه الحال أخذ أجرته كصاحب مكتب عقاري، فاللمستعان به أخذ الأجرة المثلية من المستعين، وإلّا فلا.
  • إذا حلف شخص على عدم أكل اللحم، وأكل دجاجًا أو سمكًا فإنّه لا يحنث؛ لأنّ النّاس تعارفت على أنّ المقصود باللحم الضأن أو الماعزأو البقر أو الإبل.

المراجع

  1. ^ أ ب منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 2680-2679. بتصرّف.
  2. محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 267. بتصرّف.
  3. بلقاسم الزبيدي، الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي دراسة تأصيلية تطبيقية، صفحة 474-476. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:233
  5. سورة المائدة، آية:89
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7180، صحيح.
  7. محمد يسري إبراهيم، فقه النوازل للأقليات المسلمة، صفحة 601 -605. بتصرّف.
  8. محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 266. بتصرّف.
  9. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 57. بتصرّف.
  10. محمد صدقي البورنو، الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، صفحة 293-294. بتصرّف.
Exit mobile version