محتويات
'); }
مفهوم السبب في الفقه الإسلامي
يرى علماء أصول الفقه أنَّ السبب وصفٌ ظاهر يرتبط وجوده بوجود الحكم الشرعي التكليفي، وعدم وجود ذلك الوصف يستلزم عدم ذلك الحكم الشرعي التكليفي، ويعنون بالحكم الشرعي التكليفي؛ أي واحد من هذه الأحكام الخمسة: الفرض، أو السنة، أو المباح، أو المكروه، أو الحرام؛ فمثلاً: بلوغ نصاب الزكاة سببٌ في الحكم الشرعي التكليفي “وجوب الزكاة”، وعدم بلوغ النصاب سبب في “عدم وجوب الزكاة”.[١]
ومما سبق يتبيَّن أن السبب عندهم يكون وصفاً لشيء، وهذا الشيء يكون طريقاً إلى الحكم الشرعي التكليفي من غير تأثير -ولا توقّف- للحكم عليه،[٢] والتعريف الحرفي الأدق لمفهوم السبب عند الأصوليين هو: “الوصف الظاهر المنضبط الذي دلَّ الدليل السمعي على كونه مُعرِّفًا لحكمٍ شرعي”،[٣] وفيما يأتي شرح التعريف بصورة مبسطة:[٤]
- “الوصف الظاهر”
'); }
هو كل معنىً معلومٍ -غير مجهول- تُمكِن رؤيته، ولا يخفى على عامة العارفين به، مثل: وصف الشمس أنها قد غاب قرصها كاملاً وراء الأفق.
- “المنضبط”
المحدد بحيث لا يختلف باختلاف الأشخاص الذين يعرفون أحواله، مثل غياب قرص الشمس كاملاً خلف الأفق.
- “الدليل السمعي”
كل خطاب شرعي ورد في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، مثل حديث: (إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِن هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، فقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ).[٥]
- “مُعرِّفًا لحكمٍ شرعي”
صار هذا السبب هو العلامة التي نعرف بها الحكم الشرعي، فظهور هلال رمضان سبباً للبدء بالقيام بالشعائر الخاصة بشهر رمضان؛ لأنه صار علامة على الحكم الشرعي المتعلق بشهر رمضان.
أنواع السبب بحسب معناه
قسّم العلماء السبب باعتبار الموضوع الذي يتناوله إلى قسمين: وقتي ومعنوي، وفيما يأتي تعريف بالقسمين:
السبب الوقتي
هو سبب لا نعرف الحكمة الباعثة في تعرُّفنا بسببه على الحكم الشرعي التكليفي المتسبب عنه، فمثلاً: زوال الشمس عن وسط السماء وصفٌ ظاهرٌ منضبط، وهذا الوصف هو السبب الوقتي للحكم التكليفي الشرعي: وجوب صلاة الظهر؛ لوجود دليل سمعي هو قوله -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)،[٦] وهذا السبب لا نعرف له حكمة واضحة.[٧]
السبب المعنوي
هو سبب من الممكن أن نعرف الحكمة الباعثة منه في تعرُّفنا على سببه على الحكم الشرعي التكليفي المتسبب عنه، فمثلاً: الإسكار في الخمر: وصفٌ ظاهرٌ منضبط، وهذا الوصف هو السبب المعنوي للحكم التكليفي الشرعي: تحريم شرب الخمر، لقول النبي الكريم: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ)،[٨] وهذا السبب من السهل أن نعرف له حكمة واضحة.[٧]
أنواع السبب باعتبار علاقته بالمكلف
قسّم العلماء السبب باعتبار قدرة المكلّف على التأثير عليه وعدم قدرته على التأثير عليه إلى قسمين، وفيما يأتي تعريف بهما:[٩]
- سبب يقدر المكلف على التأثير عليه
مثلاً: باع رجل سيارته، فصار البيع سبباً لمشروعية انتقال ملكية السيارة للمشتري، كما أنَّ القتل العمد سبب لوجوب القصاص من القاتل، والذكاة الشرعية عند ذبح الدجاجة سبب لإباحة الأكل منها.
- سبب لا يقدر المكلف على التأثير عليه
مثلاً: غروب الشمس سبب لوجوب صلاة المغرب، والمصاهرة سبب للميراث بين عائلتين مختلفتين، وموت الميت سبب لمشروعية نقل ملكية المال منه إلى الورثة.
المراجع
- ↑ عبد الكريم النملة، كتاب المهذب في علم أصول الفقه المقارن، صفحة 391. بتصرّف.
- ↑ التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، صفحة 925. بتصرّف.
- ↑ الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام، صفحة 127.
- ↑ محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 391. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم:1101، صحيح.
- ↑ سورة الأسراء، آية:78
- ^ أ ب محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 393. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2003، صحيح.
- ↑ محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 394. بتصرّف.