الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الراشدين

'); }

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد أبي بكر الصديق

سنذكر فيما يأتي بيان لأشهر اجتهادين لأبي بكر الصديق؛ ظهر فيهما عنايته بالاجتهاد المقاصدي: حرب المرتدين، وجمع القرآن:

حرب المرتدين

بعد وفاة الرسول الكريم ظهر ما كان كامناً قليل الظهور، مِن شق عصا الطاعة للدولة الإسلامية الفتية أو ما يسمى: الردة، ويطلق العلماء مصطلح المرتدين على ثلاث فئات من الناس، هم: الذين تركوا الإسلام بالكلية، والذين أسقطوا فرائض منه -كالزكاة-، والذين اتبعوا المتنبئين -مثل سجاح ومسيلمة وطليحة الأسدي والأسود العنسي-؛ فاجتهد أبو بكر واتخذ قراره بحربهم بجميع فئاتهم.[١]

وأظهر التاريخ أنَّ الاجتهاد الذي اتخذه أبو بكر في حرب المرتدين كان رأياً ملهماً -وإن خالف رأي أكثر الصحابة-؛ لقد كان اجتهاداً مقاصدياً أملته المصلحة للإسلام وللمسلمين، فمقصد الحفاظ على الدين، وصيانتهم من الرجوع إلى الجاهلية مقصد مطلوب شرعاً؛ فلولا هذا الاجتهاد الحاسم من أبي بكر لتغيَّر وجه التاريخ وتحولت مسيرته، ولعادت الجاهلية تعيث في الأرض فساداً.[٢]

'); }

جمع القرآن

نتج عن حرب المرتدين استشهاد عدد من حفظة القرآن، فاقترح عمر بن الخطاب جمع القرآن على أبي بكر، وبعد مداولة الأمر اجتهد أبو بكر وقرر البدء فوراً بجمع القرآن في مصحف واحد -رغم عدم جمعه زمن النبوة-؛ صيانةً له من أن يحصل به ما حصل للكتب السابقة من تحريف وتبديل، وكلّف بذلك زيد بن ثابت الأنصاري.[٣]

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد عمر بن الخطاب

حين كثرت أموال الدولة الإسلامية، وزادت مشاغل الخليفة بتوسع الفتوحات، ظهرت أهمية رصد كميات الأموال التي تدخل بيت المال، وحصر أسماء الجنود الذين يذهبون للقتال، فأمر عمر بن الخطاب بإنشاء الدواوين -وهي تشبه الوزارات في عصرنا الحالي-؛ ولكل ديوان اختصاصه: كديوان الجند، ديوان الخراج، وكان عمر هو أول حكام العرب الذين قاموا بذلك.[٤]

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد عثمان بن عفان

كان المسلمون إذا وجدوا بعض الجِمال في البادية لا راعي بقربها يتركونها وشأنها، وقد نهى عمر بن الخطاب عن التقاط ضوال الإبل؛ لأنها تستطيع الاعتماد على نفسها حتى يجدها صاحبها، لكن حين جاء زمن عثمان أمر مَن يجد إبلاً بالتقاطها، والتعريف بها خوفاً عليها من الخونة -بعد فساد ذمم الناس-، وإذا تعذَر ذلك يبيعها ويحتفظ بثمنها ويعطيه لصاحبها إذا عرفه؛ لأن هذا أضبط له، مما يدل على جواز تغيُّر الفتوى لتحقيق المصلحة.[٥]

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد علي بن أبي طالب

كان الصانع الذي يغسل الثوب ويصبغه لا يضمن الثوب إذا فسد أثناء غسله أو صباغته، ولكن -بعد فساد ذمم الناس- ظهرت شواهد يُستنتج منها تهاون الصُّنَّاع في العناية بما في أيديهم من أموالٍ ليست لهم، وظهر الغش والخداع والاختلاس والكذب؛ بطريقة لم تكن زمن خير القرون الصالحة، لذا اجتهد الإمام علي في تغريمهم ما أتلفوه، فذكرت كتب السيَر والتاريخ: “إنَّ علي بن أبي طالب ضمَّن الغسَّال والصبَّاغ”.[٦]

المراجع

  1. ابن حزم، جوامع السيرة، صفحة 339. بتصرّف.
  2. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 344. بتصرّف.
  3. جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، صفحة 202. بتصرّف.
  4. ابن مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، صفحة 411. بتصرّف.
  5. الزرقاني، شرح الزرقاني على الموطأ، صفحة 101. بتصرّف.
  6. ابن كثير، إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه، صفحة 81.
Exit mobile version