قرآن

معلومات عن سورة النور

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

التعريف بسورة النور

نزلت سورة النور في المدينة المُنوَّرة، وبلغ عدد آياتها أربعاً وستّين آيةً،[١] وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لقول الله -تعالى- فيها: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] والنور اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[٣]

مناسبة سورة النور للسورة التي قبلها

تسبق سورةَ النور في ترتيب المصحف سورةُ المؤمنون؛ وهي سورةٌ مكّيةٌ، وتتناسب السورتان فيما بينهما؛ فالمواضيع التي تتناولها سورة المؤمنون تُعدّ مقدّمة لما ستتحدّث عنه سورة النور؛ إذ إنّ الأولى تدعو الناس إلى الإيمان، وتُبيّن لهم طريق اكتساب صفات المؤمنين، فيأتي التزامهم بالأحكام التي تتناولها سورة النور عن قناعةٍ، وفَهْمٍ، ورغبةٍ في نَيل رضا الله -سبحانه-، ومن أوجه التناسُب بين السورتَين ما يأتي:[٤]

  • الترابُط بين نهاية سورة المؤمنين، وبداية سورة النور؛ ففي نهاية الأولى توجُّه المؤمنين إلى الله بالدعاء بالرحمة، والمغفرة، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)،[٥] وفي فاتحة النور السبيل المُوصل إلى رحمة الله ومغفرته؛ وهو الالتزام بما فرضَه الله في السورة من أحكامٍ، قال -تعالى-: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٦]
  • ذِكر بعض صفات المؤمنين في سورة المؤمنين، ومنها قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٧] في حين أنّه -سبحانه- ذكر في سورة النور الأحكام المُتعلِّقة بمَن لم يحفظ فَرْجه؛ وهم مُرتكِبو الزنا، وما يلحق ذلك، أو يتعلّق به من قَذفٍ، ولعانٍ.

وممّا أمرت به السورة من الأحكام المُتعلِّقة بحِفظ الفَرْج: غضّ البصر، والذي قد يُؤدّي إطلاقه إلى وقوع في فاحشة الزنا، كما أمرت مَن لم يستطع الزواج بالاستعفاف، ونَهَت عن إجبار الفتيات، وإكراههنّ على ممارسة الزنا مقابل الأجر، وقد أنزلها -سبحانه-، وقَدَّر ما فيها من الأحكام والحدود على الوجة التامّ، وجعل آياتها واضحات بيّناتٍ، ودالّات على ما فيها من أحكامٍ؛ للاتِّعاظ، والتذكرة.[٨]

مناسبة سورة النور للسورة التي بعدها

ناسبت موضوعات سورة النور موضوعات سورة الفرقان؛ وهي السورة التي تليها في ترتيب المصحف الكريم، والتناسب بين السورتَين هو على النحو الآتي:[٩]

  • اختُتِمت سورة النور بالتذكير بصفات الله المالك البديع الحكيم، وأنّه -سبحانه- سيُحاسب الناس على ما قدّموه في الدنيا من العمل، في حين افتُتِحت سورة الفرقان بصفات الله العُليا، وبمِنَّته على عباده بأن أنزل إليهم القرآن هادياً، ومُنيراً.
  • اختُتِمت سورة النور بتذكير المؤمنين بوجوب التزامهم بأوامر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونواهيه، ومدح مَن التزم منهم بها، وتحذيرهم من عصيان أمره، وما يترتّب على ذلك من فتنةٍ وعذابٍ أليمٍ، كما ذمّ الله في افتتاح سورة الفرقان مَن وَصَف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه مسحورٌ، وغير ذلك.
  • تناولت السورتان وصف السحاب، ونزول المطر، وما في نزوله من إحياءٍ للأرض الميّتة، قال -تعالى- في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)،[١٠] وقال في سورة الفرقان: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).[١١]
  • تناولت السورتان أعمال الكافرين، ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان نشأة الإنسان.

أسباب النزول في سورة النور

نزلت سورة النور بعد الهجرة النبويّة، وقال بعض العلماء إنّها نزلت في العام الخامس من الهجرة،[١٢] ولكثيرٍ من الآيات في سورة النور سببٌ للنزول، ويُذكَر من تلك الأسباب:[١٣]

  • الآية الثالثة: قال الله -تعالى-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[١٤] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ يُقال لها: أم مهزول، عُرِف عنها أنّها كانت تُمارس الزنا، فرغب رجلٌ من الصحابة في أن يتزوّجها، فأنزل الله -سبحانه- الآية تنهى عن الزواج من الزانيات، وقِيل إنّها نزلت بعد تحريم الزنا، وقِيل نزلت في رجلٍ يُقال له مزيد، أراد الزواج من صديقةٍ له في مكّة، فاستأذنَ الرسولَ في ذلك، فنزلت الآية تردّ على استئذانه ذاك.
  • الآية السادسة: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)،[١٥] وقد نزلت في هلال بن أميّة -رضي الله عنه- بعد أن ادّعى على امرأته أنّها زَنَت، فقذفها أمام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)،[١٦] فكرّر ذلك على النبيّ، فكرّر النبيّ قوله، فأنزل الله الآية، وقد بيّنت حُكم اللعان، وقِيل بل نزلت إجابةً على استفسار عُويمر لرسول الله إن رأى الرجل امرأته مع رجلٍ آخرٍ.
  • الآية السابعة والعشرون: قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا)،[١٧] وقد قِيل إنّها نزلت في امرأةٍ من الأنصار اشتكت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَرَجها من كثرة دخول الرجال عليها من أهلها، وهي في حالٍ لا ترغب في رؤيةٍ أحدٍ لها وهي عليها.
  • الآية الحادية والثلاثون: قال الله -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[١٨] وقد قِيل إنّها نزلت؛ للنَّهي عن الخلاخل للنساء، وعن تكشُّف صدورهنّ.
  • الآية الثالثة والثلاثون: قال الله -سبحانه-: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ)،[١٩] وقد نزلت في جاريةٍ لعبدالله بن أبي بن سلول كان يُكرهُها على الزنا مقابل الأجر، وقِيل إنّهما جاريتان، وقال -تعالى- في الآية ذاتها: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)،[١٩] والتي قِيل إنّها نزلت في عبدٍ أراد أن يشتري نفسه من سيّده، فرفض السيّد.
  • الآية الثامنة والأربعون: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)،[٢٠] وقد نزلت في مَن كان يذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليحكم بينه وبين آخر إن كان الحقّ له، ويذهب إلى غير الرسول إن كان الحقّ عليه.
  • الآية الحادية والستّون: قال الله -عزّ وجلّ-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ)؛[٢١] لأنّ الناس كانوا يتحرّجون أن يأخذوا المريض، أو الأعمى، أو الأعرج إلى بيوتهم.
  • الآية الثانية والستّون: قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ)؛[٢٢] حيث كان المؤمنون في معركة الأحزاب إذا ذهبوا إلى قضاء حوائجهم استأذنوا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.

أهمّ محاور سورة النور

تُقسَم سورة النور إلى ثلاثة مقاطع رئيسيّة تُعالج عدداً من المواضيع، والمقاطع هي:[٢٣]

  • المقطع الأول: وتمثّل الآيات الأربع والثلاثين الأُوَل، وهي تستعرض تشريعاتٍ وتوجيهاتٍ، وتتحدّث عن عدّة قضايا اجتماعيّةٍ، كما يُلاحَظ وجود رابطٍ قويٍّ بين بداية المقطع، ونهايته، وبداية المقطع هي الآية الأولى من سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[٢٤] ونهايته قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).[٢٥]
  • المقطع الثاني: ويبدأ من الآية الخامسة والثلاثين، بقول الله -سبحانه-: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)،[٢] وينتهي بالسادسة والأربعين، بقوله -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢٦] وتستعرض هذه الآيات قضايا تتعلّق بالعقيدة، والإيمان، والكفر، والحياة، والكون، وترتبط بدايته المُتمثِّلة بالنور، بنهايته الدالّة على الهداية، والإرشاد.
  • المقطع الثالث: ويبدأ من الآية السابعة والأربعين، وهي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)،[٢٧] وينتهي بآخر آيةٍ في السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٨] ويشتمل هذا المقطع على مواقف، وتوجيهاتٍ، وبِشاراتٍ، وترتبط بداية هذا المقطع بنهايته برابطٍ قويٍّ؛ فتشير بدايته إلى النفاق والكذب على الله ورسوله، أمّا نهايته فتُشير إلى ما أعدّه الله من الوعيد والتهديد للمنافقين.

آداب سورة النور وأحكامها

من الآداب والأحكام التي اشتملت عليها سورة النور:[٢٩]

  • بيان عددٍ من الفرائض.
  • الآداب المُتعلِّقة بإقامة حَدّ الزانية والزاني.
  • النهي عن قذف المُحصَنات، وبيان حُكمه.
  • قصّة الإفك، وما يتعلّق بها من أمورٍ، وأحكامٍ، كاللعان، وخوض المنافقين فيه، وحال من حفظ لسانه عن الحديث فيه، والوعيد المُترتِّب على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والعقوبة المُترتِّبة على الكذب، وقول الزور، ولَعن الخائِضين في حديث الإفك.
  • النهي عن اتِّباع الشيطان، ومِنّة الله على أهل الإيمان بالتزكية.
  • بيان فضل الإحسان، والعفو.
  • الثناء على أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • بيان آداب الدخول على البيوت، وأحكامه، ومنها: النهي عن دخولها دون إذن أصحابها.
  • بيان آداب الاستئذان الخاصّة بالصبيان، والعبيد.
  • الأمر بتحصين الفَرْج، وغَضّ البصر.
  • توجيه أهل الإيمان نحو التوبة إلى الله.

تفسير سورة النور وبيانها

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعقيدة

وردت عدّة آياتٍ في سورة النور تدلّ على العقيدة، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • قدرة الله واسعةٌ، ومُلكُه كبيرٌ؛ فهو يملك خزائن الرزق، وليس لغيره فيها شيءٌ، وله -سبحانه- مرجع الخلق كلّهم بعد الموت، ومن رحمته بالعباد أن يسوق لهم السَّحاب المُحمَّل بالمطر، والذي يُصيب به ما يشاء، ويصرفه عمّن يشاء.[٣٠]
  • إنعام الله على عباده بالدوابّ؛ وهي الحيوانات التي تدبّ على الأرض، وتنويعه للأحوال التي خُلِقت عليها؛ فمنها التي تمشي على أربعة أعضاءٍ، أو عُضوَين، ومنها التي تمشي على بطنها.[٣٠]
  • تمييز الآيات بين مَن يُطيع الله ورسوله بإخلاصٍ، والمنافقين الذي يُظهِرون الطاعة والإيمان، ويُبطِنون الكفر والعصيان، ويُعرِضون عن إجابة دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتحاكمون إليه، وفي مقابل ذلك ذُكِرت صورة المؤمنين؛ وهم المُطيعون لله ورسوله، والذين يخشون الله ويتّقونه، ويستسلمون لحُكمه، ويَرضَون به.[٣٠]
  • تقرير أهمّ الآداب التي يجب على المسلمين التقيُّد بها عند التعامل مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها: ألّا ينصرفوا عن رسول الله إن كان قد دعاهم إلى أمرٍ فيه طاعةٌ حتى يأذن لهم بالانصراف، وللرسول -عليه السلام- أن يأذن لبعضهم حسب المصلحة والحاجة، كما لا بدّ أن يكون الخطاب مع النبيّ -عليه الصلاة السلام- خطاباً خاصّاً ليس كخطاب الناس لبعضهم البعض؛ فيكون خطاب الرسول خطابَ تشريفٍ، وتعظيمٍ، وتفخيمٍ.[٣١]

تفسير الآيات المُتعلِّقة بالعِفّة

عقوبة الزنا

قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،[٣٢] ويُراد بالزنا: العلاقة غير الشرعيّة التي تتمّ بين رجلٍ وامرأةٍ، وهو يُعَدّ من أقبح المعاصي؛ حيث قرن الله -سبحانه- النهي عنه في القرآن الكريم بالنهي عن القتل، وتشترك جريمة الزنا وجريمة الوأد في اعتبار كلٍّ منهما قَتلاً للولد.[٣٣]

وقد قدّم الله -سبحانه- في الآية الزانية على الزاني؛ وقِيل إنّ ذلك تأكيداً على أنّ الحَدّ يجب أن يُقام على الزانية والزاني على حدٍّ سواء؛ فهما مشتركان في الجريمة، كما أنّ لفظ الزانية والزاني وَصفٌ لهما؛ أي أنّهما اعتادا على ذلك، فمن شروط إقامة الحَدّ وجود أربعة شهودٍ يشهدون واقعة الزنا، وهذا لا يكون إلّا إن كان فعل الزنا مجهوراً به.[٣٣]

عقوبة القذف

قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣٤] وتُعرَف هذه الجريمة شرعاً بالقذف، ويُراد به: اتِّهام الآخرين بارتكاب الزنا، سواءً كان رجلاً، أو امرأة.[٣٥]

اللعان

يُعَدّ اللعان من الأحكام التي تناولتها سورة النور، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ*وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٣٦] وفي حُكم الله الوارد في هذه الآيات إذهابٌ لغَيظ الزوج، وصيانةٌ عن الأقاويل التي لا صحّة لها، وعدم نَشر أخبار الأسرة، وما يكون بين الزوجَين؛ ولذلك قام الحُكم على الزوجَين فقط دون طلب الشهود على ذلك؛ فمَن اتّهم زوجته بالزنا، توجّب عليه أن يحلف بالله أربع مرّاتٍ أنّه صادقٌ في اتّهامه لها، وفي اليمين الخامسة يدعو بأن تحلّ عليه لعنة الله إن كان كاذباً، وتُدفَع عنها العقوبة إذا حلفت بالله أربع مرّاتٍ مُتتاليةٍ أنّ زوجها كاذبٌ، وفي الخامسة تدعو بأن يحلّ عليها غضب الله إن كان زوجها من الصادقين.[٣٥]

حادثة الإفك

تُعَدّ حادثة الإفك أحد المواضيع التي تناولتها سورة النور؛ حيث أنزل الله -سبحانه- براءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين خاض المنافقون في عِرْضِها، وافترَوا عليها، واتّهموها بالفاحشة، وذلك بعد أن رأَوا الصحابيّ صفوان بن المعطّل السلمي وهو يمسك لجامَ ناقته داخلاً بها، وعلى الناقة عائشة إلى المدينة المُنوَّرة، وقد بدأت القصّة حين تخلَّفَت السيّدة عائشة عن جيش المسلمين؛ بسبب انقطاع عِقْدٍ لها، ونزولها عن ناقتها؛ للبحث عنه، فسار المسلمون، وتركوها، وبَقيت مكانها منتظرةً، فجاء صفوان فرآها، ثمّ حملها على ناقته، وأعادها إلى المدينة، فانتشر الكلام على عائشة -رضي الله عنها-، وتولّى الحديثَ بالإفك عنها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وقد نزلت تبرئتها بعد شهرٍ من الحادثة،[٣٧] فبدأ الله -سبحانه- الآيات التي تتحدّث عن هذه الحادثة بوجوب حُسن الظنّ بالآخرين، والتنفير من نَشر الفاحشة بين الناس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).[٣٨][٣٩]

أحكام الاستئذان

تناولت سورة النور آداب الاستئذان، وأحكامه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)،[٤٠] وعبّرت الآية عن الاستئذان بلفظ الاستئناس، والذي يُشير إلى طلب الزائر الأُنس به من صاحب البيت، ويكون الأنس بانتفاء الكراهة، والحَرَج، وبذلك لا يكون الزائر ثقيلاً، أو كَلّاً على غيره، وأشارت الآية إلى مشروعيّة ردّ السلام؛ زيادةً للأُلفة والمودّة، علماً أنّ من حقّ صاحب البيت أن يردَّ مَن يستأذنه، فإن ردّه وجب على طالب الإذن الرجوع، وذلك أفضل من أن يستضيفه وهو كارهٌ وجودَه، كما بيّنت الآية جواز دخول البيوت غير المسكونة إن كان للمرء فيها شيءٌ من المتاع، أمّا البيوت غير المسكونة فهي البيوت التي لا يسكن، أو يستقرّ فيها أحدٌ.[٤١]

ومن آداب الاستئذان التي فصّلتها سورة النور استئذان أهل البيت الواحد الذين يختلطون ببعضهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٤٢] والآية تُبيّن آداب اسئذان ملك اليمين*، سواءً كان ذكراً، أم أنثى، والأطفال المُميِّزون الذين يستطيعون أن يَصفوا ما يَرَوْنه، أمّا الأوقات التي ذُكِرت فهي الأوقات التي يسكُن بها المرء، ويتّخذها للراحة، وهي: منذ بداية الليل إلى حين انتهائه؛ أي عند الاستعداد لصلاة الفجر، ووقت القيلولة من الظهيرة، ووقت الخلود إلى النوم من بعد صلاة العشاء.[٤٣]

قال -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،[٤٤] وفي الآية رُخصةٌ لجميع مَن ذُكِر فيها للأكل في البيوت المذكورة فيها أيضاً.[٤٥]

غضّ البصر

تناولت بعض آيات سورة النور أمراً للمؤمنين والمؤمنات بغضّ أبصارهم، قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)؛[٤٦] حيث أمرتهم الآية بصَرف البصر عمّا لا يليق النظر إليه نظراً فاحصاً، واقترن الأمر بغضّ البصر بالأمر بحِفظ الفَرْج؛ فإطلاق الأوّل سببٌ في ارتكاب المُحرَّمات.[٤٧]

آيات الحجاب

تضمّنت آيات سورة النور أمراً للمؤمنات بالحجاب، مع بيان صفاته، قال -تعالى-: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٤٨] فقد نهت الآيات النساء عن إظهار زينتهنّ إلّا على مَن استُثنِي من الحُكم،[٤٩] أمّا فيما يتعلّق بالنساء الكبيرات في السِّن؛ فلا يكشفنَ شيئاً من أبدانهنّ؛ إذ لا بُدّ من سَتر أبدانهنّ، وقد عفى الله عنهنّ في التحرُّز إن ظهر شيءٌ من رؤوسهنّ، أو أعناقهنّ، قال -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٥٠][٥١]

الحَثّ على الزواج

أمر الله -سبحانه- الأولياء أن يُزوّجوا بناتهم، كما أمر السادة بتزويج عبيدهم، وإمائهم، والأَيِّم؛ أي الثيِّب التي لا زوج لها على المشهور؛ لطلاقٍ، أو موتٍ، والبِكْر: هي التي لم يسبق لها الزواج، قال -تعالى-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[٥٢] وقد وعد الله الفقير من هؤلاء بتيسير الغِنى له، وفي ذلك ترغيبٌ للأولياء في قبول تزويج الفقراء.[٥٣]


الهامش

*ملك اليمين: العبيد والرقيق المملوكين من الذكور والإناث.[٥٤]

المراجع

  1. جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 124، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية: 35.
  3. “فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
  4. د. عبد الحي الفرماوي (2006 م)، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 10. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 118.
  6. سورة النور، آية: 1.
  7. سورة المؤمنون، آية: 5.
  8. أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 66، جزء 18. بتصرّف.
  9. أحمد مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 145، جزء 18. بتصرّف.
  10. سورة النور، آية: 43.
  11. سورة الفرقان، آية: 48.
  12. أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، “مقاصد سورة النور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2020. بتصرّف.
  13. جلال الدين أبي عبد الرحمن السيوطي (2002)، أسباب النزول (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسة الكتب الثقافية، صفحة 181-187. بتصرّف.
  14. سورة النور، آية: 3.
  15. سورة النور، آية: 6.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2671، صحيح البخاري.
  17. سورة النور، آية: 27.
  18. سورة النور، آية: 31.
  19. ^ أ ب سورة النور، آية: 33.
  20. سورة النور، آية: 48.
  21. سورة النور، آية: 61.
  22. سورة النور، آية: 62.
  23. د. عبد الحي الفرماوي، سورة النور تفسير ودروس وأحكام (الطبعة الثالثة)، صفحة 15-17، جزء 2006 م. بتصرّف.
  24. سورة النور، آية: 1.
  25. سورة النور، آية: 34.
  26. سورة النور، آية: 46.
  27. سورة النور، آية: 47.
  28. سورة النور، آية: 64.
  29. أبو الحسن مقاتل بن سليمان (1423هـ)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 181، جزء 3. بتصرّف.
  30. ^ أ ب ت صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صفحة 241-257، جزء 9. بتصرف.
  31. صديق حسن خان (1992م)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272-276، جزء 9. بتصرّف.
  32. سورة النور، آية: 2-3.
  33. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5138-5143، جزء 10. بتصرّف.
  34. سورة النور، آية: 4.
  35. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5144-5150، جزء 10. بتصرّف.
  36. سورة النور، آية: 6-9.
  37. “حادثة الإفك دروس وعبر”، www.islamweb.net، 9-6-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  38. سورة النور، آية: 19.
  39. علي بن محمد الطبري (1405م)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 309، جزء 4. بتصرّف.
  40. سورة النور، آية: 27-29.
  41. محمد الطاهر ابن عاشور (1984 م)، التحرير والتنوير تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 196-203، جزء 18. بتصرّف.
  42. سورة النور، آية: 58-59.
  43. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 5225-5228، جزء 10. بتصرّف.
  44. سورة النور، آية: 61.
  45. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،1984م الدار التونسية للنشر، صفحة 299، جزء 18. بتصرّف.
  46. سورة النور، آية: 30-31.
  47. الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 203-205، جزء 18. بتصرّف.
  48. سورة النور، آية: 31.
  49. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 205-214، جزء 18. بتصرّف.
  50. سورة النور، آية: 60.
  51. أبو الحسن الطبري (1405هـ)، أحكام القرآن (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  52. سورة النور، آية: 32.
  53. محمد الطاهر بن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 215-218، جزء 18. بتصرّف.
  54. إسلام ويب (20-6-2001 م)، “ملك اليمين… معناه… وأحكامه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى