قرآن

من أول من جمع القرآن

مقالات ذات صلة

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

أبو بكر الصدّيق أول من جمع القرآن

يُراد بجمع القرآن؛ حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس،[١] ويُشار إلى أنّ أوّل من جمع القرآن الكريم في السطور هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛[٢] وهو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب التميميّ القرشيّ؛ أوّل الخلفاء الراشدين.[٣]

جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدّيق

كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل،[٤] وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم.[٥] أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.[٦]

أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.[٧]

لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[٨]

وقد لَقِيت الصُّحف التي جمعها زيد بن ثابت عنايةً كبيرةً من الصحابة؛ فحَفِظَها أبو بكر الصدّيق عنده طوال حياته، ومن ثمّ انتقلت إلى كَنَف عمر بن الخطّاب إلى حين استشهاده؛ فحفظتها ابنته حفصة -رضي الله عنها- إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين أراد نَسخ القرآن، واتُّخِذت تلك الصُّحف مَرجعاً أساسياً، ثمّ أعادها إليها؛ حفاظاً على الوعد، ثمّ طلبها مروان بن الحكم، إلّا أنّ حفصة -رضي الله عنها- رفضت إعطاءه إيّاها، وظلّت الصُّحف لديها إلى أن تُوفِّيت، ثمّ أُحرِقت بعد وفاتها،[٩] وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.[١٠]

مُميّزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق

امتاز جمع القرآن الكريم الذي تمّ في عهد أبي بكر الصدّيق بعدّة ميّزاتٍ؛ إذ احتوى على الأحرف السبعة* التي نزل بها القرآن الكريم جميعها في مصحفٍ واحدٍ مُرتَّبٍ بالآيات، والسُّوَر، فكان الجمع على أدقّ وأكمل وجه، كما كانت الصُّحُف مُتواتِرةً؛ إذ رُوِيت عن عددٍ كبيرٍ لا يُمكن اجتماعهم على الكذب؛ ولذلك فقد أجمعت الأمّة على ذلك الجَمع،[١١] ويُضاف إلى ما سبق أنّ الصُّحف التي جُمِعت وافقت ما جاء في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، واقتصرت على ما لم يُنسَخ تلاوةً.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن مراحل جمع القرآن الكريم الاطّلاع على مقالة: ((كيف تم جمع القرآن)).


الهامش

* كتابٌ مكنونٌ: محفوظٌ ومستورٌ.[١٣]

* الأحرف السبعة: أكثر أهل العلم على أنّ الأحرف السبعة يُقصد بها: سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى، واٍنْ اختلفت بالمعنى فإن هذا الاختلاف من باب التنوّع والتّغاير، لا من باب التّضاد والتّعارض،[١٤] وهذه الأحرف السبعة نزلتْ من لدن حكيم خبير، نزل بها جبريل على النبي -عليه السلام- بها حرفاً حرفاً، وقرأ بها -صلّى الله عليه وسلّم- جميعاً، وأقرأ الناس عليها.[١٥]

المراجع

  1. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 361. بتصرّف.
  4. علي بن سليمان العبي، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 34-35. بتصرّف.
  5. محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 249، جزء 1. بتصرّف.
  6. شهاب الدين أبي شامة (1975)، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، بيروت: دار صادر، صفحة 70. بتصرّف.
  7. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 35-37. بتصرّف.
  8. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 124-126. بتصرّف.
  9. عبد القيوم السندي، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، صفحة 369-370. بتصرّف.
  10. فهد الرومي (2003)، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 18. بتصرّف.
  11. أكرم الدليمي (2006)، جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 127، جزء 1. بتصرّف.
  12. علي العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، صفحة 37. بتصرّف.
  13. “تعريف ومعنى مكنون في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2020. بتصرّف.
  14. “نزول القرآن على سبعة أحرف”، www.islamqa.info، 29-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.
  15. “المقصود من هذه الأحرف السبعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-8-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى