قرآن

كيف يكون تدبر القرآن

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خطوات تدبُّر القرآن

يحتاج تعلُّم تدبُّر القرآن إلى خطواتٍ يسلكها المُتعلِّم وصولاً إلى فَهْم المعنى المُراد، بيان البعض من تلك الخطوات آتياً:[١]

  • الاستعداد النفسيّ للتدبُّر: فتدبُّر القرآن يبدأ من إرادة الشخص داخليّاً، ثمّ يظهر أثر القرآن وتدبُّره، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك دون وجود إرادةٍ أو دافعٍ؛ ليتعلّم التدبُّر، ويُطبّق ذلك في أمور حياته، وقد يُوجّه المُعلّم تلاميذه، إلّا أنّ الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه؛ بالتأمُّل، والنَّظَر، والبحث؛ فالتدبُّر عمليّةٌ ذهنيّةٌ، ويمكن تحقيق الاستعداد باختيار المكان المناسب، وتوطين القلب على التدبُّر، واختيار الوقت الملائم؛ لِئلّا ينصرف تركيزه عن القرآن، ويتأثّر بما يدور حوله، وممّا يساعد على ذلك: استقبال القِبلة عند القراءة، والحرص على الطهارة، والخشوع في الجِلسة، أمّا الأوقات المُفضَّلة، فمنها وقت السَّحَر.
  • التوجُّه إلى الله بالدعاء: فالاعتماد على الأسباب دون الرجوع إلى مُسبّب الأسباب من الأخطاء التي قد يقع فيها العباد؛ إذ لا بُدّ من اللجوء إلى الخالق في أمور الحياة جميعها، وطلب التوفيق والإعانة منه؛ لتحقيقها ما يُراد منها، والتوجُّه إلى الله أن يرزقه العيش في رِحاب القرآن بصدقٍ، وأن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، وشفيعاً وشاهداً له يوم القيامة، ويُسهّل عليه فَهْم الآيات.
  • المراقبة الذاتيّة أثناء القراءة: إذ إنّ على القارئ أن يُراقب نفسه أثناء القراءة، وينظر إلى ما يمنعه من الوصول إلى التدبُّر، ويبحث عن الحلول لتجاوزه، ويسعى إلى استخدام الطرق والحالات التي يستفيد منها، كالقراءة من المصحف نفسه، أو القراءة مِمّا يحفظه، وينظر إلى قراءته أثناء الصلاة، وخارجها؛ فإن كان تدبُّره وفَهمه للآيات في الصلاة أفضل من خارجها، فإنّه يحرص على الإكثار من صلاة النوافل، وإن كان تدبُّره خارج الصلاة أفضل، فإنّه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن في النهار، والليل، كما يُمكن تحقيق التدبُّر بتلاوة الآيات بصوتٍ عالٍ، أو خَفضه؛ بحسب الحال الذي يُحقّق ذلك، ويُمكن تحديد الأماكن التي تُحقّق التدبُّر بصورةٍ أكبر؛ فإن كان المسجد على سبيل المثال مكاناً للخشوع؛ لبُعده عن مُلهيات الحياة، فلا بُدّ من الحرص على زيارة المسجد.
  • عدم التعجُّل في القراءة: يحتاج تدبُّر القرآن إلى التأنّي، ولا بدّ من تلاوته بهدوءٍ ورَويّة، والحرص على تعويد النفس على ذلك؛ فالاستعجال في القراءة ليست وسيلةً لإدراك معاني القرآن، ولا يتحقّق الخشوع عند قراءة الآيات، وليست الغاية من قراءة القرآن خَتْمه فقط، بل لا بُدّ من التعمُّق والبحث عن مقاصد القرآن، وقد ورد أنّ الأفضل للمسلم عدم خَتْم القرآن في أقلّ من ثلاث أيّامٍ؛ استناداً إلى السنّة النبويّة، وإن كانت القراءة في شهر رمضان.
  • اعتبار الخطاب الإلهيّ مُوجَّهاً إلى النَّفْس: فخطاب الله مُوجَّهٌ إلى كافّة الناس على اختلاف العصور والأزمنة؛ فالتدبُّر يتحقّق بشعور العبد بأنّ الآيات خطابٌ مُوجَّه من الله إليه، فيستشعر الآيات، ويقف عليها، ويسعى إلى استجابة أمر الله الوارد في الآيات، فإن قرأ آيةً فيها نَهيٌ ابتعد وترك ذلك الأمر، وكأنّه مُوجَّهٌ إليه، وإن سمع آياتٍ عن قصص الأمم السابقة اعتبرَ واتَّعظ بها، وعلى المُتدبِّر أن يُسقط القرآن على نفسه، وواقعه، ويتساءل عن مُراد الله، وغايته.
  • المحافظة على الوِرد اليوميّ: فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن، ولم يُلزمهم بقَدْرٍ مُعيَّنٍ؛ فكلّ شخصٍ له ظروف تختلف عن غيره، ولهذا يقرأ بحسب ما يناسبه، فقراءة القرآن تُعَدّ الصِّلَة التي تربط بين العبد وربّه، وعلى كلّ شخص أن يحافظ على تلك الصِّلة بالطريقة التي تُناسبه، وعلى كلّ مسلمٍ أن يكون له وِرْدٌ خاصٌّ به؛ وِرْدٌ للتلاوة، ويُستحَبّ أن يكون الوِرْد يوميّاً، ووِرْدٌ للحِفظ والمراجعة، ووِرْدٌ للاستماع، ووِرْدٌ للدراسة؛ بالتأمُّل في معاني القرآن، وفَهمها، ووِرْدٌ للمُدارسة مع الغير، ووِرْدٌ خاصٌّ للتدبُّر؛ بالوقوف على الآيات، والبحث في معانيها، والرجوع إلى كُتُب التفسير؛ للكَشْف عمّا هو غامضٌ، وقد تُعينه على ذلك مشاركته غيرَه من أصحاب الهِمَم العالية؛ فيقرأ القرآن معه، ويستمعان إليه، مع الحرص على البحث في كُتُب التفسير؛ للوقوف على المعاني، ومُراجعتها سويّاً.

درجات تدبُّر القرآن

يكون تدبُّر القرآن على درجاتٍ عدّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٢]

  • التفكُّر والنَّظَر: فالتفكُّر من أجلّ الأعمال شَرَفاً؛ إذ إنّه من أعمال القلوب، وبه تتحقّق أعلى درجات الإيمان، كما أنّ التفكُّر يُبعد العبد عمّا يُخالف أوامر الله -سبحانه-؛ وذلك بالتفكُّر في عاقبة الأمور، وما يترتّب على المعاصي من جزاءٍ وعقابٍ، فيلتزم العبد بأوامر الله -سبحانه-، ويحرص على ما يتعلّق بالآخرة، وما يُنجيه من العذاب الأليم، فيكون التفكُّر بذلك مفتاحاً وبوّابةً لكلّ فعلٍ خَيِّرٍ، بالإضافة إلى أنّ التفكُّر يُشعر العبد بقدرة الله على كلّ شيءٍ.
  • خشوع القلب والتأثُّر: ويكون ذلك بسكون القلب وخضوعه لله -تعالى- فقط، فترتقي الجوارح وتخضع لله، وتجدر الإشارة إلى أنّ القلب مَحلّ الخشوع، كما وردت العديد من المواقف التي تُبيّن خشوع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- لله -تعالى-، وتذلُّلهم له، ويُمكن تحقيق الخشوع في القلب باستحضاره للحزن، والخوف من الوعيد، والنَّظَر في مدى التقصير تجاه الله.
  • الاستجابة والخضوع: تكمُن الحكمة من إنزال القرآن في الاستجابة لأوامر الله، والخضوع له، ولذلك فإنّ التدبُّر وسيلةٌ لشأنٍ عظيمٍ يتمثّل بجعل القرآن مَنهجاً للحياة، وطريقاً للهدى؛ فالقرآن مليءٌ بالدروس والعِبر التي تُوجّه العبد في حياته، فيخضع لأمر الله؛ بالوقوف عند حدوده، وعدم تجاوُزها، وقد كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يتعلّمون القرآن، ويُطبّقون ما فيه.
  • استخراج الأحكام: إذ يتوجّب على العلماء البحث في معاني القرآن، وتفسيره، وتعلُّمه، وتعليمه للآخرين، والوصول إلى تلك الدرجة من كمال القلب، والبصيرة، ويُشترَط في مَن أراد استنباط الأحكام عدّة أمور، منها: أن يكون صاحب قَصْدٍ سليمٍ، وعالماً بمواطن الاستنباط، ومُعتمداً على الحُجّة وإدراك العلوم الضروريّة، مع امتلاك المقدرة على فَهْم معاني الآيات، ومعرفة الدلالات، والمَقاصد، والإشارات اللطيفة، ومن الأمور المُتعلّقة بالاستنباط كذلك: معرفة موضوع السورة، وأسباب النزول، والمناسبة بين الآيات والسُّور، ومعرفة التشابُه والاختلاف بين الآيات.

أمورٌ تساعد على تدبُّر القرآن

هناك العديد من الأمور التي تُعين على تدبُّر القرآن، ومنها: تلاوته ليلاً؛ إذ إنّ التلاوة في صلاة الليل تُساعد العبد على التأمُّل، والوقوف على المعاني، والمقاصد؛ لِما في الليل من هدوءٍ، وبُعدٍ عن مشاغل الحياة الدُّنيا، بالإضافة إلى حُسن الإنصات، والاستماع؛ لتحقيق الانتفاع بالقراءة، والاعتبار بما فيها من مواعظ، وحِكمٍ، ومعرفة كيفيّة البدء بالآية، والوقوف عندها؛ أي مراعاة أحكام الابتداء والوقف؛ للبحث عن أسباب الرَّبط بين الآيات، والتأمُّل في معانيها؛ فالجهل بالمعنى قد يكون سبباً في عدم التلذُّذ عند قراءة القرآن، والوصول إلى المُراد يُسهم فيه تدبُّر القرآن، فيقف عند المعاني كلّها، ويتأمّل ما فيها من أوامر، ونَواهٍ، كما أنّ تكرار الآية أكثر من مرّةٍ يُساعد في التدبُّر، وله أثرٌ في القلب، وتتحقّق به حلاوة الإيمان، بالإضافة إلى معرفة أساليب القرآن العديدة، مثل: الآيات المختومة بأسماء الله الحُسنى، والغاية من ذلك، واشتمال القرآن على أساليب التعليم، كضرب الأمثلة، والتشبيه بالمَحسوسات، ومن الأساليب القرآنيّة أيضاً: التذكير بأمر الله، وعَظَمة الخالق، والتشويق لِما أعدّه من أجرٍ وثوابٍ، والنَّهي عن السخرية والاستهزاء، وذِكر الخسارة التي يقع فيها من ارتكب النواهي، وعاقبته في الآخرة.[٣]

مُعوِّقات تدبُّر القرآن

تتعدّد الأسباب والمُعوِّقات التي تحول دون تدبُّر القرآن، يُذكَر منها:[٤]

  • الإصرار على المعاصي؛ وهو من أكبر المُعيقات التي تُبعد المسلم عن تدبُّر القرآن، كما أنّ ارتكاب الجوارح المعاصي بمختلف الطُّرق يحول دون فَهْم الآيات، وإدراك مُراد الله -تعالى-، ممّا يُؤدّي إلى تعلُّق القلب بالمَلذّات والشهوات.
  • انشغال القلب؛ فالقلب المُنشغل عن الله وكتابه بأمور الدُّنيا لا يُمكن له أن يتأثّر بما ورد في القرآن؛ فحضور القلب من أهمّ الأمور للتفكُّر والتدبُّر في القرآن.
  • الجَهل باللغة العربيّة؛ فعدم معرفة أساليب اللغة العربيّة يحول بين العبد وتدبُّر القرآن؛ ذلك أنّ الجزء الأكبر من القرآن يعتمد اعتماداً كبيراً على اللغة العربيّة، ولا يُفهَم إلّا بها، ويكمُن القصد من تعلُّم العربية في معرفة معاني كتاب الله، وكلام نبيّه -عليه الصلاة والسلام-.
  • الوَرَع؛ فقد يُترَك تدبُّر القرآن من باب الخوف بالقول عن الله دون علمٍ، والظنّ بأنّ تدبُّر القرآن مهمّة المُفسِّرين، والعلماء، والاكتفاء بالقراءة دون تدبُّرٍ.
  • هَجْر كُتُب التفسير وعلوم القرآن؛ ممّا يُؤدّي إلى الجهل بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن.
  • الانشغال بكثرة القراءة؛ فورود العديد من الأحاديث في الحَثّ على فَضْل التلاوة، والتشجيع على القراءة جعل البعض ينشغل بخَتْم القرآن أكثر من مرّةٍ خلال فترة قصيرةٍ، وتَرْك التدبُّر والتفكُّر في معاني القرآن.

تعريف تدبّر القرآن

يُقصَد بتدبُّر القرآن: النَّظَر والتوصُّل إلى ما تحمله الآيات القرآنيّة من أهدافٍ ومقاصد؛ ويتحقّق ذلك بإعمال الفِكر، والتأمُّل، وبَذْل الجهود؛ بهدف الوصول إلى مُراد الآيات، وفَهمها بالشكل الصحيح، كما عُرِّف التدبُّر بأنّه: التفكُّر الشامل المُوصل إلى دلالات الكلام، وما فيه من مَعانٍ بعيدةٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تدبُّر القرآن أخصّ وأشمل من معرفة المَعاني التفصيليّة للآيات؛ إذ إنّ التدبُّر لا بُدّ فيه من العمل، مع الحرص على التأمُّل في معنى الكلمة، ومعنى الجملة، والتوصُّل إلى العلاقة بين معنى الكلمة لغةً، ومعناها اصطلاحاً، كما أنّ التدبُّر مهمّةٌ وفِعلٌ للعقل الإنسانيّ؛ فقد ورد التدبُّر في القرآن الكريم بصيغة الفِعل؛ ممّا يعني أنّ له أهمّيةً وغايةً عظيمةً، ولتحقيق ذلك، لا بُدّ من التأمُّل، والعمل، والتطوير؛ بقَصد الوصول إلى مقاصد الآيات.[٥]

أهميّة تدبُّر القرآن

أوجب الله -تعالى- على عباده المسلمين تدبُّر القرآن الكريم، والتمعُّن في آياته، والاستفادة من العلوم المهمّة؛ لتحقيق الفَهم الصحيح، والنَّظَر الدقيق، والوصول إلى نتائج ودلالاتٍ سليمةٍ، وبيّن الله أنّ التدبُّر وسيلةٌ لتكوين العقل الواعي، والمَنْهجيّة العلميّة الصحيحة، والعِلم النافع، كما أنّ التدبُّر يُسهم في تنشيط العقل، وتمرينه؛ إذ إنّ القرآن لا يقتصر على مجالٍ واحدٍ، بل يشمل مجالات الحياة جميعها،[٦] وقد تطرّق العلّامة ابن القَيّم -رحمه الله- إلى أهمّية تدبُّر القرآن؛ فذكر أنّ فيه تخفيفاً على المسلم ممّا يواجهه من مَشاقّ الحياة، وإرشاداً إلى طريق الصواب، وإبعاداً عن الضلال، وهدايةً إلى الأمور الحلال، الأمر الذي يُسهم في عدم تخطّي حدود الشَّرْع.[٧]

وتدبُّر القرآن يُحقّق للمسلم استشعار الخوف من عذاب الله، وغضبه، والسَّعي فيما يُرضيه، وذكرَ السعديّ أنّ من أهمّية تدبُّر القرآن: تحقيق معرفة العبد بربّه، والعِلم بصفاته الكاملة، وتنزيهه عن كلّ نَقصٍ لا يليق به، وبذلك يزداد الإيمان، ويرسخ في قلب صاحبه، كما أنّ تدبُّر القرآن مفتاحٌ للعديد من العلوم، والمعارف، فيزداد علم العبد، وتزداد بصيرته، ويعرف بذلك الطُّرق التي تَصِله بالله، بما يُحقّق البُعد عن كلّ أسباب العقاب، ومن أهمّية التدبُّر أيضاً: العلم التامّ بأنّ القرآن الكريم من عند الله، وأنّه كاملٌ لا نَقْص فيه، وبه تتحقّق العبوديّة لله -تعالى-، كما أنّ فيه تربيةً للعقل، وحمايةً للمسلم من الشيطان، وتحقيقاً للراحة والطمأنينة، وهدايةً من الله، وتوفيقاً.[٧]

المراجع

  1. هاشم الأهدل، تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب علمية و مراحل منهجية، صفحة 168-180. بتصرّف.
  2. سلمان السنيدي (2002)، تدبر القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 67-86. بتصرّف.
  3. محمود الدوسري (29-6-2017)، “الأمور المعينة على تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020.
  4. محمود الدوسري (28-6-2017)، “أسباب هجر تدبر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  5. رقية العلواني (2008)، تدبر القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (الطبعة الخامسة)، صفحة 6-7. بتصرّف.
  6. صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 11-12. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 210-212. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى