وضوء و صلاة

كيف تتخلص من وسوسة الشيطان في الصلاة

مقالات ذات صلة

كيفية التخلّص من وسوسة الشيطان في الصلاة

توجد عدَّة أمور يَستطيع المسلم اللُّجوء إليها ليدفع عنه وسوسة الشَّيطان، ومنها ما يأتي:[١][٢]

  • ما رواه سماك بن الوليد أبو زميل -رضي الله عنه- حيث قال: (سألتُ ابنَ عباسٍ! فقلتُ: ما شيءٌ أجدُه في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: واللهِ ما أتكلمُ به! قال: فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قال: وضحِك، قال: ما نجا من ذلك أحدٌ، قال: حتى أنزل اللهُ عز وجل {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك} الآية، قال: فقال لي: إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).[٣]
  • قول “لا إله إلا الله”؛ حيث قال النَّووي باستحباب التَّهليل لِمن وجد في نفسة وسوسةً في الوضوء أو الصَّلاة أو غيره؛ لأنَّ الشيطان يَخنس -أي يبتعد- عند ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويعدُّ التَّهليل رأس الذِّكر، لِذا فهو نافعٌ في إبعاد الوسوسة.
  • قراءة آية الكرسي.
  • قراءة المُسلم للمَعوّذتين في أذكار الصَّباح والمساء.[٤]
  • الحضور مبكّراً للصَّلاة، والاستعداد الجيد لها في الوضوء، وأن يُشغل المسلم نفسه بقراءة القُرآن والذِّكر والنَّوافل قبل صلاة الفريضة، وأن يُجاهد نفسه وفكره بالتَّركيز والحضور أثناء الصَّلاة، وأن يستعيذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم قبل قراءة الفاتحة في الرَّكعة الأولى بقول: “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.[٥][٤]
  • لجوء المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب الإعانة منه في التَّخلص من الوساوس.[٥]
  • المُداومة على جهاد الوسوسة وعدم الاستسلام والانقياد لها، مع الصَّبر والثَّبات واتِّباع الطُّرق المذكورة آنفاً باستمرار لإبعاد الشيطان وكيده.[٦]
  • اتِّباع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهَديه في جميع أموره وخاصَّة فيما تقع الوَسوسة به؛ لأنَّ الوسوسة فيها مشقَّة وتكلُّف، وسُنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأحوال السَّلف خِلاف ذلك؛ فنجد مثلاً أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يُسرف في الوضوء ولم يَشقَّ على نفسه مثلاً؛ بل كان يتوضّأ بالمُدِّ -والمُدّ يُقدّر بأربعُ حَفنات بحفنة الرَّجل الوسط، أو بِملء كفيِّ الرَّجل المُعتاد إذا مدَّ يديه بهما، ويساوي 650 جرام تقريباً.[٧][٨]
وكان -عليه الصلاة والسلام- يَغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد، أي بكميّةٍ قليلةٍ لا تتطلَّب التكلُّف والمشقَّة التي يفعلها المُوَسْوَس لضمان إتمام الوضوء أو الغُسل، وقد نهى الرَّسول -عليه الصَّلاة والسلَّام- عن الاعتداء في الوضوء والطَّهارة كما ورد في الحديث: (جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَه عن الوُضوءِ، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا الوُضوءُ فمن زاد على هذا فقد أساءَ أو تعدَّى أو ظلم).[٩][٨]

وتُعرَّف الوَسوَسة في اللُّغة أنَّها الكلام أو الصَّوت الخفي، أمَّا في الاصطلاح فتُعرَّف بأنَّها حديث النَّفس، وكل ما يُلقيه الشَّيطان في القلب من الأفكار السَّيئة التي لا نفع فيها ولا خير ولا صلاح، وتُنسب الوَسوسة إلى الشَّيطان؛ حيث قال الله -سُبحانه وتعالى-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)،[١٠][١١][١٢]

أسباب الوَسواس في الصَّلاة

إنّ للوسواس بشكلٍ عامٍ وفي الصَّلاة بشكلٍ خاصٍ أسباباً عدِّة؛ ولعلَّ أهمّها قلَّة العلم الشَّرعي، وبما يحتويه القرآن والسُّنة من الأحكام، وقلِّة العلم بفعل الصَّحابة -رضوان الله عليهم-؛ إذ إنَّ العلم الشَّرعي سبيلٌ لمواجهة الجَهل والذي قد يُبنى عليه الوسواس لاحقاً، كما أنَّ الاسترسال مع الوسواس والأفكار الدَّخيلة معه مدخلٌ لتقوية الوسواس واستمراره؛ إذ لا بدّ من قطع هذه الأفكار وعدم الانقياد لها، وقد تزيد الغفلة وعدم ذكر الله -سبحانه وتعالى- من الوسوسة؛ إذ لا يجتمع ذكر الله مع الوسوسة، كما أنَّ عدم الاتباع للسُّنة النَّبويّة المُشرَّفة سببٌ من الأسباب كذلك.[١٣][١٤]

ويجدر الانتباه إلى أمرٍ متكرّرٍ يقعُ فيه أغلب المُوَسْوَسين ويزيد من الوَسوسة من حيث لا يحتسبون؛ ألا وهو ظنُّهم أنَّ الاستجابة للوساوس فيها نوعٌ من الاحتياط والحذر بل والورع أيضاً، وأنَّه خيرٌ من التَّساهل والتَّفريط في أمور الدَّين، وأنَّ فيه تطبيقٌ لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ)،[١٥] وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ)،[١٦] ومرجعُ ذلك هو قلَّة العلم الشَّرعي كما أشرنا سابقاً؛ فلو فَقه المعنى المَقصود من هذه الأحاديث لعلِم أنَّ المراد بها ليس اتِّباع الوسوسة، وأنّ الوَرع الذي يدَّعيه المُوَسْوَس هو في حقيقته تشدّدٌ في الدِّين.[١٧][١٨]

فمثلاً لا يُعدُّ ترك استعمال الماء لمُجرد احتمال نجاسته من باب اتِّقاء الشُّبهات؛ بل يجب على المسلم في هذه الحالة ألا يَلتفت إلى هذا الاحتمال لعدم وجود دليل عليه، كما لا تُعدُّ المبالغة في الوضوء أو الغُسل أو غسل الملابس لتطهيرها نوع من الورع، بل هو اعتداءٌ وإفراطٌ منهيٌّ عنه، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِنَّهُ سيكونُ في هذِهِ الأُمَّةِ قومٌ، يعتدونَ في الطُّهورِ والدعاء).[١٩][١٧][١٨]

حكم الوَسواس وأثره على الصَّلاة

الأصل في المسلم مدافعة الخواطر وحديث النَّفس أثناء الصَّلاة، حيث ثبت عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[٢٠] والمراد بحديث النَّفس هو مَا تسترسِل النَّفْس معه، أمَّا ما يُباغت الإنسان من هواجس وأفكار لا يد له فيها فإنَّ ذلك معفوٌّ عنه،[٢١] والوسوسة في الصَّلاة إن كانت قليلة فلا تُبطل الصَّلاة باتِّفاق أهل العلم، ولا يُطالب المسلم بالإعادة وتبرأ ذمَّته منها، ولكنَّها تُنقص الأجر؛ فلا يُؤجر إلا بقدر حُضور قلبه فيها، ولهذا شُرعت السُّنن الرَّواتب لتَجبر النَّقص الذي يحصل في الفرائض.[٢٢][٢٣]

وأمَّا إن غلب الوسواس على أكثر الصَّلاة، فتعدّدت آراء فقهاء الحنابلة في حكم الصَّلاة عندها، وقال ابن تيمية إنّ ذلك لا يُبطلها؛ لأنَّ الخشوع في الصَّلاة سُنَّة، ولا تَبطل الصَّلاة بترك السُّنن،[٢١] ولكن بالرُّغم من عدم بُطلان الصَّلاة بالوسوسة إلا أنَّها تُنقِص العبادة وتُشتِّت الفِكر، لذا لا بدّ من المُداومة على جهادها وعدم الاسترسال معها.[٢٤]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادات في الإسلام (الطبعة الاولى)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 2246، جزء 5. بتصرّف.
  2. محمود السبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق الى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 138، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سماك بن الوليد أبو زميل، الصفحة أو الرقم: 5110، إسناده حسن.
  4. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 6365، جزء 9. بتصرّف.
  5. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 2717، جزء 6. بتصرّف.
  6. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 60-55. بتصرّف.
  7. “الصاع بين المقاييس القديمة والحديثة”، www.ar.islamway.net، 28-11-2013، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 153-154، جزء 43.
  9. رواه الالباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 344، حسن صحيح.
  10. سورة الناس، آية: 4.
  11. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 180. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5701، جزء 11. بتصرّف.
  13. سعيد القحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، السعودية: مركز الدعوة والارشاد، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 181. بتصرّف.
  15. رواه الالباني، في صحيح الترمذي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2518، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 52، صحيح.
  17. ^ أ ب ابن قيم الجوزية (1401)، ذم الموسوسين والتحذير من الوسوسة (الطبعة الاولى)، مصر: مكتبة ابن تيمية، صفحة 18. بتصرّف.
  18. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 43، جزء 151-153. بتصرّف.
  19. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 2396، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 164، صحيح.
  21. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 149-148، جزء 43. بتصرّف.
  22. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 52. بتصرّف.
  23. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 484، جزء 2. بتصرّف.
  24. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5709، جزء 11. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية التخلّص من وسوسة الشيطان في الصلاة

توجد عدَّة أمور يَستطيع المسلم اللُّجوء إليها ليدفع عنه وسوسة الشَّيطان، ومنها ما يأتي:[١][٢]

  • ما رواه سماك بن الوليد أبو زميل -رضي الله عنه- حيث قال: (سألتُ ابنَ عباسٍ! فقلتُ: ما شيءٌ أجدُه في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: واللهِ ما أتكلمُ به! قال: فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قال: وضحِك، قال: ما نجا من ذلك أحدٌ، قال: حتى أنزل اللهُ عز وجل {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك} الآية، قال: فقال لي: إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).[٣]
  • قول “لا إله إلا الله”؛ حيث قال النَّووي باستحباب التَّهليل لِمن وجد في نفسة وسوسةً في الوضوء أو الصَّلاة أو غيره؛ لأنَّ الشيطان يَخنس -أي يبتعد- عند ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويعدُّ التَّهليل رأس الذِّكر، لِذا فهو نافعٌ في إبعاد الوسوسة.
  • قراءة آية الكرسي.
  • قراءة المُسلم للمَعوّذتين في أذكار الصَّباح والمساء.[٤]
  • الحضور مبكّراً للصَّلاة، والاستعداد الجيد لها في الوضوء، وأن يُشغل المسلم نفسه بقراءة القُرآن والذِّكر والنَّوافل قبل صلاة الفريضة، وأن يُجاهد نفسه وفكره بالتَّركيز والحضور أثناء الصَّلاة، وأن يستعيذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم قبل قراءة الفاتحة في الرَّكعة الأولى بقول: “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.[٥][٤]
  • لجوء المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب الإعانة منه في التَّخلص من الوساوس.[٥]
  • المُداومة على جهاد الوسوسة وعدم الاستسلام والانقياد لها، مع الصَّبر والثَّبات واتِّباع الطُّرق المذكورة آنفاً باستمرار لإبعاد الشيطان وكيده.[٦]
  • اتِّباع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهَديه في جميع أموره وخاصَّة فيما تقع الوَسوسة به؛ لأنَّ الوسوسة فيها مشقَّة وتكلُّف، وسُنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأحوال السَّلف خِلاف ذلك؛ فنجد مثلاً أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يُسرف في الوضوء ولم يَشقَّ على نفسه مثلاً؛ بل كان يتوضّأ بالمُدِّ -والمُدّ يُقدّر بأربعُ حَفنات بحفنة الرَّجل الوسط، أو بِملء كفيِّ الرَّجل المُعتاد إذا مدَّ يديه بهما، ويساوي 650 جرام تقريباً.[٧][٨]
وكان -عليه الصلاة والسلام- يَغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد، أي بكميّةٍ قليلةٍ لا تتطلَّب التكلُّف والمشقَّة التي يفعلها المُوَسْوَس لضمان إتمام الوضوء أو الغُسل، وقد نهى الرَّسول -عليه الصَّلاة والسلَّام- عن الاعتداء في الوضوء والطَّهارة كما ورد في الحديث: (جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَه عن الوُضوءِ، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا الوُضوءُ فمن زاد على هذا فقد أساءَ أو تعدَّى أو ظلم).[٩][٨]

وتُعرَّف الوَسوَسة في اللُّغة أنَّها الكلام أو الصَّوت الخفي، أمَّا في الاصطلاح فتُعرَّف بأنَّها حديث النَّفس، وكل ما يُلقيه الشَّيطان في القلب من الأفكار السَّيئة التي لا نفع فيها ولا خير ولا صلاح، وتُنسب الوَسوسة إلى الشَّيطان؛ حيث قال الله -سُبحانه وتعالى-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)،[١٠][١١][١٢]

أسباب الوَسواس في الصَّلاة

إنّ للوسواس بشكلٍ عامٍ وفي الصَّلاة بشكلٍ خاصٍ أسباباً عدِّة؛ ولعلَّ أهمّها قلَّة العلم الشَّرعي، وبما يحتويه القرآن والسُّنة من الأحكام، وقلِّة العلم بفعل الصَّحابة -رضوان الله عليهم-؛ إذ إنَّ العلم الشَّرعي سبيلٌ لمواجهة الجَهل والذي قد يُبنى عليه الوسواس لاحقاً، كما أنَّ الاسترسال مع الوسواس والأفكار الدَّخيلة معه مدخلٌ لتقوية الوسواس واستمراره؛ إذ لا بدّ من قطع هذه الأفكار وعدم الانقياد لها، وقد تزيد الغفلة وعدم ذكر الله -سبحانه وتعالى- من الوسوسة؛ إذ لا يجتمع ذكر الله مع الوسوسة، كما أنَّ عدم الاتباع للسُّنة النَّبويّة المُشرَّفة سببٌ من الأسباب كذلك.[١٣][١٤]

ويجدر الانتباه إلى أمرٍ متكرّرٍ يقعُ فيه أغلب المُوَسْوَسين ويزيد من الوَسوسة من حيث لا يحتسبون؛ ألا وهو ظنُّهم أنَّ الاستجابة للوساوس فيها نوعٌ من الاحتياط والحذر بل والورع أيضاً، وأنَّه خيرٌ من التَّساهل والتَّفريط في أمور الدَّين، وأنَّ فيه تطبيقٌ لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ)،[١٥] وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ)،[١٦] ومرجعُ ذلك هو قلَّة العلم الشَّرعي كما أشرنا سابقاً؛ فلو فَقه المعنى المَقصود من هذه الأحاديث لعلِم أنَّ المراد بها ليس اتِّباع الوسوسة، وأنّ الوَرع الذي يدَّعيه المُوَسْوَس هو في حقيقته تشدّدٌ في الدِّين.[١٧][١٨]

فمثلاً لا يُعدُّ ترك استعمال الماء لمُجرد احتمال نجاسته من باب اتِّقاء الشُّبهات؛ بل يجب على المسلم في هذه الحالة ألا يَلتفت إلى هذا الاحتمال لعدم وجود دليل عليه، كما لا تُعدُّ المبالغة في الوضوء أو الغُسل أو غسل الملابس لتطهيرها نوع من الورع، بل هو اعتداءٌ وإفراطٌ منهيٌّ عنه، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِنَّهُ سيكونُ في هذِهِ الأُمَّةِ قومٌ، يعتدونَ في الطُّهورِ والدعاء).[١٩][١٧][١٨]

حكم الوَسواس وأثره على الصَّلاة

الأصل في المسلم مدافعة الخواطر وحديث النَّفس أثناء الصَّلاة، حيث ثبت عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[٢٠] والمراد بحديث النَّفس هو مَا تسترسِل النَّفْس معه، أمَّا ما يُباغت الإنسان من هواجس وأفكار لا يد له فيها فإنَّ ذلك معفوٌّ عنه،[٢١] والوسوسة في الصَّلاة إن كانت قليلة فلا تُبطل الصَّلاة باتِّفاق أهل العلم، ولا يُطالب المسلم بالإعادة وتبرأ ذمَّته منها، ولكنَّها تُنقص الأجر؛ فلا يُؤجر إلا بقدر حُضور قلبه فيها، ولهذا شُرعت السُّنن الرَّواتب لتَجبر النَّقص الذي يحصل في الفرائض.[٢٢][٢٣]

وأمَّا إن غلب الوسواس على أكثر الصَّلاة، فتعدّدت آراء فقهاء الحنابلة في حكم الصَّلاة عندها، وقال ابن تيمية إنّ ذلك لا يُبطلها؛ لأنَّ الخشوع في الصَّلاة سُنَّة، ولا تَبطل الصَّلاة بترك السُّنن،[٢١] ولكن بالرُّغم من عدم بُطلان الصَّلاة بالوسوسة إلا أنَّها تُنقِص العبادة وتُشتِّت الفِكر، لذا لا بدّ من المُداومة على جهادها وعدم الاسترسال معها.[٢٤]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادات في الإسلام (الطبعة الاولى)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 2246، جزء 5. بتصرّف.
  2. محمود السبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق الى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 138، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سماك بن الوليد أبو زميل، الصفحة أو الرقم: 5110، إسناده حسن.
  4. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 6365، جزء 9. بتصرّف.
  5. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 2717، جزء 6. بتصرّف.
  6. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 60-55. بتصرّف.
  7. “الصاع بين المقاييس القديمة والحديثة”، www.ar.islamway.net، 28-11-2013، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 153-154، جزء 43.
  9. رواه الالباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 344، حسن صحيح.
  10. سورة الناس، آية: 4.
  11. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 180. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5701، جزء 11. بتصرّف.
  13. سعيد القحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، السعودية: مركز الدعوة والارشاد، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 181. بتصرّف.
  15. رواه الالباني، في صحيح الترمذي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2518، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 52، صحيح.
  17. ^ أ ب ابن قيم الجوزية (1401)، ذم الموسوسين والتحذير من الوسوسة (الطبعة الاولى)، مصر: مكتبة ابن تيمية، صفحة 18. بتصرّف.
  18. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 43، جزء 151-153. بتصرّف.
  19. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 2396، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 164، صحيح.
  21. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 149-148، جزء 43. بتصرّف.
  22. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 52. بتصرّف.
  23. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 484، جزء 2. بتصرّف.
  24. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5709، جزء 11. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية التخلّص من وسوسة الشيطان في الصلاة

توجد عدَّة أمور يَستطيع المسلم اللُّجوء إليها ليدفع عنه وسوسة الشَّيطان، ومنها ما يأتي:[١][٢]

  • ما رواه سماك بن الوليد أبو زميل -رضي الله عنه- حيث قال: (سألتُ ابنَ عباسٍ! فقلتُ: ما شيءٌ أجدُه في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: واللهِ ما أتكلمُ به! قال: فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قال: وضحِك، قال: ما نجا من ذلك أحدٌ، قال: حتى أنزل اللهُ عز وجل {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك} الآية، قال: فقال لي: إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).[٣]
  • قول “لا إله إلا الله”؛ حيث قال النَّووي باستحباب التَّهليل لِمن وجد في نفسة وسوسةً في الوضوء أو الصَّلاة أو غيره؛ لأنَّ الشيطان يَخنس -أي يبتعد- عند ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويعدُّ التَّهليل رأس الذِّكر، لِذا فهو نافعٌ في إبعاد الوسوسة.
  • قراءة آية الكرسي.
  • قراءة المُسلم للمَعوّذتين في أذكار الصَّباح والمساء.[٤]
  • الحضور مبكّراً للصَّلاة، والاستعداد الجيد لها في الوضوء، وأن يُشغل المسلم نفسه بقراءة القُرآن والذِّكر والنَّوافل قبل صلاة الفريضة، وأن يُجاهد نفسه وفكره بالتَّركيز والحضور أثناء الصَّلاة، وأن يستعيذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم قبل قراءة الفاتحة في الرَّكعة الأولى بقول: “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.[٥][٤]
  • لجوء المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب الإعانة منه في التَّخلص من الوساوس.[٥]
  • المُداومة على جهاد الوسوسة وعدم الاستسلام والانقياد لها، مع الصَّبر والثَّبات واتِّباع الطُّرق المذكورة آنفاً باستمرار لإبعاد الشيطان وكيده.[٦]
  • اتِّباع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهَديه في جميع أموره وخاصَّة فيما تقع الوَسوسة به؛ لأنَّ الوسوسة فيها مشقَّة وتكلُّف، وسُنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأحوال السَّلف خِلاف ذلك؛ فنجد مثلاً أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يُسرف في الوضوء ولم يَشقَّ على نفسه مثلاً؛ بل كان يتوضّأ بالمُدِّ -والمُدّ يُقدّر بأربعُ حَفنات بحفنة الرَّجل الوسط، أو بِملء كفيِّ الرَّجل المُعتاد إذا مدَّ يديه بهما، ويساوي 650 جرام تقريباً.[٧][٨]
وكان -عليه الصلاة والسلام- يَغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد، أي بكميّةٍ قليلةٍ لا تتطلَّب التكلُّف والمشقَّة التي يفعلها المُوَسْوَس لضمان إتمام الوضوء أو الغُسل، وقد نهى الرَّسول -عليه الصَّلاة والسلَّام- عن الاعتداء في الوضوء والطَّهارة كما ورد في الحديث: (جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَه عن الوُضوءِ، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا الوُضوءُ فمن زاد على هذا فقد أساءَ أو تعدَّى أو ظلم).[٩][٨]

وتُعرَّف الوَسوَسة في اللُّغة أنَّها الكلام أو الصَّوت الخفي، أمَّا في الاصطلاح فتُعرَّف بأنَّها حديث النَّفس، وكل ما يُلقيه الشَّيطان في القلب من الأفكار السَّيئة التي لا نفع فيها ولا خير ولا صلاح، وتُنسب الوَسوسة إلى الشَّيطان؛ حيث قال الله -سُبحانه وتعالى-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)،[١٠][١١][١٢]

أسباب الوَسواس في الصَّلاة

إنّ للوسواس بشكلٍ عامٍ وفي الصَّلاة بشكلٍ خاصٍ أسباباً عدِّة؛ ولعلَّ أهمّها قلَّة العلم الشَّرعي، وبما يحتويه القرآن والسُّنة من الأحكام، وقلِّة العلم بفعل الصَّحابة -رضوان الله عليهم-؛ إذ إنَّ العلم الشَّرعي سبيلٌ لمواجهة الجَهل والذي قد يُبنى عليه الوسواس لاحقاً، كما أنَّ الاسترسال مع الوسواس والأفكار الدَّخيلة معه مدخلٌ لتقوية الوسواس واستمراره؛ إذ لا بدّ من قطع هذه الأفكار وعدم الانقياد لها، وقد تزيد الغفلة وعدم ذكر الله -سبحانه وتعالى- من الوسوسة؛ إذ لا يجتمع ذكر الله مع الوسوسة، كما أنَّ عدم الاتباع للسُّنة النَّبويّة المُشرَّفة سببٌ من الأسباب كذلك.[١٣][١٤]

ويجدر الانتباه إلى أمرٍ متكرّرٍ يقعُ فيه أغلب المُوَسْوَسين ويزيد من الوَسوسة من حيث لا يحتسبون؛ ألا وهو ظنُّهم أنَّ الاستجابة للوساوس فيها نوعٌ من الاحتياط والحذر بل والورع أيضاً، وأنَّه خيرٌ من التَّساهل والتَّفريط في أمور الدَّين، وأنَّ فيه تطبيقٌ لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ)،[١٥] وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ)،[١٦] ومرجعُ ذلك هو قلَّة العلم الشَّرعي كما أشرنا سابقاً؛ فلو فَقه المعنى المَقصود من هذه الأحاديث لعلِم أنَّ المراد بها ليس اتِّباع الوسوسة، وأنّ الوَرع الذي يدَّعيه المُوَسْوَس هو في حقيقته تشدّدٌ في الدِّين.[١٧][١٨]

فمثلاً لا يُعدُّ ترك استعمال الماء لمُجرد احتمال نجاسته من باب اتِّقاء الشُّبهات؛ بل يجب على المسلم في هذه الحالة ألا يَلتفت إلى هذا الاحتمال لعدم وجود دليل عليه، كما لا تُعدُّ المبالغة في الوضوء أو الغُسل أو غسل الملابس لتطهيرها نوع من الورع، بل هو اعتداءٌ وإفراطٌ منهيٌّ عنه، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إِنَّهُ سيكونُ في هذِهِ الأُمَّةِ قومٌ، يعتدونَ في الطُّهورِ والدعاء).[١٩][١٧][١٨]

حكم الوَسواس وأثره على الصَّلاة

الأصل في المسلم مدافعة الخواطر وحديث النَّفس أثناء الصَّلاة، حيث ثبت عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[٢٠] والمراد بحديث النَّفس هو مَا تسترسِل النَّفْس معه، أمَّا ما يُباغت الإنسان من هواجس وأفكار لا يد له فيها فإنَّ ذلك معفوٌّ عنه،[٢١] والوسوسة في الصَّلاة إن كانت قليلة فلا تُبطل الصَّلاة باتِّفاق أهل العلم، ولا يُطالب المسلم بالإعادة وتبرأ ذمَّته منها، ولكنَّها تُنقص الأجر؛ فلا يُؤجر إلا بقدر حُضور قلبه فيها، ولهذا شُرعت السُّنن الرَّواتب لتَجبر النَّقص الذي يحصل في الفرائض.[٢٢][٢٣]

وأمَّا إن غلب الوسواس على أكثر الصَّلاة، فتعدّدت آراء فقهاء الحنابلة في حكم الصَّلاة عندها، وقال ابن تيمية إنّ ذلك لا يُبطلها؛ لأنَّ الخشوع في الصَّلاة سُنَّة، ولا تَبطل الصَّلاة بترك السُّنن،[٢١] ولكن بالرُّغم من عدم بُطلان الصَّلاة بالوسوسة إلا أنَّها تُنقِص العبادة وتُشتِّت الفِكر، لذا لا بدّ من المُداومة على جهادها وعدم الاسترسال معها.[٢٤]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادات في الإسلام (الطبعة الاولى)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 2246، جزء 5. بتصرّف.
  2. محمود السبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق الى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 138، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سماك بن الوليد أبو زميل، الصفحة أو الرقم: 5110، إسناده حسن.
  4. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 6365، جزء 9. بتصرّف.
  5. ^ أ ب لجنة الفتاوى بالشبكة الاسلامية، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 2717، جزء 6. بتصرّف.
  6. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 60-55. بتصرّف.
  7. “الصاع بين المقاييس القديمة والحديثة”، www.ar.islamway.net، 28-11-2013، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 153-154، جزء 43.
  9. رواه الالباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 344، حسن صحيح.
  10. سورة الناس، آية: 4.
  11. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 180. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5701، جزء 11. بتصرّف.
  13. سعيد القحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، السعودية: مركز الدعوة والارشاد، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 181. بتصرّف.
  15. رواه الالباني، في صحيح الترمذي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2518، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 52، صحيح.
  17. ^ أ ب ابن قيم الجوزية (1401)، ذم الموسوسين والتحذير من الوسوسة (الطبعة الاولى)، مصر: مكتبة ابن تيمية، صفحة 18. بتصرّف.
  18. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 43، جزء 151-153. بتصرّف.
  19. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 2396، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 164، صحيح.
  21. ^ أ ب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 149-148، جزء 43. بتصرّف.
  22. سعيد القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 52. بتصرّف.
  23. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 484، جزء 2. بتصرّف.
  24. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5709، جزء 11. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

أهميّة الصّلاة

الصّلاة هي عمود الدين، وهي الرُّكن العظيم من أركان الإسلام، الذي لا يتمّ الإسلام إلّا به، وهي أول ما يُسأَل عنه العبد يوم القيامة، ولعِظمة مكانتها فقد فرضها الله -عزّ وجلّ- في السّماء ليلةَ الإسراء والمعراج، حيث كانت في بداية فرضيّتها خمسين صلاةً في اليوم والليلة، فما زال سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- يُراجع ربّه فيها حتّى استقرّ أمرها على خمس صلوات في اليوم والليلة، وقد جعلها المولى -سبحانه- بأجر خمسين صلاةً.

والصّلاة عبادة توقيفيّة، فلها شروط وأركان، ولها أحكام كثيرة يُحسُن بالمسلم أن يتفقّه فيها، وقد أمرنا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأداء الصّلاة كما كان يؤدّيها هو، فقد قال:(صلّوا كما رأيتموني أصلّي)،[١] ولأنّ الصّلاة صِلةٌ للعبد بربّه؛ فإنّ الشيطان يحاول بكلّ ما أُوتِي من مكرٍ وخبثٍ ومكيدةٍ أن يصرف المسلم عن الخشوع فيها، لذا فعلى المُصلّي أن يُجهد نفسه للتّخلّص من وسوسة الشيطان أثناء وقوفه بين يدَي الله تعالى، فكيف يكون ذلك؟

مظاهر وسوسة الشيطان في الصّلاة

تبدأ وسوسة الشيطان للمصلّي بتشكيكه بانعقاد نيّته عند الشروع بالصّلاة؛ فقد يجهرُ بالنيّة بشكلٍ مُبالَغٍ فيه، والنّية محلّها القلب، ومن وسوسة الشيطان ما يهمّ به بعض المصلّين من إعادة الصّلاة، لورود الرّيب إلى قلبه من ترك ركنٍ فيها، أو حصول ما يُبطلها، وتظهر آثار الوسوسة عند بعض المُصلّين بتشديد وتكرار النّطق بتلاوة الآيات، أو الأذكار المشروعة في الصّلاة،[٢] وأحياناً تكون الوسوسة في الصّلاة بتكرار المصلّي لتكبيرة الإحرام؛ إذ يدخل الشكّ بأنّه لم ينوِ، فيقطع صلاته مرّاتٍ عدّةً تبعاً للشكّ، وقد يقطع المصلّي صلاته لدخول الشكّ في صحّة الوضوء أو انقطاعه.[٣]

كيفيّة التخلص من وسوسة الشيطان في الصّلاة

دلّ الشرع الحكيم على الوسائل الناجحة للتّخلص من الوسوسة، وبيّن ما يُعين على السلامة منها، وتحقيق الخشوع في الصّلاة، ومن ذلك ما يأتي:[٤]

  • مُجاهَدة النّفس في دفع الوسوسة، والاستعاذة بالله -تعالى- من الشيطان الرجيم، ثمّ التّفل على جهة اليسار، وتعويد النّفس على عدم الانسياق لتلك الوساوس، وقد اشتكى أحد الصّحابة -رضي الله عنهم- للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أنّ الشيطان حال بينه وبين صلاته، حتّى ما عاد يعرف ما قرأ فيها؛ فأرشده الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال له: (ذاك شيطانٌ يُقالُ له خَنزَبٌ، فإذا أحسستَه فتعوَّذْ بالله منه، واتفُل على يسارِك ثلاثاً).[٥]
  • الاحتماء بالله عزّ وجلّ، والدُّعاء والتضرّع له بأن يمنع عنه تلك الوساوس، مع ضرورة استحضار معاني الآيات التي تُقرَأ في الصّلاة، فإنّ في تدبّر ما يُقرَأ في الصّلاة، أو ما يُسمَع من الإمام حفظ للقلب من حظّ الشيطان، قال الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).[٦]
  • استذكار معنى الوقوف بين يدي الله -سبحانه وتعالى- وجلاله، وأنّه مُطَّلِع على صلاة عبده.
  • حرص المسلم قبل الشروع بالصّلاة أن يخلّص نفسه من كلّ العلائق، والشواغل، والحاجات التي يُمكن أن تشغل باله وذهنه في الصّلاة، أو يكثُر تردّدها في خاطره؛ فإنّ قطْعَ السبيل عنها أصلٌ في دفع الوسوسة، وأدعى لحضور الذّهن، وامتلاك الفكر، وتمكّن الخشوع في صلاة العبد.
  • ضرورة انتباه المصلّي على لذّة مناجاة الله تعالى، ومتعة الوقوف بين يديه، التي لا تتحصّل إلا بأداء الصّلاة بخشوعها والخضوع فيها، وقد أثنى المولى -سبحانه- على من كانت تلك صفتهم فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).[٧]
  • الإكثار من تلاوة سورة البقرة في المنزل، وتعويد اللسان على ترديد سورتَي الفلق والنّاس، وآية الكرسي، والأذكار التي تعصم من وسوسة الشيطان؛ فإنّ في ذلك حصانةً للمسلم من تمكّن الشيطان من صلاة العبد، مع التأكيد على الاحتراس من دخول اليأس إلى قلب العبد، وقنوطه من رحمه الله تعالى.
  • إكثار العبد من الاستغفار؛ فلعلّ سيطرة الشيطان على صلاة العبد بسبب الذنوب التي تحتاج إلى تجديد التوبة، والإنابة إلى الله تعالى.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 631، صحيح.
  2. أحمد الزومان (1-1-2009)، “الوسوسة في الصّلاة والغيرة والطلاق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2018. بتصرّف.
  3. سليمان السلامة (11-5-2011)، “الوسوسة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2018. بتصرّف.
  4. خالد الرفاعي (15-6-2011)، “الوساوس في الصّلاة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2018. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي العلاء البياضي، الصفحة أو الرقم: 2203، صحيح.
  6. سورة محمد، آية: 24.
  7. سورة المؤمنون، آية: 1-2.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى