فقهاء وأئمة

جديد بحث عن الإمام البخاري

الإمام البخاري

نسب الإمام البخاري ونشأته

الإمام البُخاريّ هو مُحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة بن بَردِزبَه الجعفيّ، ويُكنّى بأبي عبد الله، ويُنسب إلى الجعفيّ؛ لأنّ جدّه المُغيرة أسلم على يد يمان البُخاريّ وهو الجعفيّ،[١] ووُلد يوم الجُمعة بعد الصّلاة، في الثالث عشر من شهر شوال، سنة مئةٍ وأربعٍ وتسعين من الهجرة، ونشأ في بيتِ عِلمٍ، لقوله إنّ أباه سمع من مالك بن أنس.[٢][٣]

وكانت أُسرته من أهل الثراء والتديُّن والفضل، لكنّ والده تُوفّي وهو طفل، فعاش في كفالة أُمّه التي كانت تتّصف بِالتُقى والورع، وذكر أهل التاريخ أنّها من أهل الولاية والكرامة، وذكر بعضهم كالسُبكيّ في كتابه الطبقات أنّ البُخاريّ ذهب بصره في صِغره، فدعت له الله -تعالى- بإعادة بصره حتى رأت في المنام نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- يقول لها إنّ الله قد رَدَّ على ابنها بَصَرَهُ بكَثْرة دُعائِها، وفي الصباح ردّ الله -تعالى- له بصره، فذهبت به إلى الكُتّاب، وبدأ بحفظ القُرآن والحديث وهو في عُمر العاشرة، وأخذته إلى مجالس العُلماء، والشيوخ، وحلقات العِلم؛ ممّا ساعد على تفتّح مداركه،[٤] وكان أبوه إسماعيل من رجال الطبقة الرابعة في الحديث، وهي الطبقة التي تلي طبقة تابعي التابعين، وكان والده من الثقات، وكان مُهتماً بتعليم السُّنة لابنه، وله الأثر العظيم في ذلك على الرغم من موته عندما كان ابنه البخاريّ طفلاً.[٥]

صفات الإمام البخاري وأخلاقه

اتّصف الإمامُ البُخاريّ بالصفات الحسنة، وبلغ في ذلك غاية الكمال والفضل، فكان كريماً؛ بحيث يُنفق كُل ما في يده ولا يدّخرُ شيئاً، كثير العبادة وتلاوة القُرآن، ورعاً في مُعاملاته، بعيداً عن الشُّبُهات، مُحتاطاً لِحُقوق العِباد، بعيداً عن التصريح في جرحه للعُلماء، حافظاً لفضلهم، فأكثر من قول: “مُنكر الحديث”، “سكتوا عنه”، حتى أصبح مُصطلحاً خاصاً به، كما كان مُشتَهراً بالحفظ وقوة الذاكرة، فقد سمع منه مُحمد بن حُمويه قوله: “أَحْفَظُ مِئَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَأَحْفَظُ مِئَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ”، واختبره أهل بغداد بمئة حديثٍ مقلوبة السند والمتن، فأعادها عليهم بالترتيب كما سمعها بأخطائها، ثُمّ رواها بالسند والمتن الصحيح لها، وقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: ما أخرجت خُراسان مِثله، وقال له الإمام مُسلم: “أَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ”، وقال عنه الحاكم إنّه إمامُ أهل الحديث.[٦]

وقد كان البخاريّ يكثر من صلاة التطوّع، بالإضافة إلى شدّة خُشوعه، فرُوي أنّه لما فرغ من قيامه وُجِدَ تحت قميصه ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً قد آلمه من أثرِ لسع حشرة الزنبور، وقد تَوَرّم منه جسدُه، فسألوه عن سبب إتمامه للصلاة أثناء ذلك، فقال لهم: كُنت في سورة فأحببت إكمالها، ولم يردْ عنه أنه اغتاب أحداً، وكان يكتب تراجمه بين قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنبره، ويُصلّي ركعتين لِكُل ترجمة، وقال البخاريّ -رحمه الله-: “ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين”،[٧] وكان الإمام البُخاريّ مُتميّزاً بثلاث خِصال، وهي قلّة الكلام، وعدم الطمع فيما عند النّاس، وعدم الاشتغال بِأمورهم، بل كان مُشتغلاً بالعلم فقط، بالإضافة إلى عدم تفرقته بين القوي والضعيف، وكان حافظاً لسانه عن الباطل، وكثير العبادة في الليل؛ فقد كان يُصلّي وقت السَّحر ثلاث عشرة ركعة،[٨] وقد تُوفّي الإمام البُخاريّ في خِرْتَنْكَ، ليلة عيد الفطر، في السنة مئتين وستٍّ وخمسين من الهجرة.[٩][١٠]

مكانة البخاري العلمية

الرحلة في طلب الحديث

بدأ الإمام البُخاريّ بحفظ الحديث وهو في سنّ العاشرة، وبعد العاشرة خرج من الكُتّاب، وفي سِن الحادي عشر من عُمره كان يُصحّح للعُلماء الأسانيد التي يُخطئون بها، فقد سمع رجُلاً يقول: “سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ”، فقال له: إنّ أبا الزُبير لم يروِ عن إبراهيم، ولمّا بلغ من العُمر ستَّ عشرة سنة حفظ كُتب ابن المُبارك ووكيع، وعرف كلامهم، ثمّ خرج مع أُمّه وأخيه إلى مكّة للحج، وبقي فيها لطلب الحديث،[١١] وهنا بدأت مرحلة اتّصاله بالعالم الخارجيّ في طلب الحديث، والقُرب من العُلماء والشَيوخ، فسمع من شِيوخ نيسابور من يحي بن يحي، وبالرّي من إبراهيم بن موسى، وفي بغداد من مُحمد بن عيسى الطباع، ومُحمد بن سابق، وبالبصرة من أبي عاصم النبيل، ومُحمد بن عرعرة، وبمكة من أبي عبد الرحمن المقرئ، وخلاد بن يحي، وبالمدينة من عبد العزيز الأوسيّ، وأيوب بن سُليمان بن بلال، وبمصر من سعيد بن أبي مريم، وأصبغ، وغيرهم، وبالشام من أبي اليمان، ومُحمد بن يوسف الفريانيّ، وغيرهم، وقال عن نفسه: “كتبتُ عن ألفٍ وثمانين رجُلًا ليس فيهم إلا صاحب حديث”.[١٢][١٣]

ورحل من مكة بعد سماعه من شيوخها كالحُميديّ وغيره، فارتحل إلى المدينة، ثُمّ رحل إلى غالبية مُحدثي الأمصار في خُراسان، والشام، ومصر، وبغداد وغيرها من مُدن العراق، فاجتمع إليه أهل بغداد، واعترفوا له بالفضل في علم الرواية والدراية في الحديث، ثُمّ ارتحل إلى بلخ، ونيسابور، والرّي، وغيرها.[١٤]

مؤلّفات الإمام البخاريّ ونتاجه العلمي

ألَّف الإمام البُخاريّ الكثير من المُؤلّفات والمُصنّفات، وساهم في النُهوض بالحركة الحديثية، فألَّف في الحديث، ورجاله، وعِلَلِه، وأشهرها كتابه الجامع الصحيح، وألَّف أيضاً الأدب المُفرد، ورفع اليدين في الصلاة، والقراءة خلف الإمام، وبر الوالدين، والتواريخ الثلاثة؛ الصغير، والأوسط، والكبير، والضُعفاء، والمتروكين، وخلق أفعال العباد، والجامع الكبير، والمُسند الكبير، والتفسير الكبير، والأشربة، والهبة، وأسامي الصحابة، وله أكثر من عشرين مُؤلَّفاً.[١٥][١٦]

تصنيفه لصحيح البخاري

يُعدّ كتاب صحيح البُخاريّ أصحّ كتابٍ بعد القُرآن الكريم، وكانت طريقته في التصنيف أنّه يُكرّر الحديث، أو يُقطّعه ويُفرّقه على الأبواب، ويستنبط منه الفوائد والأحكام الخاصة بذلك الباب، وطريقته في التكرار لم تكن تكراراً حقيقيّاً؛ لأنّه كان يُخرّج الحديث في كُل موضعٍ من طريقٍ آخر غير الطريق الذي رُوي به الحديث السابق،[١٧] وقد اهتمّ المُسلمون والعُلماء على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم بكتابه الصحيح من حيث السماع، والرواية، والضبط، والكتابة، والشرح، والتراجم، وقد ذكر الأُستاذ عبد الغني بن عبد الخالق أنّ عدد شروح كتاب البُخاريّ إحدى وسبعين شرحاً، وتُعدّ رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري الرواية التي اتّصلت بالسماع في هذه العُصور وما قبلها،[١٨] ومن مُميّزات كتاب صحيح البُخاريّ جمعه بين الرواية والدراية، مما جعل العُلماء يُقبلون عليه ويعتنون به، ويقومون بشرحه، فمن أشهر هذه الشُروحات كتاب فتح الباري للحافظ أحمد بن حجر العسقلانيّ؛[١٩] فقد قام بخدمته والعناية به، وأحسن فيه غاية الإحسان.[٢٠]

المراجع

  1. عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر (1390هـ)، الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 31. بتصرّف.
  2. يَاسِر بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبي الحَمْدِ الْكُوَيِّس الحَمَدَاني. حياة التابعين، صفحة 36. بتصرّف.
  3. أبو بكر كافي (2000)، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها ( من خلال الجامع الصحيح) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 43. بتصرّف.
  4. ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد (2008)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (الطبعة الأولى)، دمشق: دار النوادر، صفحة 56-57، جزء 1. بتصرّف.
  5. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 1113، جزء 1. بتصرّف.
  6. نور الدين محمد عتر الحلبي (1985)، الإمام البخاري وفقه التراجم في جامعه الصحيح، الكويت: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، صفحة 65-66، جزء 1. بتصرّف.
  7. أبو بكر محمد بن إسماعيل بن خلفون، المعلم بشيوخ البخاري ومسلم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 19. بتصرّف.
  8. خالد بن عبد الرحمن الحسينان (2009)، هكذا كان الصالحون،: مركز الفجر للإعلام، صفحة 64-65، جزء 1. بتصرّف.
  9. تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (2009)، شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (الطبعة الثانية)، سوريا: دار النوادر، صفحة 313، جزء 1. بتصرّف.
  10. أَبُو العِزِّ محمد الهَاشِمِيّ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ الخُص (2004)، الفوائد المنتقاة على شرط الإمامين (الطبعة الأولى)،: مخطوط نُشر في برنامج جوامع الكلم المجاني التابع لموقع الشبكة الإسلامية، صفحة 3. بتصرّف.
  11. شمس الدين الذهبي (1985)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 393، جزء 12. بتصرّف.
  12. ابن الملقّن سراج الدين (2008)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (الطبعة الأولى)، دمشق: دار النوادر، صفحة 58-59، جزء 1. بتصرّف.
  13. أبو بكر كافي (2000)، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها ( من خلال الجامع الصحيح) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 44-45. بتصرّف.
  14. عبد المحسن العباد البدر (1390هـ)، الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 32. بتصرّف.
  15. عبد المحسن العباد البدر (1390هـ)، الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 35. بتصرّف.
  16. نور الدين محمد عتر الحلبي (1985)، الإمام البخاري وفقه التراجم في جامعه الصحيح، الكويت: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، صفحة 67، جزء 1. بتصرّف.
  17. نور الدين محمد عتر الحلبي (1985)، الإمام البخاري وفقه التراجم في جامعه الصحيح، الكويت: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، صفحة 61، جزء 1. بتصرّف.
  18. محمد بن مطر الزهراني (1996)، تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الهجرة للنشر والتوزيع، صفحة 121. بتصرّف.
  19. عبد المحسن العباد البدر (1390هـ)، الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 50-51. بتصرّف.
  20. عبد المحسن العباد البدر (1409هـ)، عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 26-27. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى