قرآن

أسباب نزول القرآن الكريم

تعريف أسباب نزول القرآن الكريم

يُقصَد بأسباب النزول اصطلاحاً: العلم الذي يهتمّ بالبحث عن سبب نزول سورةٍ، أو آيةٍ ما، أو البحث عن وقت نزولها، أو المكان الذي نزلت فيه، وقد يكون سبب النزول وقوع حادثةٍ معيّنةٍ، كخصومةٍ، أو خطأ وقع أحدٌ فيه، أو أمنيةٍ ورغبةٍ نزلت آيةٌ فيها، أو إجابةٍ عن سؤالٍ وُجِّه إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ بهدف معرفة مسألةٍ ما، أو بيان حُكمٍ شرعيٍّ، وقد يكون السؤال عن شيءٍ حصل في الماضي، أو الحاضر، أو عن أمرٍ قد يقع في المستقبل، ويُشار إلى أنّ أيّام وقوعه (نزوله) تُقصَد بها الظروف التي نزل فيها القرآن الكريم مُوضِّحاً ذلك السبب؛ سواء كان نزوله بعد الواقعة مباشرةً، أو تأخَّر لحكمةٍ ما.[١]

مصادر معرفة أسباب نزول القرآن الكريم

لا يمكن ان يخضع سبب النزول للاجتهاد، أو الرأي؛ لأنّه أمرٌ واقعٌ نزلت بشأنه آيةٌ، أو سورةٌ، وقد ذكر الواحديّ أنّ مصدر أسباب النزول الرواية والسَّماع مِمّن عاصروا التنزيل، ولديهم العِلم بالأسباب، وبَحثوا عنها، فقال: “ولا يحلّ القول في أسباب نزول الكتاب إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وجدّوا في الطّلاب”، واعتبر العلماء الصحابيَّ الذي سردَ سبب النزول من الذين عاصروا وقت نزول الآية أو السورة في حُكم المرفوع؛ أي المَنسوب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أمّا التابعيّ الذي يروي أسباب النزول، فله كذلك حُكم المرفوع، إلّا أنّه مُرسَلٌ؛ لعدم ذِكر الصحابيّ،[٢] وقد تعدَّدت الصِّيَغ التي يبتدئ بها سبب النزول، ومنها: “فنزلت”، أو “فأنزل الله”، وتكون في الغالب لبيان السبب المباشر لنزول الآية، أمّا صيغة: “نزلت في كذا”، أو “نزلت في فلان”؛ فلا تُعَدّ من باب سبب نزول الآية، بل تكون في الأغلب من باب التفسير الاجتهاديّ.[٣]

أهمّية العِلم بأسباب نزول القرآن الكريم

تكمُن أهميّة معرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم في العديد من الأمور، بيان بعضها آتياً:

  • معرفة المعنى: وهي أهمّ ما ينتج عن معرفة سبب النزول؛ إذ بها يُعرَف معنى الآيات، ومعرفة الحِكمة التي شرع الله من أجلها الأحكام، فلا يُمكن لأحدٍ أن يُدرك مُراد الآية، ومعرفة تفسيرها دون الرجوع إلى سبب النزول، ومعرفة قصّتها، وقد قال ابن دقيق: “بيان سبب النزول طريقٌ قويٌّ في فَهْم معاني القرآن”، و قال ابن تيمية: “معرفة سبب النزول يُعين على فَهْم الآية، فإنّ العلم بالسبب يُورث العلم بالمسبّب”.[٤]
  • معرفة الحِكمة من التشريع والاستفادة في التزكية والتعليم: فقد أنزل الله القرآن مُنجَّماً؛ أي مُفرَّقاً؛ تماشياً مع الأحداث، والوقائع؛ فأيّ واقعةٍ وقعت، وأراد المسلمين معرفتها، أو توضيح المقصود منها، كان إنزال آياتٍ من القرآن الكريم الوسيلة في بيان حقيقتها، وأغلب ما ورد من تشريعات كان لسببٍ ما، مثل: اللعان، وتقسيم الغنائم، والظِّهار، وبذلك يتوصّل القارئ إلى الحِكمة من التشريع، واستشعار مدى رحمة الله -تعالى-؛ إذ لم يترك عبادَه دون ضابطٍ، أو شَرعٍ يضبط أمور حياتهم، كما أنّ معرفة سبب النزول تسهم في التعليم، والتربية، وتزكية النفس؛ إذ يدرك القارئ كيفيّة التعامُل مع الناس حسب واقعهم، وتساعده في كيفيّة طَرح القضايا، والنقاش فيها، ومن شأن ذلك إظهار عناية الله بعباده المؤمنين.[٥]
  • إزالة الإشكال وفَضّ النِّزاع: إنّ عدم المعرفة بأسباب النزول قد يُؤدّي إلى حدوث الإشكال، والنِّزاعات، ممّا يُؤدّي إلى الجهل بالمعنى المُراد من الآية، ويُوقع الخِلاف، فبمعرفة سبب النزول يزول الاختلاف والنِّزاع في تفسير معاني القرآن.[٦]

أهميّة معرفة المفسّر لأسباب نزول القرآن

إنّ معرفة أسباب النّزول لازمةٌ لمن اشتغل بعلوم القرآن، وذلك لأنّ علم المعاني والبيان ومعرفة مقاصد كلام العرب يقوم على معرفة مقتضيات الأحوال؛ ومن ذلك معرفة حال الخِطاب، من حيث الخطاب نفسه، أو المُخاطَب، أو المُخاطِب، أو جميع ذلك؛ ولا يخفى أنّ الكلام الواحد قد يختلف فهمه بحسب حاله، وبحسب اعتبارات أخرى؛ فالاستفهام -مثلاً- لفظه واحد، ولكنْ يدخلُ فيه معانٍ أُخر، كالتقرير والتوبيخ وغير ذلك، وصيغة الأمر يدخلُ فيها معنى الإباحة، والتهديد، والتعجيز، وغيرها، وهذا كلّه لا سبيل لمعرفة المراد منه إلا مِن معرفة الواقعة، أو السؤال الذي تسبَّبَ في وروده؛ ومن هنا كانت معرفة السبب الذي ورد عليه الخطاب خير مُعين على فهم المراد، والجهل بمقتضيات الأحوال ينشأ عنه الوقوع في الشُّبَه والإشكالات، وذلك مظنة وقوع الاختلاف والنّزاع.[٧]

أمثلةٌ على أسباب نزول القرآن الكريم

تنقسم أسباب النزول إلى نوعَين؛ الأوّل: وقوع حادثةٍ مُعيّنةٍ، ومن ثمّ نزول شيء من القرآن؛ لبيانها، ومثال ذلك ما وقع حين نزل قَوْله -تعالى-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)؛[٨] إذ خرج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وصعد على جبل الصفا، وسأل عشيرته إن كانوا يُصدّقون ما يُخبرهم به، فأجابوه بتصديقه وعدم تكذيبه، فأخبرهم بأنّه ينذرهم من عذابٍ شديدٍ، فرَدّ أبو لهب: تبّاً لك، فأنزل الله قَوْله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)،[٩] والثاني: توجيه سؤالٍ إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أمرٍ ما، فينزل من القرآن ما يُبيّن الحُكم، مثل: الأسئلة التي تتعلّق بالأيتام، ومشاركتهم في أموالهم، وما يتعلّق بالخَمر، والحيض، والعديد من الأسئلة التي بيَّن القرآن حُكمها، ولا يُعَدّ ما ذكرَه القرآن من قصص الأمم السابقة من أسباب النزول؛ إذ إنّ أسباب النزول تختصّ بما ينزل من القرآن أيّام وقوعه؛ أي بَعد بعثة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.[١٠]

ويُذكَر من الأمثلة: بيان سبب نزول قَوْله -تعالى-: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ*وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)؛[١١] وهو نَهي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن الاستغفار لعمّه أبي طالب بعد موته مُشركاً بالله تعالى-، ومن الأمثلة أيضاً أنّ قَوْل الله -تعالى-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)،[١٢] نزل بعدما جاءت خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تشتكي إليه أنّ زوجها جعلَها عليه كظَهْر أمّه بعد أن كانت شابّةً ذات جمالٍ، ولها أولاد، وأنّها تحبّ زوجها، فأخبرها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّها حُرِّمت عليه، فتوجّهت إلى الله بالدعاء والشكوى، فجاء الردّ بنزول الآية السابقة.[١٣]

المراجع

  1. عبدالرحمن حسين، أسباب النزول، صفحة 18-20. بتصرّف.
  2. نور الدين عتر (1993)، علوم القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الصباح، صفحة 48-49. بتصرّف.
  3. مساعد الطيار (1434)، أنواع التَّصنيف المتعلِّقة بتَفسير القُرآن الكريم (الطبعة الثالثة)، صفحة 117. بتصرّف.
  4. مصطفى البغا، محيي الدين يب (1998)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الكلم الطيب، صفحة 60. بتصرّف.
  5. مساعد الطيار (2008)، المحرر في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، الرياض: مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، صفحة 136. بتصرّف.
  6. خالد المزيني (2006)، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 28، جزء 1. بتصرّف.
  7. إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي (1417هـ)، الموافقات (الطبعة الأولى)، دار ابن عفان، صفحة 146، جزء 4. بتصرّف.
  8. سورة الشعراء، آية: 214.
  9. سورة المسد، آية: 1.
  10. عبد الستار الحمودي (2014)، علم أسباب نزول القرآن -دراسة تاريخية- (الطبعة الأولى)، بغداد: الإبداع في دار الكتب والوثائق العراقية، صفحة 27-28. بتصرّف.
  11. سورة التوبة، آية: 113-114.
  12. سورة المجادلة، آية: 1.
  13. أحمد أبو شوفة (2003)، المعجزة القرآنية حقائق علمية قاطعة، ليبيا: دار الكتب الوطنية، صفحة 284-285. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى