معارك و غزوات

جديد لماذا سميت غزوة الأحزاب بهذا الاسم

سبب تسمية غزوة الأحزاب بهذا الاسم

يُطلق لفظ الأحزاب على الطوائف والمجموعات، فالأحزاب جمعٌ مفردها حزب، وسُمّيت غزوة الأحزاب بغزوة الخندق أيضاً، نسبةً إلى ما قام به المسلمون من حفر خندقٍ حول المدينة المنورة، بناءً على ما أمر به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ولم تكن فكرة حفر الخندق معروفة عند العرب، وإنّما جاءت من أفكار الفُرس، حيث كانت هذه الفكرة من سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، عرضها على رسول الله فأعجبته وقام بتنفيذها، أمّا تسميتها بغزوة الأحزاب فهو نسبةً إلى اجتماع أحزاب المشركين من قريش، وغطفان، واليهود، ومن عاونهم ضدّ المسلمين،[١][٢] وقد امتدّ الخندق من طرف الحرّة الشرقية إلى طرف الحرّة الغربية.[٣]

وذكر الله -تعالى- أحداث الغزوة في القرآن الكريم، كما ذكر مواضع العظة والعبرة منها، وبيّن من خلالها أهمية الإخلاص لله -تعالى- والالتزام بأوامره، وسمّى الله -تعالى- سورةٌ في القرآن باسم “الأحزاب” نسبةً إلى هذه الغزوة، وتكوّنت من ثلاثٍ وسبعين آية، منها ستّ عشرة آيةً تتحدّث عن الغزوة، وآيتان تحدّثتا عن بني قريظة، وذكرت السورة في بدايتها فضل الله -تعالى- على المؤمنين حين أقبل الأحزاب إلى المدينة، فأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً لم يروها؛ اقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وأعادتهم إلى بيوتهم خائبين، في الوقت الذي ظنّ المسلمون أنّ النصر بعيد، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).[٤][٥]

أحداث غزوة الأحزاب

وقعت غزوة الأحزاب في شهر شوال في السّنة الخامسة من الهجرة، ويعود سببها إلى خروج اليهود من بني النّضير وغيرهم لدعوة القبائل لمواجهة المسلمين،[٦] حيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أجلى اليهود عن المدينة المنورة، فحزّبوا الأحزاب وتوجّهوا إلى مكة عند قريش وعرضوا عليهم الحرب ضد رسول الله، فوافقت قريش واجتمعوا، ثم توجّهوا إلى غطفان وسليم وأخبروهم بانضمام قريش إليهم، فوافقوا على ذلك، وجمعوا أيضاً كل من كان معهم، وحمل اللواء عثمان بن طلحة بن أبى طلحة، وسار الجيش بقيادة أبي سفيان بن حرب، وانضمّ إليهم بنو سليم بقيادة سفيان بن عبد شمس، وبنو أسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدي، وغطفان وفزارة بقيادة عيينة بن حصن، وبنو مرّة بقيادة الحارث بن عوف، وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة.[٧]

سمع رسول الله بخروج الأحزاب من أجل غزوهم، فجمع أصحابه واستشارهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندقٍ حول المدينة، فأمر رسول الله أصحابه بالمباشرة بالحفر وشاركهم العمل، فلمّا وصل الأحزاب وقد بلغ عددهم عشرة آلافٍ تعجّبوا ممّا رأوه، وبلغ عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وذهب حيي بن أخطب أحد اليهود إلى سيّد بني قريظة، وحرّضه على نقض عهدهم مع المسلمين، ففكّر النبي بأن يتصالح معهم على ثلث ثمار المدينة، لكنّ الأنصار رفضوا أن يتنازلوا لهم اعتزازاً بدينهم.[٨]

وبدأ القتال من خلال اقتحام بعض المشركين للخندق من بعض النواحي الضيّقة، فما كان من المسلمين إلّا أن قاتلوهم وردّوهم، وجاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله وأخبره بإسلامه سرّاً دون علم أحد، وأعلمه بأنّ له علاقات مع بني قريظة ويثقون به، فطلب منه رسول الله أن يذهب إليهم ويدخل بينهم وينشر الفتنة بين طوائفهم ويفرّقهم، فإن الحرب خدعة، وبذكائه وفطنته أوقع الشك في قلوب كل طائفة منهم تجاه الأخرى، ثمّ أرسل الله ريحاً شديدة السرعة والبرودة، فأطفأت نيرانهم، وأكفأت قدورهم، واقتلعت خيامهم، فوقع الرُّعب في قلوبهم، وعادوا إلى ديارهم يحملون خيبتهم بين أيديهم، فلمّا حلّ الصباح خرج المسلمون فلم يجدوا أحداً منهم.[٨]

نتائج غزوة الأحزاب والعبر المستفادة منها

توكّل المسلمون على الله واعتمدوا عليه بعد الأخذ بالأسباب، وتيقّنوا بأنّ النّصر من عند الله، ثم توجّهوا إلى الله -تعالى- بالدّعاء لينصرهم على عدوّهم، فاستجاب الله لهم دعاءهم، وفرّق جموع عدوّهم بأن أرسل عليهم ريحاً وجنوداً من الملائكة يُلقون الرُّعب في قلوبهم، فرجعوا إلى ديارهم خائبين، دون تحقيق ما كانوا يتطلّعون إليه، ودون أن يحصل أيّ قتالٍ بينهم وبين المسلمين،[٩] ومن العبر والمبادئ الإسلامية المستفادة من هذه الغزوة:[١٠]

  • الشورى، وقد استخدم رسول الله هذا المبدأ العظيم حين استشار أصحابه في كيفية التصرُّف تجاه الطوائف المُقبلة نحوهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة، وأنجزه رسول الله مع أصحابه بمدةٍ قصيرةٍ، حيث ساعدهم الخندق على صدّ جُموع المشركين وإبقائهم بَعيدين عنهم.
  • النيابة عن الإمام أثناء غيابه، فقد عيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله ابن أمّ مكتوم نائباً على المدينة حين خرج لهذه الغزوة.
  • التواضع، فقد شارك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في حفر الخندق، ولم يتركهم وحدهم، فحفر الخندق وقام بنقل التراب حتّى اغبرّ بطنه.
  • التيمم لا يكون إلا في حالة عدم توفّر الماء، فقد نزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى بطحان ليتوضّأ فيها رغم أنّه كان في الحرب، ومع ذلك لم يلجأ إلى التيمّم.
  • استخدام الخُدعة في الحرب، كما فعل نعيم بن مسعود حين دخل بين صفوف العدوّ، ففرّق جمعهم ووضع الشّك في قلوبهم.
  • مشروعية إرسال الجواسيس لأخذ أخبار الأعداء، فقد أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان إلى جموع المشركين ليأتي بأخبارهم، فذهب إليهم حتّى كان قريباً منهم فسمع أخبارهم من أبي سفيان، وجاء بأخبارٍ سارّةٍ وهي رحيلهم عن المدينة.
  • استعراض الإمام للجيش قبل وقوع القتال، وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا في الكثير من الغزوات، وعرض عبد الله بن عمر نفسه للنبيّ في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وعرض نفسه في غزوة سابقة فلم يُجزْه النبيّ لصغر سنّه.
  • أهميّة التعاون بين المسلمين التي تزيد من قوّتهم ووحدتهم في مواجهة الأعداء.
  • طاعة الصّحابة لرسول الله، وحبّهم الشديد له، وعطفهم فيما بينهم.
  • أهميّة الصلاة والدعاء، وكثرة جند الله.

المراجع

  1. محمد الزُّرقاني (1996)، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 17-18، جزء 3. بتصرّف.
  2. أحمد حطيبة، تفسير الشيخ أحمد حطيبة، صفحة 3، جزء 254. بتصرّف.
  3. حسن مشاط (1426)، إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم (الطبعة الثانية)، جدة: دار المنهاج، صفحة 354. بتصرّف.
  4. سورة الأحزاب، آية: 9-11.
  5. أحمد غلوش (2004)، السيرة النبوية والدعوة إلى الله في العهد المدني (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 449. بتصرّف.
  6. علي الندوي (1425)، السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي (الطبعة الثانية عشر)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 345. بتصرّف.
  7. شهاب الدين النويري (1423)، نهاية الأرب في فنون الأدب (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، صفحة 166-167، جزء 17. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، السيرة النبوية – دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، دمشق: المكتب الإسلامي، صفحة 88-90. بتصرّف.
  9. صالح عبد الواحد (1428)، سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، الإمارات العربية المتحدة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 433-434. بتصرّف.
  10. إبراهيم المدخلي (1424)، مرويات غزوة الخندق (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 430-446. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى