حياة الرسول و الصحابة

جديد من هم الأنصار في عهد الرسول

الأنصار في عهد الرسول

يُعدّ الأنصار من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- وتلاميذه، وكانوا من سُكّان المدينة المنورة، وقد استقبلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وإخوانهم من المُهاجرين بعد الهجرة، وقاسموهم أموالهم وجميع ما يملكون، وهم من أفضل الأُمّة بعد الأنبياء والرُسل؛ لمحبّتهم لله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتعظيمهم لهم، والإيمان بهم، ومُناصرتهم للدين، والدفاع عنه، والدعوة إليه، والتضحية لأجله، وبذل كُل ما يملكون في سبيله، وقد أثنى الله -تعالى- عليهم بقوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛[١] وأسلموا قبل كثيرٍ من المُهاجرين، وأحبّوهم محبةً صادقة، فرضي الله -عنهم- وأدخلهم الجنة، لقوله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[٢][٣]

وهناك العديد من الأحاديث التي تبيّن فضلهم العظيم، ومن ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)،[٤] وأفضل الأنصار -رضي الله عنهم-: سعد بن مُعاذ، وسعد بن عُبادة، وأُبي بن كعب، ومُعاذ بن جبل، وأسيد بن حضير، والبراء بن معرور، وأسعد بن زرارة، وأنس بن النضر، وأنس بن مالك، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وابنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-.[٣]

وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأنصار من قبيلتيّ الأوس والخزرج وحُلفائهم، فالأوس ينتسبون إلى أوس بن حارثة، والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة، وأُمُّهما قيلة بنت الأرقم، وسُمّوا بالأنصار؛ لمُناصرتهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- وإخوانهم من المُهاجرين، وفي يوم فتح مكة بعد توزيع الغنائم على قُريش، اعترض الأنصار على ذلك، فاجتمع بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال لهم: (ما الذي بَلَغَنِي عَنْكُمْ، وكَانُوا لا يَكْذِبُونَ، فَقالوا: هو الذي بَلَغَكَ، قالَ: أوَلَا تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالغَنَائِمِ إلى بُيُوتِهِمْ، وتَرْجِعُونَ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بُيُوتِكُمْ؟ لو سَلَكَتِ الأنْصَارُ وادِيًا أوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ أوْ شِعْبَهُمْ)،[٥] ومما يؤكّد عظيم فضلهم ومناقبهم أيضاّ قول النبي -عليه الصلاة والسلام- فيهم: (لولا الهِجرةُ، لَكُنْتُ امرَأً منَ الأنصارِ).[٦][٧]

من مواقف الأنصار

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

لمّا وصل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة؛ قام بالبدء ببناء المسجد، ودعوة اليهود للإسلام، والمؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار، وكانت هذه المؤاخاة في بيت أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وكان عددهم تسعين رجلاً، نصفهم من المُهاجرين، والنصف الآخر من الأنصار، وقد كانت قائمةً على المواساة والتعاون، بل وحتى التوارث بعد الموت، إلى نزل قول الله -تعالى- الذي خصّص الإرث بالأرحام والقرابة، فقال -سبحانه-: (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)،[٨] وقد سقطت بهذه المؤاخاة العصبيّة الجاهلية، وفوارق النسب واللون، وتجلّت مظاهر الأُخوة، والعدالة، والإنسانية، والأخلاق، ومن أعظم الأمثلة ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع -رضي الله عنهما-، ففي الحديث: (قالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصَارِ مَالًا، فأقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، ولِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أعْجَبَهُما إلَيْكَ فَسَمِّهَا لي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قالَ: بَارَكَ اللَّهُ لكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ).[٩][١٠]

وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعلّمهم، ويُربّيهم على الأخلاق، وتزكية النفس، والعبادة، والودّ، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناسُ أَفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ؛ تدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ)،[١١] وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ)،[١٢] وغير ذلك من الأحاديث التي تحثُّ على المؤاخاة، والتربية، والإنفاق، والطاعة.[١٠]

موقف الأنصار من القتال يوم بدر

بايع الأنصار النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيعة العقبة على نُصرته داخل المدينة، فأراد أن يختبرهم في غزوة بدر كونها خارج المدينة، فطلب -عليه الصلاة والسلام- مشاورتهم في ذلك الأمر، فتكلّم المهاجرون، ثُمّ أعاد طلب المشورة، فقام زعيم الأنصار سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه- وسيّد الأوس والخزرج، وقال: “كأنك تعنينا يا رسول الله”؟ فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- أجل، فقال سعد -رضي الله عنه- قولاً بليغاً، وقال: “والذي بعثك بالحق! لو استعرضت بنا البحر لخضناه أمامك ما تخلف منا رجل واحد، ووالله لو أمرتنا أن نرمي بأنفسنا من أعالي الجبال لرميناها ما تخلف منا رجل واحد، فامض لما أمرك الله”، فتهلّل وجه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لِما رآه من موقف الأنصار.[١٣]

موقف الأنصار بعد فتح مكّة

فُتحت مكة المكرّمة، ورجع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بلده وعشيرته، واستقرّت الأوضاع فيها، وأسلم عددٌ من قادة المُشركين؛ كعكرمة بن أبي جهل، وسُهيل بن عمرو، فوقف النبي -عليه الصلاة والسلام- على جبل الصفا يدعو ربّه، والأنصار تحته يُفكّرون بوضعهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هذا الاستقرار، فقال بعضُهم: إن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قد أدركته الرغبة لأهله، ويقصد بذلك أنّ النبيّ تعاطف مع الأحداث في مكة وسيتركهم، فأخبر الوحي النبيَّ بما قالوا، فقام رسول الله وقال لهم: (أَلَا فَما اسْمِي إذًا؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَنَا مُحَمَّدٌ عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ، هَاجَرْتُ إلى اللهِ وإلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، قالوا: وَاللَّهِ، ما قُلْنَا إلَّا ضَنًّا باللَّهِ وَرَسولِهِ، قالَ: فإنَّ اللَّهَ وَرَسوله يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ)،[١٤] فطمأنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الكلام، وبأنّه لن يتركهم، وعذَرهم فيما قالوه؛ اعترافاً منه بفضلهم، ولوقوفهم معه في وقت الشدّة والحرب.[١٥]

فضل ومكانة الأنصار

وردت الكثير من الأدلة التي تُبيّن عظيم فضل الأنصار ومكانتهم، ومنها ما يأتي:[١٦][١٧]

  • قول الله -تعالى-: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).[١٨]
  • قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأنْصارِ، وآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنْصارِ)،[١٩] وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الأنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنافِقٌ، فمَن أحَبَّهُمْ أحَبَّهُ اللَّهُ، ومَن أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ اللَّهُ)،[٢٠] وقال الإمام النوويّ إن هذه الأحاديث تُبيّن فضل الأنصار، وعظيم قدرهم في نُصرة الإسلام، وحُبّهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- وحبّه لهم، وصحة إيمانهم، وصدق إسلامهم، وقيامهم بالأعمال التي تُرضي الله ورسوله.
  • موقف النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الأنصار عندما انتقدوا سياسته في توزيع الغنائم، فخاطبهم بأسلوبٍ رقيقٍ مليء بالمشاعر؛ مما أدى إل بُكاء الأنصار وفرحهم بِقُرب النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وتفضيلهم إيّاه على المال والغنائم، والعودة به إلى ديارهم؛ ليكون بينهم.

المراجع

  1. سورة الحشر، آية: 9.
  2. سورة التوبة، آية: 100.
  3. ^ أ ب “من هم المهاجرون والأنصار؟”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-10-2020. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2652، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3778، صحيح.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 21257، صحيح لغيره.
  7. زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (2005)، منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة الباري» (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، صفحة 95-97، جزء 7. بتصرّف.
  8. سورة الأنفال، آية: 75.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 3780، صحيح.
  10. ^ أ ب سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مواقف النبي – صلى الله عليه وسلم – في الدعوة إلى اللَّه تعالى، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 40-48، جزء 1. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبدالله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 2697، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، صحيح.
  13. خالد الراشد، دروس الشيخ خالد الراشد، صفحة 5، جزء 60. بتصرّف.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1780، صحيح.
  15. راغب الحنفي راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 17، جزء 39. بتصرّف.
  16. موسى بن راشد العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون «دراسة محققة للسيرة النبوية» (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 195-197، جزء 2. بتصرّف.
  17. محّمد سَعيد رَمضان البوطي (1426 هـ )، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دمشق: دار الفكر، صفحة 294. بتصرّف.
  18. سورة التوبة، آية: 117.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3784، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3783، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى