احكام الشريعة الاسلامية

ما حكم شرب الخمر

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الكبائر

الكبائر جمع كبيرةٍ، ويمكن تعريف الكبيرة لغةً بأنّها الأمر العظيم، وأكبرت الشيء؛ أي استعظمته، ومنها قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ)،[١] وفسّر العلماء أكبرنه؛ بمعنى أعظمنه، فيمكن القول ممّا سبق: الكبائر هي الذنوب العظام، وقد قسّم العلماء الذنوب إلى: كبائر وصغائر، ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كانت الكبائرمحصورةً بعددٍ معيّنٍ أم لا حصر لعددها؛ فالذين قالوا هي محصورةٌ بعددٍ محدّدٍ اختلفوا في عددها، فمنهم من قال: هي سبعةٌ، ومنهم من قال: أربعةٌ، وقيل: إحدى عشر، وقيل: تسعة، وكان رأي ابن عباس أنّها أقرب إلى السبعين، ولكن لا يوجد ما يدلّ على أنّ الكبائر محصورةٌ بعددٍ معيّنٍ، أمّا الذين قالوا بعدم حصر الكبائر بعددٍ معيّنٍ، اختلفوا في ضوابط التفريق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فمنهم من قال: إنّ كلّ ما عُصي به الله تعالى يعتبر من الكبائر، ونُقل عن ابن عباسٍ مثلُ هذا القول، ولكن يُحتمل أنّه قال ذلك؛ ترهيباً من ارتكاب حُرمات الله تعالى، وتعظيماً لها، ولا بُد من التفريق بين الكبائر والصغائر في أحكام الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من قال: إنّ كبائر الذنوب؛ هي ما اجتمعت كلّ الشرائع السماويّة على تحريمه، وردّاً على هذا القول، يكون الزواج ببعض المحارم أو المحرمات من الرضاعة ليس من الكبائر؛ إذ إنّ الشرائع لم تتفق على تحريمه، ومنهم من قال: أنّ الكبائر هي ما استُحلّ من الذنوب؛ كما فعل إبليس، والصغائر ما تبعه استغفارٌ؛ كذنب آدم عليه السّلام، وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأنّ مُستحلّ الذنوب؛ إمّا كافرٌ أو مُتأوّلٌ، فإن كان المُستحلّ للذنب عالماً بتحريمه؛ كفر، وإن كان لا يعلم بتحريمه؛ فهو إمّا مُتأوّلٌ أو مُقلّدٌ، وأمّا القول الصحيح والمأثور عن السلف رضي الله عنهم؛ أنّ الكبائر: كلّ ما ترتب عليه وعيدٌ في الآخرة من لعنٍ، أو غضبٍ، أو تهديدٍ، أو عذابٍ، أو ترتب عليه حدٌّ في الدنيا؛ كشرب الخمر مثلاً، حيث قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا)،[٢] حيث وعد الله تعالى في الآية الكريمة مجتنب الكبائر بتكفير الذنوب، ولا يشمل هذا الوعد من لعنه الله، أو وعده بعذاب النار، أو حرمان الجنّة، أو غضب عليه، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم مرتكب الكبيرة محلّ خلافٍ بين الفِرق؛ فمنهم من أفرط؛ مثل المرجئة، ومنهم من غالى؛ مثل الخوارج، أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فيعتقدون أنّ ارتكاب الكبيرة يُنقص من كمال الإيمان الواجب ولا يقدح في أصله، و فاعل الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وإن مات ولم يتب من كبيرته، فهو داخلٌ في مشيئة الله تعالى؛ إنّ شاء عذبه وإنّ شاء غفر له. [٣]

حكم شرب الخمر

يمكن القول أنّ شرب الخمر حرامٌ بدليلٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع الأمّة، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ تحريم الخمر كان بالتدرّج؛ لأنّ العرب كانوا مولعين بها، فأول ما نزل بالنسبة لتحريم الخمر، قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)،[٤] فأقلع جزءٌ من الناس عن شرب الخمر؛ لأنّ فيها إثماً كبيراً، واستمرّ جزءٌ آخر في شربها، وقالوا: (نأخذ منفعتها ونترك إثمها)، ثمّ نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)،[٥] فتركها جزءٌ كبيرٌ من الناس؛ حتى لا تشغلهم عن الصلاة، واستمرّ آخرون في شربها في غير أوقات الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)؛[٦] فحرمت تحريماً نهائياً في المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة، حتى قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: (ما حرّم الله تعالى شيئاً أشدّ من الخمر)؛ إذ إنّ الله تعالى أكّد تحريمها بتصدير الجملة بإنّما، ثمّ جعلها من عمل الشيطان الذي لا يأتي منه إلا كلّ شرٍ، وجعلها رجساً، وقرنها بعبادة الأصنام، ثمّ أمر باجتنابها وقرن اجتنابها بالفلاح، أي إنّ في ارتكابها خيبةٌ، وذكر ما يقع نتيجةً لها من التباغض والعداوة بين الناس، والصدّ عن سبيل الله تعالى، وتضييع الصلاة، وأمّا أدلة تحريم الخمر من السنة النبوية فهي كثيرةٌ، ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ)، [٧] وقوله عليه الصّلاة والسّلام:(لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ: بعينِها، وعاصرِها، ومعتَصرِها، وبائعِها، ومُبتاعِها، وحاملِها، والمحمولةِ إليهِ، وآكِلِ ثمنِها، وشاربِها، وساقيها).[٨][٩]

حدّ شرب الخمر

يُحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً بالسوط، فإن لم يرتدع زادت عن ذلك إلى أن تصل إلى ثمانين جلدةً، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يحدّ شارب الخمر أربعين جلدةً، فلمّا رأى تهافت الناس فيها، جمع الصحابة -رضي الله عنهم- وشاورهم في الأمر، فكان رأي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يُجلد ثمانين جلدةً؛ قياساً على حدّ الفرية؛ إذ إنّ شارب الخمر يهذي بسبب سكره ثمّ يفتري، فجلد عمر شارب الخمر ثمانين جلدةً باقي أيامه، ويحدّ شارب الخمر بأحد أمرين: إمّا بإقراره شرب الخمر المسكر، أو بشهادة شاهدين على أنّه شرب الخمر مُختاراً، ومن الجدير بالذكر أنّ ما أسكر كثيره أو قليله فهو حرامٌ، ويُحدّ شاربه سواءً سكر منه أو لم يسكر. [١٠]

المراجع

  1. سورة يوسف، آية: 31.
  2. سورة النساء، آية: 31.
  3. “الكبائر وحكم مرتكبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 219.
  5. سورة النساء، آية: 43.
  6. سورة المائدة، آية: 90-91.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2475 ، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2741، صحيح.
  9. “تحريم الخمر تمَّ على عدة مراحل”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2018. بتصرّف.
  10. “الأحكام السلطانية للماوردي – حد الخمر “، ar.islamway.net. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى