من هو الحسن البصري؟ وما هي مناقبه؟

'); }

نشأة حسن البصري

هو التابعيّ الحسن بنُ أبي الحسن يسار البصري، وُلد سنة إحدى وعشرين للهجرة، وفي الأقوال الواردة عن نسب والدته أنها كانت مولاةً لأمّ سلمة زوج النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد تربّى الحسن البصري في كنف واحدة من أمهات المؤمنين -رضي الله عنها-، وقد نشأ في أم القُرى، ثم عاد إلى المدينة فقضى فيها مرحلة الشباب والصِّبا ينهلُ من مَعين الصحابةِ الكِرام وعلمهِم. [١]

ثم برز في علم الفقه والعقيدة والقراءات والحديث والتفسير والعديد من العلوم الشرعية الأخرى، واستقرّ في البصرةِ يُعلّم الناس في مسجدها علوم الدين الإسلامي خمسين عامًا، إلى أن اقترن ذِكرُه بالزهد والوعظ، إذ كانتا صِفتين مُلازِمتينِ له طيلة حياته.[٢]

'); }

وردت للإمام الحسن البصري ألقابٌ عديدة، ذكر منها المحدّث شمس الدين الذهبي اثنين، وهما: “الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد البصري”، و”رأس طبقة التابعين”، أمّا ابن العماد الحنبلي صاحب كتاب شذرات الذهب فقد أورد لقبًا واحدًا من ألقابه وهو “إمام أهل البصرة”، وهو اللقب المشهور عنه حتى اليوم، وقد جمع القرآن في الرابعة عشر من عمره،[٣].

ورد في الأخبار قوله: “أنا يوم الدار ابنُ أربع عشرةَ سنة، جمعتُ القرآن، أنظرُ إلى طلحةَ بن عبيد الله”، وقد عملَ كاتبًا لأمير خُراسان “الربيع بن زياد”،[٣] كما رُوِي أنّه كان كثير الغزو والجهاد، ومن مميّزاتهِ الفكرية أنه فَهمَ روحَ العصر الذي عاش فيه، فأدركَ تطوّر المجتمع الإسلامي وتحوّلاته.[٤]

أهم مناقب الحسن البصري

إنّ المناقب التي يتّصف بها الإمام الحسن البصري هي الصفات التي تميّزهُ وتجعل منه علَمًا من أعلام الدين الإسلامي عبر الزمن، وقد اتّصفَ البصري بالعديد من تلك المميزات التي جعلتْ ذِكرهُ يسري بين الناس حتى اليوم، ومن تلك المناقب التي اشتُهِر بها أنّهُ كانَ:

فصيح اللسان

اشتهر الإمام الحسن البصري بالحكمة حتى ظهرتْ بين طيّاتِ كلامه في كل مجلس، وشهد له بها كل مَن سمع وعظه أو تردّدَ على مجالسه، ومن الأقوال التي شهد له بها الناس بالبلاغة وفصاحة اللسان قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين سمعت الحسن يتكلم: “من هذا الذي يتكلم بكلام الصدِّيقين؟”. [٣]. كما روي أيضًا أنه قيل لعليٍّ بن الحسين إنّ الحسن يقول: “ليس العجب لمن هلكَ كيف هلك، إنّما العجب لمن نجا كيف نجا”، فقال علي: “سبحان الله! هذا كلام صِدِّيق”، وقد قال الأعمش عنه في موضع آخر إنه “ما زال يعتني بالحكمة حتى نطق بها”.[٣].

شجاعًا

روي عن جعفر بن سُليمان أنه قال عن الحسن البصري: “كان الحسنُ من أشدّ الناس، وكان المهلّبُ إذا قاتلَ الناس يُقدِّمهُ”. كما عُرف البصري بأنهُ كان وثيق الصحبة مع أمثاله من الشجعان الأشدّاء، مثل الخطيب الفارس الشاعر قطري بن الفجاءة الذي كان من رؤساء الأزارقة وأبطالهم، والمهلب بن أبي صُفرة الأزدي، أحد ولاةِ الأمويين على خُراسان، حتى قال هشام بن حسان عن البصري إنه كان أشجع أهل زمانه،[٣]

وقد كان أهلُ البصرة إذا سُئِلوا عن أعلم أهلها وأورَعهم وأزهدهم قالوا: “شيخُ البصرةِ الحسن، وفتاها بكرُ بن عبد الله المزني”، وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ الزهدَ والشجاعة كلاهما مكمّلٌ للآخر في النفسِ المُقبلةِ على الله تعالى بالكُلّية.[٥]

زاهدًا

كان زهد الإمام البصري ملحوظًا حتى لُقّب فيه حتى ظهر الحزن على ملامح وجهه لما في داخله من يقين بالآخرة وشدة الخشية من الله تعالى، قال مطر الوراق: “لما ظهر الحسن جاء كأنما كان في الآخرة، فهو يخبرنا عما عاين”، وفي روايةٍ جاءتْ عن أعرابيّ مرّ في المدينة التي أقام فيها البصري أنه قدمَ فسأل: “من سيّد هذا المِصر؟” ويقصد هذا البلد، فقالوا: “الحسنُ بن أبي الحسن”، فقال: “فيمَ سادَ أهله؟”، فقالوا: “استغنى عما في أيديهم من دنياهم، واحتاجوا إلى ما عنده من أمر دينهم”، فقال الأعرابي: “لله درّه، هكذا فليكن السيّد حقًّا”.[٥]

صاحب علم

رُوي في العديد من الأخبار أن أحد تلامذته ـ وهو أبو سلمة، ابن عبد الرحمن ـ قد حفظَ عن الإمام الحسن البصري ثمانية آلاف مسألة في الفقه،[٢] ومن المدهشِ في علمهِ أيضًا أنْ رُوي عن معاذ بن معاذ مرةً أنه قال للأشعث: “لقد لقيتَ عطاء ـ ويقصد التّابعي عطاء بن أبي رباح ـ وعندكَ مسائل! أفلا سألتَهُ؟ فقال: ما لقيتُ أحدًا بعد الحسن إلا صغُر في عيني”.

أما رأيُ عطاء بن أبي رباح بالحسن فقد ورد فيه خبرٌ يؤكد مكانته، إذ رويَ عن حجاج بن أرطاة أنه قال: “سألتُ عطاءً عن القراءة على الجنازة، فقال: ما سمعنا ولا علمنا أنه يُقرأ عليها. فقلتُ: إن الحسنَ يقول: يُقرأ عليها، فقال عطاء: عليكَ بذاك، فذاك إمام ضخمٌ يُقتدى به”.[٦]

يقول الحق

عظُمَتْ هيبة الإمام الحسن البصري في القلوب لِحكمته وتقواه، فكان يدخُل على الولاة ليقول الحقّ ولا يخشى في الله لومة لائم، ويُقرُّ بفضل من هو أعلى منه رُتبةً في التقوى.[٧]

فقد ورد أن ثُلّةً أخبرتهُ يومًا بوجودِ رجلٍ كثيرِ العُزلةِ، يجلسُ أغلبَ أوقاتهِ خلف ساريةٍ، فأراد الحسن أن يلتقي به، فلما ذهب إليه قال الحسن: “يا عبد الله، أراك قد حُبِّبتْ إليكَ العُزلة، فما يمنعكَ من مُخالطةِ الناس؟ فقال الرجلُ: “أمرٌ شغلني عن الناس”، فقال الحسن: “فما يمنعكَ من مخالطة الرجل الذي يُدعى الحسن؟” فقال الرجل: “أمرٌ شغلني عن الناس وعن الحسن”، فقال الحسن: “وما ذاك الشغل يرحمك الله؟”، قال الرجل: “إني أصبحُ وأُمسي بين نعمةٍ وذنب، فرأيتُ أن أشغل نفسي بالاستغفار من الذنب وشكر الله على النعمة”، فقال الحسن: “أنتَ يا عبد الله أفقهُ عندي من الحسن، فالزمْ ما أنت عليه”.[٧]

يعبد الله حقّ عبادته

عُرف البصري بخشيته من الله تعالى وكثرة الورع والبكاء بين يدي الله سبحانه وتعالى، ومن المواقف التي وردت في ذلك المعنى قول حمزة الأعمى: “ذهبت بي أمي إلى الحسن فقالتْ: “يا أبا سعيد، إن ابني هذا قد أحببتُ أن يلزَمك، لعل الله أن ينفعه بك”، فأصبح حمزة يتردّد عليه بين الحين والآخر.[٨]

وقد قال له الحسن يومًا: “أدم الحُزنَ على خيرِ الآخرة لعله أن يوصلكَ إليه، وابكِ في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاكَ أن يطّلع عليكَ فيرحمَ عبرتَك فتكون من الفائزين”. ثم يقول حمزة بأنه كان يأتي إليه في العديد من أوقات الصلاة فيسمع بكاءه ونحيبه، وقال إبراهيم اليَشكُري: “ما رأيتُ أحدًا أطولَ حُزنًا من الحسن، ما رأيته إلا حسبتهُ حديث عهدٍ بمصيبة”.[٨]

ينصح من حوله

مِن أعظم المواقف التي نصح بها الإمام الحسن البصري من حوله من الناس هو وُرودُ راهبينِ قد مرّا به، فقال أهما للآخر يحثّه على مجالسةِ البصري: “مِلْ بنا إلى هذا الذي يُشبِهُ سَمْتُهُ ـ أي ملامحه ـ سَمْتَ المسيح لننظر ما عنده”، فلما اقتربا منه سمعاه يقولُ: “يا عجبًا لقومٍ أُمِروا بالزاد، ونُودوا بالرحيل، وحُبِسَ أولهم على آخرهم ـ أي كثُر عددهم ـ ، فهم ينتظرون الورود على ربهم، ثم هم بعد ذلك في سكرةٍ يعمهون! ثم بكى حتى ابتلّت لحيته، فقال الراهبان: “حسبنا ـ أي يكفينا ـ ما سمعنا من الرجل”، ثم انصرفا عنه، وفي ذلك إشارةٌ بالغة إلى نُصحهِ وإن كان الوارد عليه على غير الإسلام.[٥]

يصون حقوق إخوانه

عُرفَ عن البصري يُسرُه في البيع والشراء، فكان يرعى حقّ الناس في التعامل معهم ويؤدي إليهم حقوقهم مع جبر الكسور التي قد تترتب على حقوقهم، فإذا اشترى بدينارٍ إلا ربع أبقى الرُّبع لصالح البائع مروءةً وكرَمًا، وإذا دخل بيته صديق أكرمهُ وأحسنَ ضيافته.[٨]

في أحد الأخبار وردَ أنه باع بغلةً للركوب، وبعد أن تمّ الاتفاق على ثمنها قال له المُشتري: “يا أبا سعيد، أما تحطّ لي شيئًا؟”، أي تُنقص لي في الثمن، فقال الحسن: “لك خمسون درهمًا، أزيدك؟” قال: “لا، قد رضيت”، قال الحسن: “بارك الله لك”، ومن هذا الخبر يتضح حرص الإمام البصري على السماحة في البيع والشراء تطبيقًا لما ورد من أحاديث نبوية في ذلك.[٨]

الخلاصة

ممّا تقدّم هنا، ومن كثيرٍ من الأخبار التي وردتْ في كتب التابعين والسّلف الصالح يتبيّن أنّ الإمام الحسن البصري كان امتدادًا لِما سارَ عليه الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وقد وفّقه الله إلى ذلك السير بتربيته بين أكنافهم فظهرت الحكمة بالغةً على لسانه، ممّا جعله سيّدًا للتابعين وإمامًا لهم، ولا بُدّ لكلّ مقتدٍ بالسلف الصالح أن يَسير على النهج المحمديّ الذي ساروا عليه حتى تُفتح آفاقُ الرضوان بين يدَي مساعيهِ في الدنيا والآخرة.

المراجع

  1. أحمد فريد المزيدي، الحسن البصري إمام الزاهدين، صفحة 25-26-27-28. بتصرّف.
  2. ^ أ ب حوري ياسين حسين الهيتي، فقه الحسن البصري ومنهجه الأصولي، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ابن الجوزي، آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه، صفحة 7 – 8 . بتصرّف.
  4. محمد حمدون عبدالله، الحسن البصري، صفحة 16. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ابن الجوزي، آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه، صفحة 28. بتصرّف.
  6. ابن الجوزي ، آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه، صفحة 10 – 11 . بتصرّف.
  7. ^ أ ب أبو الحسن علي بن عبد الرحمن ابن هذيل، عين الأدب والسياسة في زين الحسب والرياسة، صفحة 214. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث محمد صالح المنجد، الإمام الحسن البصري، صفحة 4. بتصرّف.
Exit mobile version