الصحابة الكرام
اختصّ المولى -سبحانه وتعالى- رجالاً أخياراً أبراراً لصُحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فتشرّفوا بلقائه والسّماع منه والجهاد معه والتبليغ عنه، فكانوا خير الأصحاب وعصرهم من أفضل العصور وقد ذكرهم الله -تعالى- في غير موضعٍ من القرآن الكريم على سبيل المدح وبيان الفضل، وحثّ النبي -صلى اللله عليه وسلم- على احترامهم وتوقيرهم والاعتراف لهم بالفضل، وقد اهتمّ المسلمون عموماً والباحثون بالسيرة النبوية وعصور الصحابة الكرام على وجه الخصوص بتتبّع أخبارهم وتدوين سِيرهم والكشف عن مناقبهم وإظهار مواقفهم في خدمة الدين ونصرة العقيدة، ومن هؤلاء عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حيث حظيت كتب السِّير والتاريخ الإسلامي بسيرته العطرة ومواقفه المباركة وكان مشهوداً له بحسنِ الصُّحبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وشدّة اقتدائه به وشديد الحرص على ملازمته وتتبّع أثره فغرَف من معين النبوّة علماً وتقوى وحكمة، وكان لأقواله أثر في نفوس العارفين بالله تعالى، فمن هو عبد الله بن عمر، وما هي أهمّ معالم سيرته، وما هي أهمّ أقواله ومواعظه؟
عبد الله بن عمر
- نسب عبد الله بن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- يمتدّ نسبه إلى كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ العدويّ المكيّ، وزينب بنت مظعون أمّه وأمّ حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ويكنّى بأبي عبد الرحمن.[١]
- إسلام عبد الله بن عمر: أسلم عبد الله بن عمر صغيراً وهاجر إلى المدينة المنوّرة مع أبيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قبل سنّ الحلم، ولمْ يشارك في غزوة أُحد لصِغر سنّه، وكانت غزوة الخندق أول ما شهده مع رسول -صلى الله عليه وسلم- وشهِد أيضاً بيعة الرضوان.[١]
- شيوخ عبد الله بن عمر وتلاميذه: سمع عبد الله بن عمر وروى عن جمع كبير من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبو بكر الصديق وأبوه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وبلال بن رباح رضي الله عنهم، وروى عن أمهات المؤمنين عائشة بنت أبي بكر وأخته حفصة رضي الله عنهما، وسمع منه وروى عنه كثير من التابعين، منهم: الحسن البصري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب وعبد الله بن دينار رضي الله عنهم، وغيرهم كثير.[١]
- صفات عبد الله بن عمر: كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- شديد التّأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في كلّ شيء، وكان يلازمه ملازمة الظلّ للجسد حتى أصبح من المُكثرين لرواية الحديث فلم يسبقه في ذلك إلّا أبو هريرة رضي الله عنه، وكان عبد الله بن عمر تقيّاً ورعِاً زاهداً ومشهوداً له بالفقه وكان كثير الصّدقة، وهو آخر من توفي بمكّة المكرّمة من الصحابة رضي الله عنهم، وكان ذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وقيل أربعة وسبعين.[٢]
أقوال عبد الله بن عمر
اشتُهرت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأقوال منها:
- من أقوال عبد الله بن عمر في الاستعداد للآخرة: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك)،[٣] وفي هذا القول إشارة إلى تأثّر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وحثّ على عدم التعلّق بالدنيا ودعوة إلى استثمار الوقت بالطاعة والقربات فإنّ الإنسان لا يدري وقت حلول أجله.[٤]
- من أقوال عبد الله بن عمر في برّ الوالدين، عندما قال لرجل يريد أن يتوب من ذنوبه: (قال: أحيٌّ والداك؟ قلت: عندي أمّي، قال: فوالله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلنَّ الجنة ما اجتنبت الكبائر).[٥]
- من أقوال عبد الله بن عمر في البكاء من خشية الله -تعالى- عندما كان يبكي مرة عند تلاوته لسورة المطففين حتى غلبه البكاء فقال: (لأن أدمع من خشية الله أحبّ إليّ من أن أتصدق بألف دينار).[٦]
- من أقوال عبد الله بن عمر في التحذير من عدم تدبّر القرآن الكريم: (لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن ثمّ لقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل)،[٧][٨] وهذا يبيّن حرص عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- على تدبّر آيات القرآن الكريم، وامتثال أوامرها واجتناب النواهي، ونهياً عن القراءة غير الواعية لآيات القرآن الكريم.[٩]
- من أقوال عبد الله بن عمر في الحثّ على التقليل من الدّنيا: (لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلَّا نقص من درجاته عند اللَّه وإن كان عليه كريماً).[١٠]
- من أقوال عبد الله بن عمر في الحثّ على حفظ حقوق الناس عندما بعث إليه رجل أن يكتب له علمه كلّه بقرطاس، فردّ عليه ابن عمر بقول:(إِنّ العلم كثير ولكن إن استطعت أن تلقى الله خَفيف الظّهر من دماء الناس خميص البطن من أموالهم كافّ اللسان عن أعراضهم لازماً لأَمر جماعتهم فافعل).[١]
- من أقوال عبد الله بن عمر في فضل إفشاء السلام، حيث جاء أنّه كان لا يترك صغيراً أو كبيراً في طريقه إلّا ألقى عليه السلام، وفي هذا قال: (إنّي لأخرج وما لي حاجة إِلّا أن أسلّم على الناس ويسلّمون عليّ).[١]
- من أقوال عبد الله بن عمر في خشيته من الفتوى، حيث روي أنّ أحداً سأله يستفتيه في مسألة فقال: (لا أدري)، ثمّ قال: (أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً في جهنم أن تقولوا: أفتانا ابن عمر).[١١]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج محمد الذهبي (1985م)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثالثة)، بيروت: الرسالة، صفحة 203-222، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ الموسوعة الثقافية المدرسية (3-6-2015م)، “عبدالله بن عمر رضي الله عنهما”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 698 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ عبد الله الفريح (31-12-2013م)، “القواعد والفوائد من حديث: كن في الدنيا كأنك غريب”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن طيسلة بن مياس، الصفحة أو الرقم: 5/475 ، رواته ثقات.
- ↑ “وعين بكت من خشية الله”، www.islamweb.net، 1-8-2006م، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ “السرعة في القرآن لأجل الختم”، www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1/170، رجاله رجال الصحيح.
- ↑ حسام السامرائي (7-3-2014م)، “الإيمان قبل القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن رجب، في جامع العلوم والحكم، عن مجاهد بن جبر المكي، الصفحة أو الرقم: 2/188، إسناده جيد.
- ↑ عيد الرحمن الشاطري، “تغريدات حول مواقف وعبر من سيرة ابن عمر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2017م. بتصرّف.