معاملات إسلامية

كيف أعمل صدقة جارية

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

اترك تعليقاً

كيفية عمل الصدقة الجارية ومجالاتها

يُطلق العلماء تسمية الوقف على الصدقة الجارية، ومن مجالات الصدقات الجارية:[١][٢][٣]

  • تقديم الطعام للمحتاجين؛ فقد سُئِل النبيّ الكريم عن أيّ الإسلام خير، فقال:(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).[٤]
  • بناء بيوت الله، وفي الحديث: (مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ له في الجَنَّةِ مِثْلَهُ).[٥]
  • توزيع كتاب الله؛ القرآن الكريم.
  • بذل المال في سبيل نَشر العلم.
  • حفر الآبار، وسقي الماء في أماكن مرور الناس ليشربوا منها.
  • إنشاء الطُّرق.
  • تشييد المكتبات التي ينتفع بها الناس.
  • تشييد السجون التي يُعاقب فيها الظالمون والمجرمون.
  • تشييد المدارس والمستشفيات.
  • وَقف البيوت في مكة المكرمة لنزول الحجاج.
  • إنشاء الفنادق التي تُخصَّص لنزول من انقطعت بهم السُّبل أثناء سفرهم، أو من لا يجدون مالاً لاستئجار المَسكن، مثل: اليتامى، والأرامل.
  • إنشاء المطاعم الشعبية التي تُوزّع الطعام على الفقراء، والمُحتاجين.
  • وقف الأرض لتكون مقبرة يُدفَن فيها موتى المسلمين، وتجهيز وسائل التكفين، وأماكن غسل الموتى.
  • إنشاء المُؤسسات التي تهتمّ بتزويج الشباب المسلم الذي لا يجد مؤونة النكاح.
  • رعاية الأمهات المُرضِعات، وتزويدهنّ بما يحتاجه أطفالهنّ من موادّ، كالحليب، والسكّر.
  • رعاية الحيوانات المريضة، والضعيفة.

أفضل صور الصدقة

أفضل صدقات التطوُّع هي:[٦]

  • سقاية الماء؛ فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)،[٧] والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
  • الصدقة على الأقارب، وذوي الأرحام الذين يُضمرون العداوة للإنسان، وفي الحديث: (أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ)،[٨] والصدقة على الأقارب وأولي الأرحام تكون بشكل عامّ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ).[٩] وقد قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠]
  • جُهدُ المُقِلِّ؛ وهو مقدار الصدقة التي يُقدّمها المسلم، وتكون مُعبِّرة عن سعة بَذله، وإنفاقه، مقارنة بما يملكه من المال؛ فمن يملك درهمَين فيتصدّق بدرهم واحد يكون بذلك قد تصدّق بنصف ماله، وهذا من أفضل الصدقات، وفي الحديث عن أبي هريرة أنّه قال:(يا رسولَ اللَّهِ ! أيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ ؟ قالَ: جُهْدُ المقلِّ، وابدَأْ بمَنْ تعولُ).[١١]
  • الصدقة التي تكون بعد أداء الواجبات والأولويّات؛ وهي الصدقة التي تكون عن ظهر غنى، قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كان عَن ظهرِ غنًى ، واليدُ العُليا خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلَى ، وابدأ بمَن تَعولُ).[١٢]
  • الصدقة في حالة القوّة والقدرة؛ فمن يعطي وهو صحيح الجسم، قليل المال، خيرٌ من الذي يُعطي وهو على فراش الموت في حالة الاحتضار، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١٣]

فضل الصدقة الجارية والأدلّة عليها

ندبت الشريعة الإسلاميّة المسلمين لبَذل صدقاتهم في سبيل الله، وإنفاق أموالهم على الفقراء، والمحتاجين؛ فالصدقة الجارية سُنّة ثابتة في كتاب الله، وسُنّة نبيّه الكريم،[١٤] وقد رغّبت الشريعة الإسلامية في الصدقات الجارية باعتبار بقاء ثوابها بعد ممات الإنسان، كما رغّبت في الصدقات العاجلة، كإطعام الفقراء، والمساكين؛ فالصدقات التي يبذلُها الإنسان هي التي تبقى وتدوم، أمّا ما ينتفع به الإنسان لنفسه في الدنيا فهو الذي ينفد، قال -تعالى-: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )،[١٥] وقد ورد في السنّة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها، قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها).[١٦][١٧]

ومن الأدلّة الشرعيّة على فضل الصدقات، والحَثّ عليها من كتاب الله قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٨] ومن السنّة النبويّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).[١٩][٢٠]

وقد حرص الصحابة على بَذل أموالهم في سبيل الله؛ فقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنّه حبس أصل أرضه بخيبر؛ أي جعلها وَقفاً ينتفع بثمرها الفقراءُ، والمساكين، وابن السبيل، ومَنع بيعها، وتوريثها، وهِبتها، وأجاز لمن تولّى أمرها أن يأكل منها بالمعروف،[٦] وحفر عثمان بن عفان بئرَ ماء (رومة)، و جهّز جيش غزوة تبوك، وكانت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة تُلقَّب بأمّ المساكين؛ لكثرة تصدُّقها، كما أنّ أبا بكر الصدِّيق تصدّق بماله كلّه عندما طلب النبيّ من الصحابة التصدُّق.[٢١]

الصدقة الجارية

تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)،[٢٢] ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة، أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.[١٤][٢٣]

وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ).[٢٤][٢٣]

حُكم الصدقة الجارية عن الميّت

أجمع علماء الأمّة على وصول ثواب بعض الأعمال والطاعات إلى الإنسان بعد وفاته، ومنها: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدَّين، وكذلك الحجّ عن الميّت، سواء كانت حجّة الإسلام، أو حجّة التطوُّع، ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في السنّة من حديث: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)،[٢٥] وقد اختلفوا في وصول ثواب أعمال أخرى، مثل: الصوم، وقراءة القرآن، وسائر الطاعات؛ فأمّا الصوم فيصل ثوابه إلى الميّت على الراجح من أقوال العلماء؛ استناداً إلى الأحاديث الصحيحة التي ثبتت في ذلك، وأمّا قراءة القرآن فقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية إلى القول بوصول ثوابها إلى الميّت، وفي ما يتعلّق بالصلاة وسائر الطاعات فلا يصل ثوابها عند الشافعية والجمهور، بينما ذهب ابن حنبل إلى القول بوصول ثوابها وسائر الطاعات إلى الميّت، كما يصل إلى الميّت ثواب أعمال أبنائه الصالحين؛ لأنّ الابن وعمله هو نتاج سَعي أبيه، وكسبه؛[٢٦] ففي الحديث: (إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، و إن ولدَ الرجلِ من كسبِه).[٢٧][٦]

أهمّية الصدقة الجارية

أهمية الصدقة الجارية في الحياة الآخرة

تتجلّى أهمّية الصدقات في فضائلها الأخرويّة على النحو الآتي:[٢٨][٢٩]

  • استمراريّة وصول ثواب الصدقات الجارية بعد وفاة الإنسان؛ فحين يموت الإنسان تُختَم أعماله باستثناء الصدقات الجارية فما يزال يصله ثوابها ما دام الناس ينتفعون منها، ومثال ذلك بناء المساجد؛ حيث يستمرّ وصول ثواب صلاة المسلمين فيها إلى الميّت.
  • دَفع مِيتة السوء؛ وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ ).[٣٠]
  • الوقاية من أهوال يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)،[٣١] إلى أن قال -تعالى-: (فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).[٣٢]
  • تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٣٣]
  • سبب في أن يُظِلّ الله -تعالى- العبدَ بظِلّه يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فلا ينفع الناس سوى أعمالهم، ففي الحديث: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٣٤]
  • وقاية للمسلم من عذاب الله -تعالى-، وسبب لدخول الجنة، ففي الحديث: (أيُّها النَّاسُ ! أفشوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، و صلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).[٣٥]
  • النجاة من الهلاك يوم القيامة، فقد قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٣٦]

أهمّية الصدقة الجارية في الحياة الدنيا

للصدقات الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]

  • انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
  • زيادة الرزق ونماؤه.
  • تحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
  • حلّ مشكلة الفقر في المجتمع.
  • سبب في جَلب مَحبّة الناس.
  • دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).[٣٧].
  • تقوية الدين ونصرته.
  • تدعيم فريضة الزكاة في المجتمع؛ فالصدقة تكمل الزكاة حين نُقصانها، وتجبر الخلل، أو النقص فيها.

أحكام مُتعلِّقة بالصدقات

فضل إخفاء الصدقة

بيّنَ جمهور فقهاء الأمّة أفضلية صدقة السرّ على صدقة العلن؛ لقوله -تعالى-: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٣٨] وعلى الرغم من أنّ المسلم يُثاب على بَذل الصدقة سرّاً كانت، أو عَلناً، إلّا أنّ صدقة السرّ أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن المُراءاة، وأسلم لحال المُعطى إليه، وقد ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ صدقة السرّ تَفضلُ صدقة العلن بسبعين ضِعفاً.[١٤]

تَرك المنّ والأذى

أجمع علماء الأمة الإسلامية على القول ببطلان ثواب الصدقات التي يكون فيها المَنّ والأذى؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[٣٩] فالمنّ والأذى يرد الثواب، ويُبطل العمل، وقد نُقِل عن الإمام الشربيني القول بتحريمه، كما نُقِل عن الإمام البهوتي القول باعتباره من كبائر الذنوب والخطايا.[١٤]

الأماكن والأحوال التي تُفضَّل فيها الصدقة

ذكر العلماء أماكن وأحوال يتضاعف فيها أجر بَذل الصدقات، فمن هذه الأماكن: مكة، والمدينة، ومن الأحوال: وقت السفر، وحين المرض، وفي الجهاد، كما تُفضَّل الصدقة في شهر رمضان؛ لما في بَذلها من مضاعفة للحسنات، كتفطير الصائمين، وسَدّ حاجات الفقراء، والمساكين في وقتٍ تَقِلّ فيه فُرَصُ الكَسب، كما تُفضَّل الصدقة في أزمان، وأوقات مُعيَّنة، منها: عشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، والحجّ، وزاد الحنابلة وقت احتياج الناس؛ لقوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).[٤٠][١٤]

المراجع

  1. حسن أبو الأشبال الزهيري ، شرح صحيح مسلم ، صفحة 11، جزء 45. بتصرّف.
  2. “الصدقة فضائلها وأنواعها “، www.ar.islamway.net، 2005-2-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  3. مصطفى السباعي (1999)، من روائع حضارتنا (الطبعة 1)، الأردن: دار الوراق للنشر ، صفحة 200-204. بتصرّف.
  4. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 12، صحيح .
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح .
  6. ^ أ ب ت د، سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، صدقة التطوع في الإسلام (مفهوم وفضائل وآداب وانواع )، صفحة 100،101،102 ،64،65، 28-16. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن سعد بن عبادة ، الصفحة أو الرقم: 3666، حسن .
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 2581، صحيح .
  10. سورة البقرة، آية: 215.
  11. رواه صحيح ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 179، صحيح .
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2533، صحيح .
  13. سورة المنافقون، آية: 10.
  14. ^ أ ب ت ث ج مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية ، صفحة 243-223،224،325،239، جزء 26. بتصرّف.
  15. سورة سورة النحل ، آية: 96.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2470، صحيح .
  17. “الترغيب في الصدقة الجارية “، www.ar.islamway.net، 2014-12-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  18. سورة البقرة ، آية: 254.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1442، صحيح .
  20. “أحاديث في فضل الصدقة “، www.islamqa.info، 2003-6-6، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-11. بتصرّف.
  21. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2-6-2018)، “مبادرة ومسابقة الصحابة رضي الله عنهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2020. بتصرّف.
  22. سورة سورة التوبة ، آية: 60.
  23. ^ أ ب ت د.الطيب حسن الماحي (2017)، “الصدقة وأثرها على المجتمع “، مجلة الدراسات الإسلامية ، العدد 99، صفحة 88-93 ، 69-64. بتصرّف.
  24. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1376، صحيح .
  25. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1630، صحيح.
  26. الإمام النووي، شرح الإمام النووي على مسلم ، صفحة 90، جزء 7. بتصرّف.
  27. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4461، صحيح .
  28. أحمد حطيبة، شرك كتاب رياض الصالحين، صفحة 12، جزء 92. بتصرّف.
  29. عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي، تحفة المودود بفضل الصدقة والجود، السعودية: دار الوطن للنشر ، صفحة 61-79. بتصرّف.
  30. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2041، صحيح .
  31. سورة الإنسان ، آية: 9.
  32. سورة الإنسان، آية: 11.
  33. سورة التوبة ، آية: 103.
  34. رواه عقبة بن عامر، في تخريج مشكل الآثار ، عن شعيب الأرناؤوط، الصفحة أو الرقم: 3836، صحيح.
  35. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن سلام ، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح .
  36. سورة البقرة، آية: 195.
  37. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة الباهلي ، الصفحة أو الرقم: 3358، حسن .
  38. سورة البقرة ، آية: 271.
  39. سورة البقرة ، آية: 264.
  40. سورة البلد ، آية: 14.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى