محتويات
حادثة الهجرة
لا تغيب عن أذهان المسلمين تلك الحقبة الصّعبة التي عاشها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ومن آمن بدعوته منذ فجر البعثة النبويّة في مكّة المُكرَّمة، حيث يستذكرون دائماً حجم المعاناة التي واجهها النبيّ الكريم، وصحبُه الأوائل آنذاك، وتحتشد المواقف في ذاكرتهم وهو يستعرضون تضحيات النبيّ عليه السّلام والصّحابة الكِرام أمام ظُلم المشركين من قريش، وهم يصدّونهم عن دعوة التوحيد ويُحاربونهم بكلّ بَطش وجبروت، وتظهر أمام كلّ تلك الآلام قصص البطولة، ومشاهد التّضحية في سبيل إقامة الدِّين، ونشر الهداية في العالمين، وكتب السيرة تُخلّد ما واجهه الصحابة الكرام، من مثل بلال بن رباح، وآل ياسر، وخباب بن الأرت رضي الله عنهم، من اضطهادٍ وتعذيبٍ في تلك المرحلة الصعبة.[١]
وفي كتب السيرة أيضاً كيف أذن الله -سبحانه وتعالى- للنبيّ -عليه السلام- وصحابته -رضي الله عنهم- بالهجرة من مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، في إشارة إلهيّة جليلة إلى نجاح المسلمين في ابتلاء الثبات على الحقّ، لتبدأ بعد الهجرة النبويّة مرحلة بناء دولة الإسلام؛ فيصبح الإسلام حقاً له قوّة، وديناً له دولة يقودها نبيّ الرّحمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
تعريف الهجرة النبويّة
الهجرة النبويّة هي انتقال رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين الأوائل من ديارهم في مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، بعد اشتداد أذى مشركي قريش لرسالة الإسلام وأتباعها.[٢]
أسباب الهجرة النبويّة
لا شكّ أنّ لهجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكِرام أسباباً كثيرةً دعت إلى الانتقال من مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، وأهمّ هذه الأسباب:[٣]
- اشتداد إيذاء المشركين للنبيّ عليه السّلام، والتنكيل المستمرّ بأتباع دين الإسلام؛ فكان من الحكمة البحث عن طريق للخلاص من مرحلة العذاب والاضطهاد.
- البحث عن آفاق أوسع وأكثر رحابة لنشر رسالة الإسلام، بعد أن أصرّت قريش على محاربة الله ورسوله، رغم كلّ محاولات النبيّ عليه السلام، وحرصه على نبذهم الشرك والوثنيّة.
- استعداد أهل يثرب للدخول في الإسلام، واستقبال النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وأتباعه فيها، خاصّةً أنّه كان قد وجد الطريق إلى المدينة المنورة مُمهَّداً لإقامة دولة الإسلام فيها بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث استطاع كسب عدد من الأتباع الجدد من قبيلتي الأوس والخزرج، وأرسل معهم عبد الله بن أم مكتوم، ومصعباً بن عمير رضي الله عنهما؛ لتعليم من أسلم شرائع الإسلام، والتمهيد لتقبّل هذا الدين فيما بينهم.
- قناعة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه يحمل رسالة إلهيّة عالميّة، وأنّ هذه الرسالة المُحمَّلة بالشرائع والأحكام التكليفيّة لا بدّ لها من أرض خصبة تنطلق منها إلى فضاءات أخرى، وأنّه آن الأوان للخروج بهذه الرسالة من حدود مكة المُكرَّمة التي لم تكن آنذاك مُهيَّأة بعدُ لتكون مكاناً لنشر الدعوة وتنزيل الأحكام الشرعيّة، وعلى هذا كانت الهجرة مطلباً دعويّاً فرضته طبيعة الرسالة وتشريعاتها.
أهمّ أحداث رحلة الهجرة النبويّة
مرّت الهجرة النبويّة بالعديد من الأحداث، التي تدلّ على إعجاز الله تعالى، ومؤازرة أبي بكر -رضي الله عنه- صاحبَه نبيّ الله في أصعب المواقف وأشدّها، وممّا كان في هجرتهما إلى المدينة ما يأتي:
- أبلغ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أبا بكر الصّديق -رضي الله عنه- بالاستعداد العاجل والسرّي للهجرة إلى المدينة المنورة، وقد اتّخذ -عليه الصلاة والسلام- عدّة وسائل للتّعمية عن خبر هجرته، خاصةً أنّ قريش قد حاولت جاهدة إحباطها؛ فقد حاولوا قتله قبل خروجه فلم يستطعوا حيث إنّ زعماء قريش قد اتّفقوا على قتل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في تلك الليلة، وانتدبوا لذلك أحد عشر رجلاً من كبرائهم لتنفيذ المُهمّة، إلا أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- خرج من بينهم ليلاً وهم نِيام، وحثى على وجوههم التراب وهو يتلو قول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)،[٤] واستيقظ الذين يريدون قتله على خيبتهم عندما وجدوا علياً -رضي الله عنه- قد نام في فراش النبيّ عليه السلام؛ لتمويههم.[٥]
- علمت قريش بنبأ هجرة النبيّ عليه السلام، فحاولت تتبّعه والقضاء عليه، ولكن الله -عزّوجلّ- حمى رسوله وأبا بكر الصديق، وكان موقف الغار من أبرز المواقف في رحلة الهجرة، عندما اختبأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ورفيقه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في غار ثور تحسّباً من أن تُدركهما قريش، وعندما وقف أحد مشركي قريش على باب الغار، قال أبو بكر الصدّيق للرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لو أنّ أحَدَهُم رفع قدمه أبصرنا)، فقال: (ما ظَنُّكَ يا أبا بكرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما)،[٦] وخلّد الله تعالى هذا الموقف في كتابه العزيز؛ فقال سبحانه: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ).[٧][٨]
- لحقَ سُراقة بن مالك على فرسه يُجهد نفسه في البحث عن النبيّ -عليه السلام- ورفيقه الصّديق، ولمّا كاد أن يصلهما تنبّه له أبو بكر الصديق؛ فأخبر النبيّ -عليه السلام- بذلك، فدعا عليه فغاصت قوائم فرسه في الرّمال إلى بطنها، وتعسّر عليها السير؛ فعرف سراقة أنّه قد أصابته دعوة النبيّ عليه الصلاة والسلام، فطلب منه أن يدعوَ له بالنجاة، وعاهدهم أن يرجع عنهم ويكفّ من أراد اللحاق بهم، فدعا له النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فرجع يُعَمّي عنهم الخبر.[٩]
- وصل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مشارف المدينة المنورة، واستقبله المسلمون كلّهم رجالاً ونساءً وأطفالاً بفرحٍ بالغٍ وسرورٍ كبيرٍ، ونزل -عليه السّلام- في قباء أربع عشرة ليلةً، وكان أوّل ما فعله تأسيس مسجد قباء، ثمّ توجّه بعدها إلى المدينة المنورة، وأقام في منزل أبي أيّوب الأنصاريّ أشهراً معدودةً، ثمّ اشترى الرّسول عليه السّلام أرضاً، بنى عليها المسجد النبوي الشريف.[١٠]
المراجع
- ↑ محمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة: 121-124. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (11-10-2002)، “حديث الهجرة”، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2017. بتصرّف.
- ↑ أحمد عبد الحليم (7-12-2010)، “أسباب ونتائج الهجرة النبويّة”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية: 9.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة: 146-148. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 3653، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 40.
- ↑ الإمام الطبري، “تفسير سورة التوبة”، مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2017. بتصرّف.
- ↑ نواف عبد الرحمن (2015)، الموجز في التاريخ الإسلامي (الطبعة الأولى)، الأردن-عمان: الجنادريّة، صفحة: 45. بتصرّف.
- ↑ أكرم العمري (9-6-2003)، “وصول رسول الله إلى المدينة”، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2017. بتصرّف.