محتويات
مفهوم الحضارة والثّقافة والمدنيّة
اختلفَ المُفكِّرون حول تحديد مفهوم واضح لكلٍّ من الثّقافة، والمدنيّة، والحضارة، وظهرت آراء مُختلِفة حول ما تعنيه كلُّ كلمة، وكان من الصّعوبة تحديد معنىً واحد وقطعيٍّ لأيٍّ منها؛ حيث إنّنا نَجِدُ العشرات من التعريفات لكلّ مُصطلَح منها، على الرّغم من وجود بعض المعاني غير المُسوَّغة؛ ولهذا كان لا بدّ من توضيح بسيط لكلٍّ من الثقافة، والحضارة، والمدنيّة.[١]
مفهوم الحضارة
الحضارة في اللغة هي الإقامة في الحَضَر، والحَضَر هم من يقيمون في المُدُن، وكلمة حَضَر هي عكس كلمة بَداوة،[٢] أمّا في الاصطلاح فإنَّ الحضارة هي جملة المظاهر التي تُعبِّر بواسطتها الأُمَمُ عن ثقافاتها، والتي من خلالها تقومُ بحماية هذه الثقافة؛ حتى تستطيعَ توريثَها للأجيال القادمة،[١] وتُعتبَرُ الحضارة شاملةً لكلٍّ من الثقافة، والمدنيّة، فهي تقومُ على رابط قويٍّ بين كلٍّ منهما، وإنّ أيّ إهمال لأيٍّ منهما قد يُؤدِّي إلى ضَعْف، ولربُّما يكون بدايةً لانهيار الحضارة.[٣]
اشتُقَّت كلمة الحضارة (Culture) من الكلمة اللاتينيّة (Cultura)، وتعني نَمى أو حَرَث، وتَقتصرُ دلالات هذه الكلمة في العصور السابقة على تنمية الأراضي ومحاصيلها، وحتى تزدهر الحضارة، لا بدّ من توفُّر بعض الشروط، منها:[٤]
- الاستقرار: يُعتبَر الاستقرار من أهمّ شروط تكوين الحضارات وازدهارها، ويُقصَد بالاستقرار عَدمُ الانتقال من منطقة إلى أخرى.
- التعاون: إنَّ استقرار الإنسان في منطقة مُعيَّنة؛ من أجل استثمارها، يَتطلَّب منه أن يكون مُتعاوِناً مع الآخرين، وهذا التعاون هو الذي يُؤدّي إلى قيام الحضارات وازدهارها.
- الكتابة: إنَّ اختراع الإنسان للكتابة يُعَدُّ من أهمّ شروط الحضارة وتكوينها، فمن خلال الكتابة استطاع الإنسان الاتِّصال بالآخرين، ونَقْل كلِّ أفعاله وأقواله إلى الأُمَم القادمة، كما أنَّه استطاع حِفْظ كلِّ شيءٍ قام بإبداعه، والمكاسب الجديدة التي حقَّقها.
مفهوم الثقافة
الثقافة في اللغة مأخوذة من الفعل ثَقُف، وتُطلَق هذه الكلمة على الفِطنة، والعلم، والذكاء، أمّا في الاصطلاح فإنَّ الثقافة هي جُملة المعارف، والفنون، والعلوم لدى مُجتمَع مُعيَّن، بالإضافة إلى الرقيّ في السياسة، والأفكار، والقانون لهذا المجتمع،[٥] وذَكَرَ العديدُ من علماء الاجتماع مفاهيم مُختلِفة للثقافة؛ فمنهم من عرَّفَها من حيث جانبها المادّي، و منهم من عرَّفَها من جانبها الفِكريّ، ومنهم من جَمَع بين الجانبين، إلّا أنَّ أقدمَ تعريف للثقافة هو الذي وَضَعَه إدوارد تايلور؛ حيث عرَّفَ الثقافة على أنَّها كلُّ ما يَشتملُ على العقائد، والمعرفة، والعادات، والأخلاق، وكذلك الفن، والقانون، وغيرها من الأمور التي يَكتسِبُها الفرد.[٦]
إنَّ أحدث تعريف للثقافة هو التعريف الذي جاء في إعلان مكسيكو عام 1982م، حيث نصَّ على أنَّ الثقافة هي جميع السمات المادّية، والروحيّة، والعاطفيّة، التي تُميِّزُ أيَّ مُجتمَع عن غيره، وهي تَضمُّ طريقة حياة هذا المُجتمَع، وفنونه، وآدابه، بالإضافة إلى عاداته، وتقاليده، وحقوق الإنسان الأساسيّة فيه، وتُعتبَرُ الحياة الاجتماعيّة مُترابِطة ومُتكامِلة في المُجتمَع من الناحية السلوكيّة، وكذلك الأفكار، والنُّظُم، التي تُشكِّل بدورها ثقافة المُجتمَع، وللثقافة خصائص مُهمّة، فهي إنسانيّة، مُكتسَبةٌ، كما أنَّها اجتماعيّة، وتكامُليّة، ومُستمِرّة.[٦]
مفهوم المَدنيّة
المدنيّة هي الجزء المادّي من أيّ حضارة، كالعمران، والترفيه، ووسائل الاتصال،[٧] وقد ظهرت المدنيّة نتيجة التفاعُل الحاصل بين العلوم وتطبيقاتها من ناحية، وما أنتجته الأمّة من ناحية أخرى؛ وهذا ما جعلها تَرتبِطُ بالمجالين: الاقتصاديّ والصّناعيّ،[١] ويَرى البعض أنَّ المدنيّة مُرادِفة للحضارة؛ فهم يَرون أنَّها تحملُ الجانب المادّي والمعنويّ للحضارة، كما أنّهم يَعتبرونَها جملة الرقيّ في الصناعة والزراعة في المُجتمَع[٣]
إنَّ المَدنيّة جزءٌ من الحضارة، وهي لا تحتاج إلى شَرْح مُفصَّل في معناها كما في الحضارة والثقافة،إلّا أنّنا نستطيع أن نَذكرَ أنَّ المدنيّة هي تراكُم الإنجازات الإنسانيّة من الناحية المادّية لمُجتمَع مُعيَّن في فترة زمنيّة مُعيَّنة، وهذه الإنجازات تَهدِفُ إلى تسهيل وتيسير حياة الإنسان، ضمن العقيدة السائدة في مُجتمَعه.[٨]
علاقة الحضارة بالثقافة والمَدنيّة
بعد تحديد مفهوم كلٍّ من الحضارة، والثقافة، والمَدنيّة، لا بدّ لنا من ذِكْر العلاقة بين الحضارة والثقافة، وكذلك العلاقة بين الحضارة والمدنيّة، من خلال النّقاط الآتية:
- العلاقة بين الحضارة والمدنيّة: ترتبط كلٌّ من الحضارة، والمَدنيّة ببعضهما البعض، من ناحية جَذْر كلِّ كلمةٍ منهما (حَضَرَ، مَدَنَ)، وإنَّ أيَّ مُجتمَع يريدُ التعبير عن حضارته، لا بدّ له من أن يستكملَ شروط الحضارة، والتي من أهمّها الإقامة في المُدُن أو القرى، وهذه الإقامة هي التي تجعلُ الحضارة والمدنيّة مُتقارِبتان ومُرتبِطتان ببعضهما البعض،[١] ولا تَقتصرُ العلاقة بين الحضارة، والمَدنيّة على جَذر كلِّ كلمة منهما فقط، وإنّما تَرتبِطان ببعضهما البعض بشكل وثيق؛ حيث إنّ الحضارة شاملة للمَدنيّة؛ فالحضارة لها جانبان: ماديٌّ، ومعنويٌّ ، والمدنيّة هي الجزء الماديُّ منها.[٣]
- العلاقة بين الحضارة، والثقافة: تُعبِّر الثقافة عن الناحية المعنويّة، والروحيّة لمُجتمَع ما،[٣] والحضارة لها جانبان: معنويٌّ، وماديٌّ؛ لذا فإنَّ الحضارة شاملة للثقافة، وقد ظهرَت آراء مُختلِفة حول علاقة الثقافة بالحضارة، من أهمّها:[٩]
- يَرى البعض أنَّ الثقافة والحضارة لهما نفس المعنى؛ لذلك استخدموا مُصطلَح (Civilization)؛ للتعبير عن الحضارة والثقافة معاً، دون أن يكون هنالك فرقٌ بينهما.
- يَرى البعض أنَّ الحضارة هي الجزء الماديُّ من الثقافة، وقد ظهر هذا الرأي عند الباحثين ماكيفر، وآدم.
- يَرى البعض أنَّ الثقافة هي جزء من الحضارة بشِقَّيها: الماديِّ، والمعنويِّ، وهذا الرّأي هو السائد في الغَرْب.
الحضارة والثقافة الإسلاميّة
هناك علاقة وثيقة بين الحضارة الإسلاميّة، والثقافة الإسلاميّة؛ فالثقافة الإسلاميّة تُوجِّهُ وتضَبِطُ المعرفة العلميّة، وتُؤثِّر في الحضارة من خلال العقيدة الإسلاميّة، أمّا الحضارة الإسلاميّة فإنَّها تُغيِّرُ من الشكل الذي تُجسَّد فيه الثقافة الإسلاميّة من الناحية المِعياريّة، دون أن يُؤثِّر هذا التغيير على قِيَمِها؛ لذا فإنّ تأثير الحضارة الإسلاميّة في الثقافة هو تأثيرٌ محصور في الصورة، أو الشكل فقط.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب ت ث مصعب البوعليان (15-10-2011)، “نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الحميد حمودة، الحضارة العربية الإسلامية و تأثيرها العالمى، مصر: الدار الثقافية للنشر، صفحة 9. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث عبد الحليم عويس (7-6-2017)، “بين الحضارة والثقافة والمدنية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2018. بتصرّف.
- ↑ “الحضارة”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
- ↑ احمد عاشور (28-5-2016)، “تعريف الثقافة لغةً واصطلاحاً”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب غنى القريشي (23-5-2-11)، “مفهوم الثقافة وخصائصها”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى مدنية في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
- ↑ عزمي طه، قرعوش السيد، الثقافة الإسلامية، عمان – الأردن: المنهل، صفحة 51. بتصرّف.
- ↑ غازي دحمان، “الثقافة والحضارة مقاربة بين الفكرين الغربي والاسلامي”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
- ↑ عزمي طه، قرعوش السيد، الثقافة الإسلامية، عمان – الأردن: المنهل، صفحة 53.