حضارات

ما هي الحضارة الإسلامية

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. حسين مؤنس (1990)، الحضارة، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. حسين مؤنس (1990)، الحضارة، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. حسين مؤنس (1990)، الحضارة، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. حسين مؤنس (1990)، الحضارة، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. حسين مؤنس (1990)، الحضارة، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الحضارة

تعدّدت تعريفات مصطلح الحضارة تبعاً لاختلاف المدارس الفكريّة ووجهات النظر المختلفة، إلّا أن المفهوم العام لمصطلحِ الحضارة يُعرّفها بأنّها عبارة عن مجموعةٍ من العقائد والمبادئ المنظِّمة للمجتمع، وتُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجالات كالعلوم، والآداب، والفنون، وما ينجم عن هذا النشاط من ميول قادرة على صياغة أساليب الحياة المختلفة، والأنماط السلوكيّة، والمناهج المختلفة في التفكير، وقد تطوّر مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعدّدت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنّن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكلّ ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يُعرَّفها ابن خلدون بأنّها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعاً لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلّتها وكثرتها.[١]

يرى ابن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير، وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فيُعرَّف المُؤرخ ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعيٌّ يساعد الأفراد على رفع مُعدّل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما يرى أن الحضارة مكوّنة من أربعة عناصر أساسيّة ألا وهي: النُظُم السياسيّة، والموارد الاجتماعيّة، والتقاليد الخلقيّة، وأخيراً متابعة العلوم والفنون، أمّا نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارةَ لا ترتبط بعرقٍ معين، أو جنس مُحدّد، أو شعب من الشعوب، إلّا أنه يمكن أن تُنسبَ الحضارة إلى منطقةٍ جغرافيّة من العالم، أو أُمةٍ مُعينةٍ من الأُمم.[١] من التعريفات الأُخرى للحضارة هي عبارة نتاج الجهد الذي يطبقه الإنسان لتحسين وتطوير ظروف حياته ومعيشته، سواء كان الجهد المبذول مادياً أمّ معنوياً أو مقصوداً أمّ غير مقصود.[٢]

الحضارة الإسلامية

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على الإسلام؛ حيث إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات السابقة في قيامها وقد تفوقت عليها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة،[٣] ويمكن القول إن الحضارةَ الإسلاميّة هي حضارة نتجت من تفاعل مجموعة الثقافات الخاصة بالشعوب التي دخلت في دين الإسلام، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلاميّة.[١]

تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارةً مقتصرةً على جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ المصدر والمنبع الوحيد لها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة،[١] كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، وأدّت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، وسيطرت الحضارة الإسلاميّة على مجال العلوم منذ القرن الثّالث للهجرة حتّى القرن الخامس للهجرة، كما شملت الحضارة الإسلاميّة مختلف الجوانب الماديّة والمعنويّة، وكرست نفسها لتسهيل التقدّم والتطوّر؛ حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في الوجود قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.[٤]

دعائم الحضارة الإسلامية

تقوم الحضارة الإسلاميّة على مجموعةٍ من الدعائم والركائز، ومنها:[٥]

  • الربّانية: إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلاميّة هي معرفة النّاس بخالقهم؛ حيث تساعد على إيجادِ حلولٍ لجميعِ المشكلات التي تواجه الإنسانيّة، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع.
  • العدل الشامل: إن للعدل أهمية كبيرة في تحقيقِ الأمن والاستقرار في المجتمعِ، والحثّ على الطاعاتِ، وتحقيق الألفة والمودة بين النّاس؛ لذلك يُعدّ العدل قاعدةً من أهم قواعد النظام السياسيّ في المجتمعِ الإسلامي، ويجب أن يُطبقَ العدل في الحضارة الإسلاميّة بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين، حتّى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموّها وعمرانها.
  • الأخوّة الإنسانيّة: جاء الإسلام ليقضي على الفروقاتِ الجنسيّة والتفريق العنصريّ لتحل محلهما الأخوَّة الإنسانيّة، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميعِ الأُمم والشعوب، ودعت إلى عالمٍ تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام.
  • الشورى: تعدّ الشورى قاعدة مهمّة من قواعد الشريعة الإسلاميّة؛ حيث إن الإسلام حثّ على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يُحدّد كيفية تطبيقها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة والمكان والزمان، ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابيّة التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر.
  • المساواة: إن الإسلامَ لا يُفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي يُنادي بها، ويجب أن تتحققَ المساواة في الحقوقِ والواجبات بين جميع النّاس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظلِّ الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقةٍ في المجتمع وطبقة أُخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء.
  • الثبات: يتميّزُ الإسلام بتشريعاتِهِ الثابتة؛ وذلك لأنها ربانية المصدر، أمّا تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم النّاس بما يصلح ويفسد أحوالهم، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقهِ، وما يفسدهم ويصلحهم.
  • الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصّة: يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصّة، كما يُقدم مصلحة الجماعة على مصلحةِ الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتَّعاون في الأمر كله.
  • الرحمة: إن الإسلامَ دين الرحمة، وقد أُرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، وإن أحكامَ الإسلام وشعائره تبعثُ الرحمة في نفوسِ المسلمين.
  • السلام: إن الإسلامَ دين السلام، ولا يُمكن أن يُخالفَ ذلك إلّا جاهل أو حاقد، وإن اسمَ الإسلام مشتقٌ من السلام، ومن يؤمن بدينِ الإسلام يُسمى مسلماً، وترتكز حقيقة الدّين الإسلاميّ في التسليم لربِّ العالمين في كلِّ النواحي والجوانب.

خصائص الحضارة الإسلامية

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:[٦]

  • حضارة مصدرها الوحي: أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.
  • حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصاً متساوية في الحياة.
  • حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
  • حضارة عقليّة وعلميّة: وهي حضارة تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ والدّين، ولا يناقض أو يصادم كلٌّ منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص موضوعيّة العقل.
  • حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.
  • حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.
  • حضارة حيوية: أي ترفض اليأس من الحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدُّنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.
  • حضارة شاملة: فتشمل أحكامها الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.
  • حضارة تراعي عادات المجتمع: ولكن يجب ألّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.[٧]
  • حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.[٧]
  • حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.[٧]
  • حضارة اللغة العربيّة لغتها الأصلية: وهي لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د.عبد العزيز بن عثمان التوجيري (2015)، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل (الطبعة الثانية)، صفحة 11-18. بتصرّف.
  2. د. حسين مؤنس، الحضارة ، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أ.د. موسى محمد أحمد ، أ.د محمد نور موسى (2017)، قراءة في الحضارة الإسلامية: دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية (الطبعة الأولى)، القاهرة – مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، صفحة 15-16. بتصرّف.
  4. الدكتور صادق آئينهوند (1431هـ)، “الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية”، آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثاني، صفحة 1. بتصرّف.
  5. حسام العيسوي إبراهيم (2013-3-13)، “الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  6. أ.د عبد الحليم عويس (2017-7-2)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث أحمد بن سواد (2014-4-14)، “خصائص الحضارة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-8. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى