محتويات
نتائج غزوة الخندق
انهيار اتّحاد اليهود مع المشركين
جاء نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلن إسلامه أمامه، ويُخبره بعدم معرفة قومه بذلك، فأمره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- باللّجوء إلى دهائه وحنكته للتفريق بين الأحزاب وبني قريظة،[١] وكانت الأحزاب قد أَرْسلت وفْدها إلى بني قريظة لِإعلامهم بالتّأهّب والاستعداد للقيام بما تمّ الاتّفاق عليه معهم من شنّ هجومٍ عام على المسلمين، إلّا أنّ بني قريظة رفضت المشاركة في الهجوم بحجّة أنّ تعاليم دينهم تمنعهم من فعل أيّ شيءٍ في يوم السبت مهما كان بسيطاً، فتكون الحرب أوْلى وأجْدر بالمنع، لكنّ الأمر لم يَطَل بهم حتى أفصحوا عن المخاوف التي تحوم في نفوسهم من عدم مقدرة الأحزاب على هزيمة المسلمين والقضاء عليهم، خوفاً من أن تنسحب وتعود فيبقى بنو قريظة وينالهم غضب محمد وأتباعه لكونهم في نفس البلاد.[٢]
وطلب بنو قريظة من الأحزاب تقديم الرهائن لهم، حتى يضمنوا بقاءهم في المعركة إلى أن يتمّ القضاء على المسلمين، فعاد وفد الأحزاب إلى قيادتهم ناقلين لهم جواب بني قريظة وما أرادوه من الرهائن، وحينها تأكّدت قيادة الأحزاب من الشكّ الذي زرعه نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- في نفوسهم، وعلموا أنّ اليهود يريدون الغدر بهم وخيانتهم، وأنّ الرهائن التي طلبوها كانت لأجل أن يُقدّموها لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تكفيراً لنقضهم العهد معه، وإثباتا وتأكيداً لولائهم له، وعندئذ نَقَم قادة الأحزاب على اليهود، وامتلأت نفوسهم غيظاً منهم، فأرسلوا وفدهم إليهم يُعلموهم برفض طلبهم من الرهائن؛ لأنّ هذا يدلّ على عدم الثقة بهم، وطلبوا منهم الهجوم على المسلمين.[٢]
لكنّ بني قريظة عندما سمعت جواب الأحزاب الذي يحمل في طيّاتها رفض ما طلبوه من الرهائن؛ تأكّدت من الشكّ الذي زرعه نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- في نفوسهم، وذلك بأنّ الأحزاب ستنسحب وتنهزم إلى بلادها في حال اشتدّت الحرب فتبقى بنو قريظة وحدها في مواجهة رسول الله، وهو ما لا طاقة لهم به، فأرسلوا مبعوثهم إلى قيادة الأحزاب يخبرهم بأن بني قريظة لن تُشارك في قتال المسلمين إلّا إذا قُدِّمَت الرهائن لها، وهو ما تمّ رفضه رفضاً تامّا من قِبَل الأحزاب، وحاول حيي بن أخطب وهو زعيم يهود بني النضير أن يُسوِّي الخلاف الواقع بين الفريقين، فاتّجه نحو بني قريظة لإقناعهم بالاشتراك في القتال، إلّا أنّ محاولته باءت بالفشل، حيث أصرّوا على موقفهم طالبين سبعين رجلاً رهينةً عندهم، وعندما رأت بنو قريظة أنّ الخلاف مع الأحزاب تفاقم واشتدّ، حاولت مصالحة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مقابل السماح لبني النضير بالعودة إلى المدينة، إلّا أنّ طلبهم رُفِض، وقرّرت الأحزاب العودة والانسحاب بجيوشها مُنهيةً الحصار الذي فرضته على المدينة، وتاركةً خلفها اليهود يَلْقَوا مصيرهم.[٢]
انسحاب المشركين دون قتال
أرسل الله -تعالى- ريحاً قويةً تعصف بمعسكر المشركين، فاقتَلَعت خيامهم، وقَلَبت قدورهم، وأطفأت نارهم، وفي الوقت ذاته كانت الرياح هينةً خفيفةً على المسلمين رغم قصر المسافة التي لا تتجاوز عرض الخندق بين الجيشين، لِتكون هذه الريح أحد الأسباب التي دفعت المشركين لفكّ الحصار الذي دام شهراً كاملاً على المدينة المنورة، والتراجع والانسحاب دون قتالٍ ومواجهةٍ،[٣] وقد أسفر هذا الحصار عن ستّة شهداء من المسلمين وثلاثة قتلى من المشركين،[٤] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ تراجع المشركين وانسحابهم دون قتالٍ فيه دلالة على أمرين: أوّلهما أنّ المشركين لن يتجمّعوا مرةً أخرى لمواجهة المسلمين، وثانيهما أنّ عَجْز المشركين وهم مُتجمّعون ومتّحدون على هزيمة المسلمين والقضاء عليهم يدلّ على عجزهم عن ذلك وهم منفردون، لِذا كان لِهذا الانسحاب أثرٌ عظيمٌ في انتشار الإسلام والدعوة إليه.[٥]
معاقبة يهود بني قريظة على خيانتهم
سَعَت بنو النضير لنقض العهد الذي كان يجمع بين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبني قريظة، حيث أنّ بقاءه واستمراره يُعيق من تحقيق انتصارهم وإلحاق الهزيمة بالمسلمين، فأخذت تُحرّض بني قريظة على ذلك حتى نقضوا عهدهم، فاشتدّ الأمر سوءاً على المسلمين بهذه الخيانة، وأصبحوا محاصَرين من فوق الوادي ومن جنبه ومن جهة الخندق، فعظُمَت الوساوس والظّنون في نفوسهم،[٦] وفي اليوم الذي منّ الله -تعالى- به على المسلمين بهزيمة الأحزاب وفكّ الحصار عنهم، أراد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُعاقِب بني قريظة على غدْرهم وظلمهم، فنادى في أصحابه -رضي الله عنهم- بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ)،[٧] فسارعوا في تلبية ندائه ودعوته، وخرجوا باتّجاه بني قريظة وعددهم حينئذٍ ثلاثة آلاف، فحاصروهم خمساً وعشرين ليلة حتى أسفر هذا الحصار عن استسلام بني قريظة وخضوعهم.[٨]
تعريف بغزوة الخندق
وقعت غزوة الخندق في شهر شوّال من السنة الخامسة للهجرة، وتسمّى بغزوة الأحزاب، وسببها قيام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بإجلاء يهود بني النضير من المدينة المنورة، فقصد عددٌ من حلفائهم قريش بُغية تحريضهم على قتال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فوافقتهم، ثمّ قصدوا غطفان، فانضمّت إليهم بنو فزارة ومرّة وأشجع، واتّجهوا جميعا نحو المدينة، فسارع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمشاورة أصحابه -رضي الله عنهم- بعد أن علم بوِجهة قريش والأحزاب، فأمر المسلمون بحفر الخندق حول المدينة بعد أن أخذ بمشورة سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وعندما وصلت الأحزاب إلى المدينة ذُهِلوا من الخندق لِكونه أمراً لم تَعْتَده العرب من قبل، وكانت عدّتهم حينئذ قد بلغت العشرة آلاف مقاتلٍ لِمواجهة ثلاثة آلاف من المسلمين، وقد أرسلوا حيي بن أخطب وهو أحد اليهود الذين كانوا سبباً في التحريض لقتال المسلمين إلى بني قريظة لمقابلة سيّدها كعب بن أسد ودعوته لِنقض عهد السّلم مع المسلمين، فنَقَضه وخان العهد.[١]
فأراد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مصالحتهم بثلث ثمار المدينة، إلّا أنّ الأنصار رفضوا طَرْح هذا العرض على مَن خان وغدر بالعهد، فتمكّن بعض المشركين من مهاجمة المسلمين وذلك باقتحامهم الخندق من إحدى جوانبه الضّيّقة، إلّا أنّ المسلمين تمكّنوا من التّصدي لهجومهم وإلحاق الهزيمة بهم، حتى منّ الله -تعالى- على رسوله والمسلمين بإرسال ريحٍ قويّة شديدة على الأحزاب الذين تآزروا وتكالبوا عليهم، فمزّقت خيامهم، وبثّت الرعب والخوف في قلوبهم، ممّا دفعهم للتراجع والانسحاب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).[٩][١]
المراجع
- ^ أ ب ت مصطفى السباعي (1405هـ – 1985م)، السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، بيروت: المكتب الاسلامي، صفحة 88-90. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد باشميل (1406هـ – 1986م)، موسوعة الغزوات الكبرى (الطبعة السادسة)، القاهرة: المكتبة السلفية، صفحة 225-230. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 17، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ محمد العواجي (1425هـ – 2004م )، مرويات الإمام الزهري في المغازي (الطبعة الأولى)، صفحة 514-515، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمود خطاب (1422 هـ)، الرسول القائد (الطبعة السادسة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 239. بتصرّف.
- ↑ محمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 275-277. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 946 ، صحيح.
- ↑ محمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 281-282. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 9.