اليهود
إنّ الشرائع والرسالات التي كان يحملها أنبياء الله سبحانه تكمّل بعضها البعض، فتأتي كلّ رسالة لتتمّم الرسالة التي قبلها، وتضيف عليها شرائع أخرى، حتّى جاء الإسلام متمّماً موضّحاً لتمام التوحيد، إذ إنّه خاتم الأديان التي أرسلها الله تعالى لعباده، وإنّ من الكتب التي جاءت تعلّم الناس التوحيد وتدعوهم إلى الفضل من الأقوال والأعمال كتاب التوراة الذي نزل على موسى عليه السلام، وهو المرسَل إلى يهود بني إسرائيل، ولقد أخبر القرآن الكريم أنّ أوّل ما نزل الدين إلى بني إسرائيل كانوا أصحاب قلوبٍ صافية راغبة في العبادة والنُّسك، قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)،[١] فتوجّهوا إلى التوحيد والإيمان بالملائكة والكتب والرسل، وما إلى ذلك من مفاهيم تتعلّق بالعقاب والحساب واليوم الآخر، إلا أنّ هذا الكتاب تعرّض للتحريف يوماً بعد يوم وثار اليهود ضدّ أنبيائهم، وبدأ رفض الشرائع واستبدلوها بالضلال والجحود، وأنكروا يوم البعث وعاثوا في الأرض الفساد.[٢]
وبدا جليّاً أنّ اليهود تركوا مصدر التشريع السماوي، وانجرّوا وراء مصادر أخرى وضيعة، فعاقبهم الله -سبحانه- جزاء أعمالهم، فتاهوا في الأرض سنين طويلة، ونفوا إلى بابل، وزاد الأمر سوءاً عليهم أن لم يرغبوا يوماً أن يختلطوا بالناس من حولهم، فعاشوا في مصر مع أهلها، لكنّهم لم يتجانسوا معهم. وكان من عقاب الله لهم أن ضرب عليهم الذلة والمسكنة في عيشهم، قال الله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)،[٣] وكان من نتائج ترك اليهود لمصدر التشريع السماوي وتمسّكهم بشرائع وضعها أحبارهم أن تركوا الإيمان بالغيبيات، ولم يعودوا يصدّقوا إلا المادة والماديات، فلم يبقَ عندهم للروح والأخلاق نصيب ووزن في حياتهم، ولا مكان للمبادئ والصدق والوفاء، وكان من البديهيّ أن يصلوا إلى إنكار اليوم الآخر، بل وأزالوا كلّ ما يُذكر عنه في توراتهم المحرّفة، فلم يعودوا يذكروا في حياتهم الجنة والنار والعقاب والحساب، والتفتوا إلى الدنيا والماديات في حياتهم واكتفوا بها.[٢]
نبيّ اليهود
نبيّ اليهود هو نبيّ الله موسى عليه السلام، وهو أعظم الأنبياء الذين بعثوا إلى بني إسرائيل، وهو مرجع جميع أنبياء بني إسرائيل، ومحلّ اتّباعهم جميعاً، وقد ذكره الله -تعالى- وذكر قصصاً كثيرة جداً له في القرآن الكريم، وسبب عِظم مكانة موسى بين الأنبياء أنّه هو من قابل فرعون وتعامل معه بدعوته إلى توحيد الله سبحانه، وأنّه هو من عالج بني إسرائيل أشد معالجة، وهو أكثر الأنبياء أتباعاً بعد أتباع النبي محمّد صلى الله عليه وسلم، قال فيه ابن حنبل: (أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى)، وقال ابن تيمية في قصَصِ القرآن له: (قصة موسى هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن، وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من غيرها)، وموسى عليه السلام هو موسى بن عمران بن قاهت بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وقد وصفه الله -تعالى- في كتابه الكريم بالنبوة والإخلاص والرسالة والتكليم والتقريب، وتفضّل عليه بأن جعل أخاه هارون نبيّاً.[٤]
وقد نال موسى -عليه السلام- الكثير من الفضائل فذكر النبي عليه السلام: (لا تُخَيِّروني على موسى، فإن الناسَ يَصعَقون يومَ القيامةِ، فأَصعَقُ معهم، فأكونُ أولَ مَن يُفيقُ، فإذا موسى باطِشٌ جانبَ العرشِ، فلا أدري، أكان فيمَن صَعِقَ فأفاق قبلي، أو كان ممَّن استثنَى اللهُ)،[٥] وورد في صحيح الأحاديث في رحلة النبي في الإسراء والمعراج أنّه مرّ بقبر موسى -عليه السلام- فوجده قائماً يصلّي في قبره. وكان لفضل موسى -عليه السلام- عند الله تعالى أن سأله أن يكون أخاه هارون نبياً معه يعينه في حمل الرسالة فأجاب الله سؤله ولبّى رغبته، قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)،[٦] وكثيراً ما كان يُذكر نبيّ الله موسى ويُذكر كتابه ثمّ يُذكر بعده محمّد -صلى الله عليه وسلم- مع كتابه القرآن الكريم.[٤]
مراحل من حياة نبيّ الله موسى
مرّ نبي الله موسى -عليه السلام- بالكثير من المراحل والمواقف في حياته قبل حمل الرسالة وبعدها، وفيما يأتي ذكرٌ لجانبٍ من حياة موسى -عليه السلام- التي وثّقها القرآن الكريم:[٧][٨]
- لطف الله -تعالى- بموسى وأمّه حين ولدته، ثم اضطرت أن تقذف به في اليمّ خوفاً من فرعون وجنوده أن يقتلوه، فحماه الله سبحانه، ثمّ أعاده إلى أمّه ترضعه سالماً لا يشتكي من شيء، قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).[٩]
- نشأة موسى -عليه السلام- في قصر فرعون الذي أصبح عدواً له في المستقبل، قال تعالى: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).[١٠]
- قتْل موسى لقبطيّ من أتباع فرعون خطأً، فكان هذا السبب الذي اضطره للهجرة من مصر إلى مدين.
- زواج موسى -عليه السلام- من ابنة الرجل الصالح الذي عرض عليه أن ينكحه إحدى ابنتيه مقابل خدمته، قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ*قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).[١١]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 163.
- ^ أ ب “نظرة عامة حول اليهودية واليهود”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-24. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 74.
- ^ أ ب “نبي الله موسى عليه السلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-25. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2411 ، صحيح.
- ↑ سورة مريم، آية: 53.
- ↑ “فوائد من قصة موسى عليه السلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-25. بتصرّف.
- ↑ “كليم الله موسى عليه السلام (1)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-25. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية: 7.
- ↑ سورة القصص، آية: 9.
- ↑ سورة القصص، آية: 27،28.