دروس مستفادة من غزوة الخندق
يُستفاد من غزوة الخندق العديد من الدروس والفوائد، فيما يأتي بيانٌ لها بشيءٍ من التفصيل:
- طلب رسول الله من نُعيم بن مسعود أن ينشر الفتنة بين صفوف الأعداء، وأن يفرّق جمعهم، وفي ذلك دلالةٌ على مشروعية استخدام كل الطرق التي تؤدي بالمسلمين إلى النصر وإلى حقن الدماء، ما عدا الغدر والخيانة، ويدلّ أيضاً على حكمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- السياسية والعسكرية، فإن خداع الأعداء الذي يؤدي إلى هزيمتهم يعدّ من انتصار الحق على الباطل.[١]
- جاءت فكرة حفر الخندق حول المدينة من الصحابي الجليل سلمان الفارسي، فأشار بهذه الفكرة على رسول الله، فقبِلَها ونفّذها، ولم يكن هذا الأمر معروفاً عند العرب، وفي ذلك دلالةٌ على قبول الإسلام لما عند غيرهم من الثّقافات المفيدة إن كانت موافقةً للشريعة الإسلامية، ومرونة رسول الله في تقبّل ذلك.[٢]
- رأى المسلمون بأعينهم في هذه الغزوة تفرّق جموع المشركين، وعودتهم خائبين خاسرين، ففرح المسلمون بنصر الله فرحاً شديداً تبعه شعورهم بالعزّة، وانتماءهم لهذا الدين العظيم.[٣][٤]
- رسّخ رسول الله عند أصحابه في هذه الغزوة مفهوم الشّورى، مع أنّه مؤيّدٌ بالوحي ويمكنه الاستغناء عنها، لكنه أراد أن يكون هذا المبدأ راسخاً عند أمّته، ففيها تجتمع العقول والخبرات والأفكار، ويكون لدى الجميع اليد في اتّخاذ القرار وبناء الفكرة وتنميتها.[٥]
- شارك رسول الله أصحابه في العمل، وكان مرافقاً لهم في جهدهم وتعبهم وآلامهم، فبالرغم من كبر حجم الخندق واتّساعه، إلّا أنّ حفره استغرق من المسلمين ستّة أيام، حيث إنّ المشاركة في العمل قد رفعت الهمّة لدى جموع الصحابة، مما دفعهم إلى سرعة الإنجاز، فلا يتميّز رسول الله عن أصحابه في ذلك؛ بل كان متواضعاً يتساوى معهم في كلّ ظروفهم.[٥]
- غَرَس رسول الله في أصحابة الثقة بالله واليقين بنصره، فرغم محاصرة المسلمين من قبل قبائل المشركين، وقلّة عددهم، وما أصابهم من البرد والجوع والتّعب في حفر الخندق، إلّا أنّ الله -تعالى- نَصَرهم، وكان رسول الله يبشّر أصحابه أثناء حفر الخندق بفتح الشام واليمن وبلاد فارس، فالنصر من عند الله -سبحانه وتعالى-، وعلى المسلم أن يلجأ إليه أولاً حين يصيبه البلاء والشدّة، وقد استمرّت هذه الغزوة قرابة الشهر، وظهر فيها المؤمن الحقّ من غيره، ثم أتى نصر الله.[٥][٤]
- دعا رسول الله على الأحزاب، فقال: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ)،[٦] فاستجاب الله له، وصرف عنه وعن أصحابه جموع المشركين، وهذا يُبيّن لصحابته أهميّة الدعاء والتوكّل على الله والالتجاء له، بعد الأخذ بالأسباب من حفر الخندق، وتفريق جموع المشركين، وغيرها.[٥]
- دعت هذه الغزوة إلى عدم الثقة بالمشركين، وتجنّب إبرام الاتفاقيات معهم، قال -تعالى-: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ).[٧][٤]
- اضطر رسول الله في يومٍ من أيام الغزوة أن يؤخّر صلاة العصر، فصلّاها قريباً من المغرب للاضطرار، ولمّا انتهى دعا على الأعداء لأنهم كانوا سبباً في تأخير الصلاة عن وقتها، وهذا يبيّن أهميّة أداء الصلاة في وقتها في الإسلام.[٤]
سبب غزوة الخندق
زاد حقد اليهود حقداً بعدما أجلاهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من المدينة، فتوجّهوا إلى خيبر، وبدأوا بتحريض القبائل ضدّ رسول الله، وكوّنوا جيشاً يضمّ اثنا عشر ألف مقاتلٍ، وأقبلوا إلى المدينة وحاصروها خمسة عشر يوماً، وقد منعهم من الدخول إليها الخندق الذي حفره المسلمون حولها،[٨][٩] وقد كانت المدينة محميّةً من الجِهة الأخرى من قِبل بني النضير الذين تعاهدوا مع الرسول على حماية المدينة، وما لبثوا إلّا أن نقضوا هذا العهد ووقفوا مع اليهود ضد المسلمين، ثم تراجعوا وانصرفوا دون أن يصلوا إلى مبتغاهم بعدما أرسل الله عليهم الريح والملائكة، وقد كانت هذه الرّيح مع سرعتها شديدة البرودة، وبحسب قول مالك إنّ غزوة الخندق كانت في السنة الرابعة للهجرة، وقال ابن إسحاق إنّها كانت في السنة الخامسة.[٩]
نتائج غزوة الخندق
شتّت الله اليهود والأحزاب وفرّق جمعهم بعد أن اجتمعوا ضدّ المسلمين، فأرسل عليهم ريحاً أطفأت نارهم وخلّعت خِيَمهم، وملائكةً ألقت الرعب في قلوبهم، قال الله -تعالى-: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)،[١٠] فعادوا إلى ديارهم خائبين قد أصابهم الغيظ، دون أن يقع القتال فيما بينهم وبين المسلمين، قال -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)،[١١][١٢] وقُتل من المشركين ستّة، واستُشهد من المسلمين ثلاثة، وقد أثارت هذه المعركة في قلوب الأعداء اليأس من مقاتلة رسول الله، وعدم التفكير في الإقدام على مثل هذا الأمر مرّةً أخرى، كما انطفأت في قلوبهم نار الطّمع في هزيمة محمّد والنيل منه، ممّا دفع الكثير إلى الإقبال على رسول الله معلنين رغبتهم بالدخول في دين الله.[١٣]
المراجع
- ↑ مصطفى السباعي (1985)، السيرة النبوية – دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، دمشق: المكتب الإسلامي، صفحة 119-120. بتصرّف.
- ↑ مصطفى السباعي (1985)، السيرة النبوية – دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، دمشق: المكتب الإسلامي، صفحة 120-121. بتصرّف.
- ↑ محمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 283. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث مراد باخريصة (17-9-2013)، “دروس وعبر من غزوة الأحزاب”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث إسلام ويب (24-2-2010)، “دروس وعبر من غزوة الأحزاب (الخندق)”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم: 1742، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 13.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 363، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب مكّي بن أبي طالب (2008)، الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه (الطبعة الأولى)، الإمارات العربية المتحدة: جامعة الشارقة، صفحة 5793-5794، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 9.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 25.
- ↑ صالح عبد الواحد (1428)، سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 433-434. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو زهرة (1425)، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 701، جزء 2. بتصرّف.