مصطلحات إسلامية

جديد ما هي سقر

التّرغيب والتّرهيب

شَمِل القرآن الكريم، الذي هو كتاب الله المُنّزل منه عزَّ و جلَّ إلى نبيّه محمد عليه الصّلاة والسّلام، والطّريق التي عُرفت به شريعة الإسلام ومنهاج الدّعوة إليه، أسلوباً شائعاً من أساليب الدّفع والمنع للنّفس البشريّ، بترغيبها تارّة وبترهيبها تارّة أُخرى، فقد ذَكر القُرآن أنواعاً عديدة من النّعيم في الدّنيا والآخرة لِمن استجاب لِما يُدعى إليه وامتثل بما أمر الله عزّ وجلّ، فبُشِّرَ بالمعيشة الطّيبة والرّزق الحَسَن في الدّنيا، وبالجنّة في الحياة الآخرة، فرَغَّب الإنسان بها، وحَفّزه على العمل لنيلها، وذكر جُملةً من أوصافها الكثيرة ليُشمّر كل مُجِّدٍ عن ساعده، ويسعى كلّ عامل لنيل ما أَعَدّه الله بها من خيرات ونِعَم، فتتحقّق له السّعادة، وتَسْري في ثنايا نَفْسه الرّاحة والسّرور.

وفي مقابل هذا التّرغيب وهذه الدّعوة إلى النّعيم والسّرور رَهّبَ القرآن الكريم الإنسان من إتيان ما حَرّم الله عزّ وجلّ من سلوكيّات، وحذّره من اقتراف ما يَضرّه من أفعال وتصرّفات، فتوعّد مُقترفيها بالعذاب المُهين والخِزي في الدّنيا والآخرة، فذكر أصنافاً عديدةً، وألواناً كثيرةً من هذا العذاب الشّديد في القرآن والسُنّة النبويّة، فوصف النّار، وطعامها، وشرابها، وزبانيتها المُوكّلون بعذابها، وغيرها من الصّفات والهيئات التي تُرهِب سامِعيْها، وتُنفّرَهم من هولها أشدّ التّنفير.

وقد سَمّى القرآن الكريم النّار بأسماء عديدة تُلازم تَعدُد صفاتها الكثيرة وألوان العذاب المُشتمل فيها؛ كجَهنّم، والهَاوية، ولَظَى، وسَقَر وغيرها من الأسماء والنُّعوت التي ورَدت في القرآن الكريم، والعِبرَة من تعدّد هذه التَّسميات هو عِظَم هذه الدّار وهَولِ ما فيها من العذاب، فإنّ الشّيء إن تعَدّدَت تسمياته وكَثُر ذِكرُه، دَلّ على كِبر أثره وعِظَم شَأنه، سَواءً كان هذا الشَّيء ممّا يَضُرّ أو يَنفع.

مَعنَى سَقَر

سَقَرْ اسمٌ من أسماء النّار التي سمّاها الله به عزَّ وجلَ في كتابه العظيم، فقد ورد هذا الاسم في القرآن العظيم في أربعة مواضع؛ فقال الله تعالى في سُورة القَمر: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)،[١] فيتوعّد الله الكافرين والمجرمين المُكذّبين لآياته والمُشكّكين لرسَالاته بالعَذاب المُهين يوم القيامة، فإنّهم في حَالة لا يُحسدون عليها؛ فهم يُجرُّون في النّار على وجُوهِهم، وهذه حَالٌ في غايَة الإهانة والإذلال؛ لأنّ أكرم شيء خلقه الله في الإنسان وجهه، فبكونه مَقصداً للعذاب والإهانة خِزيٌ ومَذلّة، فيُخاطَبون فيها تقريعاً وتوبيخاً: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)، أي ذوقوا عذابها جزاءً بما كفرتم.[٢]

أَصلُ الاسْم في اللّغة

وسَقَرْ اسمُ عَلَمٍ لجَهنّم مَمنوعٌ من الصَّرفْ، مُشتقّ من الفعل سَقَرَ وهو بمعنى غَيّرَ أو لَوّحَ أو آلَمَ، فيقال: سَقَرَتْه الشَّمسُ أو النَّارُ أي: لَوّحَت جِلدَه وغَيّرت لَونَه، أو آذته وآلمَته بِحَرّها. وممّا جاء من معاني الفعل سَقَرَ في اللّغة: بَعُدَ، فيُقال سَقُرَ الشَيءُ: أي بَعُدَ، ورُبّما سُمّيَت بذلك لبُعد أطرافها أو بُعد قَعرِها واتّساعها.[٣]

ذكرُها في سُورة المُدّثر

تَكرّر ذِكر سَقَر في سورة المُدّثر في ثلاث آيات كريمات، فقال الله تعالى في مُحكَم تنزيله: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)،[٤] فيتوّعد الله عزّ وجلّ أحَدَ الكافرين المُكذّبين من رجال قريش حين عُرِضَ عليه كلامَ الله عزّ وجلّ وأَمْر النَبي محمد صلّى الله عليه وسلّم فقال أنّه سِحرٌ مأثور، وليس بكلام رَبّ العَالمين، وأنّه من كَلام البَشر وتأليفَهم، بتصليته سَقَر، أي بإدخاله وغَمرِه في جَهنّم، ثمّ جاء القرآن الكريم ليُبيّن معناها بصيغة الاستفهام مُبالغةً في التَّعظيم والتَّهويل، وزيادةً في التّرهيب، قال تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ)،[٥] فكان الجواب بقوله جَلّ شأنه: (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)،[٥] أي لا تُبقي لحماً ولا عظماً ولا دماً إلا أحرقته، فهي لا تُبقي من فيها حيّاً ولا تَذره مَيتاً، تَحرقهم كلّما جُدِّدُوا وعادوا إلى الحياة.[٦]

سَقَر نارٌ حامية، شديدةٌ آكلةٌ للبدن، مُذيبةٌ للعظم واللّحم، مؤلمةٌ أشدّ الإيلام. بيّن الله عزّ وجلّ بأنّها (لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ)، أي: مُحرقَة للجِلد مُسَوّدَة له، فتجعله أشَدّ سَواداً من اللّيل. والبَشَر، جمع البَشَرَة وهي: جِلدة الإنسان الظّاهرة، وقيل في معنى البَشَر قولاً آخر وهو: الإنسُ من أهل النّار، فهي تُلوّح لهم، أي تَبرُز لهم وتَظهر فيرونها عَياناً من بعيد،[٦] وفي هذا زيادة في التّخويف والتّرهيب، فكأنّها تدعو أهل الكفر والضّلال المُكذّبين بالبعث والنّشور أن هَلّمُوا إليّ فإنّي قد تَحضّرتُ لكم لتذوقوا من عذاب ما كفرتم به، وأنكرتم وجوده، وضَلَلتم عن التّصديق به.

ثم يُبيّن الله عزّ وجلّ بعد بيان صفاتها وكيفيّة عذابها وإذلالها عَدد المَلائكة المُوكّلين بالعذاب، وهم تسعة عَشر مَلاكاً أشدّاء أقوياء، غُلَظاء، لا يَعْصونَ لله أمراً أمَرهُم به، يتوكّلون بكُل داخل فيها بمَسّه بما يستحقّه من الخِزي والتّحقير والهَوانْ جزاءً بما كان يفعله في الحياة الدُّنيا، وإتماماً لعدل الله وحِكمته وحُكمه على الكافريْن والمُجرميْن، وليَنالَ أهل الأيمان النّعيم المُقيم والثّواب بما صَبروا وقدّموا من خيرٍ وصالح أعمال في الحياة الدنيويّة.

المراجع

  1. سورة القمر، الآية: 47، 48.
  2. “سورة القمر، تفسير ابن كثير “، مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.
  3. “مادة: سَقَرَ”، معجم المعاني .
  4. سورة المدثر، الأيات: 26-30.
  5. ^ أ ب سورة المدثر، الآيات: 27.
  6. ^ أ ب “سورة المدثر، تفسير القرطبي”، مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى