الجنة
يصعب وصف الجنة؛ لأنّ نعيمها يفوق الخيال، وليس لنعيمها نظيرٌ في الدنيا، فهي نورٌ يتلألأ، وقصر مشيّد، وريحانةٌ تهتزّ، وحللٌ كثيرةٌ، وزوجةٌ جميلةٌ حسناء، فيها الخلود والسعادة، فيها دورٌ عاليةٌ بهيةٌ، وقد وصف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابه بناءها، فقال: (الجنةُ بناؤها لَبِنَةٌ من فضةٍ، ولَبِنَةٌ من ذهبٍ، ومِلاطُها المسكُ الأذفرُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتربتُها الزَّعفرانُ، من يدخلُها ينعَمْ لا يبْأَسُ، ويخلدْ لا يموتُ، لا تَبلى ثيابُهم، ولا يَفنى شبابُهم)،[١] وما أخفاه الله -تعالى- أعظم من ذلك، ففيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، ومن الجدير بالذكر أنّ للجنة ثمانية أبواب؛ عرض كلّ باب من أبوابه كما بين مكّة المكرّمة وهجر، أو كما بين مكّة وبصرى ، وورد في بعض الأحاديث أنّ ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، ومن هذه الأبواب باب الريان الذي يدخل منه الصائمون، وباب المجاهدون في سبيل الله، وباب المتصدّقون، وباب للمكثرين من الصلاة، وباب الجنة الأيمن الذي خصّصه الله -تعالى- لمن لا حساب لهم، وفي الجنة الكثير من العيون مختلفة الطعم، ومنها عين الكافور التي يشرب منها الأبرار، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا)،[٢] ومنها عين التسنيم، ومنها عين السلسبيل، وأمّا مساكن أهل الجنة فهي عجب عجاب؛ منها: خيمةً من لؤلؤٍ، بل هي لؤلؤةٌ واحدةٌ مجوفةٌ، طولها في السماء ستون ميلاً، وقيل إنّ عرضها ستون ميلاً، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ في الجنَّةِ خَيمةً مِن لُؤلؤةٍ مُجوَّفةٍ، عَرْضُها سِتُّون مِيلاً، في كلِّ زاويةٍ منها أهْلٌ ما يرَون الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤمِنون)،[٣] ومنها: الغرفات؛ وهي المساكن الطيّبة، والقصور الشاهقة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الجنّة لا شمس فيها ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، إنّما نورٌ دائمٌ، ويعرف أهل الجنة الليل بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب، والنّهار بفتح الأبواب، ورفع الحُجب.[٤]
درجات الجنة
ممّا يدلّ على أنّ الجنّة درجات متفاضلة عن بعضها البعض، قول الله تعالى:(لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم)،[٥] وقيل إنّ أهل الجنة بعضهم أفضل من بعض، فيرى الذي فُضّل ذلك، ولا يرى الذي أسفل منه أن أحداً من الناس فُضّل عليه، وذلك من تمام نعم الله -تعالى- على العباد؛ لأنّ الأنفس تتألم إذا شعرت أن أحداً فوقها إلّا من وفّقه الله تعالى، وقد اختلفت الروايات في عدد درجات الجنّة؛ حيث قيل إنّ عدد درجات الجنة مئة درجةٍ، واستدلّ أصحاب هذا القول بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (إنَّ في الجنةِ مئةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِه، كلُّ درجتيْنِ ما بينهما كما بين السماءِ والأرضِ، فإذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ)،[٦] وقيل إنّ عدد درجات الجنة تزيد عن مئة درجةٍ، واستدلّ اصحاب هذا الرأي بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (يقالُ لصاحبِ القرآنِ إذا دخل الجنَّةِ: اقرأْ واصعَدْ، فيقرَأُ ويصعدُ لكلِّ آيَةٍ درجةً، حتى يقرأَ آخرَ شيءٍ معَهُ)،[٧] وقيل هي سبعون درجةً، ما بين الدرجة والدرجة عدو الجواد المضمر سبعين عاماً، ومن الجدير بالذكر أنّ الجنات بعضها فوق بعض، وبينها مسافاتٍ متباعدةٍ، وعلى الرغم من كثرة عدد درجات الجنة إلّا أنّها ترجع إلى نوعين؛ وهما جنّتان من ذهب بكلّ ما اشتملتا عليه، وجنّتان من فضةٍ بكلّ ما اشتملتا عليه، فأمّا الذهبية فقد أعدّها الله -تعالى- للمقرّبين، وأمّا الفضيّة فقد أعدّها لأصحاب اليمين، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (جنتانِ من فضةٍ، آنيتُهما وما فيهما، وجنتانِ من ذهبٍ، آنيتُهما وما فيهما، وما بين القومِ وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّا رداءُ الكبرياءِ على وجهِه في جنةِ عدنٍ)،[٨] ويتفاضل المؤمنون في الجنة بحسب درجاتهم، وأعلى الدرجات هي درجات الأنبياء عليهم السلام، وعلى الرغم من أنّ أعلى درجة في الجنة هي درجة الأنبياء؛ إلّا أنّها غير محصورة على الأنبياء فقط، وقد يتفضّل الله -تعالى- على غيرهم بالوصول إلى تلك الدرجة، كما يتفاضل الأنبياء في درجات الجنّة، وأفضل درجة في الجنة هي درجة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنّه أوّل من يقرع باب الجنّة، وأوّل من يُفتح له بابها، ثمّ يكون أفضل المؤمنون درجةً في الجنة بعد الأنبياء سبعون ألفاً من أمّة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- يدخلون الجنة بلا حساب، ومن صفاتهم أنّهم يكونون زمرةً واحدةً على صورة القمر، وأمّا أقلّ أهل الجنة درجة هم المُخرجون من النار بعد العقوبة، وفي الحقيقة أنّ أمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- هي أفضل أهل الجنة، حيث إنّهم أوّل من يدخلها، وأكثر أهلها.[٩]
وصف الحور في الجنة
يُمكن القول إنّ الحوراء هي التي في عينها كحلٌ وملاحةٌ، وحسنٌ وبهاءٌ، وأمّا العِين فهنّ ضخام الأعين وحسانها، ويعدّ جمال العين أكثر ما يدلّ على جمال الأنثى وحُسنها، ومن صفات حور العين أنّ الله -تعالى- جعلهنّ عُرباً؛ أي عاشقات لأزواجهنّ، متحببات لهم، وأتراباً؛ أي في سنّ الثلاث والثلاثين سنة، وقيل أتراباً؛ أي لا حسد بينهنّ، ولا تباغض كما يحدث بين الضرائر في الدنيا، كما أنّ الله -تعالى- وصفهن بأنّهنّ قاصرات الطرف عن غير أزواجهنّ، حيث قال: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)،[١٠] فلا يتبرجّن إلّا لأزواجهنّ، وفي صفة أكمل وأعظم وصفهنّ بقصر الطرف؛ أي لا يتجاوز طرفها عن زوجها إلى غيره؛ لأنّها أحبّته ورضيت به، ومن صفاتهنّ أيضاً أنّهن مُطهّرات من كلّ أذى يكون في نساء الدنيا.[١١]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3116، صحيح.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 5،6.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 4879، صحيح.
- ↑ عمر سليمان الأشقر، الجنة والنار، صفحة 147-152، 169-175. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 4.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7423، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 8121، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 7444، صحيح.
- ↑ “درجات الجنة”، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-6-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 72.
- ↑ “صفات الحور العين في الكتاب والسنة”، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 1-6-2018. بتصرّف.