محتويات
'); }
المسجِد
شرع الله سبحانه وتعالى بناء المسجد؛ لتقام فيه الصّلوات وتُؤدّى فيه العبادات؛ ففي المسجد يجتمع المسلمون على اختلاف أعراقهم وألوانهم فيصطفّون صفاً واحداً. بدأ بناء المساجد في عهد الدولة الإسلامية بعد أن هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه إليها، حيث تشكَّلت الدولة الإسلامية، وأصبح للمسلمين كيان مستقلّ، والمسلم مأمور باحترام المساجد جميعها، فهي بيوت الله التي يُعبَد فيها، إلّا أنّ أحد المساجد التي بُنيت في ذاك الوقت قد اكتنفته الشُّبهات، وجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألا يُصلي في مسجد الضّرار هذا أبداً، فما السّبب وراء ذلك، وما قصّة بنائه، وما سبب ما اكتنفه من شُبهات في تلك الفترة؟
تعريف المسجِد
المسجِد في اللغة
السجود مصدر الفعل سجدَ، يُقال: سجَدَ يَسجدُ سجوداً، واسم الفاعل هو ساجِد، ومَسجَد بفتح الجيم: هو اسم لموضع السجود من الجسم الذي هو الجبهة، وجمعها مساجِدُ، أمّا مواضع السّجود في جسم الإنسان التي تُجمَع على مساجِد، فهي: الجبهة، واليدان، والأنف، والقدمان، والرُّكبتان، أمّا المسجِد بكسر الجيم اسم لمكان السجود الذي يُسجَد فيه مراراً، وهو اسم مكان، ويُقصَد به المُصلّى الذي يُصلّي فيه الناس جماعةً، أو هو بيت الصلاة، والمسجِد الحرام: هو المكان الذي فيه الكعبة المشرَّفة، أمّا المسجدان فهما: المسجد النبويّ والمسجد الحرام.[١]
'); }
المسجِد في الاصطلاح
المسجِد هو كلّ موضع أو مكان يُعدّ لتُؤدّى فيه صلوات المسلمين الخمس، كما يُطلَق اسم المسجد على كلّ ما يتّخذه المسلم في بيته ليؤدّي الصّلاة فيه نفلاً، أو فرضاً؛ إذا عجِز عن أداء الفريضة جماعةً في المسجد،[٢] وقد ورد في بيان هذا المعنى للمسجد حديث رواه البخاريّ في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أُعطيتُ خمساً، لم يُعطَهُنَّ أحدٌ قَبلي، نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجِداً وطَهوراً، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ…).[٣]
مسجد الضِّرار
مسجد الضرار هو أي مسجد يُقام لإلحاق الضّرر والأذى بالمسلمين، وقد ألحق بعض العلماء بذلك ما يُبنى رياءً وسُمعةً، قال القرطبيّ: (وكلّ مسجدٍ بُنِي على ضِرار، أو رياءٍ وسمعةٍ، فهو في حُكم مسجد الضِّرار؛ لا تجوز الصّلاة فيه).[٤] وقال تعالى في مسجد الضّرار: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚفِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)،[٥] وقد أشارت هذه الآية الكريمة إلى أنّ كلّ مسجد بُنِي بنفس هدف مسجد الضرار، أو شابهه من حيث المبدأ؛ فليس له حكم شرعيّ، و ليس له حُرمة كغيره من المساجد، ولا يجوز عليه وقْف، وقد حرق أحد ولاة المسلمين الرّاضي بالله العديد من المساجد التي بُنِيت لأسباب فيها شُبهة، أو جاء بناؤها بهدف النّيل من الإسلام، أو لأنّها قامت على عقائد باطلة، مثل: الباطنية، والمشبهة، والجبرية، وغير تلك المساجد، وجعَلَ بعضها الآخر سبيلاً للمسلمين يستخدمونها كما شاؤوا.[٤]
وقال الزمخشريّ في تفسيره: (كلّ مسجد بُنِي مُباهاةً، أو رياءً وسمعةً، أو لِغَرضٍ سوى ابتغاءِ وجهِ اللهِ، أو بمالٍ غيرِ طيّبٍ؛ هو لاحقٌ بمسجدِ الضِّرار، وعن شقيق أنّه لم يُدرك الصّلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلّوا فيه بعد، فقال: لا أحبّ أن أصلّي فيه، فإنّه بُني على ضرارٍ، وكلّ مسجدٍ بُنِي على ضرارٍ، أو رياءٍ وسمعةٍ، فإنّ أصلَهُ ينتهي إلى المسجد الذي بُنِي ضراراً).[٤]
بناء مسجد الضّرار في عهد الرّسول
جاء ذِكر قصّة بناء مسجد الضرار الذي بُنِي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سورة التوبة، حيث جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚفِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)،[٥] أمّا تفاصيل بنائه فقد ورد ذكرها في العديد من كُتُب التفسير؛ حيث جاء فيها أنَّ المدينة قبل أن يدخلها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان فيها رجل من قبيلة الخزرج اسمه أبو عامر الراهب، وكان في الجاهلية نصرانيّاً، وتعلَّم من أهل الكتاب وقرأ كتبهم، وكان في تلك الفترة يتعبَّد بعبادتهم.[٦]
وقد كان لأبي عامر الراهب مكانة عظيمة، وشرف رفيع في قومه، فلمّا انتقل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، واجتمع حوله المسلمون من المهاجرين والأنصار، وصار للإسلام قوّة ومنعة، وخاصّةً بعد غزوة بدر، لم يُعجب ذلك أبا عامر، وأظهر الحقد والعداء للمسلمين، ثمّ اتجه إلى مكة؛ ليحرِّض كفُارها وسادَتها على محاربة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، ثمّ وقعت غزوة أحد، حيث امتحن الله المؤمنين، وفي بداية المعركة توجّه أبو عامر إلى قومه من الأنصار ممّن كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخاطبهم وحرّضهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستمالهم للوقوف في صفّه، وموافقته على ما عزم عليه من عِداء للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فلما رأوا منه ذلك العداء للنبيّ شتموه وسبّوه.[٦]
ولما انتهت غزوة أحد، وازداد شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومكانته، توجّه أبو عامر إلى هرقل ملك الروم، وطلب منه أن ينصره ويُعينه على عداء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوعده هرقل بأنه سينصره ومَنَّاه بذلك، وأقام عنده فترةً، وأخبر المنافقين في المدينة أنّه سيأتيهم بجيش؛ لقتال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ليكسر شوكته ويغلبه، وأمرهم أن يجعلوا لهم مكاناً يجتمعون فيه ويكون لهم معقلاً ومرصداً، فرأوا أن يبنوا مسجداً بجوار مسجد قباء، فبنَوْه، وطلبوا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم للصلاة فيه؛ ليجعلوا له أساساً بين المسلمين، وكان ذلك قبل خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى غزوة تبوك، وكانت حجّتهم بأنّ بناءه كان بقصد إيواء الضعفاء وذوي الأمراض والعِلل، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى عصم نبيّه صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة في ذلك المسجد؛ حيث سافر حينها إلى تبوك، وفي طريق رجوعه إلى المدينة نزل عليه الوحي يخبره بنيّة بناء مسجدهم ذاك وقصدهم، فبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد من يهدمه قبل أن يصل إلى المدينة.[٦] وبنى مسجد الضرار اثنا عشر رجلاً من المنافقين، وهم: خذام بن خالد، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأذعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه: مجمع وزيد، ونبتل بن الحارث، وبحزج من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت.[٦]
المراجع
- ↑ “معنى المسجد”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2017. بتصرّف.
- ↑ “تعريف المسجد لغة وشرعا”، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 15، المجلد: 15، صفحة: 64. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 335، صحيح.
- ^ أ ب ت “تعريف مسجد الضرار وحكم الصلاة فيه”، WWW.islamweb.net، 11-7-2011، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة التوبة، آية: 107، 108.
- ^ أ ب ت ث “ما هو مسجد الضرار”، www.islamqa.info، 17-1-2010، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2017. بتصرّف.