محتويات
'); }
القرآن الكريم
القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله ليكون معجزة الله الخالدة لنبيّه كان مُعجزاً بكلّه وأجزائه، فكما أنّ القرآن الكريم كله معجز، فإن كلَّ آيةٍ فيه معجزة وكل سورةٍ فيه معجزة بكل ما فيها، وقد روي في ذكر إعجاز كتاب الله قول ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذا القرآنَ مأدبةُ اللهِ فاقبَلوا مأدُبتَه ما استطعتَم إنَّ هذا القرآنَ حبلُ اللهِ والنُّورُ المبينُ والشِّفاءُ النَّافعُ عصمةٌ لمن تمسَّك به ونجاةٌ لمن اتَّبعه لا يزيغُ فيُسْتَعْتَبُ ولا يَعوَجُّ فيُقوَّمُ ولا تنقضي عجائبُه ولا يخَلقُ من كثرةِ الرَّدِّ).[١]
إنّ من السور المعجزة في القرآن الكريم سورة التوبة، ومن إعجازِها أنّ الله سبحانه وتعالى قد افتتح جميع سور القرآن البالغ عددها مائ وأربع عشرة سورة بالبسملة باستثناء سورة التوبة؛ حيث إنّ القارئ ينتقل عند القراءة بها من الاستعاذة إلى أول آية من سورة التوبة فوراً وهو قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ)،[٢] وذلك دون ذكر بسملة على خلاف العادة، وقد حيّر ذلك الأمر العلماء والمُفسّرين وأهل أهل اللغة والبلاغة لشدّة إعجاز ذلك الأمر وعنايته بكل تفاصيل السورة وما تحمله من معانٍ وأحكام، فما السبب والحكمة والقصد من ذلك؟
'); }
تعريف عام بسورة التوبة
ترجمة السورة وذكر أسمائها
سورة التّوبة سورةٌ مدنيّةٌ نَزلت في المدينة المنوّرة باستثناء آخر آيتين منها كما قال مُقاتل في تفسيره فهما مكيّتان، وهما قوله تعالى: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)،[٣] وتُسمّى سورة التوبة أيضاً باسم سورة براءة لافتتاحها بقوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، ومن أسمائها كذلك الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين عند نزولها، وسُمّيت أيضاً بالمُبعثرة؛ لأنها بعثرت أسرار المنافقين وكشفت خفاياهم، وهي السورة التاسعة من سور القرآن الكريم.[٤] وقال ابن عاشور إنّ لسورة التوبة أربعة عشر اسماً، ذكر منها في تفسيره الشهير بتفسير ابن عاشور، وممّا ذَكره من أسمائها: التوبة، وبراءة، والمقشقشة، والفاضحة، والعذاب، والمنقرة، والبحوث، والحافرة، والمثيرة، والمبعثرة، والمخزية، والمشددة، والمدمدمة.[٥]
فضل السورة
ممّا جاء في فضل سورة التوبة ما روته السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلّم: (إنّه ما نزل عليّ القرآن إلا آية آية وحرفًا حرفًا خلا سورة براءة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فإنّهما أنزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة كل يقول: يا محمد استوص بنسبة الله خيرا)،[٦]
سبب عدم ورود البسملة في افتتاح السورة
جاء في عدم ذكر البسملة في أول سورة التوبة خمس روايات منها:
- ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنّه قال: قلت لعثمان: (ما حملكم على أن عدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المائين، فقرأتموهما معا ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) ووضعتموهما في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء يدعو بعض من يكتب له ويقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة، وكانت براءة في آخر القرآن، وكانت قصتها تشبه بعضها بعضا فظننت أنها منها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنّها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم)،[٧] وذُكر عن الكلبي أنه قال: براءة من الأنفال، فلذلك لم يكتب – بسم الله الرحمن الرحيم – وهي تسمى الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين.[٨]
- جاء في سبب عدم ذكر البسملة فيها كذلك أَن الصَّحَابَة اخْتلفُوا في سورة الأنفال والتوبة هل هما سورتان أم سورةٌ واحدة، فَقَالَ بَعضهم: هما سورتان، وَقَالَ بَعضهم: هما سُورَة وَاحِدَة؛ فاتفقوا أَن يفصلوا بَين السورتين، وَلَا يكتبوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حتى تكون بينهما فرجة فلم تُذكر البسملة تحقيقاً لقول من قال إنهما سورةٌ واحدة، ولم تتصلا معاً تحقيقاً لقول من قال إنهما سورتان، فرضي الفريقان.[٩]
- قيل إن سبب ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب من أنه سئل عن ذلك، فقال: (لأنها نزلت في السيف، وليس في السيف أمان، وبسم الله الرحمن الرحيم من الأمان).[٨]
- روي عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (نسي الكاتب أن يكتب – بسم الله الرحمن الرحيم – في أول هذه السورة، فتركت على حالها).[٨]
- قيل: إنّه كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قومٍ عهد ثم أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يبدؤوا فيه ببسم الله فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – والمشركين لما كان منهم في غزوة تبوك من نقض عهود وخيانة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسورة التوبة مع علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في موسم الحج ولم يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم جرياً على عادة العرب في ذلك فيما يخص نقض العهد من ترك البسملة.[١٠]
المراجع
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2/302.
- ↑ سورة التوبة، آية: 1.
- ↑ سورة التوبة، آية: 128-129.
- ↑ أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (1423)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 154، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ “مقاصد سورة التوبة”، إسلام ويب، 10-8-2011، اطّلع عليه بتاريخ 3-1-2017.
- ↑ رواه أبو اسحاق الثعالبي، في الكشف والبيان عن تفسير القرآن، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 5/5، عزاه إلى تفسير مجمع البيان.
- ↑ رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7/327.
- ^ أ ب ت أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، بحر العلوم، صفحة 37، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزي السمعاني التميمي (1997)، تفسير القرآن للسمعاني (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 285، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن المعروف بتفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة – مصر: دار الكتب المصرية، صفحة 61، جزء 8.