عبادات

جديد ما كيفية سجود الشكر

كيفية سجود الشكر

جاءت تعريفات سجود الشّكر عند الفقهاء تدور حول معنى واحدٍ تقريباً؛ وهو أنّ الشّكر لله -عزّ وجلّ- يكون لِحلول نعمةٍ، أو لِزوال نقمةٍ، ومن أبرز تعريفات سجود الشّكر؛ أنّه السّجود الذي يُؤدّيه العبد لله -سبحانه وتعالى- شكراً عند حصول خيرٍ ونعمةٍ؛ ويكون سجدةً واحدةً كالسّجود في الصّلاة،[١] وهيئةَ سجود الشّكر هي ذاتها هيئةُ سجود التّلاوة.[٢]

وتتلخّص كيفيةُ سجود الشّكر؛ باستحضار النيّة أوّلاً، ويُستحبّ التلفّظ بها، والقيام في البداية، ثمّ تكبيرة الإحرام كالتي في بداية الصّلاة، ويُستحبّ رفع اليدَين معها، ثمّ تكبيرة أخرى للنزول للسجود دون رفع اليدين معها، وإن تم الاقتصار على تكبيرة الإحرام فقط جاز ذلك، ثمّ السّجود، ويُسنّ فيه قول: (اللَّهمَّ لَكَ سجدتُ، وبِكَ آمنتُ، ولَكَ أسلمتُ، اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، سجدَ وجْهي للَّذي خلقَهُ وصوَّرَهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ)،[٣] وقول: (اللَّهمَّ اكتُب لي بها عندَك أَجرًا، واجعَلها لي عندَك ذُخْرًا، وضع عَنِّي بها وِزرًا، واقبَلها منِّي كما تقبَّلتَ من عبدِك داودَ)،[٤] ثم التكبير والرفع من السجود، ثمّ التسليم، ويجب الترتيب بينهم،[٥] ولا يكونُ سجود الشّكر داخل الصّلاة، ولا يجوز قبل إتمامها ولو بحرفٍ، ولو فعلها المُصلّي عامداً تَبطلُ صلاته،[٦] وقد تعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط ما يُشترط لصّلاة النّافلة في سجود الشّكر؛ من الطّهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وبيان آرائهم فيما يأتي:[٧]

  • القول الأوّل: عدم اشتراطها لصحّة سجود الشّكر؛ وهو قول الحنابلة، والظّاهريّة، وبعض المالكيّة، وذلك لعدم ورود دليلٍ في الكتاب أو السنة أو الإجماع يدلّ على وجوب الطهارة وغيرها عند سجود الشكر، ولو كان ذلك واجباً لبيّنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرِد عنه ذلك، كما أنّ قياسه على سجود التلاوة لا يصحّ عندهم؛ لأنه لم يُنقل عن النبيّ أنّه تطهّر لسجود التلاوة ولم يأمر بذلك، ثم إن سبب سجود الشكر يكون مفاجئاً، وفي الوضوء له والتطهّر وغيرها يؤخّر السجود ويُذهب معنى الشّكر، وهذا يُقاس على الأذكار والتسابيح والحمد الذي يُفعل خارج الصلاة، فكلّ تلك الأمور لا تحتاج إلى وضوءٍ وطهارة.
  • القول الثاني: اشتراط ما يُشترط لصلاة النّافلة لصحّة سجود الشّكر، وذهب إلى هذا القول الشّافعيّة، وبعض الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وقال به أكثر الحنابلة، واعتبروا أنّ سجود الشّكر كالصلاة، فهي عبادة يُقصد بها التقرّب إلى الله -عزّ وجلّ-، فوجب لها ما يجب لصلاة النافلة من التطهّر والوضوء وستر العورة وغير ذلك.

تعريف سجود الشكر

إن فضائل سجود الشّكر عظيمةٌ، وهي فيما يأتي:[٨]

  • إنّ الشكر لله -عزّ وجلّ- هو مفتاحٌ لِكلّ الخيرات والبركات المُنزّلة منه -سبحانه- لعباده الشّاكرين؛ لقوله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).[٩]
  • إنّ الشّكر لله -عزّ وجلّ- فيه دوام تعلّق العبد بربّه وقُربِه منه؛ بحيث يكون العبد محلّاً لأن يُنعم ويتفضّل الله -تعالى- عليه، يقول -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).[١٠]
  • إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- معانٍ ساميةٌ؛ منها اعتراف العبد لله -تعالى- بربوبيّته ووحدانيّتِه، وأنّه الإله الحقّ المستحقّ للعبادة، وأنّ الأمر منه وإليه، وبيده مقاليد كلّ شيءٍ.
  • إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- تجلّي مكانة العبد عند ربّه -تعالى-؛ فيكون محلّاً لحفظه ورعايته وحمايته من كُلّ ما يواجهه من شرورٍ ومصائب؛ كالحسد، والبُغض، والكيد، والظّلم، أو حتّى من شرّ نفسه التي بين جنبَيه بأن يستعمل نعمه -تعالى- في معصيتِه، وهو المُنعم عليه.

سبب سجود الشكر

إنّ سجود الشّكر مستحبٌّ في غير الصّلاة عند حلول النّعم وزوال النّقم، وذلك مطلقاً؛ لِما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: (إنَّ النبيَّ كان إذا أتاه أمرٌ يُسرُّ به خرَّ ساجدًا)،[١١][١٢] فهو مُستحبٌّ عند هجوم نعمةٍ على المسلم من حيث لا يدري، وهذه النّعمة قد تكون ظاهرةً؛ كقدوم مولودٍ جديدٍ، ورجوع غائبٍ، وشفاء مريضٍ، أو الحصول على عملٍ دينيٍّ محبّبٍ يكون أهلاً له، وقد تكون النّعمة باطنةً؛ كحدوث علمٍ له أو لولده، أو نزول مطرٍ لحاجةٍ إليه، وغيرها، والمقصود بهجوم النّعمة تجدّد حصولها في حال كان ذلك متوقّعاً أو لا، ويخرج من التعريف النّعم المستمرّة؛ كالعافية والغِنى، فهي لا يسجد لها؛ لأنّها مستمرة في معظم عمر الإنسان، ويخرج كذلك النّعمة التي لا وقع لها؛ كالحصول على درهمٍ، وإن كان الذي قد وجده مثلاً مضطراً له، يسجد لله شكراً.[١٣]

ويُستحبّ سجود الشّكر عند اندفاع النّقمة عن المسلم أو عن غيره؛ وتكون ظاهرةً من حيث لا يدري؛ كالنّجاة من الهدْم أو الخطر أو الغَرق، وهذه بخلاف غير الظّاهرة؛ كاندفاع رؤية عدوٍ أو بغيضٍ له، و لو ضمّ إلى السّجود صدقةً أو صلاةً ونحوها كان أوْلى، ولو جعل الصدقة والصلاة مقام الشّكر فهذا حسنٌ، لكن مع نيّته بالشُّكر على النعمة، وتُستحبّ أيضاً عند رؤية مبتلًى في بدنه أو عقله؛ وذلك شكراً لله -سبحانه- على حفظ نعمته هذه عليه، ويُسِرّها استحباباً وندباً؛ لئلّا ينكسر قلب غيره بإظهارها، ويُندب لمن يرى مبتلىً أن يقول في سِرِّه: (الحمدُ للَّهِ الَّذي عافاني ممَّا ابتلاَكَ بِهِ وفضَّلني على كثيرٍ ممَّن خلقَ تفضيلاً).[١٤][١٣]

حكم سجود الشكر

تعدّدت آراء أهل العلم في حكم سجود الشّكر، وبيان ذلك فيما يأتي:

  • الرأي الأوّل: الاستحباب؛ وقال بذلك أكثر أهل العلم، واستدلّوا بما رواه أبو بكرة -رضي الله عنه-، حيث قال: (إنَّ النبيَّ كان إذا أتاه أمرٌ يُسرُّ به خرَّ ساجدًا).[١٥][١٦]
  • الرأي الثاني: الكراهة؛ وتُندب صلاة الشّكر بدلاّ منها، وذهب إلى هذا القول المالكيّة.[١٧]

المراجع

  1. “سجود الشكر”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2020. بتصرّف.
  2. حسن بن عمار الشرنبلالي (1246هـ)، نور الإيضاح ونجاة الأرواح في الفقه الحنفي، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 101. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن محمد بن مسلمة، الصفحة أو الرقم: 1127، صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1441، حسن لغيره.
  5. سعيد باعشن (1425هـ)، شَرح المقدمة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 307-308، جزء 1. بتصرّف.
  6. سليمان بن عمر العجيلي، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، دمشق: دار الفكر، صفحة 475، جزء 1. بتصرّف.
  7. د.إيناس عبد الرزاق علي الجبوري، حكم سجود الشكر في الفقه الإسلاميّ، بغداد: مجلة الجامعة العراقية، صفحة 268-270. بتصرّف.
  8. “سجود الشكر: مشروعيته وصفته”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2020. بتصرّف.
  9. سورة إبراهيم، آية: 7.
  10. سورة آل عمران، آية: 101.
  11. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 474، حسن.
  12. البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 120. بتصرّف.
  13. ^ أ ب سعيد باعشن (1425هـ)، شَرح المقدمة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 308-310، جزء 1. بتصرّف.
  14. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3432، صحيح.
  15. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 474، حسن.
  16. النووي، المجموع شرح المهذّب، بيروت: دار الفكر، صفحة 70، جزء 4. بتصرّف.
  17. كوكب عبيد (1406هـ)، فقه العبادات على المذهب المالكي (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الإنشاء، صفحة 192. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى