عِلم الحديث
تتنوّع العلوم والمعارف الشرعية وتتّسع، وهذا يدلُّ على شموليّة الإسلام، ومن هذه العلوم علم الفقه، وعلم التفسير، وعلم الحديث، ويُعدّ علمُ الحديثِ أحدَ أبرزِ العلومِ الشرعيّةِ التي أسّسَ لها العلماءُ قديماً وحديثاً؛ فهو من العلومِ ذاتِ الأهميةِ البالغةِ في معرفةِ بعضِ تفاصيلِ الشريعةِ الإسلاميةِ؛ كتفاصيلِ بعض مسائلِ العقيدةِ الإسلاميةِ، وتفاصيل بعضِ العباداتِ، وهو أيضاً طريقٌ للوصولِ إلى بعضِ الأحكامِ الشرعيّةِ، وفي هذه المقالة سيكون بيانُ أهميّة هذا العلم.
معنى الحديث
- الحديث في اللغة: كلمةٌ مُفردةٌ، جمعها أحاديث، وتُجمَع كذلك على حِداث، وهي كلُّ ما يتحدَّث الناس به من الكلام، أو الأخبار، أو نحو ذلك، أمّا علم الحديث في اللغة فهو: أحد العلوم التي تُعرَف من خلاله أقوالُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأحواله، وأفعاله، ويُطلَق على أهل الحديث ورجاله: المُحدِّثون.[١]
- الحديث في الاصطلاح: هو ما أُضيف إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو وصفٍ خَلْقي أو خُلُقي، والمُراد بتقرير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يتكلَّمُ أحدُ الصحابةِ -رضي الله عنهم- أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقولٍ ما، أو أن يفعلَ أمراً ما، فلا يُنكِر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك القول أو الفعل؛ أو أن يكون قد وصل خبر ذلك القول أو الفعل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فسكت عنه، ممّا يُعطي ذلك الفعل أو القول صِبغةً شرعيّةً تشريعيةً، أمّا صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الخَلْقِيَّة فهي ما يتعلَّق بشكل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهيئته، بينما تعني صفاته الخُلُقيَّة ما كان يتَّصفُ بهِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من أخلاقٍ، مثل: الجودِ، والكرمِ، والتواضعِ، والإحسانِ للفقراءِ واليتامى والمساكينِ، إلى غير ذلك من الأخلاقِ والشمائلِ التي كان يتَّصف بها النبي صلى الله عليه وسلم.[٢]
أهمية دراسة الحديث
قال العلّامة ابنُ الصّلاح: (وَإِنَّ عِلمَ الحَدِيثِ مِن أَفضَلِ العُلُومِ الفَاضِلَةِ، وَأَنفَعِ الفُنُونِ النَّافِعَةِ، يُحِبُّهُ ذُكُورُ الرِّجَالِ وَفُحُولَتُهُم، وَيُعنَى بِهِ مُحَقِّقُو العُلَمَاءِ وَكَمَلَتُهُم، وَلَا يَكرَهُهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رُذَالَتُهُمْ وَسَفَلَتُهُم؛ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ تَوَلُّجاً فِي فُنُونِهَا، لَا سِيَّمَا الفِقهُ الَّذِي هُوَ إِنسَانُ عُيُونِهَا)، ويقول الإمام الحافظ بنُ حجر العسقلاني: (وَإِنَّمَا صَارَ أَكثَرَ، لِاحتِيَاجِ كُلٍّ مِنَ العُلُومِ الثَّلَاثَةِ إِلَيهِ، أَمَّا الحَدِيثُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّفسِيرُ، فَإِنَّ أَولَى مَا فُسِّرَ بِهِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى مَا ثَبَتَ عَن نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَيَحتَاجُ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَعرِفَةِ مَا ثَبَتَ مِمَّا لَم يَثبُت)، كما نُقِل عن الإمام الحافظ العراقيّ رحمه الله، أنّه قال: (فَعِلمُ الحَدِيثِ خَطِيرٌ وَقعُهُ، كَثِيرٌ نَفعُهُ، عَلَيهِ مَدَارُ أَكثَرِ الأحكَامِ، وَبِهِ يُعرَفُ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلِأَهلِهِ اصطِلَاحٌ لَا بُدَّ لِلطَّالِبِ مِن فَهمِهِ، فَلِهَذَا نُدِبَ إِلَى تَقدِيمِ العِنَايَةِ بِكِتَابٍ فِي عِلمِهِ).[٣]
وبهذا فإنّ أهمية دراسة الحديث كأحد العلوم الشرعيّة تظهر من خلال ما يأتي:[٤]
- تظهر أهميّة علم الحديث في كونه يحفظ الدين الإسلاميّ من التزييف، أو التحريف، أو التبديل، لذلك فقد هيّأ الله -سبحانه وتعالى- من يعتني بنصوص الحديث، وطرق روايته، والاستدلال به، لبيان الصحيح من الحديثِ النبويِ، من الضعيفِ أو الموضوعِ، وحتى لا يختلط كلامُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بكلامِ غيرهِ من الناسِ.
- علمُ الحديثِ يُوصل إلى معرفةِ الصحيحِ من العباداتِ، التي جاء بها نصٌّ عن النبيِ صلى الله عليه وسلم.
- علم الحديث يوصل إلى حُسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لا يكون الاقتداء إلا بما صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأفعال، والأقوال، والصِّفات، والأخلاق، والمُعاملات.
- علمُ الحديثِ يوصلُ إلى الابتعاد عن التحدثِ بالكذبِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
- علمُ الحديثِ يوصلُ إلى حفظِ العقولِ والكتبِ العلميةِ من الخرافاتِ والإسرائيليّاتِ، التي تُفسِد العباداتِ والعقائد.
أقسام علم الحديث
قسَّم علماء الحديث علم الحديث إلى قسمين رئيسين، هما: علم الحديث من حيث الرّواية، وعلم الحديث من حيث الدّراية، وفيما يأتي بيان المقصود بهما:[٥]
- علم الحديث رِوايةً: هو العلم الذي يشتمل على كلّ ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقيّة، من ناحية ضبط الكلمات، وتحرير الألفاظ، وكيفيّة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يبحث علم رواية فيما يتعلَّق بسند الحديث؛ من حيث درجة قبوله، أو ردّه، ودراسة رواية الحديث، وضبطها، ودراسة سندها، ومعرفة حال كلِّ حديثٍ من حيث القبول والردّ، ومعرفة معاني ألفاظِ الحديثِ، وشروحهِ، وما يُمكن أن يُستنبَط منه من الأحكامِ والفوائدِ.
- علم الحديث دِرايةً: يُسمّى بعلمِ مصطلحِ الحديثِ، أو علمِ أصولِ الحديثِ، أو علومِ الحديثِ، ويُقصَد به العلمُ بالقواعدِ التي يمكن من خلالها الوصول إلى معرفةِ أحوالِ سندِ الحديثِ، ومتنهِ، وبه يصلُ العالِمُ إلى درجةِ الحديثِ من حيث القبولِ أو الردِّ، ويمكن تعريفه كذلك بأنّه القواعدُ المُعَرِّفةُ بحالِ الراوي والمرويّ.
يظهر من التعريفاتِ السابقةِ أنَّ علمَ الحديثِ دِراية يوصِل الباحث في العلمِ الشرعيِّ إلى معرفةِ الأحاديثِ المقبولةِ من الأحاديثِ المردودةِ بشكلٍ عامٍ، ويكون ذلك عن طريق وضعِ قواعد عامّةٍ؛ لمعرفةِ الحديثِ المقبولِ من الحديثِ المردودِ، أمّا علمُ الروايةِ فيَبحث في حديثٍ معيّنٍ؛ بتطبيقِ قواعدِ علم الدِّرايةِ عليه.[٥]
المراجع
- ↑ “معنى حديث”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
- ↑ طه محمد الساكت (16-3-2014)، “في معنى ” الحديث ” لغة واصطلاحا وما يتصل به “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
- ↑ محمد طه شعبان (5/8/2017)، “أهمية علم الحديث”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن محمود الفريح (2-11-2013)، “مصطلح الحديث ( تعريفه-فوائده-غاياته )”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب “علم الحديث رواية ودراية”، www.fatwa.islamweb.net، 14-10-2003، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.