معاملات إسلامية

جديد حق الجار على الجار

الجار أهميته وتعريفه

من جملة الوصايا التي أوصى الله تعالى بها عباده المؤمنين الإحسان للجار وقد جاءت هذه الوصية في الآية ذاتها التي يدعو فيها سبحانه وتعالى للإيمان به، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ).[١]

أما في اللغة فلكلمة جار عدّة اشتقاقاتٍ ومَعانٍ، فمنها (جاوره) مجاورةً وجواراً أي ساكنه، ولاصقه في المَسكن، وأعطاه ذمّةً يكون بها جاره، ويُجيره وجاور المسجد إذا اعتكف فيه، ويُقال جاور المدينة أو مكة وبني فلان وفيهم، أي تمتع بجوارهم. واجتور القوم جاور بعضهم بعضاً، والجار المُجاور في المسكن.[٢]

لا يخرج المعنى الاصطلاحي لمفهوم الجار عن المعنى اللُّغوي، فيكون معنى الجار المُلاصقة في السكن، ونحوه كالبستان، والشركة، والدكان.[٣]

حق الجار على الجار

للجار على جاره حقوقٌ كثيرةٌ، ومن هذه الحقوق ما يأتي:

  • الإحسان إلى الجار،[٤] فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (اتَّقِ المحارمَ تكن أعبدَ الناسِ، وارْضَ بما قسم اللهُ لك تكن أغنى الناسِ وأَحْسِنْ الى جارِك تكن مؤمنًا، وأَحِبَّ للناسِ ما تُحبُّ لنفسِك تكن مسلمًا، ولا تُكثِرِ الضحكَ، فإنَّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلبَ، كن ورعًا تكن أعبدَ الناسِ، وكن قنعًا تكن أشكرَ الناسِ وأَحِبَّ للناسِ ما تُحبُّ لنفسِك تكن مؤمنًا، وأحْسِنْ مجاورةَ من جاورَك تكن مسلمًا).[٥]
  • إكرام الجار،[٤] فعن أبي شُريح العدوي -رضي الله عنه- أنّه قال: (سمِعَتْ أُذُنايَ، وأبصَرَتْ عَينايَ، حين تَكَلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ( مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُكرِمْ جارَهُ)).[٦]
  • تَفقُّد الجار وإطعامه إن جاع،[٧] فقد جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به).[٨]
  • المُحافظة على عِرض الجار وعدم خيانته،[٧] فقد جاء في الرواية عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (سألتُ، أو سئلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الذنبِ عندَ اللهِ أكبرُ؟ قالَ: (أنْ تجعلَ للهِ ندًا وهوَ خَلَقَكَ) قلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قالَ: (ثمَّ أنْ تقتُلَ ولدَكَ خِشيَةَ أنْ يطْعَمَ معكَ). قلتُ: ثم أيُّ؟ قالَ: (أنْ تُزانِيَ بحليلةِ جارِكَ). قالَ: ونزلَتْ هذهِ الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ }).[٩]
  • مُشاركة الجار مناسباته، فيواسيه في المصيبة، ويُشاركه ويفرح معه في مناسباته السعيدة.[١٠]
  • حل مشاكل الجار وقضاء حوائجه.[١١]
  • إحسان الظن بالجار.[١١]
  • كف الأذى عن الجار،[١١] فقد رُوي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال: (لا يدخُلُ الجنَّةَ مَن لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه).[١٢]

أصناف الجار

الجار إمّا أن يكون قريباً، وهو الذي وَصفته الآية الكريمة بالجار ذي القربى في قوله تعالى: (…وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ)[١]، فهو جارٌ وقريبٌ في آنٍ واحدٍ، ولذلك يَجتمع له الحقّان، حقُّ الجوار وحقُّ القُربى، ثم تَكلّمت الآية الكريمة عن الجار الجُنُب، وتفسير الجار الجنب يَحتمل عدّة وجوه، ولعلها كلها صحيحة، وقد قيل في تفسير الجار الجُنُب إنّه الجار الذي لا تربطه بك صِلة قرابة،[١٣] وقيل الجار الجنب هو الجار الذي لا يُخالط جيرانه، حتى إنّه لشدة اعتزاله للناس فإنَّهم لا يعرفون اسمه، وهذا التوجيه في التفسير هو نظرة مُعاصرة لتفسير الجار الجُنُب قاله الشيخ الشعراوي رحمه الله.[١٤]

وكلّما كان الجار أقرب كان هذا القرب أكثر تأكيداً لحقه، فالأولوية للجار الذي له جِوار وقرابة، ثم من له جِوار ولا تَربطه بجاره صِلة قرابة ولكنّه جارٌ مسلم، ثمّ جارٌ ليس له صِلة قرابة، وليس مُسلماً بل قد يكون يَهوديّاً أو نَصرانيّاً، ولهذا الجار اليهودي والنصراني حق الجوار كذلك، شأنه شأن باقي الجيران، وإنّما الكلام عن الترتيب والأولوية في الإهداء والعطيَّة في حال وجودها، ولا يُقصد قطعاً أن يُحسن إلى أحد هؤلاء الجيران دون غيره، بل يُحسن الجار إلى جميع جيرانه.

يقول سيد قطب في تفسيره: (يلحظ في هذه الآية -وفي كثير غيرها- أن التوجيه إلى البِر يبدأ بذوي القربى -قرابة خاصة أو عامة- ثم يمتد منها ويتسع نطاقه من محورها، إلى بقية المحتاجين إلى الرعاية من الأسرة الإنسانية الكبيرة).[١٥]

حد الجوار

اختلف الفقهاء في حد الجوار، ومن هو الجار الذي له حق الجوار؟ إلى عِدَّة أقوال على النحو الآتي:

  • ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّ حد الجوار أربعون جاراً في كل اتجاه،[١٦] واستدلوا بما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام قال: (حَقُّ الجارِ أربعونَ دَارًا هَكَذا وَهكَذا وَهكَذا وَهكَذا يَمينًا وشِمالًا وقُدَّامًا وخَلْفًا).[١٧]
  • وذهب المالكية إلى أن الجار هو الجار المُلاصق من أي جهة من الجهات، أو هو الجار المُقابل له بحيث يكون بينهما شارعٌ ضيِّقٌ، على ألا يفصل بين الجوار فاصلٌ كبيرٌ، مثل السوق أو النهر المُّتَسع، أو الجيران الذين يجمعهما مسجدٌ أو مسجدان مُتقاربان، إلا إذا دلّ العرف في بلدٍ على غير هذا الحد، فيُؤخذ بالعرف حينها في تحديد الجار.[١٨]
وحَمل المالكية حديث: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يشكو جارًا له، فأمر النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بعضَ أصحابِه أن يناديَ: ألا إنَّ أربعين دارًا جارٌ).[١٩] على الاحترام والتكريم للجار، وما للجار من حقوق واجبة على جاره.[١٨]
  • وذهب أبو حنيفة وزُفر إلى أنَّ الجار هو الجار المُلاصق في السكن،[٢٠] وحُجَّتهم في ذلك أنّ المُجاورة هي المُلاصقة الحقيقية.

فيديو عن حقوق الجار

لمعرفة المزيد شاهد الفيديو التالي

المراجع

  1. ^ أ ب سورة النساء، آية: 36.
  2. مجمع اللغة العربية بالقاهرة (بدون)، المعجم الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الدعوة، صفحة 146.
  3. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية ((من 1404 – 1427 هـ))، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 316، جزء 16.
  4. ^ أ ب كمال الدين عبد الغني المرسي ( 1419هـ/ 1998م)، من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي (الطبعة الأولى)، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، صفحة 119.
  5. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 930، حسن لشواهده.
  6. رواه البخاري، في صحيح الخاري، عن أبي شريح العدوي، الصفحة أو الرقم: 6019، صحيح.
  7. ^ أ ب عابد بن عبد الله الثبيتي (20-10-2013)، “حقوق الجار”، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22-2-2017.
  8. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5505، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 4761، صحيح.
  10. زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) (1422هـ – 2001م)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 349، جزء 1.
  11. ^ أ ب ت الشيخ ندا أبو أحمد (2-7-2012م)، “حقوق الجار”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 46، صحيح.
  13. عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ) (1420هـ -2000 م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، السعودية: الرسالة، صفحة 177.
  14. محمد متولي الشعراوي (المتوفى: 1418هـ) (1997م)، تفسير الشعراوي (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع أخبار اليوم، صفحة 2221، جزء 4.
  15. سيد قطب (1412هـ)، في ظلال القرآن (الطبعة السابعة عشرة)، القاهرة: الشروق، صفحة 660، جزء 2.
  16. يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560هـ) (1423هـ – 2002م)، اختلاف الأئمة العلماء (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 73، جزء 2.
  17. رواه السخاوي، في المقاصد الحسنة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 204، له شاهد فيؤخذ به.
  18. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الكويت ((من 1404 – 1427 هـ))، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 317، جزء 16.
  19. رواه ابن رجب، في جامع العلوم والحكم ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الصفحة أو الرقم: 1/347، مرسل.
  20. حيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560هـ) (1423هـ – 2002م)، اختلاف الأئمة العلماء (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 72، جزء 2.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى