'); }
الذنوب
يَرتكبُ الإنسانُ ذنوباً وأخطاءً كثيرةً في حياته قد تكون بقصدٍ أو بغير قصد، ولكنّ الفِطرة السليمة تدعو المسلم إلى أن يبقى نقيّاً طاهراً، فكُلّما أذنب المسلم ذنباً بادر بالتوبة والاستغفار حتى يعودَ نقياً طاهراً، ولكنّ بعض الذنوب يترك إدمانها حرقةً في القلب، ووجعاً في الضمير، وتُثقل صاحبها بالهمّ والحزن، وتجلب له المصائب والأسقام ناهيك عن غضب الله عليه؛ فقد ورد عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام- قوله: ( بُعِثتُ بين يديِ السَّاعةِ بالسَّيفِ حتَّى يُعبَدَ اللهُ وحدَه، لا شريكَ له، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رُمحي، وجُعِل الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم)،[١] لذلك فإنّ المُؤمن الحق يَسعى لاجتنابِ الذّنوب وعدم الخوض فيهاً مُطلقاً، ناهيك عن أنّه إن أذنب فإنّه يُبادر بالتوبة والرجوع إلى الله فوراً دون تردد.
تُعدّ مُخالفة أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله – عليه الصلاة والسلام – من أكبر الذنوب وأعظمها؛ فالذنوب تُطبع على قلب مرتكبها نكتةً سوداء إذا لم يستغفر الله ويتوب من ذنبه، فإذا استغفر الله ذهبت وإن عاد إلى المعصية واقترف من الذنوب زيد في هذه النكتة السوداء حتى تغطي على قلبه، وعندها تُسمّى الران فقد ورد عن النبي – عليه الصلاة والسلام- قوله: ( إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[٢] وقد أحسن عبد الله بن المبارك – رحمه الله – حين قال:[٣]
رأيت الذنوب تميت القلوب
'); }
وقد يورث الذلّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
إنّ تأثيرَ الذّنوب لا يقتصِر على المُذنب؛ بل إنّه يتعدّى ذلك إلى المُجتمع بأسره، لذلك يجب علي كلّ إنسان أن يُحاول قدر المستطاع أن يبتعد عن المعاصي، ويتقرّب من الله حتى يَرضى عنه ربّه، ويُيسّر له أموره.
معنى الذنب
يُعرّف الذنب في اللغة بأنه: الإثم والجرم والمعصية وجمعه: ذنوب، وجمع الجمع: ذنوبات، ويُقال: وقد أذنب الرجل: صار ذا ذنب،[٤] أمّا الذَّنْب في الاصطلاح فهو: الجُرْمُ والعيبُ قال السيد: “هو ما يحجبك عن الله تعالى”.[٥]
كيفية ترك الذنوب
كي يَترك الإنسان الذنوب والمعاصي سواءً كانت كبيرةً أم صغيرة، فإنّه يتوجّب عليه القيام بالأعمال الآتية:[٦]
- التقرّب من الله؛ فهو وحده القادر علي هِداية المُسلم وإصلاحه.
- إقامة الصلاة والمُحافظة عليها؛ فإنّ من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى الصلاة وخاصةً الصلاة على وقتها، فقد قال الله عزّ وجلّ في كتابه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[٧] فيظهر في هذه الآية الكريمة أنّ إقامة الصلاة من أهمّ الأعمال التي تُذهب السيّئات والذنوب والمَعاصي وتغفرها.
- غض البصر عمّا حرّم الله؛ لما له من أثرٍ في الابتعاد عن الذنوب والمعاصي والوقوع في المحرّمات.
- لزوم الاستغفار؛ حيث إنّ للاستغفار دوراً كبيراً في مَغفرة المعاصي والذنوب وإبدالها إلى حسنات.
- عدم الإصرار على المعصية؛ حيث إنّ ذلك أخطر من المَعصية نفسها، فالإنسان الذي يُقنع نفسه بأنّه لا يعصي الله ولا يرتكب محرماً مع معصيته الحقيقية لله فإنّه يكون قد جاهر الله في المَعصية وعانده في التوبة، مما يزيد من بعده عن الله ويجعل الله لا يَقبل توبته إن تاب وهو على هذه الحالة.
- اليقين بأنّ الله سبحانه قادرٌ على مَغفرة الذنوب؛ فهذه القناعة إذا ترسّخت في نفس العبد سيكون لها أثرٌ كبيرٌ في جلب الرّاحة النفسية للإنسان، وتُسهّل له طريق التوبة والبعد عن المعاصي، قال الله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [٨]
- عدم القنوط من رحمة الله؛ حيث إنّ القنوط واليأس من رحمة الله بمثابة الكفر بنعم الله، حيث إنّ الله سبحانه وتعالى وعد عباده بالمغفرة والرضوان إذا ما التزموا بأحكامه واجتنبوا المعاصي، واستغفروا لذنوبهم إذا وقعوا في الذنوب.
- الاشتغال بالأعمال المفيدة؛ فمِن أكثر الأشياء المُدمّرة للنفس الفراغ؛ حيث إنّ الشيطان يتسلّل إلى عقل الإنسان في حالة فراغ الذهن ويوسوس له لفعل الشرّ واقتراف المعاصي، ويُزيّن له الأعمال السيّئة ليراها حسنة.
- كُره المعصية وعدم المجاهرة بها إذا أدمن عليها؛ حيث إنّ كُره المعصية وحب الطاعة نعمةٌ من الله سبحانه، وفضلٌ عظيمٌ منه، وطريقٌ للابتعاد عنها وعدم الوقوع فيها، وهو دليلٌ على صدق عزمه على تركها، قال الله سبحانه: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ* فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً )[٩][الحجرات:7-8]، وقال رسول الله- عليه الصلاة والسلام: (أوصيكُم بأصحابي، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ يفشو الكذبُ حتَّى يحلِفَ الرَّجلُ ولا يُستَحلَفُ ويشهدَ الشَّاهدُ ولا يُستَشهَدُ ألا لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كانَ ثالثهما الشَّيطانُ علَيكُم بالجماعةِ وإيَّاكم والفُرقةَ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ وَهوَ منَ الاثنَينِ أبعدُ مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلْيلزَمُ الجماعةَ. مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ)[١٠]. أخرجه الترمذي في السنن.
- الابتعاد عن الأشخاص السيئين أو أصدقاء السوء، ومصاحبة الأشخاص الصالحين؛ لأنّ الصديق الصالح له دورٌ كبيرٌ في الهداية وترك الذنوب والمعاصي، قال الله سبحانه: (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )[١١] وقال رسول الله – عليه الصلاة والسلام-: ( المرءُ على دينِ خليلِه فلينظُرْ أحدُكم من يخالِلُ )[١٢]
- الابتعاد عن أماكِن الشبهات، والمحرّمات، وأماكن السفور.
- المُبادرة والسباق إلى فعل الخير والصّدقة للمُحتاجين.
- الدعاء للنّفس دائماً بالهداية؛ وذلك لما للدّعاء من دورٍ مهم في الإقلاع عن الذنوب وتركها، ومن الأدعية المهمّة التي دعا بها أنبياء الله سبحانه دعاء سيّدنا يونس عليه السلام الوارد في قول الله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[١٣]
المراجع
- ↑ رواه الذهبي، في سير أعلام النبلاء، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 15/509، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3334، حسن.
- ↑ أبو ياسر محمد بن مطر بن عثمان آل مطر الزهراني (1411)، من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك (الطبعة الأولى)، السعودية: مكتبة الصديق، صفحة 39.
- ↑ محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، بيروت: دار الهداية، صفحة 436، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد عميم الإحسان المجددي البركتي (2003)، التعريفات الفقهية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 100. بتصرّف.
- ↑ عبد الدائم الكحيل، “نصائح ذهبية لعلاج المعاصي”، موقع عبد الدائم الكحيل للاعجاز العلمي، اطّلع عليه بتاريخ 20-2-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 114.
- ↑ سورة الزمر، آية: 53.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 7-8.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2165، صحيح.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 67.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4/442، حسن كما قال في المقدمة.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 87.