معاملات إسلامية

كيفية بيع الأموال الربوية

مفهوم الربا لغةً واصطلاحاً

يعرّف الرِّبا في اللغة على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو،[١] أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّف العلماء الرِّبا بعدة تعريفات، وقد تباينت تعريفاتهم بخصوص الربا واختلفت أيما اختلاف كالآتي:

  • يرى الحنفيّة أنّه يُمكن تعريف الرِّبا بأنه: (الفَضلُ الخالي عن العِوَض المَشروط في البيع)؛ [٢] فقد جَعل الحنفيّة الربا من خلال هذا التعريف مَحصوراً في ربا الفضل الذي هو الزيادة.
  • عرَّف علماء المالكية الربا بأنه: بيع مالٍ ربويٍ ممّا يرد عليه الرَّبوية بجنسه مع زيادةٍ في أحدهما.[٣]
  • عرّف الشافعية الربا بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.[٣]

الربا في الإسلام

حرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤]

لمّا كان الرّبا مُحرّماً فقد وضَّحت الشريعة الإسلامية الغراء كيفية الوقوع فيه من خلال النصوص النبوية، ونبّهت من ذلك وحذَّرت المُسلمين من الوقوع في الربا وأنّه من أعظم الكبائر وأشدِّها خطراً على المسلم، بل إنّ الله توعّد آكل الربا في القرآن الكريم صراحةً، حيث قال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)،[٥] وممّا بيَّنته السُّنة النبوية بخصوص الرِّبا ما يُعرف بأصناف الأموال الربويّة، وهذه الأنواع أوجبت الشريعة الحذر لمَن يريد التعامل فيها مع اتحاد جنسها، وستعرض هذه المقالة كيفية التعامل في هذه الأموال والبيع والشراء من خلالها.

كيفية بيع الأموال الرِبوية

يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال الرِبويّة في كلّ شؤون حياتهم، فلا غنى لهم عن التعامل بها، وخصوصاً إذا كانت تلك الأصناف من الأثمان التي تُبذل من أجلِ الحصول على الحاجات الرئيسة لهم كالذهب، والفضة، والنقود المصكوكة، أو الأصناف التي تعتبر من القوت اليومي لهم كالقمح، والشعير، والأرز، والجميد، والتمر، والحنطة، والعدس، من أجل ذلك وتَخفيفاً على الخلق أباح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتّى يصحّ التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم كانت هناك مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، وذلك على النحو الآتي:

اتحاد الجنس

أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال الربوية في حالة إذا ما بيع المال الرِبوي بجنسه، لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول – أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع – والتَّقابض والتساوي بينهما في القيمة، كما يحرم بيع الفضّة بالفضة إلا بشرط الحلول والتقابض والتماثل في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال الربوية هي:[٦]

  • المماثلة في البدلين: إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام أو كَيلاً بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغضّ النظر عن جيّده ورديئه؛ حيث لا عبرة بالجيّد والرديء في حال اتحاد الجنس، فلا يجوز بيع مائة غرام من الذهب الخالص بمائة وخمسين من الذهب الرديء، وكذلك لا يَجوز بيع طن من القمح من الدرجة الأولى بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأنّ القمح جنسٌ واحد، فلا بدّ فيه من التماثل، وكذلك الأمر في اللحم، فيحرم بيع كيلوغرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلوغرام ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاً، أو لحم بقر.
دليل ما سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).[٧]
  • أن يكون العقد حالاً: لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس؛ كأن يُباع مائة غرام ذهب مصكوك بمائة غرام ذهب غير مصكوك، ويتمّ تأجيل قبض الثاني إلى آخر الشهر مثلاً، أو أن يُباع رطل قمحٍ حال برطلٍ إلى الموسم، وكلُّ ما جرى من العقود على ذلك وقع رباً حتى إن كان الأجل بعد يومٍ أو حتى بعد ساعة، فالمقصود بالحلول هنا أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
  • التقابض: ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
يُستدلّ على الشرطين الآخرين ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).[٨]

اختلاف الجنس واتحاد العلة

تنقسم الأموال الرِبوية من حيث العلة إلى قسمين هما: أموال تكون العلّة فيها الثمنية كالذهب، والفضة، والأموال المصكوكة الحديثة الورقية، أو المعدنية، والقسم الآخر هو أموالٌ علّتها الطُعم أي كونها مطعومات يقتات الناس بها، كالقمح، والشعير، والتمر، والملح؛ فأجناس الأموال الربويّة قد تختلف ولكن علّتها قد تكون واحدة، وقد تَختلف أصناف الأموال الربويّة وتختلف العلّة بينها أيضاً، فإذا بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة، فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر، وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً. [٦]

اختلاف الجنس واختلاف العلة

إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً، كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، نسيئةً، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).[٩]

أنواع الأموال الربوية

للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها، وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي منها ما سبق الإشارة إليه، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا النسيئةُ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا)،[١٠]

قاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.[١١]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 304، جزء 14. بتصرّف.
  2. شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1414-1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 109، جزء 12.
  3. ^ أ ب أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (1432)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (الطبعة 2)، الرياض – المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 103، جزء 11. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. سورة البقرة، آية: 279.
  6. ^ أ ب مصطفى الخِن ومصطفى البغا وعلي الشربجي (2011)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الحادية عشرة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 63-70، جزء 3. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2134.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2302.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3349، صحيح.
  11. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة (1420هـ-1999م)، المهذب في علم أصول الفقه المقارن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 2072، جزء 5. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مفهوم الربا لغةً واصطلاحاً

يعرّف الرِّبا في اللغة على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو،[١] أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّف العلماء الرِّبا بعدة تعريفات، وقد تباينت تعريفاتهم بخصوص الربا واختلفت أيما اختلاف كالآتي:

  • يرى الحنفيّة أنّه يُمكن تعريف الرِّبا بأنه: (الفَضلُ الخالي عن العِوَض المَشروط في البيع)؛ [٢] فقد جَعل الحنفيّة الربا من خلال هذا التعريف مَحصوراً في ربا الفضل الذي هو الزيادة.
  • عرَّف علماء المالكية الربا بأنه: بيع مالٍ ربويٍ ممّا يرد عليه الرَّبوية بجنسه مع زيادةٍ في أحدهما.[٣]
  • عرّف الشافعية الربا بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.[٣]

الربا في الإسلام

حرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤]

لمّا كان الرّبا مُحرّماً فقد وضَّحت الشريعة الإسلامية الغراء كيفية الوقوع فيه من خلال النصوص النبوية، ونبّهت من ذلك وحذَّرت المُسلمين من الوقوع في الربا وأنّه من أعظم الكبائر وأشدِّها خطراً على المسلم، بل إنّ الله توعّد آكل الربا في القرآن الكريم صراحةً، حيث قال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)،[٥] وممّا بيَّنته السُّنة النبوية بخصوص الرِّبا ما يُعرف بأصناف الأموال الربويّة، وهذه الأنواع أوجبت الشريعة الحذر لمَن يريد التعامل فيها مع اتحاد جنسها، وستعرض هذه المقالة كيفية التعامل في هذه الأموال والبيع والشراء من خلالها.

كيفية بيع الأموال الرِبوية

يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال الرِبويّة في كلّ شؤون حياتهم، فلا غنى لهم عن التعامل بها، وخصوصاً إذا كانت تلك الأصناف من الأثمان التي تُبذل من أجلِ الحصول على الحاجات الرئيسة لهم كالذهب، والفضة، والنقود المصكوكة، أو الأصناف التي تعتبر من القوت اليومي لهم كالقمح، والشعير، والأرز، والجميد، والتمر، والحنطة، والعدس، من أجل ذلك وتَخفيفاً على الخلق أباح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتّى يصحّ التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم كانت هناك مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، وذلك على النحو الآتي:

اتحاد الجنس

أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال الربوية في حالة إذا ما بيع المال الرِبوي بجنسه، لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول – أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع – والتَّقابض والتساوي بينهما في القيمة، كما يحرم بيع الفضّة بالفضة إلا بشرط الحلول والتقابض والتماثل في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال الربوية هي:[٦]

  • المماثلة في البدلين: إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام أو كَيلاً بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغضّ النظر عن جيّده ورديئه؛ حيث لا عبرة بالجيّد والرديء في حال اتحاد الجنس، فلا يجوز بيع مائة غرام من الذهب الخالص بمائة وخمسين من الذهب الرديء، وكذلك لا يَجوز بيع طن من القمح من الدرجة الأولى بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأنّ القمح جنسٌ واحد، فلا بدّ فيه من التماثل، وكذلك الأمر في اللحم، فيحرم بيع كيلوغرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلوغرام ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاً، أو لحم بقر.
دليل ما سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).[٧]
  • أن يكون العقد حالاً: لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس؛ كأن يُباع مائة غرام ذهب مصكوك بمائة غرام ذهب غير مصكوك، ويتمّ تأجيل قبض الثاني إلى آخر الشهر مثلاً، أو أن يُباع رطل قمحٍ حال برطلٍ إلى الموسم، وكلُّ ما جرى من العقود على ذلك وقع رباً حتى إن كان الأجل بعد يومٍ أو حتى بعد ساعة، فالمقصود بالحلول هنا أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
  • التقابض: ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
يُستدلّ على الشرطين الآخرين ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).[٨]

اختلاف الجنس واتحاد العلة

تنقسم الأموال الرِبوية من حيث العلة إلى قسمين هما: أموال تكون العلّة فيها الثمنية كالذهب، والفضة، والأموال المصكوكة الحديثة الورقية، أو المعدنية، والقسم الآخر هو أموالٌ علّتها الطُعم أي كونها مطعومات يقتات الناس بها، كالقمح، والشعير، والتمر، والملح؛ فأجناس الأموال الربويّة قد تختلف ولكن علّتها قد تكون واحدة، وقد تَختلف أصناف الأموال الربويّة وتختلف العلّة بينها أيضاً، فإذا بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة، فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر، وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً. [٦]

اختلاف الجنس واختلاف العلة

إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً، كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، نسيئةً، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).[٩]

أنواع الأموال الربوية

للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها، وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي منها ما سبق الإشارة إليه، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا النسيئةُ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا)،[١٠]

قاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.[١١]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 304، جزء 14. بتصرّف.
  2. شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1414-1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 109، جزء 12.
  3. ^ أ ب أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (1432)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (الطبعة 2)، الرياض – المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 103، جزء 11. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. سورة البقرة، آية: 279.
  6. ^ أ ب مصطفى الخِن ومصطفى البغا وعلي الشربجي (2011)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الحادية عشرة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 63-70، جزء 3. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2134.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2302.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3349، صحيح.
  11. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة (1420هـ-1999م)، المهذب في علم أصول الفقه المقارن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 2072، جزء 5. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مفهوم الربا لغةً واصطلاحاً

يعرّف الرِّبا في اللغة على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو،[١] أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّف العلماء الرِّبا بعدة تعريفات، وقد تباينت تعريفاتهم بخصوص الربا واختلفت أيما اختلاف كالآتي:

  • يرى الحنفيّة أنّه يُمكن تعريف الرِّبا بأنه: (الفَضلُ الخالي عن العِوَض المَشروط في البيع)؛ [٢] فقد جَعل الحنفيّة الربا من خلال هذا التعريف مَحصوراً في ربا الفضل الذي هو الزيادة.
  • عرَّف علماء المالكية الربا بأنه: بيع مالٍ ربويٍ ممّا يرد عليه الرَّبوية بجنسه مع زيادةٍ في أحدهما.[٣]
  • عرّف الشافعية الربا بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.[٣]

الربا في الإسلام

حرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤]

لمّا كان الرّبا مُحرّماً فقد وضَّحت الشريعة الإسلامية الغراء كيفية الوقوع فيه من خلال النصوص النبوية، ونبّهت من ذلك وحذَّرت المُسلمين من الوقوع في الربا وأنّه من أعظم الكبائر وأشدِّها خطراً على المسلم، بل إنّ الله توعّد آكل الربا في القرآن الكريم صراحةً، حيث قال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)،[٥] وممّا بيَّنته السُّنة النبوية بخصوص الرِّبا ما يُعرف بأصناف الأموال الربويّة، وهذه الأنواع أوجبت الشريعة الحذر لمَن يريد التعامل فيها مع اتحاد جنسها، وستعرض هذه المقالة كيفية التعامل في هذه الأموال والبيع والشراء من خلالها.

كيفية بيع الأموال الرِبوية

يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال الرِبويّة في كلّ شؤون حياتهم، فلا غنى لهم عن التعامل بها، وخصوصاً إذا كانت تلك الأصناف من الأثمان التي تُبذل من أجلِ الحصول على الحاجات الرئيسة لهم كالذهب، والفضة، والنقود المصكوكة، أو الأصناف التي تعتبر من القوت اليومي لهم كالقمح، والشعير، والأرز، والجميد، والتمر، والحنطة، والعدس، من أجل ذلك وتَخفيفاً على الخلق أباح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتّى يصحّ التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم كانت هناك مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، وذلك على النحو الآتي:

اتحاد الجنس

أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال الربوية في حالة إذا ما بيع المال الرِبوي بجنسه، لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول – أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع – والتَّقابض والتساوي بينهما في القيمة، كما يحرم بيع الفضّة بالفضة إلا بشرط الحلول والتقابض والتماثل في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال الربوية هي:[٦]

  • المماثلة في البدلين: إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام أو كَيلاً بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغضّ النظر عن جيّده ورديئه؛ حيث لا عبرة بالجيّد والرديء في حال اتحاد الجنس، فلا يجوز بيع مائة غرام من الذهب الخالص بمائة وخمسين من الذهب الرديء، وكذلك لا يَجوز بيع طن من القمح من الدرجة الأولى بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأنّ القمح جنسٌ واحد، فلا بدّ فيه من التماثل، وكذلك الأمر في اللحم، فيحرم بيع كيلوغرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلوغرام ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاً، أو لحم بقر.
دليل ما سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).[٧]
  • أن يكون العقد حالاً: لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس؛ كأن يُباع مائة غرام ذهب مصكوك بمائة غرام ذهب غير مصكوك، ويتمّ تأجيل قبض الثاني إلى آخر الشهر مثلاً، أو أن يُباع رطل قمحٍ حال برطلٍ إلى الموسم، وكلُّ ما جرى من العقود على ذلك وقع رباً حتى إن كان الأجل بعد يومٍ أو حتى بعد ساعة، فالمقصود بالحلول هنا أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
  • التقابض: ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
يُستدلّ على الشرطين الآخرين ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).[٨]

اختلاف الجنس واتحاد العلة

تنقسم الأموال الرِبوية من حيث العلة إلى قسمين هما: أموال تكون العلّة فيها الثمنية كالذهب، والفضة، والأموال المصكوكة الحديثة الورقية، أو المعدنية، والقسم الآخر هو أموالٌ علّتها الطُعم أي كونها مطعومات يقتات الناس بها، كالقمح، والشعير، والتمر، والملح؛ فأجناس الأموال الربويّة قد تختلف ولكن علّتها قد تكون واحدة، وقد تَختلف أصناف الأموال الربويّة وتختلف العلّة بينها أيضاً، فإذا بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة، فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر، وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً. [٦]

اختلاف الجنس واختلاف العلة

إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً، كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، نسيئةً، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).[٩]

أنواع الأموال الربوية

للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها، وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي منها ما سبق الإشارة إليه، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا النسيئةُ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا)،[١٠]

قاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.[١١]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 304، جزء 14. بتصرّف.
  2. شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1414-1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 109، جزء 12.
  3. ^ أ ب أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (1432)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (الطبعة 2)، الرياض – المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 103، جزء 11. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. سورة البقرة، آية: 279.
  6. ^ أ ب مصطفى الخِن ومصطفى البغا وعلي الشربجي (2011)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الحادية عشرة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 63-70، جزء 3. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2134.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2302.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3349، صحيح.
  11. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة (1420هـ-1999م)، المهذب في علم أصول الفقه المقارن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 2072، جزء 5. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مفهوم الربا لغةً واصطلاحاً

يعرّف الرِّبا في اللغة على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو،[١] أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّف العلماء الرِّبا بعدة تعريفات، وقد تباينت تعريفاتهم بخصوص الربا واختلفت أيما اختلاف كالآتي:

  • يرى الحنفيّة أنّه يُمكن تعريف الرِّبا بأنه: (الفَضلُ الخالي عن العِوَض المَشروط في البيع)؛ [٢] فقد جَعل الحنفيّة الربا من خلال هذا التعريف مَحصوراً في ربا الفضل الذي هو الزيادة.
  • عرَّف علماء المالكية الربا بأنه: بيع مالٍ ربويٍ ممّا يرد عليه الرَّبوية بجنسه مع زيادةٍ في أحدهما.[٣]
  • عرّف الشافعية الربا بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.[٣]

الربا في الإسلام

حرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤]

لمّا كان الرّبا مُحرّماً فقد وضَّحت الشريعة الإسلامية الغراء كيفية الوقوع فيه من خلال النصوص النبوية، ونبّهت من ذلك وحذَّرت المُسلمين من الوقوع في الربا وأنّه من أعظم الكبائر وأشدِّها خطراً على المسلم، بل إنّ الله توعّد آكل الربا في القرآن الكريم صراحةً، حيث قال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)،[٥] وممّا بيَّنته السُّنة النبوية بخصوص الرِّبا ما يُعرف بأصناف الأموال الربويّة، وهذه الأنواع أوجبت الشريعة الحذر لمَن يريد التعامل فيها مع اتحاد جنسها، وستعرض هذه المقالة كيفية التعامل في هذه الأموال والبيع والشراء من خلالها.

كيفية بيع الأموال الرِبوية

يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال الرِبويّة في كلّ شؤون حياتهم، فلا غنى لهم عن التعامل بها، وخصوصاً إذا كانت تلك الأصناف من الأثمان التي تُبذل من أجلِ الحصول على الحاجات الرئيسة لهم كالذهب، والفضة، والنقود المصكوكة، أو الأصناف التي تعتبر من القوت اليومي لهم كالقمح، والشعير، والأرز، والجميد، والتمر، والحنطة، والعدس، من أجل ذلك وتَخفيفاً على الخلق أباح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتّى يصحّ التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم كانت هناك مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، وذلك على النحو الآتي:

اتحاد الجنس

أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال الربوية في حالة إذا ما بيع المال الرِبوي بجنسه، لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول – أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع – والتَّقابض والتساوي بينهما في القيمة، كما يحرم بيع الفضّة بالفضة إلا بشرط الحلول والتقابض والتماثل في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال الربوية هي:[٦]

  • المماثلة في البدلين: إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام أو كَيلاً بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغضّ النظر عن جيّده ورديئه؛ حيث لا عبرة بالجيّد والرديء في حال اتحاد الجنس، فلا يجوز بيع مائة غرام من الذهب الخالص بمائة وخمسين من الذهب الرديء، وكذلك لا يَجوز بيع طن من القمح من الدرجة الأولى بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأنّ القمح جنسٌ واحد، فلا بدّ فيه من التماثل، وكذلك الأمر في اللحم، فيحرم بيع كيلوغرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلوغرام ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاً، أو لحم بقر.
دليل ما سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).[٧]
  • أن يكون العقد حالاً: لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس؛ كأن يُباع مائة غرام ذهب مصكوك بمائة غرام ذهب غير مصكوك، ويتمّ تأجيل قبض الثاني إلى آخر الشهر مثلاً، أو أن يُباع رطل قمحٍ حال برطلٍ إلى الموسم، وكلُّ ما جرى من العقود على ذلك وقع رباً حتى إن كان الأجل بعد يومٍ أو حتى بعد ساعة، فالمقصود بالحلول هنا أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
  • التقابض: ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
يُستدلّ على الشرطين الآخرين ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).[٨]

اختلاف الجنس واتحاد العلة

تنقسم الأموال الرِبوية من حيث العلة إلى قسمين هما: أموال تكون العلّة فيها الثمنية كالذهب، والفضة، والأموال المصكوكة الحديثة الورقية، أو المعدنية، والقسم الآخر هو أموالٌ علّتها الطُعم أي كونها مطعومات يقتات الناس بها، كالقمح، والشعير، والتمر، والملح؛ فأجناس الأموال الربويّة قد تختلف ولكن علّتها قد تكون واحدة، وقد تَختلف أصناف الأموال الربويّة وتختلف العلّة بينها أيضاً، فإذا بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة، فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر، وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً. [٦]

اختلاف الجنس واختلاف العلة

إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً، كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، نسيئةً، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).[٩]

أنواع الأموال الربوية

للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها، وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي منها ما سبق الإشارة إليه، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا النسيئةُ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا)،[١٠]

قاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.[١١]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 304، جزء 14. بتصرّف.
  2. شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1414-1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 109، جزء 12.
  3. ^ أ ب أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (1432)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (الطبعة 2)، الرياض – المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 103، جزء 11. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. سورة البقرة، آية: 279.
  6. ^ أ ب مصطفى الخِن ومصطفى البغا وعلي الشربجي (2011)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الحادية عشرة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 63-70، جزء 3. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2134.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2302.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3349، صحيح.
  11. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة (1420هـ-1999م)، المهذب في علم أصول الفقه المقارن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 2072، جزء 5. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مفهوم الربا لغةً واصطلاحاً

يعرّف الرِّبا في اللغة على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو،[١] أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّف العلماء الرِّبا بعدة تعريفات، وقد تباينت تعريفاتهم بخصوص الربا واختلفت أيما اختلاف كالآتي:

  • يرى الحنفيّة أنّه يُمكن تعريف الرِّبا بأنه: (الفَضلُ الخالي عن العِوَض المَشروط في البيع)؛ [٢] فقد جَعل الحنفيّة الربا من خلال هذا التعريف مَحصوراً في ربا الفضل الذي هو الزيادة.
  • عرَّف علماء المالكية الربا بأنه: بيع مالٍ ربويٍ ممّا يرد عليه الرَّبوية بجنسه مع زيادةٍ في أحدهما.[٣]
  • عرّف الشافعية الربا بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.[٣]

الربا في الإسلام

حرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤]

لمّا كان الرّبا مُحرّماً فقد وضَّحت الشريعة الإسلامية الغراء كيفية الوقوع فيه من خلال النصوص النبوية، ونبّهت من ذلك وحذَّرت المُسلمين من الوقوع في الربا وأنّه من أعظم الكبائر وأشدِّها خطراً على المسلم، بل إنّ الله توعّد آكل الربا في القرآن الكريم صراحةً، حيث قال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)،[٥] وممّا بيَّنته السُّنة النبوية بخصوص الرِّبا ما يُعرف بأصناف الأموال الربويّة، وهذه الأنواع أوجبت الشريعة الحذر لمَن يريد التعامل فيها مع اتحاد جنسها، وستعرض هذه المقالة كيفية التعامل في هذه الأموال والبيع والشراء من خلالها.

كيفية بيع الأموال الرِبوية

يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال الرِبويّة في كلّ شؤون حياتهم، فلا غنى لهم عن التعامل بها، وخصوصاً إذا كانت تلك الأصناف من الأثمان التي تُبذل من أجلِ الحصول على الحاجات الرئيسة لهم كالذهب، والفضة، والنقود المصكوكة، أو الأصناف التي تعتبر من القوت اليومي لهم كالقمح، والشعير، والأرز، والجميد، والتمر، والحنطة، والعدس، من أجل ذلك وتَخفيفاً على الخلق أباح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتّى يصحّ التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم كانت هناك مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، وذلك على النحو الآتي:

اتحاد الجنس

أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال الربوية في حالة إذا ما بيع المال الرِبوي بجنسه، لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول – أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع – والتَّقابض والتساوي بينهما في القيمة، كما يحرم بيع الفضّة بالفضة إلا بشرط الحلول والتقابض والتماثل في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال الربوية هي:[٦]

  • المماثلة في البدلين: إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام أو كَيلاً بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغضّ النظر عن جيّده ورديئه؛ حيث لا عبرة بالجيّد والرديء في حال اتحاد الجنس، فلا يجوز بيع مائة غرام من الذهب الخالص بمائة وخمسين من الذهب الرديء، وكذلك لا يَجوز بيع طن من القمح من الدرجة الأولى بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأنّ القمح جنسٌ واحد، فلا بدّ فيه من التماثل، وكذلك الأمر في اللحم، فيحرم بيع كيلوغرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلوغرام ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاً، أو لحم بقر.
دليل ما سبق قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).[٧]
  • أن يكون العقد حالاً: لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس؛ كأن يُباع مائة غرام ذهب مصكوك بمائة غرام ذهب غير مصكوك، ويتمّ تأجيل قبض الثاني إلى آخر الشهر مثلاً، أو أن يُباع رطل قمحٍ حال برطلٍ إلى الموسم، وكلُّ ما جرى من العقود على ذلك وقع رباً حتى إن كان الأجل بعد يومٍ أو حتى بعد ساعة، فالمقصود بالحلول هنا أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
  • التقابض: ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
يُستدلّ على الشرطين الآخرين ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قوله: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).[٨]

اختلاف الجنس واتحاد العلة

تنقسم الأموال الرِبوية من حيث العلة إلى قسمين هما: أموال تكون العلّة فيها الثمنية كالذهب، والفضة، والأموال المصكوكة الحديثة الورقية، أو المعدنية، والقسم الآخر هو أموالٌ علّتها الطُعم أي كونها مطعومات يقتات الناس بها، كالقمح، والشعير، والتمر، والملح؛ فأجناس الأموال الربويّة قد تختلف ولكن علّتها قد تكون واحدة، وقد تَختلف أصناف الأموال الربويّة وتختلف العلّة بينها أيضاً، فإذا بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة، فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر، وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً. [٦]

اختلاف الجنس واختلاف العلة

إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً، كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، نسيئةً، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).[٩]

أنواع الأموال الربوية

للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها، وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي منها ما سبق الإشارة إليه، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا النسيئةُ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا)،[١٠]

قاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.[١١]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 304، جزء 14. بتصرّف.
  2. شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (1414-1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 109، جزء 12.
  3. ^ أ ب أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (1432)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (الطبعة 2)، الرياض – المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 103، جزء 11. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. سورة البقرة، آية: 279.
  6. ^ أ ب مصطفى الخِن ومصطفى البغا وعلي الشربجي (2011)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الحادية عشرة)، دمشق – سوريا: دار القلم، صفحة 63-70، جزء 3. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2134.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2302.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3349، صحيح.
  11. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة (1420هـ-1999م)، المهذب في علم أصول الفقه المقارن (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 2072، جزء 5. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى