معاملات إسلامية

جديد تعريف ربا الفضل

تعريف ربا الفَضْل

يُقصد بالرِّبا في اللغة: الزيادة في الشيء، فيُقال: فلان أربى؛ أيّ أنّه أخذ أكثر ممّا أعطى،[١] وفَضَلَ الشيء؛ أيّ أنّه: زاد الشيء عن الحاجة، وبقيَ البعض من المال رغم الإسراف والإنفاق، وفَضَلَ فلانٌ على غيره؛ أيّ تغلّب بالفَضْل عليه، فيُقال: فَضَلَ يَفْضُل، فهو: فاضلٌ، والمفعول: مفضولٌ عليه،[٢] ويُقصد برِبَا الفَضْل في الاصطلاح الشرعيّ بأنّه: الزِّيادة في المال نفسه، إن كان كَيْلاً أو وزناً، في عقد بيعٍ ما على المقدار الشرعيّ، ويُعرف أيضاً بأنّه: بَيْعٌ رَبويٌ، بشيءٍ من مثله، مع الزيادة في أحد المِثْلَين، أي بَيْع شيءٍ بآخرٍ من نفسه، مع الزّيادة في أحدهما.[٣]

حكم ربا الفَضْل

يُحرّم ربا الفَضْل في عمليات التبادل بين الأفراد، وتحديداً في الأصناف التي ورد ذِكْرها وتحديدها في النُّصوص، وهي: الذَّهب، والفضّة، والقمح، والملح، والشعير، والتمر، فلا يحلّ بيع جنسٍ منها بجنسٍ مماثلٍ له، مُتفاضلاً، سواءً كان القبض مؤجّلاً أو فرواً، وقد وردت العديد من الأدلّة الثابتة والصريحة في تحريم هذا النوع من البيع، منها: ما أخرجه الإمام مُسلم عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ)،[٤] فينعم الخيار في البيع عند اتّحاد الجِنس، كما ورد عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال بعد ذِكْره للأصناف التي حُرّم الرِّبا فيها: (مِثْلًا بمِثْلٍ، يَدًا بيَدٍ، فمَن زادَ، أوِ اسْتَزادَ، فقَدْ أرْبَى، الآخِذُ والْمُعْطِي فيه سَواءٌ)،[٥] وورد في روايةٍ أخرى عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعْضَها علَى بَعْضٍ، ولا تَبِيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعْضَها علَى بَعْضٍ، ولا تَبِيعُوا مِنْها غائِبًا بناجِزٍ).[٦][٧]

علّة تحريم ربا الفَضْل

أجمع علماء المذاهب الاربعة على أنّ ربا الفَضْل يشمل أي شيئَين متبادَلَين إن توفّرت علّة ربا الفَضْل، ولا ينحصر في الأعيان المذكورة في الحديث النبويّ السابق،[٨] إلّا أنّ العلماء اختلفوا في بيان وتحديد علّة ربا الفَضْل، وبيان اختلافهم في ذلك آتياً:[٩]

  • الحنفيّة: قالوا إنّ علّة رِبا الفَضْل اتحاد الصنف فيما يُكال أو يُوزن، فلا يصحّ التفاضل في أي مكيالٍ أو وزنٍ، إن كان الجنس واحداً، واستدلّوا بقَوْل الله -تعالى-: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ*وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ*وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).[١٠]
  • المالكيّة: قالوا إنّ علّة ربا الفَضْل بالفضّة والذّهب الثمنيّة مع وحدة الصّنف في التعاوض، وبالنّظر إلى إمكانيّة اكتنازهما، أو تخزينهما، وبما أنّهما من النُّقود؛ فهما من الضروريات، أمّا العلّة في الأصناف الأخرى فتتمثّل بسبب اتّخاذ تلك الأصناف قوتاً، ولإمكان ادّخارها، مع اتّحاد الصنف.
  • الشافعيّة: قالوا إنّ العلّة في ربا الفَضْل للذّهب والفضّة؛ الثمنيّة، أمّا العلّة في باقي الأصناف؛ فهي الإطعام مع وحدة الصَّنف، فإن وُجد الطُّعم في أيّ شيئَين وُجد الرِّبا، وينتفي بانتفائه، استدلالاً بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن معمر بن عبدالله بن نضلة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الطَّعَامُ بالطَّعَامِ مِثْلًا بمِثْلٍ)،[١١] كما يُستدلّ بأنّ الحُكم يدور مع العلّة وجوداً وعَدَماً، فإن وُجد الإطعام وُجد الرِّبا، وإن انعدم الإطعام انعدم الرِّبا، وقالوا بأنّ الذّهب والفضّة من المعادن القيّمة والثمينة، التي تُستعمل في قياس قيمة الأموال.
  • الحنابلة: قالوا إنّ علّة الرِّبا في الفضّة والذّهب تتمثّل بوحدة الصّنف مع الوزن، أمّا العلّة في الأصناف الأربعة؛ فهي الكيل مع وحدة الصنف، فيكون بذلك ربا الفَضْل بكلّ شيءٍ مكيلٍ، أو موزونٍ، مع الاتحاد في الجِنس، سواءً كان مطعوماً، أو غير مطعومٍ، ولا يجري الرِّبا في المطعوم الذي لا يُكال ولا يُوزن، وقد استدلّوا بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ فَهو رِبًا)،[١٢] وبقَوْله أيضاً: (الطَّعَامُ بالطَّعَامِ مِثْلًا بمِثْلٍ).[١١]

الحِكمة من تحريم ربا الفَضْل

تكمُن الحكمة من تحريم ربا الفَضْل؛ لسدّ الذريعة المُوصلة لرِبا النّسيئة، فحُرّم ربا الفَضْل من باب تحريم الوسائل، وبذلك ظهرت حكمة الشّرع، وكمُلت الشريعة،[١٣] ومن حكمة تحريم ربا الفَضْل؛ وَضْع حدِّ للمقايضة، وللتعامل بنظام البيع، واستعمال النقود، وجَعْلها الوسيط في التعامل بين الطرفين، ولأنّ ربا الفَضْل قد يكون سبباً في انتشار الرِّبا في المجتمعات، وخاصّةً انتشار ربا النَّسيئة؛ فلذلك مُنعت الوسائل التي تُوصل إليه،[١٤] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا يَخْفَى فِيهَا الْفَسَادُ؛ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْفَسَادِ الْمُحَقَّقِ، كَمَا حَرَّمَ قَلِيلَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، مِثْلُ: رِبَا الْفَضْلِ؛ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ قَدْ تَخْفَى، إذْ عَاقِلٌ لَا يَبِيعُ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ إلَّا لِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، مِثْلُ كَوْنِ الدِّرْهَمِ صَحِيحًا، وَالدِّرْهَمَيْنِ مَكْسُورَيْنِ، أَوْ كَوْنِ الدِّرْهَمِ مَصُوغًا، أَوْ مِنْ نَقْدٍ نَافِقٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ”.[١٥]

صور ربا الفَضْل

تتعدّد صور وأشكال رِبا الفَضْل، منها: استبدال عشرة دراهم ورقيةٍ بتسعٍ معدنيّةٍ، أو العكس، واستبدال الذّهب القديم بالذّهب الجديد، مع الاختلاف في وزن كلٍّ منهما، وإن كان القبض في مجلس واحدٍ، ومن الصور أيضاً: شراء الشّيك المؤخّر للاستحقاق، بما هو أقّل من قيمته، ويعدّ هذا الأمر شراء نَقْدٍ بنَقْدٍ، مع الفَضْل والنسيئة، فبذلك جَمْعٌ بين نوعَين من أنواع الرِّبا؛ ربا الفَضْل، وربا النسيئة.[١٥]

المراجع

  1. زين الدين الرازي (1999)، مختار الصحاح (الطبعة الخامسة)، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 117. بتصرّف.
  2. أحمد مختار عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، صفحة 0، جزء 1. بتصرّف.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 3700-3701، جزء 5. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 1587، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2177، صحيح.
  7. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 196-198، جزء 66. بتصرّف.
  8. محمد نعيم ساعي (2007)، موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، مصر: دار السلام، صفحة 470، جزء 1. بتصرّف.
  9. علي أبو البصل (20-1-2016)، “مناقشة مسألة علة الربا عند الفقهاء”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2020. بتصرّف.
  10. سورة الشعراء، آية: 181-183.
  11. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معمر بن عبدالله بن نضلة، الصفحة أو الرقم: 1592، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1588، صحيح.
  13. ابن قيم الجوزية (1423)، إعلام الموقعين عن رب العالمين (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 58، جزء 5. بتصرّف.
  14. “الحكمة من تحريم ربا الفضل”، www.islamweb.net،19-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2020. بتصرّف.
  15. ^ أ ب “ما هي حكمة تحريم ربا الفضل؟ وما هي أشكاله المعاصرة؟”، www.islamweb.net، 14-1-2018، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى