وضوء و صلاة

كيفية الخشوع في الصلاة

مقالات ذات صلة

كيفية الخشوع في الصلاة

الأمور التي تُعين المسلم على تحقيق الخشوع في الصلاة كثيرة، ومنها ما يأتي:[١]

  • يبتعد عن حديث النفس، والتفكير في أمور الدنيا، ويركّز تفكيره في صلاته.
  • ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم، وينظر إلى حِجره وهو جالس، ولا ينظر إلى السماء عندما يدعو الله.
  • يرتدي الملابس التي لا تُلهيه عن الخشوع في الصلاة، ويُفَضَّل لبس البياض؛ لما ثبت بالحديث عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَّى في خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَقالَ: شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هذِه، اذْهَبُوا بهَا إلى أَبِي جَهْمٍ وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةٍ).[٢]
  • يقلّل من الحركة والالتفات أثناء صلاته، ولا يرفع كُمّه، ولا يتقصّد الإتيان بالأمور المباحة في الصلاة.
  • يكشف وجهه أثناء الصلاة، إذْ تُكره الصلاة باللِّثام.
  • يقرأ ما تيسّر له من القرآن، ولا يَعُدّ آيات القرآن التي يقرؤها؛ لأنّ ذلك يُؤثّر في خشوعه.
  • يضع أمامه حاجزاً يمنعه من مشاهدة شيء يلهيه، أو مرور شيء يؤذيه، أو أن يقترب من حائط، أو سارية، أو يرسم خطّاً، وإذا كان في مسجد فعليه أن يقترب من محرابه، وهذا ما يُعرَف شرعاً بالسترة*.
  • يتدبّر في معاني آيات القرآن الكريم التي يقرؤها في الصلاة، لا سيّما تدبُّر سورة الفاتحة؛ وذلك لأنّ آيات القرآن الكريم تشتمل على موضوعات، كالجنّة، والنار، والموت، ويوم القيامة، وغيرها من الموضوعات التي من شأنها أن تحرّك قلب المؤمن، وتزيده خشوعاً، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (لَوْ أَنزَلْنَا هَـذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).[٣]
  • يتذلّل المُصلّي لله -تعالى- أثناء ركوعه؛ ابتداءً من هيئة الخشوع؛ من انحناء الظهر والجبهة، ثمّ التفكُّر في عَظَمة الله -تعالى-، وملكوته، وسُلطانه، وكبريائه، وفي المقابل تقصير المُصلّي، وذنبه، وفقره إلى الله -تعالى-، فيقرأ من أدعية الركوع: (اللَّهُمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي)،[٤] وعند رفعه من الركوع يقول: “سمع الله لمن حمده”، ويتفكّر في أنّه مهما حمد الله -تعالى- فلن يُؤدّي شكر النعم الكثيرة، وهذا يزيد من خشوعه.
  • يستحضر المُصلّي قُربه من الله -تعالى- أثناء سجوده؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: (أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه و هو ساجدٌ، فأكثروا الدعاءَ)؛[٥] فهو موضع استجابة الدعاء، ورفع الدرجات، ومغفرة الذنوب.
  • يستحضر المُصلّي معنى التشهُّد؛ لما يشتمل عليه من معانٍ عظيمة؛ من السلام، وإلقاء التحية على ربّ الوجود، وعلى رسوله الكريم، وعلى عباده الصالحين.[٦]

فضل الخشوع في الصلاة

إنّ من أهمّ العبادات التي تُعين على تحصيل الخشوع لله تعالى هي الصلاة؛ فإذا فرّغ المصلي قلبه لها، وآثرها على ما سواها حقّق لذّة الخشوع والانكسار بين يدي الله، يقول ابن القيم -رحمه الله-: “وأجمع العارفون على أنّ الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره”، والخشوع في الصلاة صفة المؤمنين، وهي سببٌ في نيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[٧] والخشوع دليلٌ على صلاحِ حالِ العبد وطهارةِ قلبه، وهو كذلك مظهرٌ من مظاهر الإيمان التي تترك أثرها على سلوك العبد وعلاقته بالخالق والمخلوق، ورقّة القلب التي تعدُّ أثراً من آثار الخشوع والانكسار لله سببٌ للنّجاة من النّار؛ ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَينانِ لا تمسُّهما النَّارُ: عينٌ بَكَت من خشيةِ اللَّهِ، وعَينٌ باتت تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ).[٨][٩]

مسائل فقهية مُتعلّقة بالخشوع في الصلاة

حُكم الصلاة التي لا خشوع فيها

اتّفق جمهور أهل العلم على أنّ الخشوع في الصلاة سنّة مؤكّدة،[١٠] ومال بعض أهل العلم إلى أنّ الخشوع في الصلاة واجبٌ تبطل الصلاة بتركه، واستدلّ جمهور أهل العلم على عدم بطلان صلاة مَن يتفكّر بأمر من أمور الدنيا بما صحّ عن النبي –عليه السلام- ورواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قوله: (كانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ به جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هذا، فإنَّه لا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ في صَلَاتِي)،[١١][١٢]فالخشوع في الصلاة يمثّل روحها، وبه يتحقّق كمال الصلاة، إلّا أنّ تركه لا يتطلّب من المُصلّي إعادة الصلاة؛ لأنّه ليس شرطاً لصحّتها عند جمهور العلماء، علماً أنّ الصلاة التي لا خشوع فيها أجرها ناقص.[١٣]

حكم التغميض ورفع البصر إلى الأعلى في الصلاة

اتّفق الفقهاء على كراهة رفع البصر إلى السماء في أثناء الصلاة؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك)،[١٤] وذهب المالكية إلى أنّه لا يُكرَه النظر إلى السماء في حال قصد التفكُّر والموعظة وأخذ العِبرة من آيات السماء،[١٥] أمّا بالنسبة إلى تغميض العينين في الصلاة، فإنّه مكروه كراهةً تنزيهيّة؛ لأنّ المسلم مأمور أن ينظر إلى موضع سجوده أثناء صلاته، وإذا أغمض عينيه فإنّه سيُفوّت هذه السُنّة، ولكن يجوز له أن يغمض عينيه في حال خوفه من وقوع بصره على ما يشغله.[١٦]

حُكم البكاء في الصلاة

إن لأهل العلم في هذه المسألة عدّة أقوال، وخلاصتها فيما يأتي:[١٧]

  • الحنفية: قسّموا حكم البكاء في الصلاة بحسب سببه، على النحو الآتي:
    • البكاء بسبب ألم يشعر به الإنسان، أو مصيبة أصابته، وفي هذه الحالة تفسدُ الصلاة.
    • البكاء بسبب التفكُّر في الجنة والنار أو غيرها ممّا يُبكي الإنسان؛ من شدّة الخشوع لله -تعالى-، وفي هذه الحالة لا تفسد الصلاة؛ لأنّ البكاء يدخل في باب التسبيح والدعاء.
  • المالكية: قسّموا البكاء في الصلاة بحسب خروج الصوت، كما يأتي:
    • البكاء بصوت؛ إن كان باختيار المُصلّي، فإنّه يُبطل صلاته بغضّ النظر عن سببه؛ سواء كان لمصيبة، أو لخشوع، إلّا أنّه إذا كان بغير اختيار منه، كمن غلبه البكاء خشوعاً لله، فلا تبطل صلاته، وإن غلبه البكاء من غير خشوع، فإنّ صلاته تبطل.
    • البكاء بدون صوت، فإنّه لا يبطل الصلاة إن كان بدون اختيار حتى لو كان كثيراً، أمّا إذا كان بالاختيار فقد اشترطوا عدم كثرته.
  • الشافعية: لهم في مسألة البكاء في الصلاة رأيان، كما يأتي:
    • إن ظهر في البكاء حرفان زائدان عن القراءة، فإنّ الصلاة تبطل؛ لحصول أمر ينافي ما فيها، حتى لو كان سبب البكاء الخوف من الآخرة.
    • إن ظهر في البكاء حرفان زائدان، فإنّ الصلاة لا تبطل؛ لأنّ النطق بحرفين أثناء البكاء لا يُسمّى كلاماً في اللغة، ولا يفهم السامع منه شيئاً فهو كالصوت المُجرّد.
  • الحنابلة: ذهبوا إلى أنّ البكاء في الصلاة حتى وإن ظهر منه حرفان زائدان أو تأوّه لا يُبطلها، ويكون كالذكر فيها، واشترط بعضهم أن يكون ذلك قد غلب المُصلّي، فإن لم يغلبه فإنّها تبطل، وكذلك حُكمه إن لم يكن بكاءً من خشية الله.

حكم التفكير في غير الصلاة في الصلاة

نُقِل الإجماع على أنّ الصلاة تصحّ إن حصل فيها تفكير، واشتغل القلب بغيرها، واستدلّ عليه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عن عائشةَ قالَت: صلَّى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ- في خَميصةٍ لَها أعلامٌ فقالَ شَغلَتني أعلامُ هذِهِ اذْهبوا بِها إلى أبي جَهمٍ وأتوني بأنبَجانيَّتِهِ)،[١٨] إلّا أنّ أجرها ينقص، ويختلّ تمامها، ولكن إذا شغل التفكير المُصلّي بحيث لا يعرف ما صلّى، فقد اختلف العلماء في بطلان الصلاة في هذه الحالة؛ فقال بعضهم تصحّ الصلاة حتى مع حصول التفكُّر في بعضها، واستدلّوا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الآنف الذكر، وقال بعضهم إنّ الصلاة التي يتعمّد المُصلّي التفكير فيها لا تُجزئ، وتجب على المُصلّي إعادتها.[١٩]

للمزيد من التفاصيل عن الخشوع في الصلاة وأسبابه وما يمنع منه الاطّلاع على المقالاتات الآتية:


الهامش

* السترة: وهو ما يجعله المُصلّي من حائط أو عمود، أو كرسي؛ لمنع المرور بينه وبين مكان سجوده، وهي مشروعة للإمام وللمنفرد، إلّا أنّها في حقّ الإمام آكد؛ لأنّ صلاة المأموم تابعة لصلاته، ودليلها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قامَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي، فإنَّه يَسْتُرُهُ إذا كانَ بيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. الماوردي (1999)، الحاوي الكبير (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 191-193، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 752، صحيح.
  3. سورة الحشر، آية: 21.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 771، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريره، الصفحة أو الرقم: 482، صحيح.
  6. أبو بكر، “كيف تخشع في الصلاة”، www.saaid.net. بتصرّف.
  7. سورة المؤمنون، آية: 1-2.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1639، صحيح.
  9. “فوائد الخشوع في الصلاة”، www.alukah.net، 9-2-2019. بتصرّف.
  10. “الخشوعُ في الصَّلاةِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-8-2020. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 374، صحيح.
  12. “حكم ترك الخشوع في الصلاة”، www.islamweb.net، 21-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2020.
  13. “عدم الخشوع لا يبطل الصلاة”، www.islamweb.net، 18-4-2005، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2020. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 750، صحيح.
  15. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا-دمشق: دار الفكر، صفحة 966، جزء 2. بتصرّف.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا-دمشق: دار الفكر، صفحة 964، جزء 2. بتصرّف.
  17. مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 170-171، جزء 8. بتصرّف.
  18. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 914، صحيح.
  19. “تعمد التفكير وشغل القلب بغير الصلاة.. رؤية شرعية”، www.islamweb.net، 4-2-2015، اطّلع عليه بتاريخ 13-2-2020. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 510، صحيح.
  21. “ما معنى السترة في الصلاة؟”، www.islamweb.net، 5-8-2018، اطّلع عليه بتاريخ 30-1-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى