سورة المؤمنون
هي سورةٌ مكيةٌ عدد آياتها مئة وثماني عشر آيةً، وترتيبها بين سور القرآن الكريم في المصحف الثالثة والعشرين، وأمّا ترتيبها بحسب النزول فهي السورة السادسة والسبعون، حيث نزلت بعد سورة الطور، وقبل سورة تبارك، ويرجع السبب في تسميتها بسورة المؤمنون إلى افتتاحها بذكر فلاح المؤمنين، وصفاتهم، وقد وردت تسميها فيما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن السائب أنّه قال: (صلى بنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصبحَ بمكةَ، فاستفتح سورةَ المؤمنين)،[١] ومن المحاور التي تحدثت عنها سورة المؤمنون؛ تحقيق الوحدانية لله تعالى، وإبطال الشرك، بالإضافة إلى بيان فلاح المؤمنين، وذكر صفاتهم التي نالوا من خلالها الفلاح، وحصر هذا الفلاح بالمؤمنين وحدهم دون غيرهم، وممّا ذُكر في السورة دلائل الإيمان بالله تعالى في الكون والبشر، وذلك من خلال عرض أطوار الإنسان منذ نشأته الأولى وحتى نهاية حياته الدنيا.[٢]
صفات المؤمنين العشر في سورة المؤمنون
افتتح الله -تعالى- سورة المؤمنين بمدح المؤمنين والثناء عليهم، وبيّن الله -عزّ وجلّ- أنّهم قد فازوا ونجحوا وسعدوا، حيث قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)،[٣] ثمّ ذكر الله -سبحانه- صفاتهم وهي ست صفات أوصلتهم إلى النجاح والفلاح، وفي ذلك دعوةٌ صريحةٌ للتشبه بصفاتهم، والتخلّق بأخلاقهم لنيل الجنة والنجاة من النار، ومن صفاتهم:[٤]
- الخشوع في الصلاة: وهي أول صفات المؤمنين التي ذكرها الله -تعالى- في السورة الكريمة، حيث قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[٥] ويمكن تعريف الخشوع على أنّه الشعور بقرب الله تعالى، وحضور القلب بين يديه سبحانه، فتطمئن النفس ويسكن القلب لذلك، ممّا يؤدي إلى قلة الحركات والالتفاتات، واستحضار كامل أقوال الصلاة وأفعالها، بحيث لا يبقى مكاناً لوساوس الشيطان والأفكارالرديئة، فالخشوع روح الصلاة والمقصود منها، فالصلاة من غير خشوعٍ واستحضارٍ للقلب قد تكون مجزئةً، ولكن أجرها ناقصٌ؛ لأنّ الثواب على ما يعقل القلب من الصلاة.
- الإعراض عن اللغو: ومن صفات المؤمنين تنزيه النفس، والترفّع عن الكلام الذي لا فائدة فيه ولا خير منه، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)،[٦] وبما أنّهم يجتنبون لغو الحديث، فاجتنابهم للمحرّم من القول أولى، وإذا ملك العبد لسانه ملك أمره، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حينما أوصى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قائلاً: (ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ؟ قُلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قال: فأخذَ بلِسانِهِ قالَ: كُفَّ عليكَ هذا).[٧]
- إيتاء الزكاة: ومن صفات المؤمنين أنّهم يحافظون على أداء الزكاة على اختلاف أجناس الأموال، ويحافظون كذلك على تزكية أنفسهم من الأخلاق الدنيئة، بتجنّب الأعمال التي تؤدي إلى سُوء الخُلق، وقد ذكر الله تعالى هذه الصفة في سورة المؤمنون حيث قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ).[٨]
- حفظ الفروج: فيجتنب المؤمن الزنا، وكلّ ما يؤدي إليه من قولٍ أو فعلٍ، كالنظر، أو اللمس، أو غير ذلك، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٩] فالمؤمنون يحفظون فروجهم إلّا عمّا أحلّ الله لهم؛ كالزوجات، والإيماء المملوكات، كما في قول الله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)،[١٠] ولكن من يبتغي غير ما أحلّه الله تعالى من الزوجة والسرية فقد تعدّى حدود الله تعالى، واجترىء على محارمه، مصداقاً لقول الله عزّ وجلّ: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)،[١١] وتجدر الإشارة إلى اشتراط المِلك الكامل في ملك اليمين حتى تحلّ لمالكها، أمّا إذا ملك نصفها لم تحلّ له، لأنّها ليست ملك يمينه، فقد قال الله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)،[١٢] وكما لا يجوز اشتراك زوجين في زوجةٍ حرّةٍ واحدةٍ، كذلك لا يجوز اشتراك سيدين في أمّةٍ مملوكةٍ.
- حفظ الأمانة ورعاية الحقوق: من صفات المؤمنين أنّهم حريصون على أداء جميع الأمانات وحفظها، ومراعتها، وتشمل الأمانات حقوق الله تعالى، كما قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)،[١٣] وحقوق العباد، كما في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)،[١٤] فكلّ ما أمر الله -تعالى- به عباده من الأمانات التي يجب على العبد القيام بها، ومن ضمن ما أوجبه الله -تعالى- حفظ أمانات الناس، كالأموال والأسرار وغيرها، وحفظ العهد مع الله عزّ وجلّ، ومع الناس أيضاً ويشمل العهد الالتزامات والعقود، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).[١٥]
- المحافظة على الصلاة: حيث إنّ المؤمنين يحافظون على أداء الصلاة في وقتها، ويُراعون شروطها، وأركانها، وواجباتها، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)،[١٦] وفي الحقيقة إنّ المحافظة على الصلاة والخشوع فيها من الأمور المكمّلة لبعضها البعض، فلا تصحّ المحافظة على الصلاة من غير خشوعٍ، أو الخشوع من غير محافظةٍ عليها.
جزاء المؤمنين
بعد أن ذكر الله -تعالى- في كثيرٍ من آيات القرآن الكريم صفات المؤمنين، بيّن الجزاء المترتّب لهم، حيث قال: (أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ)،[١٧] ومن جزائهم:[١٨]
- مدحهم من خلال وصفهم بالإيمان.
- الدرجات عند الله، وهي درجات متفاوتةٌ بحسب التفاضل في الإيمان، ووجل القلب، وتلاوة القرآن الكريم.
- المغفرة؛ وهي العفو عن الزلّات، والتجاوز عن السيئات، والتغمّد بالرحمة.
- الرزق الكريم؛ ويشمل كلّ ما ينتفع به العبد.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن السائب، الصفحة أو الرقم: 455، صحيح.
- ↑ “مقاصد سورة المؤمنون”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 1.
- ↑ “مع القرآن – قد أفلح المؤمنون”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 1،2.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 3.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616، صحيح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 4.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 5.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 6.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 7.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 6.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 72.
- ↑ سورة النساء، آية: 58.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 8.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 9.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 4.
- ↑ “جزاء المؤمنين في الآخرة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2018. بتصرّف.