أركان الإسلام والإيمان

تعريف الزكاة

مقالات ذات صلة

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تعريف الزكاة

إنّ للزَّكاة تَعريفاتٍ عدَّة في اللغة والاصطلاح، إذ تُطلقُ لغةً على مَعانٍ مُختلفة؛ منها النَّماء، والزِّيادة، والطَّهارة؛ لأنها تُطهِّر مُخرجها من الآثام، كما يُطلق على الزكاة لفظُ صَدَقة؛ لأنها تدُلُّ على صِدق المُسلم في عبوديّته وطاعته لله -تعالى-،[١] وتُطلق أيضاً على البَركة، والمَدح، والصَّلاح، وتَتمثل هذه المعاني اللُّغوية في الآية الكريمة: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)،[٢] فالزَّكاة تُطهِّرُ صَاحبها من الآثام والشُحِّ، وتُبارك في مَاله وأَجرِه.[٣]

وفي الاصطلاح تُعرَّف الزَّكاة على: أَنها القَدر المَخصُوص الواجب على المُسلم إِخراجه من مَالِه البالغِ للنِّصاب للجِهات المُستحقَّة وبشروطٍ معيَّنة.[٤] ونَجد للفُقهاء تعريفات عدِّة للزَّكاة؛ فقد قال الحنفية: “هي تَمليك جُزء مَالٍ مخصُوص من مَالٍ مخصُوص لشخصٍ مخصُوص عيَّنه الشارع لِوجه الله -تعالى-“، وعرّفها المَالكية على أنَّها: “إخراجُ جزءٍ مخصُوص من مالٍ مخصُوص بَلغ نِصاباً لمُستحقّه إن تمَّ المِلك، وحَول غير مَعدنٍ وحَرث”، أمَّا الشافعيّة فعرَّفوها على أنَّها: “اسمٌ لِما يُخرج من مالٍ أو بدن على وجهٍ مخصُوص”، وآخر التعريفات للزَّكاة نجده عند الحنابلة، إذ قالوا: “هي حقٌ واجبٌ في مالٍ مخصُوصٍ لطائفةٍ مخصُوصةٍ في وقتٍ مَخصُوصٍ”.[٥]

ومِن خلال المُرور على مُختلف التعريفات، نجد أنَّها تشتركُ في اعتبار الزَّكاة تمليكاً للمالِ الذي بلغ النِّصاب؛ أي أنَّ المَال لا يُعود مِلكاً لصاحبه بعد إخراجه من حَوزته بل يدخُل في مِلك المُؤدَّى لهُ الزَّكاة، ولفظُ “مُستحقِّ الزَّكاة” يُؤكِّد استحقاقَ المُزكَّى له لهذا المَال، والمقصود بالمُستحِقّ: أيِّ الجهات الثَمانية المُستحقة للزَّكاة والتي حدَّدها القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)،[٦] وحتى تَجبَ الزَّكاة على المسلم لابدَّ من توافر شروطٍ مخصوصةٍ للزَّكاة ذكرها الفقهاء بالتفصيل، فإن تَحقّقت هذه الشروط وجبَ على المسلم عندها إخراج الزَّكاة.[٧]

حكم الزكاة

تُعدُّ الزَّكاة رُكناً من أركان الإسلام الخَمسة، وتحت شروطٍ معينة تُصبح فرض عَينٍ على المسلم، ويجب على من تحقّقت فيه شروط وجوب الزّكاة إخراجُها على الفَور بدون تَأخير.[٨] كما تُعدُّ الزَّكاة إحدى دَعائم النِظام الاقتصادي في الإسلام، وللدلالة على أهمّيتها وفَرضِيتها؛ ذُكرَت مَقرونَة بِعماد الدين -الصَّلاة- فيما يقارب ثلاثين مَوضعاً، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ومَدح الله -تعالى- عِباده المُؤدِّينَ لفَريضتيِّ الصَّلاة والزَّكاة، وعَدَّ ذلك دليلاً على صِدق إيمَانهم وخضوعهم لله -عزَّ وجلَّ- وقَرنَه بالإيمان الصَّادق باليوم الآخِر، كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).[١٠][١١]

كما تُعتبر الزَّكاة من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة؛ فقد ثَبتت فَرضيتها بالقُرآن والسُّنة والإجمَاع، وبناءً على ذلك لا يُعذر الجَهل بها، ومن أدلة ثُبوتها في القرآن الكريم الآية التي تم ذكرها آنفاً، ومنَ السُّنة النَّبوية؛ وصِّية النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمُعاذ بن جبل عندما أَرسله إلى اليمن، وقال له: (أعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ)،[١٢] وقد فُرضَت الزَّكاة مُبكّراً في السَّنة الثانية للِهجرة، وهو ذات الوَقت الذي فُرض فيه الصِّيام، على أنَّ هناك خلافٌ أيُّهما فُرِضَ أولاً.[١٣] وأمَّا فٍيما يَتعلَّقُ بِمكان افتِراض الزَّكاة هل كان بمكة أم بالمدينة؟ فأكثر أقوالِ أهلِ العلم تدلّ على أنَّ الزَّكاة فُرِضت بمكَّة، أمَّا تَقدير الأنصبة والأموال الزَّكوية ومُستحقِّي الزَّكاة فَنزل في المَدينة.[١٤]

حكمة مشروعية الزكاة

قدَّر الله -سبحانه وتعالى- بِحكمَته وعَدله أقداراً مُتفاوتةً لعباده، ومن هذا التّفاوت كان اختلافُهم في الأرزاق والمَعايش، ولكنَّه -سُبحانه وتعالى- جَعل لِلأقل رِزقاً حَقاً في مَال الأَوسع رِزقاً، يقدِّمُه للفَقير كَحقٍ له لا كَصدقةً وتُطوُّع؛ إذ يَقول الله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[١٥] فبذلك تَعمل الزَّكاة كَنظامٍ ذو أبعادٍ اجتماعيةٍ واقتصاديَّةٍ تضمَن التكافُل بين أفراد المُجتمع باختلاف طَبقاتهم،[١٦] وتنبُع أهمِّية الزَّكاة وقُدرتها على حلِّ تلك الفُروقات من شُموليَّتها لمُعظم أفراد المُجتمع، ومن مِقدارها الكَبير؛ حيث أنها تُمثِّل 2.5% من مَجموع الأموال، وهي نسبة تضمَن تَحقيق التكافُل والقضاء على الفقر إن تمَّ تَطبيقها بنَجاح.[١٧]

كَما أنَّ في الزَّكاة مَنافع للمُزكِّي نفسه؛ إذ لا تقتَصرُ فوائد الزَّكاة على الفقراء، بل تَعودُ بالنَّفع على ذَاتِ المُزكّي ومَاله؛ تُطهّر صَاحبها مِن الآثامِ والذنُوب في الآخِرة، ومِن البُخل، والشُحِّ، والطَّمع في الدُنيا؛ ومن خلالها يُهذِّبُ الله -سُبحانه وتعالى- غريزة التَّملُك في الإنسان من خلال إرغَامِه على إخراج المَال الذي فُطِر على حُبِّه طواعيةً وعبوديَّةً لله -سُبحانه وتعالى-،[١٨] وتُنمِّي الزَّكاة مَال المُزكِّي وتُبارك فيه وتَحميه من الآفَّات، وتُنمِّي أيضاً الإيمان في قلب صَاحبها، وهي سَببٌ لدُخول مؤدِّيها الجنَّة والنَّجاة من النَّار.[١٩]

وتمُثِّل الزَّكاة نِظاماً وقائيَّاً يَعمل على مَنع العديد من المَشاكل في المجتمع؛ فمثلاً تَمنعُ الزَّكاة العَديد من الجَرائم المُتعلَّقة بالسَّرقات، والنَّهب، والسَّطو؛ وذلك لأنَّها تُطهِّر نَفس الفقير من الحِقد والغلِّ على المجتمع، خاصةً بعد وصول حقِّه من مال الغَني،[١٩] كما تَحدُّ الزَّكاة من التَّضخُم الهائل في الثَرَوات، والذي قَد يُؤدي إلى احتكار الأموال لدى فئةٍ معينةٍ من المُجتمع؛ مما يُؤدي إلى بَسطِ سَيطَرتها ونفوذِها على المجتمع بأكمله كي تزيد من ثَرواتها دون النَّظر لمصالح بقيِّة الأطراف في المُجتمع، وهذه الحِكمة العَظيمة أشار لها الله -سُبحانه وتعالى- في قولُه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ).[٢٠][٢١]

المراجع

  1. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها-العبادت في الاسلام (الطبعة الأولى)، مصر، دار السلام، صفحة 2356، جزء 5. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 103.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1788، جزء 3. بتصرّف.
  4. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  5. عبدالله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية، مدار الوطن للنشر، صفحة 11، جزء 2.
  6. سورة التوبة، آية: 60.
  7. جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، ماليزيا، جامعة المدية العالمية، صفحة 146. بتصرّف.
  8. سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 347. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 43.
  10. سورة لقمان، آية: 4.
  11. نبيل السمالوطي (1998)، بناء المجتمع الاسلامي (الطبعة الثالثة)، الاردن، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 236. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1395، صحيح.
  13. شرح بلوغ المرام، عطية سالم، صفحة 6، جزء 124. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني (2010)، الزكاة في الاسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثالثة)، السعودية، مركز الدعوة والارشاد، صفحة 21. بتصرّف.
  15. سورة الذاريات، آية: 19.
  16. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية، دار الفكر، صفحة 1790، جزء 3. بتصرّف.
  17. وزارة الاوقاف السعودية، التكافل الاجتماعي، السعودية، وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 30. بتصرّف.
  18. الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، مجلة الجامعة الاسلامية بالمجينة المنورة، السعودية، الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 361، جزء 41. بتصرّف.
  19. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية، السعودية، الدرر السنية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الحشر، آية: 7.
  21. صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الاولى)، السعودية، وزراة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، صفحة 59. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الزكاة

الزكاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الصلاة، وهي التَطهّر والنظافة والنَّماء والزِّيادة؛ فإخراج جزءِ من المال الزائد عن حاجة المسلم لمُستحقّيه من الفقراء والمساكين وغيرهم يطهِّره ويُنمّيه ويبارك فيه -بإذنه تعالى- ويحفظه من الزوال.

ورد في القرآن الكريم أنّ الزكاة كانت قد فُرضت على الأمم السابقة؛ حيث جاء الرّسل والأنبياء بفرضيتها قديماً، ثم جاءَ الإسلام وأرسى لها القواعد، والأسس وأوجبها وفق ضوابط وشروط وأحكام، وفصَّل في مُستحقّيها تفصيلاً دقيقاً، حتى اتّضح مفهوم الزكاة لكلّ من أراد أداءها، وظهر لكلّ مُسلم متى تجب عليه ومتى لا تجب، ومن هم أصحابها ومُستحقّوها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[١]

تعريف الزكاة

الزكاة لغةً

الزكاة مَصدرها زكو، وجمعها الزكوات، وللزكاة في اللغة عدد من التعريفات وبيانها على النحو الآتي:[٢]

  • زكاة المال: تطهيره، وتصريفاتها: زكى يزكّي تزكية.
  • الزكاة: الصلاح. يُقال: رجل زكي أي تقي، ورجال أزكياء: أتقياء.
  • الزكاة: النماء، ومنه زكا الزرع يزكو زكاء: أي ازداد ونما، وكلّ شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاءً.
  • الزكاة بمعنى الأفضل أو الأليق، يقال: هذا الأمر لا يزكو، أي: لا يَليق. قال الشاعر:

والمال يزكو بك مستكبرا

يختال قد أشرف للناظر

سُمِّيت الزكاة زكاةً للبَركة التي تَظهر في المال بعد أدائها، يُقال: زكا الشيء يزكو، إذا كثر ودخلت فيه البركة، وقال ابن عرفة في تسميتها: سُمّيت الزكاة بذلك، لأنّ من يؤديها يتزكى إلى الله أي: يتقرب إلى الله بالعمل الصالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعمل صالح فقد تزكى وتقرّب إليه، ومن ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ).[٣] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[٤] أي: قرَّب نفسه إلى الله بالعمل الصالح.[٥]

الزكاة في الاصطلاح

عرّف العلماء الزكاة بأنها حصّة مُقدّرة من المال فرضها الله عز وجل للمُستحقّين الذين سماهم في كتابه العزيز، ‏أو هي القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً مُعيّناً بشروط مخصوصة، وقيل هي: مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.[٦]

الزكاة الشرعيّة قد تُسمّى في لغة القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – (صدقة) كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ وفي الحديث الصحيح الذي يرويه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨]

مستحقو الزكاة

ورد ذكرُ أصناف ومُستحقّي الزكاة في القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات، ومن أظهر الآيات وأبرزها في ذكر وتفصيل مستحقّي الزكاة قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[٩] ويُمكن بيان مستحقي الزكاة في الآتي:[١٠]

  • الفقراء: عرّف الفقهاء الفقراء بأنَّهم الذين لا يَجدون إلاَّ نصف كفاية العام أو أقل من ذلك لهم ولمن يعولون.
  • المساكين: هم الذين يَجدون نصف كفايتهم فأكثر، ويشمل ذلك القوت من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدفء، لكنّهم لا يصلون إلى الكفاية التامّة لهم ولمن يعولون؛ فالفقراء أشد حاجة وعَوَزاً من المساكين، لكن إذا ذُكِرَ المسكين وحده، فإنه يشمل بذلك الفقراء والمساكين، وإذا ذكر الفقير وحده كذلك شمل المساكين، ويجري التفريق بينهما إذا اجتمعا بناءً على ما سبق بيانه.
  • المؤلفة قلوبهم: السادة والقادة ورؤساء القبائل والوجهاء المطاعون في أقوامهم ممّن يعتقد إسلامهم إذا ما أعطوا من الزكاة، أو يرجى كف شرهم بإعطائه، فيؤلَّف قلبه بأن يعطى من مال الزكاة.
  • المُكاتب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يشتري نفسه مقابل مبلغٍ يدفعه له على دفعات حسب اتفاقهما، فيُعطى ما يوفى به دين الذي كاتب سيده عليه حتى يعتق نفسه من العبودية.
  • الغارم: هو من لَحِقه دين ولم يستطع إيفاءه في وقته المتفق عليه بينه وبين الدائن، شريطة أن يكون ترتّب عليه ذلك الدّين من أجل أعمال مباحة شرعاً، أو أعمال مُحرَّمة تاب منها، فيُعطى من مال الزكاة إن كان فقيراً محتاجاً ليوفي دينه إعانة له على التوبة.
  • ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد نفقةً ينفق منها على نفسه في غير بلده بشرط أن يكون سفره مباحاً، أو أن يكون السفر في محرَّمٍ تاب منه، فيُعطى من مال الزكاة ما يصل به إلى بلده، حتى إن كان غنيًا في بلده.
  • العاملين على الزكاة: هم كلّ من له عمل في تحصيل الزكاة وجمعها وتقسيمها وتوزيعها على مُستحقّيها، سواء كان العامل على الزكاة جابياً للزكاة أو موزّعاً لها أو حاملاً لها، فكل هؤلاء يُعطون من الزكاة بدلَ جهدِهم في جمع وتوزيع الزكاة وحملها لمُستحقّيها.
  • الغارمين: الغارم نوعان: فمنه: الغارم لإصلاح ذات البين، وهو الذي يُؤلّف بين طائفتين من الناس بينهما شرٌ وفتنة ويَسهى لذلك بماله ووقته حتى يلحق الدين، فيتوسّط للإصلاح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً لإطفاء الفتنة إن كان الأمر فيه مال كدينٍ أو حقٍ مطلوبٍ من أحد الفرقتين، فيُعطى من مال الزكاة حتى لا تجحف هذه الغرامات بسادات القوم من أهل الإصلاح، أو يوهِن ذلك من عزائمهم وإنفاقهم في سبيل الإصلاح، وأمّا النوع الثاني فهو الغارم لنفسه ممّن أصابت ماله جائحة أو مصيبة، أو لحقه دين طارئ، فيُعطى من مال الزكاة بالقدر الذي يوفى فيه دينه.
  • الغازي في سبيل الله: فإنَّه يُعْطَى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه في قتاله وغزواته وتنقله لأجلها ذهابًا وإيابًا، وذلك إن لم يكن له شيء معروف يأخذه من بيت المال كراتبٍ شهري أو شيءٍ خاص من الغنائم أو عطية مخصوصة يأخذها لأجل قتاله.

حكم الزكاة ودليل مشروعيتها

الزكاة واجبة مشروعةٌ بنص الكتاب والسنة والإجماع، فأمّا دليل وجوبها من الكتاب فقول الله تعالى: (وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)،[١١] وكذلك قوله تعالى: ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ ولقوله تعالى أيضاً: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ)[١٢] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل واْلمَحْرُومِ)[١٣].

دليل وجوب الزكاة من السنة ما يرويه ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨] وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الزكاة، وحرمة منعها.[١٤]

شروط وجوب الزكاة

يشترط للزكاة ما يُشترط في غالب الأحكام الإسلاميّة من البلوغ والعقل؛ فلا تجب على الصبيّ غير البالغ والمجنون الفاقد للأهلية، ولكنّها تجب على وليهما فيخرجها من مالهما بالمعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يجب على وليهما إخراجها من مالهما؛ لأن الزكاة عبادة محضة، والصبي، والمجنون غير مخاطبين بأداء العبادات فلا يجب عليهما أو على أحد أداءها نيابةً عنهما كما لا يجوز لأحد القيام بأي عبادة أخرى عنهما، كما يجب أن تكون الزكاة من مال المزكي وملكه الذي يملكه ملكاً تاماً لا شراكة فيه أو حقٍ لأحد، ويشترط كذلك بلوغ نصاب الزكاة المُقدّر شرعاً والذي حدّده الفقهاء بما يبلغ قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب في زكاة المال، ويشترط في الزكاة أيضاً حلول الحول الذي يَعني مرور عامٍ على بلوغ المال المُراد زكاته.[١٥]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 60.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، كتاب العين، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة الليل ، آية: 18.
  4. سورة الشمس، آية: 9.
  5. أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
  8. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 60.
  10. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 418، جزء 3. بتصرّف.
  11. سورة النور، آية: 56.
  12. سورة الأنعام، آية: 141.
  13. سورة المعارج، آية: 24-25.
  14. “مشروعية الزكاة”، مجلة البحوث الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2017. بتصرّف.
  15. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 536-539، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الزكاة

الزكاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الصلاة، وهي التَطهّر والنظافة والنَّماء والزِّيادة؛ فإخراج جزءِ من المال الزائد عن حاجة المسلم لمُستحقّيه من الفقراء والمساكين وغيرهم يطهِّره ويُنمّيه ويبارك فيه -بإذنه تعالى- ويحفظه من الزوال.

ورد في القرآن الكريم أنّ الزكاة كانت قد فُرضت على الأمم السابقة؛ حيث جاء الرّسل والأنبياء بفرضيتها قديماً، ثم جاءَ الإسلام وأرسى لها القواعد، والأسس وأوجبها وفق ضوابط وشروط وأحكام، وفصَّل في مُستحقّيها تفصيلاً دقيقاً، حتى اتّضح مفهوم الزكاة لكلّ من أراد أداءها، وظهر لكلّ مُسلم متى تجب عليه ومتى لا تجب، ومن هم أصحابها ومُستحقّوها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[١]

تعريف الزكاة

الزكاة لغةً

الزكاة مَصدرها زكو، وجمعها الزكوات، وللزكاة في اللغة عدد من التعريفات وبيانها على النحو الآتي:[٢]

  • زكاة المال: تطهيره، وتصريفاتها: زكى يزكّي تزكية.
  • الزكاة: الصلاح. يُقال: رجل زكي أي تقي، ورجال أزكياء: أتقياء.
  • الزكاة: النماء، ومنه زكا الزرع يزكو زكاء: أي ازداد ونما، وكلّ شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاءً.
  • الزكاة بمعنى الأفضل أو الأليق، يقال: هذا الأمر لا يزكو، أي: لا يَليق. قال الشاعر:

والمال يزكو بك مستكبرا

يختال قد أشرف للناظر

سُمِّيت الزكاة زكاةً للبَركة التي تَظهر في المال بعد أدائها، يُقال: زكا الشيء يزكو، إذا كثر ودخلت فيه البركة، وقال ابن عرفة في تسميتها: سُمّيت الزكاة بذلك، لأنّ من يؤديها يتزكى إلى الله أي: يتقرب إلى الله بالعمل الصالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعمل صالح فقد تزكى وتقرّب إليه، ومن ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ).[٣] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[٤] أي: قرَّب نفسه إلى الله بالعمل الصالح.[٥]

الزكاة في الاصطلاح

عرّف العلماء الزكاة بأنها حصّة مُقدّرة من المال فرضها الله عز وجل للمُستحقّين الذين سماهم في كتابه العزيز، ‏أو هي القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً مُعيّناً بشروط مخصوصة، وقيل هي: مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.[٦]

الزكاة الشرعيّة قد تُسمّى في لغة القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – (صدقة) كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ وفي الحديث الصحيح الذي يرويه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨]

مستحقو الزكاة

ورد ذكرُ أصناف ومُستحقّي الزكاة في القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات، ومن أظهر الآيات وأبرزها في ذكر وتفصيل مستحقّي الزكاة قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[٩] ويُمكن بيان مستحقي الزكاة في الآتي:[١٠]

  • الفقراء: عرّف الفقهاء الفقراء بأنَّهم الذين لا يَجدون إلاَّ نصف كفاية العام أو أقل من ذلك لهم ولمن يعولون.
  • المساكين: هم الذين يَجدون نصف كفايتهم فأكثر، ويشمل ذلك القوت من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدفء، لكنّهم لا يصلون إلى الكفاية التامّة لهم ولمن يعولون؛ فالفقراء أشد حاجة وعَوَزاً من المساكين، لكن إذا ذُكِرَ المسكين وحده، فإنه يشمل بذلك الفقراء والمساكين، وإذا ذكر الفقير وحده كذلك شمل المساكين، ويجري التفريق بينهما إذا اجتمعا بناءً على ما سبق بيانه.
  • المؤلفة قلوبهم: السادة والقادة ورؤساء القبائل والوجهاء المطاعون في أقوامهم ممّن يعتقد إسلامهم إذا ما أعطوا من الزكاة، أو يرجى كف شرهم بإعطائه، فيؤلَّف قلبه بأن يعطى من مال الزكاة.
  • المُكاتب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يشتري نفسه مقابل مبلغٍ يدفعه له على دفعات حسب اتفاقهما، فيُعطى ما يوفى به دين الذي كاتب سيده عليه حتى يعتق نفسه من العبودية.
  • الغارم: هو من لَحِقه دين ولم يستطع إيفاءه في وقته المتفق عليه بينه وبين الدائن، شريطة أن يكون ترتّب عليه ذلك الدّين من أجل أعمال مباحة شرعاً، أو أعمال مُحرَّمة تاب منها، فيُعطى من مال الزكاة إن كان فقيراً محتاجاً ليوفي دينه إعانة له على التوبة.
  • ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد نفقةً ينفق منها على نفسه في غير بلده بشرط أن يكون سفره مباحاً، أو أن يكون السفر في محرَّمٍ تاب منه، فيُعطى من مال الزكاة ما يصل به إلى بلده، حتى إن كان غنيًا في بلده.
  • العاملين على الزكاة: هم كلّ من له عمل في تحصيل الزكاة وجمعها وتقسيمها وتوزيعها على مُستحقّيها، سواء كان العامل على الزكاة جابياً للزكاة أو موزّعاً لها أو حاملاً لها، فكل هؤلاء يُعطون من الزكاة بدلَ جهدِهم في جمع وتوزيع الزكاة وحملها لمُستحقّيها.
  • الغارمين: الغارم نوعان: فمنه: الغارم لإصلاح ذات البين، وهو الذي يُؤلّف بين طائفتين من الناس بينهما شرٌ وفتنة ويَسهى لذلك بماله ووقته حتى يلحق الدين، فيتوسّط للإصلاح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً لإطفاء الفتنة إن كان الأمر فيه مال كدينٍ أو حقٍ مطلوبٍ من أحد الفرقتين، فيُعطى من مال الزكاة حتى لا تجحف هذه الغرامات بسادات القوم من أهل الإصلاح، أو يوهِن ذلك من عزائمهم وإنفاقهم في سبيل الإصلاح، وأمّا النوع الثاني فهو الغارم لنفسه ممّن أصابت ماله جائحة أو مصيبة، أو لحقه دين طارئ، فيُعطى من مال الزكاة بالقدر الذي يوفى فيه دينه.
  • الغازي في سبيل الله: فإنَّه يُعْطَى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه في قتاله وغزواته وتنقله لأجلها ذهابًا وإيابًا، وذلك إن لم يكن له شيء معروف يأخذه من بيت المال كراتبٍ شهري أو شيءٍ خاص من الغنائم أو عطية مخصوصة يأخذها لأجل قتاله.

حكم الزكاة ودليل مشروعيتها

الزكاة واجبة مشروعةٌ بنص الكتاب والسنة والإجماع، فأمّا دليل وجوبها من الكتاب فقول الله تعالى: (وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)،[١١] وكذلك قوله تعالى: ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ ولقوله تعالى أيضاً: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ)[١٢] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل واْلمَحْرُومِ)[١٣].

دليل وجوب الزكاة من السنة ما يرويه ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨] وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الزكاة، وحرمة منعها.[١٤]

شروط وجوب الزكاة

يشترط للزكاة ما يُشترط في غالب الأحكام الإسلاميّة من البلوغ والعقل؛ فلا تجب على الصبيّ غير البالغ والمجنون الفاقد للأهلية، ولكنّها تجب على وليهما فيخرجها من مالهما بالمعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يجب على وليهما إخراجها من مالهما؛ لأن الزكاة عبادة محضة، والصبي، والمجنون غير مخاطبين بأداء العبادات فلا يجب عليهما أو على أحد أداءها نيابةً عنهما كما لا يجوز لأحد القيام بأي عبادة أخرى عنهما، كما يجب أن تكون الزكاة من مال المزكي وملكه الذي يملكه ملكاً تاماً لا شراكة فيه أو حقٍ لأحد، ويشترط كذلك بلوغ نصاب الزكاة المُقدّر شرعاً والذي حدّده الفقهاء بما يبلغ قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب في زكاة المال، ويشترط في الزكاة أيضاً حلول الحول الذي يَعني مرور عامٍ على بلوغ المال المُراد زكاته.[١٥]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 60.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، كتاب العين، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة الليل ، آية: 18.
  4. سورة الشمس، آية: 9.
  5. أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
  8. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 60.
  10. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 418، جزء 3. بتصرّف.
  11. سورة النور، آية: 56.
  12. سورة الأنعام، آية: 141.
  13. سورة المعارج، آية: 24-25.
  14. “مشروعية الزكاة”، مجلة البحوث الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2017. بتصرّف.
  15. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 536-539، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الزكاة

الزكاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الصلاة، وهي التَطهّر والنظافة والنَّماء والزِّيادة؛ فإخراج جزءِ من المال الزائد عن حاجة المسلم لمُستحقّيه من الفقراء والمساكين وغيرهم يطهِّره ويُنمّيه ويبارك فيه -بإذنه تعالى- ويحفظه من الزوال.

ورد في القرآن الكريم أنّ الزكاة كانت قد فُرضت على الأمم السابقة؛ حيث جاء الرّسل والأنبياء بفرضيتها قديماً، ثم جاءَ الإسلام وأرسى لها القواعد، والأسس وأوجبها وفق ضوابط وشروط وأحكام، وفصَّل في مُستحقّيها تفصيلاً دقيقاً، حتى اتّضح مفهوم الزكاة لكلّ من أراد أداءها، وظهر لكلّ مُسلم متى تجب عليه ومتى لا تجب، ومن هم أصحابها ومُستحقّوها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[١]

تعريف الزكاة

الزكاة لغةً

الزكاة مَصدرها زكو، وجمعها الزكوات، وللزكاة في اللغة عدد من التعريفات وبيانها على النحو الآتي:[٢]

  • زكاة المال: تطهيره، وتصريفاتها: زكى يزكّي تزكية.
  • الزكاة: الصلاح. يُقال: رجل زكي أي تقي، ورجال أزكياء: أتقياء.
  • الزكاة: النماء، ومنه زكا الزرع يزكو زكاء: أي ازداد ونما، وكلّ شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاءً.
  • الزكاة بمعنى الأفضل أو الأليق، يقال: هذا الأمر لا يزكو، أي: لا يَليق. قال الشاعر:

والمال يزكو بك مستكبرا

يختال قد أشرف للناظر

سُمِّيت الزكاة زكاةً للبَركة التي تَظهر في المال بعد أدائها، يُقال: زكا الشيء يزكو، إذا كثر ودخلت فيه البركة، وقال ابن عرفة في تسميتها: سُمّيت الزكاة بذلك، لأنّ من يؤديها يتزكى إلى الله أي: يتقرب إلى الله بالعمل الصالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعمل صالح فقد تزكى وتقرّب إليه، ومن ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ).[٣] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[٤] أي: قرَّب نفسه إلى الله بالعمل الصالح.[٥]

الزكاة في الاصطلاح

عرّف العلماء الزكاة بأنها حصّة مُقدّرة من المال فرضها الله عز وجل للمُستحقّين الذين سماهم في كتابه العزيز، ‏أو هي القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً مُعيّناً بشروط مخصوصة، وقيل هي: مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.[٦]

الزكاة الشرعيّة قد تُسمّى في لغة القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – (صدقة) كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ وفي الحديث الصحيح الذي يرويه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨]

مستحقو الزكاة

ورد ذكرُ أصناف ومُستحقّي الزكاة في القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات، ومن أظهر الآيات وأبرزها في ذكر وتفصيل مستحقّي الزكاة قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[٩] ويُمكن بيان مستحقي الزكاة في الآتي:[١٠]

  • الفقراء: عرّف الفقهاء الفقراء بأنَّهم الذين لا يَجدون إلاَّ نصف كفاية العام أو أقل من ذلك لهم ولمن يعولون.
  • المساكين: هم الذين يَجدون نصف كفايتهم فأكثر، ويشمل ذلك القوت من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدفء، لكنّهم لا يصلون إلى الكفاية التامّة لهم ولمن يعولون؛ فالفقراء أشد حاجة وعَوَزاً من المساكين، لكن إذا ذُكِرَ المسكين وحده، فإنه يشمل بذلك الفقراء والمساكين، وإذا ذكر الفقير وحده كذلك شمل المساكين، ويجري التفريق بينهما إذا اجتمعا بناءً على ما سبق بيانه.
  • المؤلفة قلوبهم: السادة والقادة ورؤساء القبائل والوجهاء المطاعون في أقوامهم ممّن يعتقد إسلامهم إذا ما أعطوا من الزكاة، أو يرجى كف شرهم بإعطائه، فيؤلَّف قلبه بأن يعطى من مال الزكاة.
  • المُكاتب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يشتري نفسه مقابل مبلغٍ يدفعه له على دفعات حسب اتفاقهما، فيُعطى ما يوفى به دين الذي كاتب سيده عليه حتى يعتق نفسه من العبودية.
  • الغارم: هو من لَحِقه دين ولم يستطع إيفاءه في وقته المتفق عليه بينه وبين الدائن، شريطة أن يكون ترتّب عليه ذلك الدّين من أجل أعمال مباحة شرعاً، أو أعمال مُحرَّمة تاب منها، فيُعطى من مال الزكاة إن كان فقيراً محتاجاً ليوفي دينه إعانة له على التوبة.
  • ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد نفقةً ينفق منها على نفسه في غير بلده بشرط أن يكون سفره مباحاً، أو أن يكون السفر في محرَّمٍ تاب منه، فيُعطى من مال الزكاة ما يصل به إلى بلده، حتى إن كان غنيًا في بلده.
  • العاملين على الزكاة: هم كلّ من له عمل في تحصيل الزكاة وجمعها وتقسيمها وتوزيعها على مُستحقّيها، سواء كان العامل على الزكاة جابياً للزكاة أو موزّعاً لها أو حاملاً لها، فكل هؤلاء يُعطون من الزكاة بدلَ جهدِهم في جمع وتوزيع الزكاة وحملها لمُستحقّيها.
  • الغارمين: الغارم نوعان: فمنه: الغارم لإصلاح ذات البين، وهو الذي يُؤلّف بين طائفتين من الناس بينهما شرٌ وفتنة ويَسهى لذلك بماله ووقته حتى يلحق الدين، فيتوسّط للإصلاح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً لإطفاء الفتنة إن كان الأمر فيه مال كدينٍ أو حقٍ مطلوبٍ من أحد الفرقتين، فيُعطى من مال الزكاة حتى لا تجحف هذه الغرامات بسادات القوم من أهل الإصلاح، أو يوهِن ذلك من عزائمهم وإنفاقهم في سبيل الإصلاح، وأمّا النوع الثاني فهو الغارم لنفسه ممّن أصابت ماله جائحة أو مصيبة، أو لحقه دين طارئ، فيُعطى من مال الزكاة بالقدر الذي يوفى فيه دينه.
  • الغازي في سبيل الله: فإنَّه يُعْطَى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه في قتاله وغزواته وتنقله لأجلها ذهابًا وإيابًا، وذلك إن لم يكن له شيء معروف يأخذه من بيت المال كراتبٍ شهري أو شيءٍ خاص من الغنائم أو عطية مخصوصة يأخذها لأجل قتاله.

حكم الزكاة ودليل مشروعيتها

الزكاة واجبة مشروعةٌ بنص الكتاب والسنة والإجماع، فأمّا دليل وجوبها من الكتاب فقول الله تعالى: (وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)،[١١] وكذلك قوله تعالى: ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ ولقوله تعالى أيضاً: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ)[١٢] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل واْلمَحْرُومِ)[١٣].

دليل وجوب الزكاة من السنة ما يرويه ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨] وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الزكاة، وحرمة منعها.[١٤]

شروط وجوب الزكاة

يشترط للزكاة ما يُشترط في غالب الأحكام الإسلاميّة من البلوغ والعقل؛ فلا تجب على الصبيّ غير البالغ والمجنون الفاقد للأهلية، ولكنّها تجب على وليهما فيخرجها من مالهما بالمعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يجب على وليهما إخراجها من مالهما؛ لأن الزكاة عبادة محضة، والصبي، والمجنون غير مخاطبين بأداء العبادات فلا يجب عليهما أو على أحد أداءها نيابةً عنهما كما لا يجوز لأحد القيام بأي عبادة أخرى عنهما، كما يجب أن تكون الزكاة من مال المزكي وملكه الذي يملكه ملكاً تاماً لا شراكة فيه أو حقٍ لأحد، ويشترط كذلك بلوغ نصاب الزكاة المُقدّر شرعاً والذي حدّده الفقهاء بما يبلغ قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب في زكاة المال، ويشترط في الزكاة أيضاً حلول الحول الذي يَعني مرور عامٍ على بلوغ المال المُراد زكاته.[١٥]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 60.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، كتاب العين، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة الليل ، آية: 18.
  4. سورة الشمس، آية: 9.
  5. أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
  8. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 60.
  10. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 418، جزء 3. بتصرّف.
  11. سورة النور، آية: 56.
  12. سورة الأنعام، آية: 141.
  13. سورة المعارج، آية: 24-25.
  14. “مشروعية الزكاة”، مجلة البحوث الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2017. بتصرّف.
  15. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 536-539، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الزكاة

الزكاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الصلاة، وهي التَطهّر والنظافة والنَّماء والزِّيادة؛ فإخراج جزءِ من المال الزائد عن حاجة المسلم لمُستحقّيه من الفقراء والمساكين وغيرهم يطهِّره ويُنمّيه ويبارك فيه -بإذنه تعالى- ويحفظه من الزوال.

ورد في القرآن الكريم أنّ الزكاة كانت قد فُرضت على الأمم السابقة؛ حيث جاء الرّسل والأنبياء بفرضيتها قديماً، ثم جاءَ الإسلام وأرسى لها القواعد، والأسس وأوجبها وفق ضوابط وشروط وأحكام، وفصَّل في مُستحقّيها تفصيلاً دقيقاً، حتى اتّضح مفهوم الزكاة لكلّ من أراد أداءها، وظهر لكلّ مُسلم متى تجب عليه ومتى لا تجب، ومن هم أصحابها ومُستحقّوها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[١]

تعريف الزكاة

الزكاة لغةً

الزكاة مَصدرها زكو، وجمعها الزكوات، وللزكاة في اللغة عدد من التعريفات وبيانها على النحو الآتي:[٢]

  • زكاة المال: تطهيره، وتصريفاتها: زكى يزكّي تزكية.
  • الزكاة: الصلاح. يُقال: رجل زكي أي تقي، ورجال أزكياء: أتقياء.
  • الزكاة: النماء، ومنه زكا الزرع يزكو زكاء: أي ازداد ونما، وكلّ شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاءً.
  • الزكاة بمعنى الأفضل أو الأليق، يقال: هذا الأمر لا يزكو، أي: لا يَليق. قال الشاعر:

والمال يزكو بك مستكبرا

يختال قد أشرف للناظر

سُمِّيت الزكاة زكاةً للبَركة التي تَظهر في المال بعد أدائها، يُقال: زكا الشيء يزكو، إذا كثر ودخلت فيه البركة، وقال ابن عرفة في تسميتها: سُمّيت الزكاة بذلك، لأنّ من يؤديها يتزكى إلى الله أي: يتقرب إلى الله بالعمل الصالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعمل صالح فقد تزكى وتقرّب إليه، ومن ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ).[٣] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[٤] أي: قرَّب نفسه إلى الله بالعمل الصالح.[٥]

الزكاة في الاصطلاح

عرّف العلماء الزكاة بأنها حصّة مُقدّرة من المال فرضها الله عز وجل للمُستحقّين الذين سماهم في كتابه العزيز، ‏أو هي القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً مُعيّناً بشروط مخصوصة، وقيل هي: مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.[٦]

الزكاة الشرعيّة قد تُسمّى في لغة القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – (صدقة) كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ وفي الحديث الصحيح الذي يرويه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨]

مستحقو الزكاة

ورد ذكرُ أصناف ومُستحقّي الزكاة في القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات، ومن أظهر الآيات وأبرزها في ذكر وتفصيل مستحقّي الزكاة قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[٩] ويُمكن بيان مستحقي الزكاة في الآتي:[١٠]

  • الفقراء: عرّف الفقهاء الفقراء بأنَّهم الذين لا يَجدون إلاَّ نصف كفاية العام أو أقل من ذلك لهم ولمن يعولون.
  • المساكين: هم الذين يَجدون نصف كفايتهم فأكثر، ويشمل ذلك القوت من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدفء، لكنّهم لا يصلون إلى الكفاية التامّة لهم ولمن يعولون؛ فالفقراء أشد حاجة وعَوَزاً من المساكين، لكن إذا ذُكِرَ المسكين وحده، فإنه يشمل بذلك الفقراء والمساكين، وإذا ذكر الفقير وحده كذلك شمل المساكين، ويجري التفريق بينهما إذا اجتمعا بناءً على ما سبق بيانه.
  • المؤلفة قلوبهم: السادة والقادة ورؤساء القبائل والوجهاء المطاعون في أقوامهم ممّن يعتقد إسلامهم إذا ما أعطوا من الزكاة، أو يرجى كف شرهم بإعطائه، فيؤلَّف قلبه بأن يعطى من مال الزكاة.
  • المُكاتب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يشتري نفسه مقابل مبلغٍ يدفعه له على دفعات حسب اتفاقهما، فيُعطى ما يوفى به دين الذي كاتب سيده عليه حتى يعتق نفسه من العبودية.
  • الغارم: هو من لَحِقه دين ولم يستطع إيفاءه في وقته المتفق عليه بينه وبين الدائن، شريطة أن يكون ترتّب عليه ذلك الدّين من أجل أعمال مباحة شرعاً، أو أعمال مُحرَّمة تاب منها، فيُعطى من مال الزكاة إن كان فقيراً محتاجاً ليوفي دينه إعانة له على التوبة.
  • ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد نفقةً ينفق منها على نفسه في غير بلده بشرط أن يكون سفره مباحاً، أو أن يكون السفر في محرَّمٍ تاب منه، فيُعطى من مال الزكاة ما يصل به إلى بلده، حتى إن كان غنيًا في بلده.
  • العاملين على الزكاة: هم كلّ من له عمل في تحصيل الزكاة وجمعها وتقسيمها وتوزيعها على مُستحقّيها، سواء كان العامل على الزكاة جابياً للزكاة أو موزّعاً لها أو حاملاً لها، فكل هؤلاء يُعطون من الزكاة بدلَ جهدِهم في جمع وتوزيع الزكاة وحملها لمُستحقّيها.
  • الغارمين: الغارم نوعان: فمنه: الغارم لإصلاح ذات البين، وهو الذي يُؤلّف بين طائفتين من الناس بينهما شرٌ وفتنة ويَسهى لذلك بماله ووقته حتى يلحق الدين، فيتوسّط للإصلاح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً لإطفاء الفتنة إن كان الأمر فيه مال كدينٍ أو حقٍ مطلوبٍ من أحد الفرقتين، فيُعطى من مال الزكاة حتى لا تجحف هذه الغرامات بسادات القوم من أهل الإصلاح، أو يوهِن ذلك من عزائمهم وإنفاقهم في سبيل الإصلاح، وأمّا النوع الثاني فهو الغارم لنفسه ممّن أصابت ماله جائحة أو مصيبة، أو لحقه دين طارئ، فيُعطى من مال الزكاة بالقدر الذي يوفى فيه دينه.
  • الغازي في سبيل الله: فإنَّه يُعْطَى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه في قتاله وغزواته وتنقله لأجلها ذهابًا وإيابًا، وذلك إن لم يكن له شيء معروف يأخذه من بيت المال كراتبٍ شهري أو شيءٍ خاص من الغنائم أو عطية مخصوصة يأخذها لأجل قتاله.

حكم الزكاة ودليل مشروعيتها

الزكاة واجبة مشروعةٌ بنص الكتاب والسنة والإجماع، فأمّا دليل وجوبها من الكتاب فقول الله تعالى: (وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)،[١١] وكذلك قوله تعالى: ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ ولقوله تعالى أيضاً: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ)[١٢] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل واْلمَحْرُومِ)[١٣].

دليل وجوب الزكاة من السنة ما يرويه ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨] وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الزكاة، وحرمة منعها.[١٤]

شروط وجوب الزكاة

يشترط للزكاة ما يُشترط في غالب الأحكام الإسلاميّة من البلوغ والعقل؛ فلا تجب على الصبيّ غير البالغ والمجنون الفاقد للأهلية، ولكنّها تجب على وليهما فيخرجها من مالهما بالمعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يجب على وليهما إخراجها من مالهما؛ لأن الزكاة عبادة محضة، والصبي، والمجنون غير مخاطبين بأداء العبادات فلا يجب عليهما أو على أحد أداءها نيابةً عنهما كما لا يجوز لأحد القيام بأي عبادة أخرى عنهما، كما يجب أن تكون الزكاة من مال المزكي وملكه الذي يملكه ملكاً تاماً لا شراكة فيه أو حقٍ لأحد، ويشترط كذلك بلوغ نصاب الزكاة المُقدّر شرعاً والذي حدّده الفقهاء بما يبلغ قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب في زكاة المال، ويشترط في الزكاة أيضاً حلول الحول الذي يَعني مرور عامٍ على بلوغ المال المُراد زكاته.[١٥]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 60.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، كتاب العين، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة الليل ، آية: 18.
  4. سورة الشمس، آية: 9.
  5. أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
  8. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 60.
  10. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 418، جزء 3. بتصرّف.
  11. سورة النور، آية: 56.
  12. سورة الأنعام، آية: 141.
  13. سورة المعارج، آية: 24-25.
  14. “مشروعية الزكاة”، مجلة البحوث الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2017. بتصرّف.
  15. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 536-539، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الزكاة

الزكاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الصلاة، وهي التَطهّر والنظافة والنَّماء والزِّيادة؛ فإخراج جزءِ من المال الزائد عن حاجة المسلم لمُستحقّيه من الفقراء والمساكين وغيرهم يطهِّره ويُنمّيه ويبارك فيه -بإذنه تعالى- ويحفظه من الزوال.

ورد في القرآن الكريم أنّ الزكاة كانت قد فُرضت على الأمم السابقة؛ حيث جاء الرّسل والأنبياء بفرضيتها قديماً، ثم جاءَ الإسلام وأرسى لها القواعد، والأسس وأوجبها وفق ضوابط وشروط وأحكام، وفصَّل في مُستحقّيها تفصيلاً دقيقاً، حتى اتّضح مفهوم الزكاة لكلّ من أراد أداءها، وظهر لكلّ مُسلم متى تجب عليه ومتى لا تجب، ومن هم أصحابها ومُستحقّوها، قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[١]

تعريف الزكاة

الزكاة لغةً

الزكاة مَصدرها زكو، وجمعها الزكوات، وللزكاة في اللغة عدد من التعريفات وبيانها على النحو الآتي:[٢]

  • زكاة المال: تطهيره، وتصريفاتها: زكى يزكّي تزكية.
  • الزكاة: الصلاح. يُقال: رجل زكي أي تقي، ورجال أزكياء: أتقياء.
  • الزكاة: النماء، ومنه زكا الزرع يزكو زكاء: أي ازداد ونما، وكلّ شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاءً.
  • الزكاة بمعنى الأفضل أو الأليق، يقال: هذا الأمر لا يزكو، أي: لا يَليق. قال الشاعر:

والمال يزكو بك مستكبرا

يختال قد أشرف للناظر

سُمِّيت الزكاة زكاةً للبَركة التي تَظهر في المال بعد أدائها، يُقال: زكا الشيء يزكو، إذا كثر ودخلت فيه البركة، وقال ابن عرفة في تسميتها: سُمّيت الزكاة بذلك، لأنّ من يؤديها يتزكى إلى الله أي: يتقرب إلى الله بالعمل الصالح، وكلّ من تقرّب إلى الله بعمل صالح فقد تزكى وتقرّب إليه، ومن ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ).[٣] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[٤] أي: قرَّب نفسه إلى الله بالعمل الصالح.[٥]

الزكاة في الاصطلاح

عرّف العلماء الزكاة بأنها حصّة مُقدّرة من المال فرضها الله عز وجل للمُستحقّين الذين سماهم في كتابه العزيز، ‏أو هي القدر الواجب إخراجه لمستحقيه في المال الذي بلغ نصاباً مُعيّناً بشروط مخصوصة، وقيل هي: مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى‏.[٦]

الزكاة الشرعيّة قد تُسمّى في لغة القرآن الكريم وسنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – (صدقة) كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ وفي الحديث الصحيح الذي يرويه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨]

مستحقو الزكاة

ورد ذكرُ أصناف ومُستحقّي الزكاة في القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات، ومن أظهر الآيات وأبرزها في ذكر وتفصيل مستحقّي الزكاة قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[٩] ويُمكن بيان مستحقي الزكاة في الآتي:[١٠]

  • الفقراء: عرّف الفقهاء الفقراء بأنَّهم الذين لا يَجدون إلاَّ نصف كفاية العام أو أقل من ذلك لهم ولمن يعولون.
  • المساكين: هم الذين يَجدون نصف كفايتهم فأكثر، ويشمل ذلك القوت من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدفء، لكنّهم لا يصلون إلى الكفاية التامّة لهم ولمن يعولون؛ فالفقراء أشد حاجة وعَوَزاً من المساكين، لكن إذا ذُكِرَ المسكين وحده، فإنه يشمل بذلك الفقراء والمساكين، وإذا ذكر الفقير وحده كذلك شمل المساكين، ويجري التفريق بينهما إذا اجتمعا بناءً على ما سبق بيانه.
  • المؤلفة قلوبهم: السادة والقادة ورؤساء القبائل والوجهاء المطاعون في أقوامهم ممّن يعتقد إسلامهم إذا ما أعطوا من الزكاة، أو يرجى كف شرهم بإعطائه، فيؤلَّف قلبه بأن يعطى من مال الزكاة.
  • المُكاتب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يشتري نفسه مقابل مبلغٍ يدفعه له على دفعات حسب اتفاقهما، فيُعطى ما يوفى به دين الذي كاتب سيده عليه حتى يعتق نفسه من العبودية.
  • الغارم: هو من لَحِقه دين ولم يستطع إيفاءه في وقته المتفق عليه بينه وبين الدائن، شريطة أن يكون ترتّب عليه ذلك الدّين من أجل أعمال مباحة شرعاً، أو أعمال مُحرَّمة تاب منها، فيُعطى من مال الزكاة إن كان فقيراً محتاجاً ليوفي دينه إعانة له على التوبة.
  • ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد نفقةً ينفق منها على نفسه في غير بلده بشرط أن يكون سفره مباحاً، أو أن يكون السفر في محرَّمٍ تاب منه، فيُعطى من مال الزكاة ما يصل به إلى بلده، حتى إن كان غنيًا في بلده.
  • العاملين على الزكاة: هم كلّ من له عمل في تحصيل الزكاة وجمعها وتقسيمها وتوزيعها على مُستحقّيها، سواء كان العامل على الزكاة جابياً للزكاة أو موزّعاً لها أو حاملاً لها، فكل هؤلاء يُعطون من الزكاة بدلَ جهدِهم في جمع وتوزيع الزكاة وحملها لمُستحقّيها.
  • الغارمين: الغارم نوعان: فمنه: الغارم لإصلاح ذات البين، وهو الذي يُؤلّف بين طائفتين من الناس بينهما شرٌ وفتنة ويَسهى لذلك بماله ووقته حتى يلحق الدين، فيتوسّط للإصلاح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً لإطفاء الفتنة إن كان الأمر فيه مال كدينٍ أو حقٍ مطلوبٍ من أحد الفرقتين، فيُعطى من مال الزكاة حتى لا تجحف هذه الغرامات بسادات القوم من أهل الإصلاح، أو يوهِن ذلك من عزائمهم وإنفاقهم في سبيل الإصلاح، وأمّا النوع الثاني فهو الغارم لنفسه ممّن أصابت ماله جائحة أو مصيبة، أو لحقه دين طارئ، فيُعطى من مال الزكاة بالقدر الذي يوفى فيه دينه.
  • الغازي في سبيل الله: فإنَّه يُعْطَى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه في قتاله وغزواته وتنقله لأجلها ذهابًا وإيابًا، وذلك إن لم يكن له شيء معروف يأخذه من بيت المال كراتبٍ شهري أو شيءٍ خاص من الغنائم أو عطية مخصوصة يأخذها لأجل قتاله.

حكم الزكاة ودليل مشروعيتها

الزكاة واجبة مشروعةٌ بنص الكتاب والسنة والإجماع، فأمّا دليل وجوبها من الكتاب فقول الله تعالى: (وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ)،[١١] وكذلك قوله تعالى: ‏(‏خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)‏،[٧]‏ ولقوله تعالى أيضاً: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ)[١٢] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل واْلمَحْرُومِ)[١٣].

دليل وجوب الزكاة من السنة ما يرويه ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال رسول الله – صلى اللّه عليه وسلم – لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).[٨] وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الزكاة، وحرمة منعها.[١٤]

شروط وجوب الزكاة

يشترط للزكاة ما يُشترط في غالب الأحكام الإسلاميّة من البلوغ والعقل؛ فلا تجب على الصبيّ غير البالغ والمجنون الفاقد للأهلية، ولكنّها تجب على وليهما فيخرجها من مالهما بالمعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يجب على وليهما إخراجها من مالهما؛ لأن الزكاة عبادة محضة، والصبي، والمجنون غير مخاطبين بأداء العبادات فلا يجب عليهما أو على أحد أداءها نيابةً عنهما كما لا يجوز لأحد القيام بأي عبادة أخرى عنهما، كما يجب أن تكون الزكاة من مال المزكي وملكه الذي يملكه ملكاً تاماً لا شراكة فيه أو حقٍ لأحد، ويشترط كذلك بلوغ نصاب الزكاة المُقدّر شرعاً والذي حدّده الفقهاء بما يبلغ قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب في زكاة المال، ويشترط في الزكاة أيضاً حلول الحول الذي يَعني مرور عامٍ على بلوغ المال المُراد زكاته.[١٥]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 60.
  2. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، كتاب العين، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 394، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة الليل ، آية: 18.
  4. سورة الشمس، آية: 9.
  5. أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (1999)، الغريبين في القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 825، جزء 3. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 59. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
  8. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1584، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 60.
  10. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 418، جزء 3. بتصرّف.
  11. سورة النور، آية: 56.
  12. سورة الأنعام، آية: 141.
  13. سورة المعارج، آية: 24-25.
  14. “مشروعية الزكاة”، مجلة البحوث الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2017. بتصرّف.
  15. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 536-539، جزء 1. بتصرّف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى