أحكام شرعية

شروط الرضاعة

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شروط الرِضاعة وأركانها

الرِضاع لغةً: بفتح الراء أو كسرها، هو: شُرب اللبن من الثدي، أمّا اصطلاحاً فيُطلق على: شرب الطفل الذي دون عُمر العامين من لبن الثدي، المتحصّل بعد الحمل والولادة.[١] تتكوّن الرضاعة من عدّة أركانٍ، وتتعلّق بكلّ ركنٍ عدّة شروطٍ بيانها فيما يأتي:[٢]

  • المُرضعة: ويشترط أن تكون امرأةً؛ أي أنّ الرِضاعة لا تُقبل إن كانت من رجلٍ، أو من بهيمةٍ، فعلى سبيل المثال: لو ارتضع اثنان من بهيمةٍ واحدةٍ لم تحصل لهما الأخوّة بالرِضاعة، فالأمومة التي تعدّ الأصل في الأخوّة لم تتحقّق، وذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّ إرضاع المرأة الميتة يعتبر إرضاعاً، ويتحقّق منها، وخالفهم الشافعية بقولهم عدم ثبوت حكم الإرضاع من المرأة الميتة، واعتبروا أنّ الحياة شرطٌ من شروط ثبوت حكم الإرضاع، واختلف العلماء أيضاً في وقت حصول الحليب عند المرأة إن كان بعد حملٍ أم لا؛ فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الحمل قبل الرِضاعة؛ استدلالاً بالعموم وعدم التحديد في قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] أمّا الإمام أحمد فاشترط الحمل قبل الرِضاعة، إذ إنّ تحقّق الحليب لدى المرأة دون حملٍ من الأمور النادرة، وإن حصل لا تتحقّق فيه التغذية عادةً.
  • اللبن أو الحليب: اشترط العلماء شرب الطفل للبن أو الحليب بأي طريقةٍ ممكنةٍ يتحقّق بها الشرب، سواءً كان الحليب صافياً خالصاً، أو مَشُوباً ومخلوطاً، بشرط غلبة الحليب على ما خالطه، وعدم تغيّر صفته، واختلف العلماء في حكم الحليب إن لم يغلب على ما خُلط به، بحيث كان أقلّ منه؛ فذهب الحنفية والمالكية أنّ الحكم للغالب؛ فإن كان الغالب غير الحليب فلا يثبت حكم التحريم بالحليب، أمّا الشافعية فقالوا بثبوت التحريم من الحليب وإن لم يكن غالباً على غيره، بشرط شُرب الطفل لجميع أو بعض الحليب، ولم يفرّق الحنابلة بين الحليب إن كان خالصاً غير مخلوطٍ أو مخلوط غالباً أو مغلوباً؛ فيثبت حكم التحريم بالحليب بأي شكلٍ، واختلف العلماء في إثبات التحريم بالحليب الذي تغيّرت حالته؛ كالجبن؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول بثبوت التحريم بعين الحليب الواصل إلى جوف الرضيع مهما اختلف شكله، وقال الحنفية بعدم وقوع الرِضاعة من الحليب المخلوط بالطعام، أو متغيّر الهيئة، أي أنّ التحريم لا يثبت به.
  • الرضيع: اشترط العلماء وصول اللبن إلى معدة الرضيع بأي طريقةٍ يتحقّق بها إنبات اللحم والعظم، وسدّ الجوع، وإن كان الطفل نائماً، وبناءً على ذلك لا يصحّ إقطار الحليب في الأُذن، أو حقنه في الدُّبر، واتفق العلماء أيضاً على عُمر الرضيع؛ بأن يكون أقلّ من عامين، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[٤] كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَوْلَينِ).[٥]

صفة الرِضاعة المُحرِّمة ومقدارها

اختلف العلماء في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الأخوّة بسببها، وبيان خلافهم والأدلة التي استند إليها كلّ فريقٍ فيما يأتي:[٦]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الرِضاع يثبت بخمس رضعاتٍ، أو أكثر، متفرقاتٍ، وتُعرف الرَضعة عُرفاً؛ أي أنّ التعدّد في الرضعات يعتّد به إن انقطع الطفل عن الرِضاعة وأعرض عن الثدي، أمّا إن انقطع للتنفّس، أو الاستراحة، أو اللهو؛ فلا تتعدّد الرضعات وتعتبر رضعةً واحدةً، استدلالاً بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ)،[٧] ورُوي عنها أنّها قالت أيضاً: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ، : لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)،[٨] كما لا بدّ في الرضاعة من تحقّق نمو وزيادة اللحم والعظم، وذلك لا يتحقّق إلّا بإرضاع الطفل يوماً كاملاً، أو بما يقابله بإرضاعه خمس رضعاتٍ متفرقاتٍ.
  • القول الثاني: قال الحنفية والمالكية بأنّ الرِضاعة تثبت بالقليل منها والكثير، على حدٍ سواءٍ، ولو بالرضعة الواحدة فقط، استدلالاً بعموم قول الله -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،[٣] فالآية لم تحدّد المقدار التي تثبت به الرضاعة، كما روى الإمام البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)،[٩] فالتحريم مقرونٌ بالرضاعة فقط دون شروطٍ وتخصيصٍ لها، وأكّدت ذلك العديد من الآثار المروية عن بعض الصحابة، في أنّ الكثير والقليل من الرضاعة سواءً، كما أنّ الرضاعة من الأعمال التي يتعلّق بها حكم التحريم، فيستوي فيها القليل والكثير.

حُكم الرِضاعة

ثبتت مشروعية الرِضاعة في القرآن الكريم بعددٍ من الآيات، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)،[١٠] وقال أيضاً: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١١][١٢] واتفق العلماء على وجوب إرضاع الطفل المحتاج للرِضاعة، إن كان في السِّن المحدّدة لها، إلّا أنّهم اختلفوا في حقّ مَن تجب، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال كلٌّ من الشافعية والحنابلة بوجوب نفقة الرِضاعة على الأب لا على الأم، ولا يحقّ للزوج إكراه الزوجة وإجبارها على الرِضاعة، سواءً أكانت في عصمته، أو مطلّقةً منه طلاقاً بائناً، وتجب عليها إن لم يجد الأب مَن يرضعه من النساء، أو كان حاله عسيراً، أو إن لم يقبل الطفل الرِضاعة من غير أمّه، واستثنى الشافعية ممّا سبق إرضاع الطفل من الحليب المتحصّل بعد الولادة؛ فقالوا بوجوب إرضاع الطفل ذلك الحليب من الأم، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).[١٣]
  • القول الثاني: قال الحنفية بوجوب الرِضاعة على الأم، في الدِّين لا بالحكم قضاءً.
  • القول الثالث: قال المالكية بوجوب الرِضاعة على الأم دون أُجرةٍ؛ إن كنّ مثيلاتها يُرضعن أولادهنّ، ذلك إن كانت أيضاً في عصمة زوجها، أو مطلقةً منه رجعياً، وإن لم تتوفّر غيرها للرِضاعة.

ثبوت الرِضاعة

يثبت الرضاع بشهادة الشهود، أو بإقرار أحد الزوجين، وقد وقع الخلاف بين العلماء في ذلك وبين الآراء وتفصيلاتها فيما يأتي:[١٤]

  • الحنفية: يعامل الرِضاع معاملة المال؛ فيثبت بشهادة العُدول، والإقرار، على أن تكون الشهادة من رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويشترط في الشهود تحقق صفة العدالة، أمّا الإقرار فإمّا أن يكون من الزوج، أو الزوجة، أو منهما معاً.
  • المالكية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبالبيّنة الدالة والشاهدة على وقوع الرِضاع أو عدمه.
  • الشافعية: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود، فالإقرار إمّا أن يصدر من كلا الزوجين، أو من الزوج، أو الزوجة، واشترط الشافعية في الإقرار إمكانية وقوع الرِضاع، وذكر عدد المرات، وبيان وقوعها بشكلٍ متفرقٍ، ووصول الحليب إلى جوف الرضيع.
  • الحنابلة: يثبت الرِضاع بالإقرار، وبشهادة الشهود؛ ويكون الإقرار من كلا الزوجين، أو من أحدهما، وقال الحنابلة أيضاً بقبول شهادة الرجل والمرأة، وشهادة المرأة وحدها إن اتّصفت بالعدالة.

أحكامٌ متعلقةٌ بالرِضاعة

منع الأم من الرِضاعة

اختلف الفقهاء في حكم منع الأم من الرضاعة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: قال جمهور الفقهاء بوجوب إجابة طلب أو رغبة الأم في إرضاع ولدها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم مطلّقةً منه، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)،[١٥] فمنع الأم من إرضاع ولدها يُلحق الضرر بها، إضافةً إلى منعها من الحنان والشفقة عليه.
  • القول الثاني: ورد عن الشافعية قولهم بأنّه يحقّ للزوج منع زوجته من الرِضاعة، سواءً أكان الولد منه أم من غيره.

أخذ الأم أجرةً على الرِضاعة

اختلف الفقهاء فيي حكم أخذ الأجرة على الرِضاعة، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٢]

  • القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ الأم يحقّ لها أخذ أجرةٍ على الرِضاعة بمثل أجر غيرها، سواءً أكانت في عصمة والد الولد أم لا، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).[١٦]
  • القول الثاني: قال الحنفية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على رِضاعة ولدها، سواءً أكانت في عصمة والده أم في عدّةٍ منه، ذلك أنّ نفقتها واجبةً على الأب استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).[١٧]
  • القول الثالث: قال المالكية بأنّ الأم لا يحقّ لها طلب الأجرة على الرِضاعة إن كانت في عصمة أب الرضيع، أو كنّ النساء اللواتي مثلها يُرضعن أطفالهنّ؛ ذلك أنّ الرضاعة واجبةٌ على الأم شرعاً، أمّا إن كانت الأم مطلقةً من أب الولد، أو كنّ مثيلاتها لا يُرضعن؛ فيحقّ لها طلب الأُجرة.

الآثار المترتبة على الرضاعة

تترتّب العديد من الآثار على الرِضاعة التي تُبيح النظر والخُلوة وتُثبت المحرميّة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، قال الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)،[١٨] وثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( في بنْتِ حَمْزَةَ: لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هي بنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)،[٩][١٩] وفيما يأتي بيان تلك الآثار:[٢٠]

  • تصبح المُرضعة أمّ الولد الرضيع، والرجل الذي حصل الحليب بسببه والده؛ فالرجل صاحب الماء الذي كان سبباً للحليب، وذلك كما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ له، فَقالَ: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأَنَا عَمُّكِ، فَقُلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ: أرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أخِي بلَبَنِ أخِي، فَقالَتْ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: صَدَقَ أفْلَحُ ائْذَنِي له).[٢١]
  • يصبح أبناء المرضعة إخوةً للطفل الرضيع، وإن كانت ولادتهم قبل ولادته، ووالدي الوالدين أجداده وإن علت منزلتهما، وإخوّة الأب وأخواته أعمام الطفل وعمّاته، وإخوة الأم وأخواتها أخواله وخالاته، وأولاد المُرضعة من زوجٍ سابقٍ أو لاحقٍ إخوةٌ للرضيع.
  • تحرّم أصول* المرضعة، وفروعها*، وحواشيها* على الرضيع، أي أنّ الرضيع يعتبر كابن المُرضعة الذي من صُلبها، وكذلك تحرّم أصول الزوج وفروعه وحواشيه على الرضيع، فهو كابنه، أمّا أصول الرضيع وحواشيه فلا تحرّم، فعلى سبيل المثال: يحلّ لأصول الرضيعة، أو فروعها، أو حواشيها، الزواج من أمّ ابنته، أو جدتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمّتها من الرِضاعة.[٢٢]
  • لا تثبت أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق بالرضاع؛ لأنّ النسب أقوى.

رِضاع الكبير

يعرّف رضاع الكبير؛ بأنّ يشرب الكبير الذي تجاوز فترة الرِضاعة حليب أو لبن المرأة، وإن وقع فلا يثبت، ولا يصحّ، ولا تترتّب عليه أي آثارٍ أو أحكامٍ، والحادثة الواقعة زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت خاصةً بسالم مولى أبي حذيفة، وكانت في بداية التشريع قبل تحريم التبنّي.[٢٣]


الهامش 
*الأصول: الآباء والأجداد والأمهات والجدّات مهما علت منزلتهم.[٢٤]
*الفروع: الأولاد من الذكور والإناث، وإن نزل قُربهم.[٢٤]
*الحواشي: الإخوة والأخوات وأولادهم ذكوراً وإناثاً، وإن نزل قُربهم، والأعمام والعمّات وإن علت منزلتهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.[٢٤]

المراجع

  1. عبد العزيز الأحمدي – عبد الكريم العمري- عبد الله الشريف- فيحان المطيري، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: مجمع الملك فهد ، صفحة 44. بتصرّف.
  2. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 241-246، جزء 22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة النساء، آية: 23.
  4. سورة البقرة، آية: 233.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن عمرو بن دينار، الصفحة أو الرقم: 5/525، إسناده صحيح.
  6. أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 7290-7288، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1452، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1450، صحيح.
  9. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 233.
  11. سورة الطلاق، آية: 6.
  12. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل ، صفحة 239-241، جزء 22. بتصرّف.
  13. سورة الطلاق، آية: 6.
  14. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 241-247، جزء 4. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 233.
  16. سورة الطلاق، آية: 6.
  17. سورة البقرة، آية: 233.
  18. سورة النساء، آية: 23.
  19. يوسف القرضاوي (1984)، “في فقه الرضاع”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،العدد الثالث، صفحة 16-23. بتصرّف.
  20. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإمتاع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 442-443، جزء 5. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2644، صحيح.
  22. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003 أ)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 235-237، جزء 4. بتصرّف.
  23. عبد الله موسى (2010)، كشف أكاذيب القسيس زكريا بطرس وأمثاله حول رضاع الكبير (الطبعة الأولى)، العراق: الأثرية للتراث، صفحة 72-82. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت “تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة”، www.islamweb.net، 27-4-2002 م، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى