محتويات
'); }
تفسير قوله تعالى الطيبون للطيبات
تَعدّدت أقوال العُلماء في بيانِهم لمعنى هذهِ الآية؛ فقال بعضُهم إنَّها في الأقوالِ؛ فالأقوال الطّيِّبة تليقُ بالأشخاصِ الطّيِّبين، وهو قولُ الجُمهور، وذهبَ بعضُهم إلى أنَّها في المُشاكلة، فالنِّساء الطّيِّبات لا يليق بهنَّ إلَّا الرِّجالُ الطّيِّبون، وكذلكَ العكس،[١] وفيما يأتي في المقال تفصيلٌ لِكُل معنى منها.
المعنى الأول: الطيبون من الناس للطيبات من الكلام
جاء عن الحسن ومُجاهد أنَّ المقصود من الآية في الأقوالِ؛ فالطَّيِّبون من النّاسِ للطَّيِّبات من الكلامِ،[٢] فالكلام وصفٌ لِصاحبه،[٣] والقول الطّيِّب لا يخرُج إلَّا من الرّجالِ والنِّساء الطّيِّبين، وهو الوصف الذي يليقُ به،[٤][٥] وذهبَ أكثرُ المُفسّرين؛ كَمُجاهد، وابنُ جُبَير، وعطاء، إلى أنَّ هذا المعنى هو الأقرب؛ لِقول الله -تعالى- بعدها: (أُولَـئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)؛[٦] أي براءة عائشة -رضي الله عنها- وصفوان ممَّا يقوله الخبيثون والخبيثات.[٧]
'); }
المعنى الثاني: الطيبون من النساء للطيبين من الرجال
المعنى الآخر للآية الكريمة هو: أنَّ الطَّيِّباتُ من النِّساء للطّيِّبين من الرِّجال، وكذلك العكس؛[٨] لِما في ذلك من الأُنسِ والقُربِ بين المُتشابهين في الصّفاتِ والفضل،[٩] ويرى الكثير من العُلماء البُعد عن هذا المعنى، وخاصّةً بين الأزواج؛ بدليل زواج آسية امرأةُ فرعون وهي طيِّبة، من فرعون غير الطّيِّب، وكذلك زواج نبيّ الله نوح -عليه السلام- الطّيِّب من زوجتهِ الكافرة.[١٠]
أمّا الذين قالوا إنَّها في المُشاكلة بين الأزواج فردّوا على هذا القول؛ بأنَّ زواج الصالحة والطّيِّبة من غير الطّيِّب؛ لا يكونُ مُبرِّراً بأنَّ هذه الآية ليست في ذلك؛ لأنَّ طلاق المرأة منه يمنعُها الصّبر على أولادها وعيشها،[١] وهذه من القواعد الإلهيّة والسُنن الجارية في خَلقهِ -تعالى- بِسَوْق النّاس المُتشابهين إلى بعضِهم، كالطّيِّبين إلى الطّيِّبات، فالرجُل الطّيِّب لا يتكلّمُ إلَّا بالطّيِّب، ولا يتزوّجُ إلَّا من النِّساءِ الطّيِّبة،[١١][١٢] والإنسانُ بطبعهِ يميلُ إلى من يُشابههُ ويُشاكِله.[١٣]
المعنى الثالث: الطيبات من الأعمال والأخلاق الكريمة للطيبين والصالحين
ذهب بعضُ أهل التفسير إلى أنَّ الطّيِّباتُ تَختصُّ بالأشخاصِ الطّيِّبين الّذين لا يَصدرُ عنهم إلَّا الأعمال الصالحة والأخلاق الطّيِّبة،[١٤] فالطّيِّبون من النَّاس للطّيِّباتِ من الحسناتِ، والطّيِّباتُ من الحسناتِ للطّيِّبين من النَّاسِ.[١٥]
سبب نزول الآية الطيبون للطيبات
نَزلت هذه الآية في حادثةِ الإفك؛ وهو الكذب، والتي اتَّهم فيها بعضُ النّاس السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها- بالفاحشةِ، فنَزلت الآيات وما قبلها بتبرئتِها وتشريفها،[١٦] وجاءت هذه الآية لتوبيخِ الذين أشاعوا الإفك عن السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، وكذلك الذين يَرمون المُحصناتِ المؤمناتِ،[١٧] ووقعت هذه الحادثة في السَّنة السادسة من الهجرةِ أثناءِ رُجوع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من غزوةِ بني المُصطَلق،[١٨] عندما قذَفها أحد المُنافقين بالكذِبِ، فبرّأها الله -تعالى- بهذه الآية.[١٩]
وجاء ذكر هذه الحادثة في القُرآن والسُنة.[٢٠] وبيانُها؛ أنّ النبيّ -عليه السلام- عندما كان يَخرج لسفرٍ أو لغزوةٍ كان يَقترع بين زوجاته، فخرج سَهم عائشة -رضيَ الله عنها-، وخرجت معه على هودجٍ إلى غزوة المريسيع أو بني المُصطَلق، وعند رُجوعها تذكّرت انقطاع عُقدها الذي كان على صدرها، فرجعت تبحثُ عنه، ولمَّا وجدته أرادت اللُّحوق بالجيشِ، فوجدتهم قد ارتحلوا من أماكنِهم.[٢١][٢٢]
فنامت عائشة -رضي الله عنها- بعد أن أدركها التَّعب، فوجدها صفوان بن معطل السلمي -رضي الله عنه- المسؤول عن حراسةِ الجيش، فقال لها أن تَرْكَب على دابَّتها، وانطلق بها نحو الجيش من غيرِ أن يَتكلَّمَ معها، فلمَّا رأوهم من بعيد، كان عبد الله بن أُبيّ بن سلول الذي تولّى كبره باستغلالِ الموقف ليُشيعُ خبر الإفك عن السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، فنزلت الآيات من سورة النور في تبرئتها،[٢١][٢٢] فكانت مُناسبة الآيات أنّ السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها- طيِّبة، وهي تُناسبُ طيبة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فلذلك برَّأها الله -تعالى- من الافتراء الذي وقع عليها.[٢٣]
المراجع
- ^ أ ب صالح بن عوّاد بن صالح المغامسي، سلسلة محاسن التأويل، صفحة 21، جزء 59. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم (1419)، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 2563، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، تفسير الشيخ أحمد حطيبة، صفحة 2، جزء 76. بتصرّف.
- ↑ جلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الحديث، صفحة 461. بتصرّف.
- ↑ محمد بن جرير الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 144، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 26.
- ↑ محمد شمس الدين القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 211، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ لجنة من علماء الأزهر (1995)، المنتخب في تفسير القرآن الكريم (الطبعة الثامنة عشر)، مصر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، صفحة 521. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن مصطفى المراغي (1946)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 93، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ عمر عبد الكافى شحاتة، شرح كتاب الفوائد، صفحة 15، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ أبو السعود العمادي، تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 167، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، تفسير الشيخ أحمد حطيبة، صفحة 1، جزء 76. بتصرّف.
- ↑ نعمة الله المعروف بالشيخ علوان (1999)، الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية (الطبعة الأولى)، مصر: دار ركابي للنشر – الغورية، صفحة 8، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ إسماعيل الإستانبولي، روح البيان، بيروت: دار الفكر، صفحة 136، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ عمر عبد الكافى شحاتة، شرح كتاب الفوائد، صفحة 15، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 299، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد بن جرير الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 144، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد غلوش (2004)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 168. بتصرّف.
- ↑ أمير بن محمد المدري (2017)، حادثة الإفك دروس وعبر (الطبعة الأولى)، صنعاء: دار الكتب اليمنية، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ أمير بن محمد المدري (2017)، حادثة الإفك دروس وعبر (الطبعة الأولى)، صنعاء: دار الكتب اليمنية، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان (1437)، قصة إفك المُنافقين على عائشة رضي الله عنها، صفحة 2-5. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم الدميجي، حديث الإفك عبرات وعبر، صفحة 8-15. بتصرّف.
- ↑ محمد متولي الشعراوي (1977)، تفسير الشعراوي – الخواطر، مصر: مطابع أخبار اليوم، صفحة 10243، جزء 16. بتصرّف.