إسلام

تفسير سورة النبأ وسبب نزولها

تفسير سورة النبأ وسبب نزولها

سبب نزول سورة النبأ

سُمّيت سورة النّبأ بهذا الاسم لوقوع كلمة النّبأ في أوّل السورة، ولها أسماء أخرى اشتهرت بها؛ مثل اسم: سورة عمّ؛ نسبة لأول آية في السورة، وتُسمّى أيضًا: سورة التساؤل؛ لوجود كلمة يتساءلون في أولها، والبعض سمّاها: سورة المعصرات؛[١] نسبة لقوله -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا).[٢]

ويُذكر أنّ سبب نزول السورة هو تساؤل المشركين بين بعضهم البعض عن البعث بعد الموت بأسلوب استهزائي، وكثرة سؤالهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين عنه، فجاء الردّ من الله -سبحانه وتعالى- على ادّعاءاتهم من خلال الآيات، وبيّن فيها أصناف النّاس فمنهم من هو مُنكر لهذا اليوم، ومنهم من هو مُشكّك في حقيقته، ومنهم من هو مُستبعد له، فبدأت السورة بالإخبار عن النّبأ العظيم، وإثبات البعث ويوم القيامة ردّا على تساؤلاتهم. قال -تعالى-: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ).[٣][٤]

يتلخّص مما سبق أن سورة النبأ اشتهرت بهذا الاسم، وكانت ردًّا من الله على الكافرين المُشكّكين بتساؤلاتهم في حقيقة البعث ويوم القيامة.

مواضيع قد تهمك

تفسير سورة النبأ

تضمّنت سورة النّبأ إخباراً عن البعث وأحداث يوم القيامة، وتسلسل الآيات في ذكر ما خلق الله في الكون، وجزاء المؤمنين ومصير الكافرين يوم الحساب، وبيان ذلك في تفسير الآيات كما يأتي:

التساؤل عن النبأ العظيم

الآيات التي تتحدّث عن هذا العنوان هي قول الله -تعالى-: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ* كَلَّا سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)،[٥] حيث يُنكر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات على المشركين تساؤلاتهم حول يوم البعث، فيقول: عن أي شيء أنتم تتساءلون، ثمّ ذكر النّبأ العظيم وقصد به البعث بعد الموت، ففيها إخبار عن ثبوته وحقيقة وجوده التي يتساءلون عنها، فاختلفوا فيه بين كافر به ومؤمن، ثمّ توعّد الله لمن أنكر يوم القيامة والبعث بالوعيد الشديد وهدّدهم بأنهم سيعلمون حقيقة هذا النّبأ.[٦]

مظاهر قدرة الله تعالى

الآيات التي تتحدّث عن هذا العنوان هي قوله -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا* وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا* وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا* وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا* وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا* وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا* لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا).[٧] يجذب الله -سبحانه وتعالى- انتباه القارئ من خلال سياق الآيات إلى عدد من المشاهد العظيمة، وعجائب مخلوقاته التي لن يخلق مثلها إلا هو، وكأنّه يقول لهم: أليس الذي خلق كلّ هذه المخلوقات قادر على البعث؟[٨]

فقد جعل الله الأرض فراشًا وبساطًا لكم، وجعل الجبال أوتاد لِتُثبّت الأرض، وخلقكم أزواجاً ذكوراً وإناثاً على اختلاف صفاتكم من طول وقصر، وجمال وبساطة، وجعل لكم في النوم السكن والهدوء والراحة، وعلى الرغم من كونكم أحياء إلا أنّكم تبدون بالنوم كالأموات لا تشعرون بشيء، وجعل من الليل غطاء لكم، فعندما يغشى سواد الليل تسكن الأجواء ويرتاح النّاس مما كانوا يفعلوه في النّهار من سعي للأرزاق وطلب للمعاش.[٨]

وقد بنى السماء لتكون سقفًا حافظًا للأرض بشكل محكم لا صدع ولا فطور فيه، ووصف الله -تعالى- الشمس بالسراج الوهّاج؛ دلالة على ضيائها وقوّة نورها، وأنزل من خلال الرياح ماءً منصب يتدفّق تباعاً؛ لِيخرج الله من هذا الماء زروع الأرض وبساتينها من كلّ الثمار، وقال البعض إنّ القصد بكلمة المعصرات هي السحّاب الذي يمتلئ بالمطر، وقال آخرون هي السماء، وقصد بألفافا؛ أي مجتمعة ومُلتفة حول بعضها.[٨]

أحداث يوم القيامة

الآيات التي تتحدث عن هذا العنوان هي قوله -تعالى-: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا* يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا* وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا* وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا).[٩] حيث يذكر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات بعض أهوال يوم القيامة، فيقول: إنّه جعل من يوم القيامة بتقديره وعلمه حدًّا لحياة الخلائق، وأقّت به الحياة الدّنيا، فعند النفخ في الصور النفخة الأخيرة يأتي النّاس أفواجًا؛ أي مجموعات متتابعة حتى تجتمع كلّ المخلوقات، وتُفتح السماء لنزول الملائكة، فتُصبح كأنها مكونة من أبواب، وتصير الجبال سرابًا ولا تعود موجودة بقدرة الله، فمن ينظر إلى أماكنها لن يجدها وكأنها لا شيء. [١٠]

عقوبة الكفار وثواب المؤمنين في الآخرة

الآيات التي تتحدث عن هذا العنوان قوله -تعالى-: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا* لِّلطَّاغِينَ مَآبًا* لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا* لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا* إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا* جَزَاءً وِفَاقًا* إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا* وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا* وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا* فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا* إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا* حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا* وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا* وَكَأْسًا دِهَاقًا*لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا* جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا* رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا).[١١] حيث يُبيّن الله -سبحانه وتعالى- مصير الكافرين وجزاء المؤمنين من خلال هذه الآيات كما يأتي:

  • عقاب الكافرين: جعل الله -سبحانه وتعالى- من نار جهنّم منزلًا للكافرين يمكثون فيها، فكلما خرجوا من حقبة يدخلوا بأخرى، ليس لهم فيها طعام ولا شراب إلا الحميم؛ وهو ماء شديد الحرارة، فهذا جزاء من الله مُوافق لما عملوا في الحياة الدّنيا، وبسبب عدم خوفهم من الله وتكذيبهم بآياته سيلاقون من العذاب ما هو أشد ومن الألم دون توقّف.[١٢]
  • جزاء المؤمنين: أعدّ الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين جزاءً بما صبروا فوزًا عظيمًا، ومكانًا رفيعًا في الجنّة، فلهم فيها بساتين مُثمرة وكروم من العنب، ونساء من الحور العين يتمتّعون بهنّ بمتعة لم يُعلم حقيقتها، وهنّ متساويات في الأعمار، فالترب في اللغة يعني: متشابهين في العمر، ولهم أيضأ كؤوس دهاقًا وهي: الأكواب المملوءة بخمر الجنّة، وصان الله آذانهم عن سماع الكذب والكلام الذي لا يُعتدّ به، وهذا عطاء وعوض جميل من الله لهم.[١٣]

حسرة الكافرين يوم القيامة

الآيات التي تتحدث عن هذا العنوان قوله -تعالى-: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا* إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).[١٤] حيث يَصفُ الله -سبحانه وتعالى- بهذه الآيات حال الكافر يوم القيامة، كيف تأكله الحسرة والندامة على ما فعل في حياته، ويقول مُتمنّيا خلاصه من العذاب: يا ليتني لم أُبعث أو أُحاسب وبقيت ترابًا تحت الأرض.[١٥]

يتلخّص مما سبق: تضمّنت سورة النّبأ الإخبار العظيم من الله -سبحانه وتعالى- بإثبات البعث، وذكر فيها بعض مخلوقاته، وأهوال يوم القيامة، وأنّ مصير الكافرين المكذّبين هو النّار، وجزاء المؤمنين هو الجنّة.

المراجع

  1. نبيل أحمد صقر، كتاب منهج بن عاشور في التفسير، صفحة 43. بتصرّف.
  2. سورة النبأ، آية:14
  3. سورة النبأ، آية:1-3
  4. د مازن موفق (1\1\2014)، “الخطاب البلاغي وسياقات الدلالة القرآنية دراسة في سورة النبأ “، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 19\8\2021. بتصرّف.
  5. سورة النبأ، آية:1-5
  6. محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 590. بتصرّف.
  7. سورة النبأ، آية:6-16
  8. ^ أ ب ت الطبري، أبو جعفر، تفسير الطبري، جامع البيان، صفحة 8-16. بتصرّف.
  9. سورة النبأ، آية:17-20
  10. الزاري، فخر الدين، تفسير الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، صفحة 12-14. بتصرّف.
  11. سورة النبأ، آية:21-37
  12. السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 394-397. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، التفسير الوسيط، صفحة 1755-1756. بتصرّف.
  14. سورة النبأ، آية:39-40
  15. إبراهيم الإبياري، الموسوعة القرآنية، صفحة 424. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى