ما سبب نزول سورة عَبَسَ
نَزَلَت سورةُ عَبَسَ عندما قَدِمَ وفدٌ من قريشٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، وكان يَضُمُّ زعماءَ قريشٍ عُتبةَ وشيبةَ ابنا ربيعةَ، وأبا جهلٍ، والعبّاسَ؛ ليدعوهم إلى الإسلام،[١] فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على إسلامهم؛ لأنَّ إسلام صناديد قريشٍ سيكون سبباً لإسلامِ غيرهم وأتباعهم، وبينما هو يدعوهم أقبَلَ إليه عبد الله ابنُ أمِّ مكتوم -رضي الله عنه-، وكان ضريراً لا يعلم انشغاله بهم، فجعل ينادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويطلب منه أن يُعلِّمهُ بعض أمور الدِّين،[٢] وأخَذَ يكرّر النِّداء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والرَّسول غير مستجيبٍ له وملتفتاً لمن عنده من قريشٍ ومنشغلاً بدعوتهم، فنزلت الآيات من سورة عَبَسَ.[٣]
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَبسُطُ له رداءه ويُجلسه عليه، ثمَّ ولَّاه بعد ذلك على المدينة المنوَّرة مرَّتين، وقد ذكرت الآيات كون ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه- أعمى في قوله -تعالى-: (أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى)؛[٤] لأنَّ هذا كان سبَبَ عدم التفاتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له، فجاءت الآيات لتعاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، بمعنى: فما يدريك يا محمَّد أنَّ هذا الرَّجل سينتفع بما سيسمعه منك في دينه، فقد حرصت على إسلام هؤلاء ونسيت من جاءك حريصاً على دينه يخشى الله ويخافه، وقد كان لهذا العتاب أثره على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فلم يُعرِض بعدها عن أي فقيرٍ أو محتاجٍ، ثم اقتدى به من جاء بعده من الخلفاء.[٥]
مقاصد سورة عَبَسَ
الأهداف الأساسية من سورة عَبَسَ هي:
- عتاب الله لرسوله الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- لإعراضه عن ابن أم مكتوم،[٦] فقد أقبل إليه طالباً العِلم والتوجيه، لكنَّه أعرَض عنه منشغلاً بمن يدعوهم للدخول في الإسلام.[٧]
- إبراز ما في القرآن الكريم من الموعظة للمتدبّر في آياته.[٦]
- ذِكر مجموعةٍ من الأدلة على وحدانية الله -سبحانه وتعالى-، والتي تتجلَّى من خلال خلق الإنسان، والنَّظر في طعامه وشرابه،[٦] وقدرته -سبحانه وتعالى- على إحياء الموتى من خلال ذِكره لإنبات النَّبات من الأرض، على اختلاف أنواعه وألوانه وأطعمته.[٧]
- أحداث يوم القيامة،[٦] وفرار الإنسان من أخيه وأمِّه وأبيه.[٧][٨]
- ذكرُ حالِ النَّاس يوم القيامة؛ فمنهم الفائز ومنهم الخاسر،[٦]وذكر ما يعلو وجه كلّ منهما من النور أو الظلمة،[٩] وقد كان سبب خسران الخاسرين وهلاكهم أنَّهم جحدوا بآيات الله -تعالى- ونعمهِ عليهم، وكذّبوا بالبَعث والحِساب والجَزاء.[٧]
- إبراز حفظ الله -سبحانه وتعالى- للقرآن من التحريف والتغيير.[٧]
- وجوب المساواة بين النَّاس على الرَّغم من الاختلاف فيما بينهم في الدَّعوة إلى الله.[١٠]
معلومات عن سورة عَبَسَ
تعدُّ سورة عَبَسَ من السُّّور المكيَّة بلا خلاف،[١١] وتتضمّن اثنتان وأربعين آية، وتُسمَّى أيضاً بسورة الصَِّاخَّة، وسورة السَّفَرة، وسورة الأعمى،[١٢][٧] وسمَّاها ابنُ العربي في كتابهِ سورة ابن أم مكتوم، وتعدُّ أوَّل سورةٍ من أواسط المفصَّل، ونزلت بين سورة النَّجم والقدْر، ويقع ترتيبها في المصحف الرابعة والعشرون،[١٣] وترتبط بما قبلها من حيث إنَّ الله -سبحانه وتعالى- ذكر أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنذر الناس ودعاهم، وحالُ من استجاب لهذا الإنذار من المؤمنين، ومن أعرض عنه، وهم من جاء ذكرهم في سورة عَبَسَ، وتوضِّح السورة أن المهم في الدَّعوة إلى الله -تعالى- وتعليم دين الإسلام؛ هو تعليم الساعي لها رغبةً في التَّعَلُّمِ وخشيةً من الله -تعالى-، فمثل هذا تنفعهُ الذِّكرى.[١٤]
المراجع
- ↑ جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 67، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ ابن جزي الكلبي (1416)، التسهيل لعلوم التنزيل (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة دار الأرقم بن أبي الأرقم، صفحة 452، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ فهد الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 136. بتصرّف.
- ↑ سورة عبس، آية: 2.
- ↑ ابن جزي الكلبي (1416)، التسهيل لعلوم التنزيل (الطبعة الأولى)، بيروت: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، صفحة 452-453، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 71، جزء 11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح مجموعة من المؤلفين (1993)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)، مصر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 1781، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 74، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1993)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)، مصر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 1782، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 73، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ محمد الشوكاني (1414)، فتح القدير (الطبعة الأولى)، دمشق، بيروت: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، صفحة 462، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوّى (1424)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 6372، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، تونس: دار النشر التونسية، صفحة 101، جزء 30 بتصرّف.
- ↑ محمد الهرري (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 114، جزء 31. بتصرّف.