محتويات
الذكر والأنثى
خلق الله تعالى الكون وجعله قائماً على نظام الزوجية، ومن ذلك خَلق الإنسان؛ حيث جعله ذكراً وأنثى، وسنّة الله في خلقهما أنّهما جنسان مختلفان لنوعٍ واحدٍ، هو الآدمية، وفطر الله كلاً من الذكر والأنثى بخصائص مختلفةٍ عن الآخر؛ فلكلّ منهما وظائف وأدوار في الحياة، وهذا الاختلاف اختلاف تنوّعٍ وتكاملٍ، وليس اختلاف تضادّ وتنافر، ومن هنا فالذكر يكمل بالأنثى، والأنثى تكمل بالذكر؛ إذ لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا يصحّ لأحدٍ من الجنسين أن يحتلّ موقع قبيله ويقوم بأدواره في الحياة؛ فالفطرة السويّة ترفضه، إلا في حدود الوظائف الشرعية المشتركة بين بني البشر ذكوراً وإناثاً، والتشبّه بين الجنسين قد يكون بتشبّه النساء بالرجال أو العكس، فما هو التشبّه، وما مظاهرها، وما هو حكمه في الشريعة الإسلامية؟
تشبّه النساء بالرجال
مفهوم تشبّه النساء بالرجال
يقصد به اصطلاحاً: قيام الأنثى بفعلٍ خاصٍّ بالجنس الآخر، ومشاركته في صفةٍ من صفاته الخاصّة به، أو ما يغلب عليه فعلها، سواءً أكانت المشابهة على مستوى الصفات المادية أو المعنوية.[١]
حكم تشبّه النساء بالرجال
مسألة تشبّه النساء بالرجال، وتشبّه الرجال بالنساء، من الأمور التي صرّح الإسلام بتحريمها، وجاءت النصوص الشرعية تلعن فاعلها، وهي من كبائر الذنوب التي تُهلك صاحبها؛ ذلك أنّ هذا تشبّه في غير محلّه، ويحمل مناقضةً كبيرةً للفطرة السليمة السويّة التي فطر الله -عزّ وجلّ- الناس عليها، ثمّ إنّ في تشبّه الجنسين ببعضهما مفاسد دينيّة ودنيويّة كبيرة وخطيرة، وفي الحديث ما رواه عبد الله بن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لعَن رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُتَشَبِّهينَ من الرّجالِ بالنّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ من النّساءِ بالرّجالِ).[٢][٣] وتشبّه النساء بالرجال المنهي عنه له شروطٌ ثلاثةٌ، وهي:[١]
- أن تقوم به الأنثى قاصدةً له، أمّا التشبّه الذي لم تتوفّر فيه النيّة والقصد فمعفوٌ عنه.
- أن يكون تشبّهها اختياراً لا إكراهاً؛ لِما جاء عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فيما رواه عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال: (إنَّ اللهَ تجاوَز عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه).[٤]
- أن يكون التشبّه فيما يتميّز به الرجال عادةً وطبعاً فيهم، أو على هيئتهم، أو جاء النص بتخصيصه لأحدهما.
أسباب تشبّهه النساء بالرجال
إنّ الوقوف على الأسباب التي تقود النساء للتشبّه بالرجال يوصلنا إلى طرق الوقاية من هذه المسلكيات المحرّمة في الشرع، حيث يجد الباحثون أنّ أهم هذه الأسباب:[٥]
- ضعف الوازع الديني: حيث إنّ الدين هو القادر على صياغة الثقافة التي تشكّل أنماط الحياة المجتمعية وفق تعاليم الإسلام ويصبغها بآدابه وقيمه، ورغم وجاهة هذا السبب، إلا أنّه يجدر عدم إغفال المسببات الأخرى التي كان بعضها يقف وراء ضعف الوازع الديني، مثل التنشئة الأسرية التي تعدّ الحضن الرئيسي للفتاة.
- خلل البناء الثقافي في الأسرة: فمن خلال الأسرة تبرز وتتشكّل ملامح الهويّة الثقافية لأفرادها ذكوراً وإناثاً، وقد أشار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أهميّة دور الأسرة في تشكيل ثقافة الأبناء ومعتقداتهم، حيث قال: (كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ).[٦]
- النظرة الدونيّة للمرأة: حيث عادت صورة المرأة في بعض المجتمعات تشابه صورتها في المجتمع الجاهليّ، وباتت تظهر تحت غطاء الدعوة إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، وتمكّنت هذه الدعوات في ظلّ الشبهات التي تثار عن هضم الإسلام لحقوق المرأة، ومن أمثلة ذلك: الفهم المغلوط لمسألة قوامة الرجل، ونقصان عقل المرأة ودينها، وكذلك قضية توزيع الميراث، وحصّة المرأة الشرعية منه؛ الأمر الذي أدّى ببعض النساء إلى تبنّي هذه الدعوات الهدّامة، والتمرّد على جنسها، ومحاولة الترجّل في مجالات الحياة.
- خلل المحتوى القيمي في بعض وسائل الإعلام: وتنشأ أهميّة هذا السبب من كون الإعلام بشتى وسائله الحديثة يشكّل محور التقاءٍ للثقافات وتنافسها، وتعدّ مسألة استرجال الفتيات وتشبهنّ بالرّجال ضمن السلوكيات التي أفرزتها قيم الإعلام، إذ إنّ دمج الرجولة بالأنوثة، وتحويل الأنوثة إلى رجولة والعكس منهجيةٌ متّبعة في غرس هذا السلوك وسط المجتمعات الإسلاميّة، وذلك عبر كثيرٍ من البرامج والمسلسلات واللقاءات التي تحفّز وتثير سلوك الاسترجال في نفوس النساء، كما كان للإعلام دورٌ في تفشّي ما يسمى بنظرية التطعيم، إذ إنّ تكرار مشاهد السفور والاختلاط وخروج النساء بمظهرٍ مسترجلٍ سمح بممارستها على أرض الواقع؛ باعتبارها سلوكياتٍ طبيعيّةً تقتضيها المدنيّة الحديثة.
الوقاية من تشبّه النساء بالرجال
يحتاج المجتمع إلى مواجهة ما قد يظهر من مظاهر تشبّه النساء بالرجال بأساليب ناجعةٍ وطرقٍ مؤثرةٍ، وفيما يأتي بعض أساليب الوقاية:[٧]
- لا شكّ أنّ تقوية الوازع الديني في نفوس الإناث من أقوى الموانع لظاهرة التشبّه بالرجال، والعلم وحده بحرمة التشبّه بالجنس الآخر لا يكفي للردع والمنع عند الكثيرين عادةً، بل لا بدّ من تعميق الإيمان في قلوب النساء المسترجلات، وبيان أثر التشبّه على المجتمع وعلى ذات الفتاة المسترجلة.
- ضرورة تعزيز قيمة الأنوثة عند النساء، وتغيير النظرة الدونيّة التي تعتري بعض النساء من كونها أنثى، والتأكيد على أنّ أنوثة المرأة جزءٌ لا يتجزّأ من طبيعتها التي ارتضاها لها الله تعالى، وهي ليس نقصاً ولا عيباً.
- أهمية اعتراف الأسرة بمكانة الفتاة في العائلة، وإظهار الاعتزاز بها، وعلى ربّ الأسرة أن يسعى لتبديل العادات التي تُنقِص دورها، أو تنظر إليها بانحطاطٍ؛ إذ إنّ الانتقاص من قدرها يقود إلى رغبتها بالتحوّل إلى مصافّ المسترجلات.
- على المؤسسات التعليميّة والدينيّة تكثيف التوعية عن مخاطر هذا السلوك، والتحذير من أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع.
- ضرورة توفير أماكن تربويّةٍ وترفيهيّةٍ تناسب أنوثة الفتيات، والحرص على تنويعها وتجديدها بحيث يتعزّز عند النساء إيمانهنّ بقدر الأنوثة.
- إغلاق كلّ المساعي التي تقود إلى إذابة هوية المرأة في الرجل والعكس، مثل: التساهل في قضية الاختلاط، ومخالفة النساء للضوابط الشرعية في لباسها.
المراجع
- ^ أ ب محمد الشحيمي (2009)، التشبه بين الجنسين، مفهومه وأحكامه، ومظاهره وأسبابه (الطبعة الأولى)، الإمارات العربية: دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5885، صحيح.
- ↑ مركز الفتوى (17-6-2002)، “التشبه بالجنس الآخر، أسبابه ومخاطره”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7219، أخرجه في صحيحه.
- ↑ فريال الفنتوخ (28-3-2017)، “أسباب ظاهرة الفتيات المسترجلات من الناحية النظرية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1385، صحيح.
- ↑ فريال الفنتوخ (23-5-2017)، “علاج المسترجلات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2018. بتصرّف.