العطاء في الإسلام

'); }

مفهوم العطاء في الإسلام

مفهوم العطاء في اللغة

مصدر للفعل الرباعي أعطى، والذي مجرده الثلاثي عَطَوَ، وهو يدل على الأخذ والمناولة، ومنه اشتق ‌الإعطاء، والمعاطاة: المناولة، والعطاء: اسم لما يعطى، وهي العطية، والجمع عطايا.[١]

مفهوم العطاء في الاصطلاح

العطاء في اصطلاح المتقدمين معناه مختلف عنه في زمننا، فقد كان يطلق على ما يعطى للجند سنوياً، وهو بمعنى الراتب السنوي، وقد يدل على الهبة كما عرفه ابن عرفة، قال: “تمليكُ متموّلٍ بغير عوض إنشاء”،[٢] يعني: إعطاء شيء له قيمة بلا مقابل، وهذا المعنى أوسع من مدلوله على الراتب، لكن في زمننا المعاصر المعنى أوسع من إعطاء المتقومات بالمال، ويمكن تعريفه بأنّه البذل في تقديم ما يحتاجه الآخرون دون مقابل.

'); }

أنواع العطاء

إنّ للعطاء أنواع كثيرة، منها ما يأتي: [٣]

  • العطاء المادّي: ويشمل الصدقات وإيتاء الزكاة، وكل ما يبذله المسلم من ماله لغيره دون مقابل، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ).[٤]
  • العطاء العلمي والمعرفي: ويشمل التدريس والإفتاء، وغير ذلك، فمن بخل بعلمه ومعارفه، كمن لا يزكي ماله، كما أنّ للمال زكاة، فللعلم والمعرفة زكاة، قال الله -تعالى-: (وَمَا هُوَ عَلَى ‌الْغَيْبِ ‌بِضَنِينٍ)[٥] أي؛ لا يبخل عليكم بعلمه.
  • عطاء النصيحة: مثل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليس الجواد من يجود بالمال فقط، بل من يجود بنصحه، فإنه من تمام الدين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ).[٦]
  • العطاء الجسدي: أن يعين المسلم الناس بجهده البدني، حتى ولو حمل مع أخيه على الدابّة، فهذا من أنواع العطاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ ‌صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ ‌عَلَى ‌دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ ‌صَدَقَةٌ).[٧]
  • العطاء بالروح: كمن يضحي بنفسه في سبيل الله، أو يضحي بنفسه لينقذ غريقا، فيموت المنقذ، وغير ذلك من سبل التضحية بالروح، وأعلاها ما كان في الجهاد؛ لإعلاء كلمة الله، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّـهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرآنِ).[٨]

صور العطاء في الإسلام

صور العطاء في الإسلام متعددة، نذكر منها ما يأتي:[٩]

  • الجهاد في سبيل الله: إن أعظم ما يمكن أن تقدمه، وتجود به، هو أن تقدم نفسك رخيصة في سبيل الله تعالى؛ ولذا جعل الله تعالى الجهاد ذروة سنام الإسلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، ‌وَذِرْوَةُ ‌سَنَامِهِ الجِهَادُ)[١٠]
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أوجب الله تعالى على المسلم، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بحسب طاقته، وقد يكلفه ذلك السفر من مكان إلى مكان، وبذل المال، وهذا من أوسع أبواب العطاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌رَأَى ‌مِنْكُمْ ‌مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)[١١]
  • التبرعات المالية: كالزكاة، والصدقات، وكفالة اليتيم، وغيرها من التبرعات المالية المشهورة في الإسلام.
  • نشر العلم: ويكون ذلك إما بالتدريس في المدارس أو الخطب، أو بتأليف الكتب، وغير ذلك من وسائل التعليم.

فوائد العطاء في الإسلام

العطاء قد يكون ماديّاً أو معنوياً، وفيما يأتي فوائد العطاء من الناحيتين المادية والمعنوية:[١٢]

الفوائد المعنوية

  • يُولّد في المرء شعور حب الآخر، وحب الجماعة، وحب المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يكون ناقماً على مجتمعه.
  • يُزّكي الأنفس ويطهرها من حب الأنانية والشح، ويُنمي فيها روح التعاون والاشتراك مع الآخرين.
  • يَحُّلُ مشكلة المحتاجين من الناس من خلال توفير احتياجاتهم الأساسية.
  • يُرّبي في نفوس الآخرين حب العطاء، ويمنع عنهم حب التملك.

الفوائد المادية

  • القضاء على الفقر بالزكوات والصدقات، وتجنيب المجتمعات الإسلامية ويلات الحاجة والعوز.
  • نشر الإسلام من خلال الذين يبذلون أرواحهم في سبيل الله تعالى.
  • نشر العلم، ونشر الأخلاق والقيم، من خلال العطاء الفكري والعلمي.

الخلاصة: يمكن تقسيم العطاء إلى العطاء المادّي والعطاء المعنوي، ومن أبرز صور العطاء الجهاد في سبيل الله تعالى، والزكوات، وبذل العلم ونشره، وإن للعطاء فوائد كثيرة؛ منها: أنه ينشر عند الناس التضحية وحب الآخرين، وينمي فيهم الانتماء والمسؤولية.

المراجع

  1. ابن فارس (1399)، معجم مقاييس اللغة، صفحة 353، جزء 4. بتصرّف.
  2. ابن عرفة (1435)، المختصر الفقهي (الطبعة 1)، صفحة 509، جزء 8. بتصرّف.
  3. عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (1420)، الأخلاق الاسلامية وأسسها (الطبعة 5)، دمشق:دار القلم، صفحة 375-377، جزء 2. بتصرّف.
  4. سورة فاطر، آية:29
  5. سورة التكوير، آية:24
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن تميم الداري، الصفحة أو الرقم:95، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2989، صحيح.
  8. سورة التوبة، آية:111
  9. أ.د. إسماعيل علي محمد (25/12/2016)، “التضحية: مفهومها ونماذج منها”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/8/2021. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:2616، صحيح.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:78، صحيح.
  12. حيدر عبد العزيز، ألفاظ العطاء في القرآن الكریم دراسة موضوعیة حيدر عبد العزيز، صفحة 23. بتصرّف.
Exit mobile version