محتويات
- ١ (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)
- ٢ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)
- ٣ (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)
- ٤ (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ)
- ٥ (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
- ٦ المراجع
'); }
(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)
قوله -تعالى-: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)؛[١] أي أنَّه أَعْلَمُ بِكُمْ قبل أن يخلقكم وهو قد خلق أَباكم آدم من التراب، وهو أَعلم بكم عندما كنتم أَجِنَّةٌ في بطون أمهاتكم، والأجنَّة؛ جمعُ جنين وسُمِيَّ جنيناً؛ لاستتاره في بطنِ أمه.[٢]
فيكونُ المرادُ عَلِمَ حالكم من أولِ خلقكم إلى آخر يومكم فلا تزكوا أنفسكم رياءً وخيلاءً، ولا تقولوا لمن لم تعرفوا حقيقته أنا خيرٌ منك، أو أنا أزكى منك، أو أتقى منك، فإنّ العلم عند الله، وفيه إشارةٌ إلى وجوبِ خوفِ العاقبة فإن الله يعلم عاقبة من هو على التقوى، فقد علم الله الزَّكي منكم والتقي أولاً وآخراً قبل أن يخرجكم من صلب أبيكم آدم وقبل أن تخرجوا من بطونِ أمهاتكم.[٢]
من مظاهرِ علم الله التي يمكن استنباطها من الآية أنَّ الله يعلمُ حال الناس وقت إنشائِهم وخلقهم ويعلم حالهم وهم أجنّة في بطون أمهاتهم، وأيضاً فيها خطاب لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أن الله قد عَلِمَ كونك ومن معك على الحقّ، وكونُ المشركين على الباطلِ.[٣]
'); }
وفيها إشارةٌ إلى العلمِ بحال المؤمنين المتقين وما هم عليه من التقوى، فلا يوجد ضرورة لإخبار الآخرين بحال التقوى لأن في هذا تزكية للنّفس، وفيه هذه الآية إشارة إلى أنّ الله يعلم عاقبة من يكون على التقى ومن يكون على غير ذلك.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)
قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)،[٤] في هذه الآية تذكير بخلق الله تعالى للإنسان، وأنه يعلم ما توسوس به نفسه، والوسوسة؛ الصوت الخفي، ووسوسة النفس؛ ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس، وقوله -تعالى-: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) المراد قرب علمه منه، وحَبْلِ الوريد؛ هو عرق في باطن العنق.[٥]
وهذه الآية الكريمة أشارت إلى أن الله يعلم حال الإنسان ويعلم ما يُحدِّثُ به نفسه مما لا يستطيع أحد أن يطلع عليه، ومن كمال علم الله تعالى بحال الإنسان وقرب علمه منه أنه يعلم حال الإنسان أكثر من الإنسان نفسه.
(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)
قوله -تعالى-: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)،[٦] يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله، وفيما أودعه في فطرة عباده، (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى) فاقد البصر (وَالْبَصِيرُ) فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك أن هذه المذكورات لا تتساوى فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى.[٧]
فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فإذا علمت المراتب، وميزت هذه الأشياء المتباينة، فالأجدر بك أن تختار ما ينفعك عند الله يوم القيامة، فهذه الآية الكريمة تشير إلى مظهر من مظاهر علم الله التام ألا وهو علمه بالمتضادات التي فيها من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا الله تعالى.[٧]
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ)
قوله -تعالى-: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)،[٨] وهذه الآية هي من حوار لقمان مع ابنه ومعناها يا بني إن ما تفعله من حسنة أو سيئة، سواء أكان في نهاية القلة والصغر؛ كمثال حبة من خردل، أم كان هذا الشيء القليل مخبوءاً في صخرة من الصخور الملقاة في فجاج الأرض، أم كان في السموات أم في الأرض، فإن الله- تعالى- يعلمه ويحضره ويجازى عليه إِنَّ اللَّهَ- تعالى- لطيف خبير؛ أي محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، عظيمها وصغيرها.[٩]
فالمقصود من الآية الكريمة، غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله- تعالى؛ لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في هذا الكون، مهما دق وقل وتخفى في أعماق الأرض أو السماء،[٩] وهذه الآية تشير إلى مظهر من مظاهر علم الله تعالى ألا وهو علمه المطلق بدقائق الأمور وإحاطته التامة بجميع الموجودات واطلاعه على جميع أعمال الناس.
(قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
قوله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)،[١٠] في هذه الآية يخاطب الله تعالى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في أصحاب الكهف ويقول له: قل لهم إذا نازعوك فيما ذكرنا فاللّه سبحانه وتعالى أعلم منكم بالمدة التي لَبِثُوها في الكهف، فإن نازعوك فيها فأجبهم: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا)؛ أي: بالزمان الذي لبثوا فيه، لأن علم الخفيّات مختص به تعالى، ولذلك قال: (لَهُ)؛ سبحانه وتعالى خاصة (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؛ أي علم ما غاب عن أهل الأرض والسموات فيهما، يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها، فإنّه العالِمُ وحده به، فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف.[١١]
ثم زاد في المبالغة والتأكيد، فجاء بما يدل على التعجبِ من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال: (أَبْصِرْ بِهِ)؛ سبحانه وتعالى (وَأَسْمِعْ)؛ به تعالى؛ أي: ما أبصر الله سبحانه وتعالى بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع، فهو لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهذا أمر عظيم من شأنه أن يتعجّب منه، فأفاد هذا التركيب التعجب من علمه سبحانه وتعالى، ودل على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين، وأنّه يستوي في علمه الغائب والحاضر، والخفي والظاهر، والصغير والكبير، واللطيف والكثيف.[١١]
(ما لَهُمْ)؛ أي: ما لأهل السموات والأرض، وقيل: لأهل الكهف، وقيل: لمعاصري محمد – صلى الله عليه وسلم – من الكفار (مِنْ دُونِهِ)؛ سبحانه وتعالى (مِنْ وَلِيٍّ)؛ يتولى أمورهم، وناصر ينصرهم، ومدبر يدبر شؤونهم، فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير إعلامه تعالى، وفي هذا بيان لغاية قدرته، وأن الكلّ تحت قهره.[١١]
(وَلا يُشْرِكُ)؛ سبحانه وتعالى (فِي حُكْمِهِ)؛ وقضائه، أو في علم غيبه (أَحَدًا)؛ من مخلوقاته، فله خاصة الخلق والأمر، لا معقّب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير، ولا شريك، تعالى الله وتقدست أسماؤه،[١١] وقد احتوت هذه الآية الكريمة على مظهر عظيم من مظاهر علم الله تعالى ألا وهو علمه سبحانه بغيب السموات والأرض وعلمه بكل الموجودات.
ملخص المقال: وردت في كتاب الله آيات دالة على علمه -سبحانه وتعالى- منها؛ علم الله بالأجنّة وهي في بطون الأمهات، علمه في ما توسوس به النفس، وعلمه بأنّه لا يستوي النور والظلام.
المراجع
- ↑ سورة النجم، آية:32
- ^ أ ب علاء الدين الخازن (1415)، لباب التأويل في معاني التنزيل، بيروت:الكتب العلمية، صفحة 212، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ محمد الرازي (1420)، تفسير فخر الدين الرازي (مفايح الغيب) (الطبعة 3)، بيروت:إحياء التراث العربي، صفحة 272، جزء 29.
- ↑ سورة ق، آية:16
- ↑ عبدالله النسفي (1419)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة 1)، بيروت:الكلم الطيب، صفحة 364، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية:19
- ^ أ ب عبد الرحمن السعدي (1420)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة 1)، صفحة 688. بتصرّف.
- ↑ سورة لقمان، آية:16
- ^ أ ب محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، الفجالة – القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 121، جزء 11.
- ↑ سورة الكهف، آية:26
- ^ أ ب ت ث محمد الأمين الهرري (1421)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، بيروت – لبنان:طوق النجاة، صفحة 337-339، جزء 16. بتصرّف.