معاملات إسلامية

جديد أهمية الحوار في الإسلام

الحوار

يشكّل الحِوار ركنًا أساسيًّا من أركان الدّعوة الإسلاميّة، فالدّعوة الإسلاميّة في الأساس قائمة على حوار المُخالفين وإقناعهم بالحجّة والمنطق والدّليل، وقد جاءت الدّعوة الإسلاميّة في أساسها لتُعطي الحريّة لجميع النّاس في اعتناق الإسلام فلا إجبار لأحد على ذلك ما لم يقتنع اقتناعًا كاملًا، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)؛[١] حيث كان ديدن المسلمين على الدّوام هداية النّاس إلى الحقّ والصّراط المُستقيم بالحِكمة والموعظة الحسنة بعد أن يدخل نور الإسلام إلى قلوبهم فتنشرح له صدورهم.[٢]

كانت للحِوار في الإسلام ضوابط وأحكام وآداب؛ فالحوار ينبغي أن يكون مُمنهجاً بالحِكمة مُتّصفاً بالموعظة الحسنة، فلا ينبغي أن يكون الحوار أهوجاً دون أسس وقواعد وضوابط، وإلا انقلبت نتائجه ولم يؤت ثماره، كما يجب أن يكون الحوار باستخدام الأسلوب الحسن المُنمّق بعيدًا عن العُنف والتّخويف والتشكيك، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)،[٣] فما هي أهمية الحوار في الإسلام؟ وكيف يُمكن الوصول إلى الحوار المنطقي الممنهج؟ وما هي ضوابط الحوار مع الآخر.

تعريف الحوار

الحِوار هو: التناقش بطريقِ الكَلام المُباشر بين مجموعةٍ من الأشخاص الذين يُمثّلون اتجاهين متخالفين بطريقةٍ هادئة يحترم فيها كل طرفٍ الطرف المقابل له، دون التعصّب لرأيه أو جماعته،[٤] وتكون الغاية من الحوار الوصول إلى الحقيقة من خلال عرض الأفكار ووجهات النظر المتعدّدة،[٥] وهو كذلك يعني: التعاون والتباحث بين طرفين مُختلفين بِهدف الوصول إلى حقيقةٍ مُعيّنةٍ ومَعرفتها والاطلاع على تفاصيلها، بعد أن يَكشِف كلّ طرف ما لديه تجاه الآخر،[٦]

استخدم القُرآن الكَريم لفظة المُجادلة بالحُسنى للإشارة إلى الحوار البنّاء بين جماعتين أو فرقتين أو شخصين مختلفين، قال تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).[٣][٧]

أهميّة الحوار في الإسلام

أولى الإسلامُ مَوضوعَ الحوار أهميّة فريدة، ويُراد بالحوار النقاش الّذي يدور بين أشخاص مُختلفين في فكرةٍ ما، أو في معتقدٍ وآخر؛ حيث إنّ كيفية الحوار وطريقته تنعكس على المُتحاورين إمّا سلباً أو إيجاباً، وتأتي أهميّة الحوار وتظهر من عدّة أمور منها:[٨][٩]

  • الحوار هو الطريق الوحيد الذي من خلاله يتمّ الوصول إلى إقناع المُخالف بالفكرة الصحيحة وصولاً إلى الحق.
  • هو الأسلوب الأمثل للتواصل والتفاهم والتخاطب بين الناس، فلا ينبغي أن يتعامل الناس بغير الحوار البنّاء كفرض ما يرونه من أفكار ومُعتقدات ومبادئ، وهو الوسيلة الأمثل التي من خلالها يتعارف الناس ويتآلفون.
  • هو المنهج الأصوب لتفادي الحروب والكوارث؛ فلولا التحاور العقلاني لكثرت الحروب، واقتتل الناس فيما بينهم، ولهاجت أفعالُ الجاهلية، وحرب البسوس خير شاهدٍ على ذلك، فبعد أن اقتتلت قبيلتا داحس والغبراء مدّة أربعين سنة كاملة لم ينتجْ عنها إلا الدماء والقتل والتنكيل، فلّما جلَسوا للتحاور الهادئ أصلح الله بينهم، ولو جلسوا للحوار قبل بدء الحرب لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من القتال.
  • إقامة الحجة: إنّ الغاية من الحِوار بالدرجة الأولى هي إقامة الحجّة ودفع الشبهات وبيان الرأي الفاسد من الرأي الصائب، ويكون ذلك بطريق الاستدلال الصحيح والاستشهاد بالشواهد المُناسبة حتى يتمكّن المتحاوران من الوصول إلى الحق، فغاية الحوار الأولى ووظيفته المثلى هي إظهار الحق.
  • الدعوة: إنّ المقصود الأعظم من الحوار في الإسلام هو دعوة المُخالف وإرشاده للصواب حتى يقتنع بعقله بمنطق الإسلام وصدقه، ويعتقد بطريق الحوار الهادئ أنّه الصواب، فالحوار الهادئ هو مفتاح القلوب ومن خلاله يتوصّل إلى العقول وبه ترتاح النفوس وتقر، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)،[٣]
  • تقريب وجهات النظر: إنّ من أهمِّ ثمرات الحوار في الإسلام تضييق هوّة الخلاف بين المتحاورَين، وتقريب وجهات النظر بينهما حتى لا يبقى في صدورهما شيءٌ ضدّ بعضهما؛ حيث يُمكن من خلال الحوار الهادئ الوصول إلى حلِّ وسطٍ يرضي جميع المتحاورين ويُقنعهم إن كان الخلاف بين جماعتين أو شخصين في فكرة ما، وبالتحاور يُستبدل التباغض والتناحر إلى تحاببٍ وتواد.
  • كشف الشبهات والردّ على الأباطيل: إنّ الحوار السليم يوصل المُتحاورين إلى كشف ما يُلصق بالأفكار والمُعتقدات من شبهات وأباطيل اختلقها أعداء المَنطق لإرضاء رغباتهم، ممّا يوصل بالنتيجة إلى إظهار الحقّ وبيانه، وإبطال الباطل وإزهاقه.

آداب الحوار

حتى يكون الحوار ناجحاً وعقلانيّاً ومنهجياً، يُثمر في قلوب وعقول من يستمع إليه ويتناقش من خلاله لا بُدّ أن يحوي عدداً من الآداب والأمور المنهجيّة، منها:[٨]

  • أن تكون النيّة المقصودة للمتحاورين من الحوار الدائر بينهما الوصول للحقّ وإظهاره، لا إظهار ما يَعتقد به المتحاور بغضّ النظر عن كونه صائباً أم غير صائب، فلا يَنبغي أن ينبني التحاور على حبّ إظهار القدرات المعرفيّة من أجل الوصول للسمعة، أو الرياء، أو يكون القصد من ذلك مجرّد الجدال، أو إعلاء الباطل مع علمه ببطلانه. كان الشافعيُّ – رحمه الله – يقول: (ما ناظرتُ أحدًا قط على الغلبة، ووددتُ إذا ناظرتُ أحدًا أن يظهرَ الحقُّ على يديه)، وقال: (ما كلمتُ أحدًا قط إلا وددتُ أن يوفَّق ويسدد ويُعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ).
  • التواضع ولين الجانب وحُسن الخُلق عند طرح الفكرة المخالفة للآخر، ولذلك أثرٌ فعّالٌ على المُستمع والمتحاور؛ حيث إنّ المتحدّث إن انتقى كلماته وتحدّث بتواضع كان ذلك أدعى للإنصات له والاهتمام بما يقول.
  • أن يُتقن المُحاور فنّ الاستماع للآخر؛ فكما أنّ طريقته في الحديث تجذب الأسماع إليه، فكذلك حُسن استماعه لمن يحاوره يجب أن يكون جيّداً؛ فلا يَنبغي أن يكون الحوار من طرفٍ واحدٍ بحيث يستأثر هو بالكلام دون محاوره.
  • العلم التام بما يُحاور فيه: فلا ينبغي للمحاور أن يتكلّم إلا بما يَعرف، وذلك شرطٌ مهمٌ لنجاح الحوار والوصول إلى الغاية منه، ودون العلم يُصبح الحوار هشًّا لا نفع منه ولا فائدة، بل رُبّما ينقلب بالنّتيجة إلى عكس المرجو منه.
  • ينبغي أن ينبني الحوار على أدلّةٍ وبراهين منطقيّة وصحيحة حتّى يكون ناجحاً ومنهجياً، وإلا كان مُجرّد كلامٍ لا قيمة له ولا فائدة منه.

المراجع

  1. سورة الكهف، آية: 29.
  2. “لا إكراه في الدين”، طريق الإسلام ، 17-11-2013، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2017. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت سورة النحل، آية: 125.
  4. فيصل المالكي (2015-3-22)، “الحوار البناء”، مجموعة نون العلميّة، اطّلع عليه بتاريخ 2017-7-29. بتصرّف.
  5. رضوان ناصر الشريف (30-4-2013)، “كيف يتحاور أهل الحكمة”، مؤسسة عدن الغد للإعلام، اطّلع عليه بتاريخ 2017-7-29. بتصرّف.
  6. صالح بن عبدالله بن حميد، “أصول الحوار وآدابه في الإسلام”، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2017-7-29. بتصرّف.
  7. الولي ولد سيدي هيبه (2016-7-7)، “عقدة الحوار.. قصور القشرة وصلابة النواة”، كارافور الأخبار، اطّلع عليه بتاريخ 2017-7-29. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمود صالح (18-9-2013)، “أهمية الحوار”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.
  9. “أهداف الحوار ومقاصده وآدابه”، موقع الإسلام، 6-جمادى الأولى-1431هـ، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى