الزنا
يعرّف الزنا الموجب للحد كما قال العلماء بأنه ما “يتحقق بتغييب رأس الذكر في فرج محرم مشتهى بالطبع من غير شبهة نكاح، ولو لم يكن معه إنزال، فإذا اجتمعت هذه المذكورات كلها، وثبتت بإقرار أو بشهادة أربعة شهداء وجب الحد”،[١] وقد وصف الله -تعالى- عباده المؤمنين بالعديد من الصفات، فهم لا يشركون بالله شيئاً، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، والزنا إقامة علاقة جنسيّة ما بين الرجل والمرأة دون عقد الزواج شرعي، وهو أحد الجرائم التي رتَّب عليها الدين الإسلامي إقامة الحد في الدنيا، والخلود في نار جهنم، ما لم يُبدل ذلك بالإيمان والتوبة الصادقة.[٢]
وقد أورد القرآن الكريم الزنا في أحد مواضعه مُقترناً بالشرك بالله؛ لما يتسبب به الزنا من اختلاط الأنساب والتعدي على الحرمات، وانتشار العداوة بين الناس، كما جعل الله -تعالى- الزاني المُحصن أحد الثلاثة الذين أحل الله دماءهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: رجلٌ زنى بعدَ إحصانِهِ فعليهِ الرَّجمُ، أو قتلَ عمدًا فعليهِ القوَدُ، أوِ ارتدَّ بعدَ إسلامِهِ فعليهِ القتلُ)،[٣] وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنَّ الزاني لا يزني وهو مؤمن، لذلك عندما بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، بايعهم على ألا يُشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، يقول الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه: “ولا أعلم بعد قتل النفس ذنباً أعظم من الزنا”.[٢]
أنواع الزنا
الزنا شرٌ كبير، وينجم عنه من الأضرار والمفاسد ما لا يُمكن إحصاؤه، فالزنا يجمع بين فقد الدين والمروءة والفضيلة والغيرة، ويقضي على الحياء من النفوس، ويُسوّد الوجوه، ويؤدي بالقلوب إلى الظلام والوحشة، كما إنَّه يذهب بكرامة من يقع فيه، ويتعدّاه إلى إلحاق العار بذويه، وقد يتولّد عن الزنا في كثير من الحالات ذنوب وجرائم أُخرى، فإذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها، تكون قد جمعت بين الزنا والقتل، أمَّا إذا أدخلته إلى بيتها، فإنَّها بهذه الحالة قد أدخلت عليهم أجنبياً، ينتسب إليهم وهو ليس منهم، ومن الجناية التي يُلحقها الزناة بأولادهم، إنكار الناس لهم وعدم تقَبُّلهم دون ذنبٍ منهم، فالزنا من أبرز الأسباب المؤدية إلى دمار الأُمم والقضاء عليها، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها”.[٤]
ومن الجدير بالذكر أنَّ جريمة الزنا تتفاوت بحسب ما ينجم عنها من المفاسد والأضرار، فالزنا بحليلة الجار أعظمُ جُرماً عند الله -تعالى- من الزنا ببعيدة الدار، لما في ذلك من إلحاق الأذى بالجار وعدم الاستجابة إلى أمر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان إلى الجار وكف الأذى عنه، كما إنَّ الزنا بزوجة الغازي أشدُّ جرماً من الزنا بغيرها، وزنا المحصن أعظم إثماً من البكر، كما يتفاوت بحسب مكان ووقت وقوعه، فالزنا في شهر رمضان الفضيل أو في البقاع الشريفة والأراضي المُقدَّسة أعظم منه فيما سواها.[٤]
كما إنَّ زنا المحارم من أقبح أنواع الزنا؛ لما فيه من فساد الفطرة وانتكاسها، ولا يقع هذا النوع إلا من فاسد الطبع، وللفضائيات الداعية إلى الرذيلة والفساد من أغانٍ هابطة تُبرز المفاتن، ومسلسلات ماجنة تُعلِّم الناشئة طرق الوصول إلى الفاحشة والرذيلة دور كبير في انتشار هذا النوع من الزنا، كما إنَّ عدم الامتثال إلى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والتساهل في عدم التفريق بين الأبناء في المضاجع، وتهاون النساء في اللباس أمام محارمهنَّ، ومجالسة رفقاء السوء، وضعف الإيمان، من أسباب وقوع هذا النوع القبيح من الزنا،[٥] لذلك حرَّم الله -تعالى- جميع الأسباب التي تؤدي إلى الزنا، فقال تعالى: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)،[٦] ويحرم الزنا مع جميع النساء مهما كان معتقدهنَّ، وإثم زنا المغتصبة يفوق إثم الزنا بالمطاوعة، أمَّا من زنا بزوجة من خرج مجاهداً في سبيل الله، فإنَّه يؤتى به يوم القيامة ويُقال للمجاهد خذ من حسناته ما شئت.[٧]
حد الزنا
يُروى أنَّه أتى ماعز بن مالك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقرَّ بالزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلَّكَ قَبَّلتَ، لعلَّكَ لَمَستَ، قال: لا، قال: فلعلَّكَ، قال: نَعمْ)،[٨] فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك بإقامة الحد عليه بالرجم، ويُستفاد من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-أنَّ ما يوجبُ حدّ الزنا هو الإيلاج، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء غير أني لم أنكحها، فافعل بي ماشئت، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الحسنات يذهبن السيئات، أمَّا عن التوبة، فليس بينها وبين المسلم شيء مهما كان الذنب،[٩] ومن المعروف أنَّ حد الزنا لا يثبت إلا بوجود أربعة شهود، أو الإقرار بالفعل، وحد الزاني المحصن هو الرجم حتى الموت، أمَّا البكر فيجلد مائة جلدة.[١٠]
الوقاية من الزنا
دعا الدين الإسلامي إلى الزواج، فهو الوسيلة الوحيدة لتصريف الغريزة الجنسية وحفظ النسل، كما رتَّب الإسلام للوقاية من الوقوع في الزنا عدة أُمور منها: الحرص على غض البصر من الرجال والنساء، والالتزام بالحجاب الشرعي كما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع تعاهد القلب بالطاعات؛ حتى يبقى دائم الوصل بالله تعالى، ونهى الإسلام عن الاختلاط والتبرج، وخلو المرأة بالرجل الأجنبي عنها، وخضوع النساء بالقول، وغير ذلك مما يدعو الى الرذيلة ويثير الغريزة، يقول تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).[١١][١٢]
المراجع
- ↑ “تعريف الزنــا”، www.islamweb.net، 2002-1-7، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2019.
- ^ أ ب د. أمين الشقاوي (4-1-2012)، “تحريم الزنا وأسبابه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1/224، إسناده صحيح.
- ^ أ ب محمد الحمد (14-8-2004)، “من مفاسد الزنا”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ د. نايف الحمد، “زنا المحارم : أسباب تفشي هذه الظاهرة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 32.
- ↑ “أعظم أنواع الزنا”، www.fatwa.islamweb.net، 2007-3-1، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن الدارقطني، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم: 3225، صحيح.
- ↑ محمد النابلسي، “ما درجة الزنا التي توجب الحد”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ “سقوط الحد في الدنيا لا يسقط عقوبة الآخرة”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 32.
- ↑ “سبل الوقاية من الزنا”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.