الزنا
يعرف الزنا في اللغة: بأنه إتيان الرجل للمرأة بغير عقدٍ شرعيٍ بينهما، والزنا في اصطلاح الفقهاء هو وطء الرجل للمرأة في قُبلها من غير المِلك أو شبهته، أو فعل الفاحشة في القبل أو في الدبر، والزنا فعلٌ محرّمٌ، بل يعدّ من كبائر الذنوب وعظامها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)،[١] ويشترط في الزنا ليترتب عليه الحد الشرعي المقرر أن يتم فيه الإيلاج، فتدخل حشفة الذكر بفرج المرأة، فإن لم تدخل الحشفة، أو دخل بعضها فقط، فلا يجب بذلك الحد، ولا يشترط الإنزال لإقامة الحد، بل يكفي فيه الإيلاج، ويظهر من ذلك أنّ كل مقدمات الزنا من لمسٍ وتقبيلٍ ووضع الفرج على الفرج، ونحو ذلك لا يعدّ من الزنا الموجب للحد، إلّا أنّها أفعالٌ توجب على صاحبها التعزير والتأديب، وذلك لما فعله من ارتكاب حرامٍ ومنكرٍ بيّنٍ واضحٍ، كما أنّ هذه المقدمات قد تؤدي بالإنسان إلى الزنا الحقيقي، وقد سمّى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- تلك الأفعال بالزنا فقال: (إنَّ اللَّهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظَّهُ منَ الزِّنا أدرَكَ ذلِكَ لا محالةَ فزنا العينينِ النَّظرُ وزنا اللِّسانِ المنطقُ والنَّفسُ تمنَّى وتشتَهي).[٢][٣][٤][٥]
ولإقامة حد الزنا المقرر في الشرع، لا بدّ من تحقق بعض الشروط في الزاني، وهي: أن يكون عاقلاً، وبالغاً، ومختاراً لفعله غير مكرهٍ عليه، وعالماً بحرمة ذلك الفعل، فأمّا اشتراط العقل والبلوغ والاختيار؛ فلقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ)،[٦] وأمّا اشتراط العلم بالتحريم؛ فلأنّ الحد يتبع اقتراف الحرام، وهو غير مقترفٍ للزنا، ثم إنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا جاءه ماعزٌ يقرّ بالزنا، راجعه وسأله إن كان يعرف ما الزنا، وفيما يتعلق بثبوت الزنا على فاعله، فإنّ ذلك يتحقق بأحد أمرين: إمّا بإقراره بالفعل، أو بالشهادة، ولأنّ الاتهام بالزنا سيءٌ في حقّ كلّ من الرجل، والمرأة، فإنّ الله -تعالى- قد شدد في شروط قبول الشهادة فيه، فيشترط فيها أن تكون بأربعة شهداء، كلّهم بالغون، وعاقلون، وجميعهم عدول أيضاً، كما يشترط فيهم الإسلام جميعاً، ولا بدّ للشهود لكي تقبل شهادتهم أن يعاينوا الفعل ويصرّحوا به، وأن يشهدوا جميعاً في مجلسٍ واحدٍ، وتعدّ الذكورة شرطاً في الشهادة على الزنا، ولا يجوز في الشهادة في الزنا التقادم كذلك.[٧]
حكم الزاني المتزوج
إمّا أن يكون الزاني محصناً، أو أن يكون غير محصنٍ، والمحصن هو المتزوج الذي وطء زوجته في قبلها، بنكاحٍ صحيحٍ، وكانا بالغين، عاقلين، حرين، ويظهر من ذلك أنّ للإحصان خمسة شروطٍ، وفيما يأتي بيانها:[٣]
- الوطء في القُبُل، بأن يتقدم للزاني والزانية وطءٌ مباحٌ في الفرج.
- الوطء بنكاحٍ صحيحٍ.
- البلوغ لكلا الزوجين.
- الحرية لكلا الزوجين.
- العقل لكلا الزوجين.
فإذا تحققت تلك الشروط الخمسة في الزاني، فإنّه يكون حينها متزوجاً محصناً، وحكمه إذا زنا أن يرجم بالحجارة حتى الموت، سواءً أكان رجلاً أو امرأة، وحكم الرجم ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بالقول والفعل، وقد ورد أنّ رجلاً أتى إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو جالسٌ في المسجد، وأخبر الرجل النبي أنّه زنا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعاد الكرّة بإخبار النبي بأنّه زنا، فأعرض عنه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مرةً ثانيةً، وكرر الرجل ذلك حتى أقرّ على نفسه بالزنا أربع مراتٍ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أبكَ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: فهل أحصنتَ؟ قال: نعم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اذهَبوا به فارجُموه)،[٨] وقد أجمع العلماء على أنّ الرجم بالحجارة حتى الموت، هو حكم الزاني المتزوج المحصن.[٣]
أضرار الزنا ومفاسده
إنّ للزنا وانتشاره في المجتمع مفاسدٌ ضخمةٌ وأضرارٌ عظيمةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:[٩]
- حدوث اختلاطٍ في الأنساب، ممّا يؤدي إلى العديد من المفاسد الأخرى؛ كانتساب الأبناء إلى غير آبائهم، وأن يأخذ الإرث من ليس من حقّه، وأن يصبح الأجنبي محرماً لمن هو غير محرمٍ له.
- حدوث التنازع والتقاتل بين الناس بسبب هذه الفاحشة المنكرة، وقد يؤدي ذلك إلى حروبٍ، وفتنٍ عظيمةٍ، قد تدوم لسنواتٍ وأزمانٍ طويلةٍ.
- أن تشيع الفاحشة والرذيلة في المجتمع، فينتج عن ذلك العديد من الأضرار؛ كخشية الرجل من أن يأمن لأهله وبناته، وأن تموت الغيرة في قلوب الناس، وتشيع الدياثة بدلاً عنها، وأن يختفي الحياء، والطهر، والعفة بين الناس، ويظهر بدلاً عنها الوقاحة والذلة والمهانة.
- ضعف الإيمان في القلوب، وانتشار الفسوق والعصيان، مما قد يؤدي إلى الكفر البواح، وما بعد الكفر من ذنبٍ.
- ترتب عقوباتٍ كبيرةٍ في الدنيا والآخرة على انتشار الفاحشة، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم)،[١٠] وذلك موجودٌ في العصر الحالي، من انتشار بعض الأمراض؛ كالإيدز الذي ليس له علاجٌ، والهربس والسيدا، وغيرها من الأمراض المنتشرة بين الزناة، وأمّا في الآخرة فقد أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في حديث الرؤيا، بما رآه من حال الزناة في الآخرة، حيث قال: (انطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ)،[١١] ثم أخبره المَلك -عليه السلام- بأنّهم الزناة.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 32.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2152، صحيح.
- ^ أ ب ت “تعريف الزنى وحكمه وخطورته”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-2. بتصرّف.
- ↑ “الزنا الذي يوجب الحد”، www.islamqa.info، 2005-12-17، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-2. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى زنا في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 4403، صحيح.
- ↑ “بم يثبت الحد”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1691، صحيح.
- ↑ عبدالفتاح آدم المقدشي (2017-4-26)، “التحذير من جريمة الزنا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7978، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 1386، صحيح.