قرآن

جديد أنواع أحكام التجويد

نشأة علم التجويد

عندما بُعث محمدٌ -عليه الصلاة والسلام- كان العربُ في تلك الفترةِ أُمةَ فصاحة وبيان وشعر وأدب، تَهتَم بتجويد الكلام وتحسينه؛ فهموا القرآن وتلَوه مجوّداً كما نزل على محمد عليه السلام، ولمّا اتسعت مساحة الدولة الإسلامية، ودخل في الإسلام الكثير من العَجم، احتاجوا للتَّكلم باللغة العربية؛ ليتعلموا الإسلام، وليتعلموا قراءة القرآن الذي نزل باللغة العربيّة، ولضَعف لُغة المسلمين الجدد من غير العرب اختلفت الألسن بسبب ذلك وتغيّرت، وظهر نتيجةً لذلك الخطأ واللحنُ والضعفُ في قراءة وتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وكان لِزاماً على أهل اللغة النُهوض لنُصرة كتاب الله وحمايته، وتَفَطنَ أهل اللغة وأهل القرآن إلى ضرورة وضع قواعدَ صحيحة تُبيّن وتُوضّح الكيفيّة الصّحيحة لقراءة كتاب الله تعالى وتلاوته، والأحكام التي يجب الأخذ والتمسك بها.

أصبح تعليم المسلمين من غير العرب الكيفية الصحيحة لتلاوة القرآن الكريم كما نزل على الرسول الكريم وِفق أحكام التجويد ضرورة كبيرة، بحيث يَعرف المسلم بعد قراءته الصحيحة معاني الآيات ومدلولاتها، ومغزاها، وإشاراتها، ومراميها الواضحة البيّنة، وما في الآيات من معانٍ بلاغيةٍ دقيقةٍ، وسُمّي هذا العلم المتعلّق بِمعرفة أحكام وقواعد وبيان كيفية تلاوة القرآن الكريم بعلم أحكام التجويد، وكان أول ظهور لعلم التجويد كعلمٍ مُستقلٍّ له مسائل وحُدود في القرن الرابع الهجري.[١]

تعريف علم التجويد

التجويد لُغةً: مصدرٌ من جوَّد يُجوِّد، ومعنى جاد الشيءَ أي حسّنهُ، فيُقال يُجود، ويُجيد جَودةً فهو جيّدٌ أي حسَنٌ، ويقال أجادَ الرجلُ وجوَّد أي حسّن.[٢]

تعريف علم التجويد اصطلاحاً: هو العِلم الذي يتناول ويبحث في كيفيّات نطق الحروف، ويعتني بنطق الحروف من مخارجها، مع مُراعاة صفاتها، وما يُعرض لحروف اللغة العربيّة من أحكامٍ، وما يتعلّق بها عند الوقف، والابتداء، والوصل، والقطع.

والغايةُ والهدفُ من علم التجويد التوصّل إلى أجود وأحسن مستويات إتقان تلاوة القرآن الكريم، بأدقِ أداءٍ ممكنٍ، مع مراعاة جماليات الحروف الذاتيةِ عند نُطقها، والابتعاد عن اللحن، والخطأ في تلاوة القرآن الكريم.[٣]

أنواع أحكام التجويد

أحكام التجويد متنوعةٌ وكثيرةٌ، ومنها أحكام النون الساكنة والتنوين، ومنها أحكام الميم الساكنة، ومنها أحكام الترقيق والتفخيم، وأحكام المدود، والاستعاذة والبسملة، وغير ذلك من الأحكام التفصيلية المُتَفرِّعة عن هذه الأحكام الرئيسيّة.[٤]

ونظراً لكثرة أحكام التجويد، وتشعُّب تفاصيلها وتفريعاتها، يُكتفى بذكر أنواع أحكام التجويد إجمالاً لا تفصيلاً، كما يلي:

أحكام الابتداء

معنى الابتداء عند القُرّاء هو: الشُّروع في تلاوة وقراءة القرآن بعد قطع التلاوة أو التَوقُّف عنها؛ فإذا وقع الابتداء بعد قطع التلاوة فيَجب عندها أن يَبدأ قارئ القرآن بالاستعاذة، ثم بعد الاستعاذة البسملة، وذلك إذا وقع الابتداء في بدايات السور، وأما إذا وَقع الابتداء في مُنتصفها؛ فيُخيَّر القارئ بين الإتيان بالبسملة أو تركها بعد الاستعاذة.

وأمّا إذا وقع الابتداء في التلاوة بعد الوقف مُباشرةً فلا يَستعيذ القارئ ولا يُبسمل؛ وذلك لأنه حينها يُعتَبَرُ مُستأنفاً ومُستمرّاً في القراءة، وإنما كان التَوقف ليُريح نَفسه ثم يُكمل التلاوة والقراءة، أمّا إذا كان مُستمرّاً في القراءة حتى وصل إلى نهاية السورة ثمّ رغب بالانتقال إلى السورة التي بعدها فيبدأ حينها بالبسملة دون الاستعاذة. 

يُطلب من قارئ القرآن عند الابتداء ما يُطلب منه وقت الوقف، فلا يَكون الابتداء بقراءة السُور والآيات، إلا بكَلامٍ تام المعنى، فلا يجوز للقارئ أن يَبتدئ بالفاعل ويَترُك الفعل، ولا يَبدأ بالوصف تاركاً المَوصوف، ولا يَبدأ باسم الإشارة دون المُشار إليه، وليس له أن يَبدأ بالخبر مُتجاوزاً المبتدأ، ولا بالحال بدون صاحبها، ولا بالمعطوف عليه مع ترك المعطوف، ولا بالبدل خالياً عن المُبدل منه، ولا بالمُضاف مُجرَّداً عن المُضاف إليه، ولا بِخبر كان أو إن أو أخواتهما مع تَرك أحرفها وأسمائها.[٥]

أحكام النون الساكنة والتنوين

المقصود بأحكام النون الساكنة والتنوين: أن يَنبني حُكمٌ من أحكام التجويد عند التقاء النون الساكنة أو التنوين مع أحد حروف اللغة العربيّة، والتَنوينُ في حقيقته هو: نُونٌ ساكنةٌ؛ ولذلك جُمِع بين النون الساكنة والتنوين في الحُكم، وللنون الساكنة والتنوين أربعةُ أحكامٍ، هي: الإظهارُ، وحُروفه الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، وهي أول حرفٍ من كل كلمةٍ في قولهم (أخي هاك علماً حازه غير خاسرٍ).

والإدغام ويُقسم إلى قسمين بِغنَّةٍ، وحروفه مجموعةٌ بكلمة (ينمو)، وبغير غُنَّةٍ، وحروفه اللام والراء، والإقلاب، وله حرفٌ واحدٌ فقط، هو حرف الباء، والإخفاء، وحروفه بقيَّةُ حروف اللغة العربيّة.[٦]

أحكام الميم الساكنة

للميم الساكنة أحكامٌ خاصةٌ، فهي ميمٌ واحدةٌ فقط، مُنفردةٌ وليست مكررة، ولها عدة أحكامٍ تَتَعلق بها على النحو الآتي:[٧]

  • الإدغام الشفوي: ويَتحقق الإدغام الشفوي بأن تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة الأولى، وتأتي أول الكلمة التي بعدها ميم متحرّكة، فيُدغمان معاً بحيث يصيران ميماً واحدةً مشدّدةً.
  • الإخفاء الشفوي: ويَتحقق الإخفاء الشفوي بأن تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة الأولى، وباءٌ في أول الكلمة التي بعدها، فيكون الحكم التجويدي في هذه الحالة إخفاءً شفويّاً.
  • الإظهار الشفوي: وهو أن تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة الأولى، ويأتي أول حرف في الكلمة التي بعدها مُباشرةً أحد حروف اللغة العربية ما عدا حرفي الميم والباء، وتَتَحقق أشدّ حالات الإظهار الشفوي إذا وَقع بعد الميم الساكنة حرفا الواو والفاء؛ لقرب مَخرجهما من مخرج الميم الساكنة.[٨]

مخارج الحروف

يُعتبر علمُ مخارج الحروف أحد العلوم المتّصلة بعلم التجويد، بل ويَتفرعُ عن علم التجويد، وهو علمٌ بالغ الأهميّة؛ وذلك لتعلّقه باللفظ، وطريقة النطق الصحيح للحروف التي نزل بها القرآن الكريم، وكذلك لتشعُّب علم مخارج الحروف، وكثرة تفاصيله.

والمخارج لغةً: جمع مخرج؛ والمخرج هو اسمٌ لمحل ولموضع خروج الحرف، ومخارج الحروف اصطلاحاً: هو محل خروج الحرف، والنُطق به، وظُهوره في الألفاظ، وهو المحل الذي ينقطع عنده صوت الحرف، والحروف: جَمع حَرف، والحرف في اللغة هو طرف الشيء.

وأما الحرف اصطلاحاً: فهو صوتٌ يعتمد على المَخرج المحقق، أو المَخرج المُقَّدر، والمخرج المحقق: هو المَخرج الذي يَعتمد على جزءٍ مُعيّن من الحلق، أو اللسان، أو الشفتين، أمَّا المَخرج المُقدَّر: فهو الهواء في الحَلق، والفَم، وهو المَخرج لحُروف المَدّ الثلاثة.[٩]

ومخارج الحروف سبعة عشر مخرجاً، وهي: الجوف ومخرجه واحدٌ، والحَلق وله ثلاثة مَخارج أقصى وأوسط وأدنى، واللسان وله خمسة مَخارج أقصى اللسان وطرفاه وحافّتاه، والشّفتان مخرجهما واحد، وأطراف الثنايا ومخارجها ثلاثة.

ومخارج الحروف منها مَخارج عامّة، ومنها مخارج خاصة، فمَخارج الحُروف العامة هي التي تَشتمل على أكثر من مخرج، والمخارج الخاصّة وهي المخارج التي تشتمل على مخرجٍ واحدٍ فقط.[٩]

أحكام المدود

تعريف عام بالمدود

المَدُ لُغةً: هو الْمَطُّ، أو الطولُ والزيادة، والمَدُّ اصطلاحاً: هو إطالة الصوت عند النطق بحرف المَدِّ بسبب الهمز، أو السكون، ويكون مقدار المد إمّا حركتين، أو أربع حَركات، أو ستّ حركات، وذلك حسبَ نوع المد. والحركة: هي تلك الفترة الزمنيّة اللازمة للنُّطق بحرفٍ المَد، سواءً أكان مُتحركاً بفتحةٍ أم ضمةٍ أم كسرة، والحَركة الواحدة هي الفتح أو الضم أو الكسر؛ فحرف الألف امتدادٌ للفتحة، فهو بمثابة فتحتين مُتتاليتين، وحرف الواو امتدادٌ للضَمّة، وحرف الياء امتِدادٌ للكسرة، وتُقدّر الحركتان في المد بحرف ألفٍ، والأربع حركات تُقدّر بمقدار ألِفَين، وأما الستّ حركات فتُقدّر بمقدار ثلاث ألِفات.[١٠]

أقسام المدود

المدّ قسمان رئيسيّان: المد الطبيعيّ، والمد الفرعي، أما المد الطبيعي فهو أن تأتي الألف المدّية ويأتي ما قبلها مفتوحاً، مثال ذلك: وَالضُّحَى.

والياء الساكنة المكسور ما قبلها مثال ذلك: فِي، والواو المديّة ويكون ما قبلها مضموماً، مثال ذلك: قَالُوا، والمدّ الطبيعي هو المد الذي لا تقوم ذات الحرف إلا بوجوده، ولا يتوقّف على سببٍ، لا همزٍ ولا سكون، ويُمد المد الطبيعي بِمقدار حركتين.

أمّا المَدُّ الفرعي فهو المَد الذي يتوقّف على سببٍ، ومن أسبابه الهَمز أو السكون، ويَنقسم المدّ باعتبار السبب إلى عدة أقسام على النحو الآتي:[١١]
  • المد اللازم، ومنه مدٌّ لازمٌ كلميٌّ مُثقلٌ، وكلميٌّ مُخففٌ، وحرفيٌّ مثقلٌ، وحرفيٌّ مُخففٌ.
  • المَدُ الواجب المُتَّصل.
  • المَدُ الجائز المُنفصل.
  • مَدُّ العِوض.
  • مَدُّ البَدَل.
  • مَدُّ الصِلة.
  • مَدُّ اللِين.

الحكم الشرعي للتجويد

يَنقسمُ علمُ التَجويدِ إلى قِسمينِ:

  • القسم النظري: وهو مَعرفةُ أحكام علم التجويد وقواعده، ودراستها، وحفظها، وفهمها دراسة نظرية، وحُكم تَعلّم أحكام التجويد نظرياً فَرض كفاية، وفَرضُ الكفايةِ لو قام به بَعض المسلمين سقط التَكليفُ عن بقيّتهم.
  • القسم العملي: وهو القِسمُ العَمليُ التَطبيقي المُتَعلِق بتطبيق قواعد التجويد، وتَطبيق أحكامه النظريّة تطبيقاً عملياً عند تلاوة القرآن الكريم، والحُكم الشرعي للقسم التطبيقي الوُجوبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أن يُطبِق كُلَّ ما يَعلمه ويُتقنه من أحكام التجويد عند تلاوة القرآن.[٣]

المراجع

  1. غانم قدوري (1986م)، الدراسات الصوتية عند علماء التجويد (الطبعة الأولى)، بغداد: مطبعة الخلود، صفحة 15.
  2. محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، بيروت: البراعم للإنتاج الثقافي، صفحة 49، جزء 3. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أحمد خالد شكري، أحمد محمد مفلح القضاة، محمد عصام القضاة، وآخرون (2005)، المنير في أحكام التجويد (الطبعة السابعة)، عمان: المطابع المركزية لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، صفحة 11-13. بتصرّف.
  4. محمد محيسن (1970م)، مرشد المريد إلى علم التجويد (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، صفحة 7 وما بعدها.
  5. عبد الفتاح بن السيد عجمي بن السيد العسس المرصفي المصري الشافعي، هداية القاري إلى تجويد كلام الباري (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: مكتبة طيبة، صفحة 392، جزء 1. بتصرّف.
  6. أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة،إبراز المعاني من حرز الأماني، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 201. بتصرّف.
  7. سليمان بن محمد الجمزوري، تحفة الأطفال والغلمان في تجويد القرآن، صفحة 4. بتصرّف.
  8. عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 92. بتصرّف.
  9. ^ أ ب عبد الفتاح بن السيد عجمي بن السيد العسس المرصفي المصري الشافعي، هداية القاري إلى تجويد كلام الباري (الطبعة الثانية)، المدينة المنورة: مكتبة طيبة، صفحة 61-63، جزء 1. بتصرّف.
  10. صفوت محمود سالم (2003)، فتح رب البرية شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد (الطبعة الثانية)، جدة: دار نور المكتبات، صفحة 75-77. بتصرّف.
  11. محمّد بن بدر الدين بن عبد الحق ابن بَلْبَان الحنبلي (المتوفى: 1083 هـ) ( 2001 م)، بغية المستفيد في علم التجويد (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر، صفحة 30 وما بعدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى