الرزق واليقين
خلق الله -تعالى- البشر يحملون صفاتٍ لا تنفكّ عنهم أبداً، منها أنّ الإنسان مخلوقٌ ضعيفٌ فقيرٌ بنفسه، عاجزٌ عن كفاية نفسه، وقضاء حوائجه لوحده، يحتاج كلّ لحظةٍ إلى اللجوء إلى من هو أعظم منه، وأحكم، وأقدر؛ ليُعينه على تيسير أموره وتلبية حاجاته، والله -تعالى- هو الملجأ والملاذ، وهو الضامن للتوفيق، والأرزاق التي يحتاجها الإنسان طوال حياته، وحتى يطمئنّ الإنسان على أرزاقه، وتسكن نفسه عن التفكير الدائم في ذلك، فقد ضمن الله -تعالى- لعبده الرزق كما ضمن له الأجل، يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفساً لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها)،[١] والرزق من حيث الكدّ لتحصيله نوعان: رزقٌ يطلب العبد أينما كان؛ كالميراث الذي يصل إلى الإنسان دون أن يسعى إليه أو يطلبه، ورزقٌ يسعى إليه الإنسان، ويبحث عنه، وهو الرزق الذي لا يأتي إلّا بالسعي والجدّ والعمل.[٢][٣]
وتظهر حكمة الله -تعالى- في توزيع أرزاقه بين عباده، فجعل منهم الغني، ومنهم الفقير؛ حتى لا يكونوا جميعاً على حالٍ واحدٍ، بل يُبتلى بعضهم ببعضٍ، ويتعاونوا في تسيير أمورهم الحياتيّة، فقد قال الله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)،[٤] والله -تعالى- قسّم الرزق أيضاً بحسب علمه في حالهم، فهناك فقيرٌ إذا غنِي قد يطغى، ويكفر فيكون الفقر خيراً له، حيث قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ)،[٥] فهنا كان الفقر رحمةً، وفضلاً منه سبحانه، وعلى المسلم أن يرضى بما قسم الله له، ويستيقن في نفسه أنّ الله -تعالى- ما قدّر له إلّا الخير الذي رآه، وتسكن نفسه لذلك وترضى.[٢]
أسباب جلب الرزق
ما من ضيرٍ على المسلم أن يجتهد في حياته ليوسّع أبواب الرزق ويستجلبه أكثر، إن كانت الطرق التي استخدمها مشروعةً، تُرضي الله سبحانه، وهناك الكثير من الأسباب المادية، والمعنوية التي تفتح باب زيادة الرزق، والبركة فيه، منها:[٦][٧]
- تقوى الله سبحانه، وهو سبب شاملٌ يضمّ تحته الأسباب الأخرى، فمن عاش حياته تقيّاً يُرجّح كفة رضا الله وخشيته دائماً، كان ذلك سبباً في زيادة أرزاقه والبركة فيها بإذن الله، حيث يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).[٨]
- ملازمة الاستغفار، فقد جعل الله -تعالى- الاستغفار سبباً مباشراً للرزق، والبركة فيه، حيث ذكر ذلك في القرآن الكريم على لسان نوح عليه السلام، إذ قال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)،[٩] والاستغفار المذكور لا يُقصد فيه تحريك اللسان وحسب؛ بل يُشترط فيه حضور القلب، والندم على الذنب، والعزم على تركه، وتحقيق شروط التوبة التي من ضمنها يكون الاستغفار، وفي ذلك يكون استجلاب الرزق بإذن الله.
- صلة الأرحام، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقول في ذلك: (مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه، فليَصِلْ رَحِمَهُ)،[١٠] والمنسأة في العمر؛ أي الزيادة في العمر، وقد يكون المقصود فيها البركة في العمر، أوالذكر الصالح لصاحبه بعد الموت.
- كثرة الصدقات، والإنفاق في سبيل الله، فكثيراً ما وعد الله -سبحانه- عبده المنفق بحُسن العوض، والبركة في الرزق، حيث قال: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)،[١١] ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضاً: (ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ)،[١٢] فيكون الإخلاف بالبركة في الرزق، ودفع الضُّرّ، وحِفظ المال، وصيانته، ويكون في الآخرة زيادةً، وبركةً في الحسنات كذلك.
- الزّواج لأجل التعفّف، وابتغاء الذريّة، فالله -تعالى- تعهّد للرجل الذي يريد الزواج بهدف العفّة أن يُعينه على مقصده، ويبارك له في ماله، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ أنْ يُعينَهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والنَّاكحُ يُريدُ أنْ يستعِفَّ).[١٣]
- برّ الوالدين، والإحسان إليهما، فهما بابٌ من أبواب الخيرات التي تتنزل على الإنسان، وسبب في تحقيق البركة له في رزقه.
- الإنفاق على طالب العلم، ففي قصّةٍ وردت عن رجلين أخَوَين من الصحابة، أحدهما يعمل في حرفةٍ له، والآخر ملازمٌ للنبي -عليه السلام- يتعلّم منه، فاشتكى العامل على أخيه فأخبره النبي -عليه السلام- أنه قد يكون أخاه سبباً في رزقه.
- كثرة أداء الحجّ والعمرة، فالنبي -عليه السلام- يقول: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعُمرةِ فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ، والذُّنوبَ كما ينفي الكيرُ خبَثَ الحديدِ، والذَّهبِ، والفِضَّةِ).[١٤]
- دوام شُكر النعم، فالشكر سببٌ لزيادة الرزق، وهو سبب للبركة في جميع أنواع الرزق بعمومها.
أنواع الأرزاق
لا يقتصر الرزق عند ذكره على رزق المال وحسب، بل يتوسّع حتى يشمل سائر أبواب الخير التي قد ينتفع بها الإنسان في حياته، وفيما يأتي ذكرٌ لأنواعٍ أخرى قد يأتي الرزق على شكلها:[١٥]
- رزق الصحّة، والعافية، والقوة في البدن.
- رزق الزوجة الصّالحة.
- رزق العلم النافع.
- رزق الذريّة الصالحة.
- رزق الإيمان، والاستقامة كما يرضى الله تعالى، وهو أجلّ النعم؛ لأنه يُوصل إلى خيري الدنيا والآخرة، ويبقى أثره مع الإنسان دائماً.
- رزق السكينة والطمأنينة.
- رزق الأخلاق الطيبة.
- رزق الجمال والوسامة.
- رزق الحكمة والذكاء، وهما سببٌ رئيسيٌ لكسب المال، وثقة الناس.
- رزق السُمعة الحسنة.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2085، صحيح.
- ^ أ ب “مفاتيح الرزق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-1. بتصرّف.
- ↑ “أنواع الرزق وكيفية الحصول عليه”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-1. بتصرّف.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 32.
- ↑ سورة الشورى، آية: 27.
- ↑ “الأسباب العشرون لاستدرار الرزق (1)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-1. بتصرّف.
- ↑ “الأسباب العشرون لاستدرار الرزق (2)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-1. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 2-3.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5986، صحيح.
- ↑ سورة سبأ، آية: 39.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2588 ، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4030، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن شفيق بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3693، أخرجه في صحيحه.
- ↑ “أنواع الرزق”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-1. بتصرّف.