التاريخ
عند البحث في مفهوم التاريخ، يُلاحَظ أنّ هنالك اختلافاً بين المُؤرِّخين في تحديد معنى التاريخ؛ إذ يذكر البعض أنَّ التاريخ هو: العلم الذي يهتمّ بدراسة ما حدث، أو وقع في الماضي من أحداث، ومنهم من تحدَّث عن التاريخ بوصفه: العلم الذي يتتبَّع الأحداث التي وقعت فعليّاً، وقد أظهر البعض أنَّ التاريخ هو: العلم الذي يهتمّ بترتيب سلوك الإنسان عبر الماضي، وأنَّه سِجلٌّ للأحداث الماضية، وقد أظهر ابن خلدون تعريفاً واضحاً للتاريخ؛ حيث ذَكَر أنَّه هو الذي يُعرِّف الناس إلى أحوال من سبقَهم من الأُمَم في أخلاقهم، ومُلوكهم، بالإضافة إلى سِيَر الأنبياء؛ للاقتداء بهم.[١]
معلومات عن التاريخ
- يُعتبَر التاريخ عِلماً من العلوم الاجتماعيّة التي تهتمّ بدراسة ماضي البشريّة، كما أنَّ دراسة المُؤرِّخين للماضي، وأحداثه، وإعداد وثائق جديدة، يُعَدُّ تاريخاً أيضاً،[٢] وقد ارتبط عِلم التاريخ عند العُلماء المسلمين بشكلٍ عام بمعرفة البُلدان، والطوائف، والأشخاص، وأنسابهم، بالإضافة إلى معرفة عاداتهم، ورسومهم؛ من أجل الاستفادة، وأخذ العِبرة، والنُّصْح منهم، كما أنَّ عِلم التاريخ عند المسلمين كان له ارتباط وثيق بحديث النبيّ -عليه السلام- ومن هنا، اهتمّ المسلمون بتدوينه، وتحقيق رواياته، وتمحيصها.[٣]
- اختلف كثير من عُلماء الأدب، والتاريخ حول هويّة التاريخ، وهل هو عِلم أم لا؛ فذَكَر البعض أنَّه لا يُمكن للتاريخ أن يكون عِلماً؛ وذلك لأنَّه لا يُخضِع الأحداث التاريخيّة للتجربة، والمُشاهدة، والفَحْص، وبذلك لا يُمكن استنتاج قوانين ثابتة منه، كالعلوم الأُخرى، مثل الكيمياء، ويرى عُلماء الأدب أنَّ التاريخ هو أحد الفنون بغضّ النظر عن كونه عِلماً، أم لا؛ إذ إنَّه يستنطق الماضي باستحضار الخيال الذي يحتاج إلى براعة المُؤرِّخ، والكاتب، وقد رفض بعض العُلماء تجريد التاريخ من صِفته العلميّة؛ لأنَّه عِلم نَقْد، وتحليل، وتقريب، وليس عِلم تجربة.[٢]
- يُردِّد الكثيرون العبارة الشهيرة (التاريخ يَكتبه المُنتصرون)، ويعتمدون عليها وكأنَّها حقيقة مُطلَقة، دون معرفة أصلها، وتاريخها، وتذكر بعض المصادر أنَّ هذه المقولة تُنسَب إلى (روبار برازياك)، وهو اليمينيّ المُتطرِّف الذي كان له نشاط مع النازيّين؛ حيث قال هذه العبارة عند تنفيذ حُكم الإعدام فيه، إلّا أنَّ هنالك من يَنسِب هذه المقولة من الناحية الأكاديميّة إلى (والتر بنيامين)، وهو أحد المُفكِّرين الألمان ذوي الأصول اليهوديّة، إضافة إلى أنَّ العديد مِمَّن يذكرون هذه المقولة لا يعلمون القَصد منها؛ حيث إنّها مقولة لتمجيد العظمة، وانتصار القائد، وقد انتشرت في فِكر السياسيّين اليمينيّين.[٤]
- يحتاج المُؤرِّخ إلى قواعد أساسيّة لكتابة التاريخ؛ حيث إنّ للتاريخ منهجاً، وطريقةً في كتابته، وأساس هذا المنهج هو الأمانة، والصدق في البحث عن الحقائق التي تتمثَّل فيما يلي:[٥]
- معرفة قواعد السياسة.
- معرفة طبائع الموجودات.
- معرفة الاختلاف بين الأُمَم في الأخلاق، والعادات، والمذاهب، والأحوال الأُخرى.
- العِلم بالحاضر، ومُماثلته بالماضي، ومعرفة الخلاف، والوِفاق بينهما.
- معرفة أصول الدُّول، ومبادئها، وأسباب نشوئها.
- اهتمّ العرب قبل الإسلام بالتاريخ، وتدوينه، ودراسته؛ وذلك لاهتمامهم بعِلم الأنساب، ودراستها؛ فهي جُزء من التاريخ، وبعد مجيء الإسلام ازداد الاهتمام بدراسة سِيَر، وقِصص الأوَّلين؛ لأَخذ العِظة، والعِبرة منهم، ومع اتّساع الدَّولة الإسلاميّة، وامتدادها في مُختلَف أنحاء العالَم، وضمّها للعديد من الأجناس، والشعوب، نَتج فِكر تاريخيّ هائلح حيث أُلِّفت الكُتُب التاريخيّة في مُختلف الأقاليم، وتعدَّدت جوانبها، إلّا أنَّه في الفترة التي سيطرت فيها حُكومات لا تنطق باللُّغة العربيّة على الدَّولة الإسلاميّة، توقَّف نشاط الحركة الفِكريّة، وأصبحت دراسة التاريخ راكدة، ومع ذلك كُلّه، بقي التاريخ الإسلاميّ على مُختلف العُصور مُرتبطاً بحركة الفِكر الإسلاميّ، وتطوُّرها بشكلٍ عام.[٦]
كيف يُقرَأ التاريخ
إنَّ قراءة التاريخ لها خُطواتها العِلميّة، والتي استعاض عنها العلماء، والمُؤرِّخون المسلمون بعِلم الحديث الذي يُعتبَر وسيلة عِلميّة مُهمّة في ضَبْط الروايات التاريخيّة في ذلك الزمان، وفيما يلي الطريقة التي تتمّ بها قراءة التاريخ:[٧]
- قراءة التاريخ بشكلٍ كامل، وشامل، وعدم تجزئته؛ وذلك حتى لا تنتج مواقف ظالمة للمواقع، والأشخاص، ومُغايرة لما في الواقع تماماً.
- تجنُّب تجميل التاريخ، أو تقبيحه؛ حيث إنَّه من الضروريّ ذِكْر التاريخ بحسناته، وسيّئاته؛ وذلك حتى لا يقع المُؤرِّخ في خطأ منهجيّ واضح.
- قراءة التاريخ بشكلٍ مُركَّز، من خلال الكُتُب التي تتحدَّث عنه بإيجاز نِسبيّ، وبشكلٍ منهجيّ مُرتَّب.
- ضرورة معرفة الفرق بين المُؤرِّخين القُدامى، والمُحدثين، وطُرق كتابتهم للتاريخ؛ وذلك لأخذ فائدة كبيرة عند قراءة التاريخ.
- الابتعاد عن المزالق التاريخيّة، وعدم التركيز عليها، كأخبار الفِتَن التي يجب عدم الخوض فيها.
- الاهتمام بكُتُب تاريخ الحديث، وكذلك تاريخ آخر الزمان، والحرص على حُسن التعامُل معها.
أهمّية دراسة التاريخ
يُعتبَر تاريخ الأُمَم، وتُراثها مقياساً لعظمتها، وهو الديوان الذي تَحفَظ فيه الأُمَمُ ماضيها؛ لتستندَ إليه في حاضرها، وتستطيع صناعة مُستقبلها، وتجدُر الإشارة إلى أنَّ لدراسة التاريخ أهمّية كبيرة تتمثَّل فيما يلي:[٧][٨]
- تُساهم دراسة التاريخ المُوثَّق في معرفة مدى صدق الحقائق، والأحداث.
- يُساعد التاريخ في معرفة أحوال الأُمَم، من حيث نشاطها، وركودها، وقوَّتها، وضعفها.
- تُساعد دراسة التاريخ على استلهام المُستقبل، بناءً على سُنَن الله التي لا تتغيَّر في الكون.
- تكمُن أهمّية دراسة التاريخ في حَشْد الهِمَم، وتنافُس الأُمَم نحو الصلاح، والخير.
- يُبرِز التاريخ من خلال دراسته القُدوات الصالحة، والتي لها أثر على مرّ الزمان.
- تُعتبَر معرفة أخطاء السابقين، والتعلُّم منها، والحذر من الوقوع في مثلها، من أهمّ فوائد دراسة التاريخ.
المراجع
- ↑ عامر جاسم (4-9-2011)، “ماهو التاريخ ونشاة التاريخ عند المسلمين”، www.uobabylon.edu.iq، اطلع عليه بتاريخ 7-10-2018. بتصرف.
- ^ أ ب نجاة محاسيس، مفاتيح علم التاريخ، عمان – الأردن: المنهل، صفحة 50-56. بتصرف.
- ↑ عبد الرحمن الشيخ، المدخل إلى علم التاريخ، السعودية: دار المريخ، صفحة 19. بتصرف.
- ↑ عادل لطيفي، “التاريخ لا يكتبه المنتصرون”، www.aljazeera.net، اطلع عليه بتاريخ 8-10-2018. بتصرف.
- ↑ جعفر بن السيد حسن، التقاط الزهر من نتائج الرحلة والسفر في أخبار القرن الحادي عشر، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 12. بتصرف.
- ↑ عبد العليم خضر، المسلمون وكتابة التاريخ: دراسة في التأصل الاسلامي لعلم التاريخ، الولايات المتحدة الامريكية: المعهد العالمي للفكر الاسلامي، صفحة 69-70. بتصرف.
- ^ أ ب نجاة محاسيس، مفاتيح علم التاريخ، عمان – الأردن: المنهل، صفحة 46-49. بتصرف.
- ↑ “أهمية دراسة التاريخ”، articles.islamweb.ne، 12-1-2004، اطلع عليه بتاريخ 8-10-2018. بتصرف.