الوصيّة
إنّ ممّا يفعله العبد في حياته ليكون له منفعةً بعد مماته الوصّية، وهي أن يتبرّع بالمال أو قيمته لغير الورثة بعد مماته، كأن يتبرّع بمالٍ معيّنٍ، أو بيتٍ، أو سيّارةٍ، أو غير ذلك، وقد كانت الوصيّة واجبةً قبل نزول آية المواريث، ثمّ نُسخت الوصيّة للوارث بآية المواريث، والوصيّة قد تكون لأحد الأقارب، أو لغيرهم، والوصيّة لغير الأقارب جائزةٌ بإجماع العلماء، سواءً كانت لمجموعةٍ من الناس، أو لشخصٍ معيّنٍ، أو لشيء لا يُملك من القربات، كبناء مسجدٍ، أو حفر بئرٍ، أمّا الأقارب من غير الوارثين، فالوصيّة مشروعة لهم؛ لقول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)،[١] أمّا الأقارب الوارثين، فإنّ نصيبهم من الورثة مقدّرٌ في آيات المواريث، ولا تجوز الوصيّة لهم، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى قد أعطى كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ فلا وصيَّةَ لوارثٍ)،[٢]، ويُشترط في الوصيّة أن تكون فيما دون الثلث، فإن زادت عن الثلث، أو كانت الوصيّة لأحد الورثة، فإنّ ذلك يتوقّف على موافقة الورثة؛ لأنّهم السبب في منع نفاذ الوصيّة، فإن أجازوا الزيادة نفذت، والمعتبر بإجازة الورثة هم الراشدين، أمّا السفيه والمجنون فلا يحقّ لوليّه أن يجيز الوصية نيابةً عنه؛ لأنّ ذلك بمثابة التبرّع، ولا تبرّع من مال مَن لم يَرشُد.[٣]
حكم الوصيّة
أجمع العلماء على أنّ الأصل في الوصيّة الجواز، لكن قد يعتريها الاستحباب، والوجوب، والكراهة، والتحريم، وفيما يأتي بيان الأحكام مع حالاتها بشكلٍ مفصّلٍ:[٤]
- الوصيّة المستحبّة؛ وتكون عندما يوصي الميت بمالٍ يُنفق في أوجه الخير، وسُبل الإحسان، حتى يصل ثوابه إليه بعد وفاته، ويكون ذلك إذا كان له مالٌ كثيرٌ، وكان ورثته أغنياء، وهي ممّا وافق عليه الشّرع وأذن به، مع مراعاة ألّا تتجاوز حدّ الثلث من ماله، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه، فيما يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (ما حقُّ امِرئٍ مسلمٍ، له شيءُ يُوصي فيه، يَبِيتُ ليلتين إلّا ووصيتُه مكتوبةٌ عندَه)،[٥] وليس المراد بالليلتين حصرهما على وجه التحديد، وإنّما المقصود ألّا يمرّ عليه وقتٌ قصيرٌ دون أن تكون وصيّته مكتوبةً.
- الوصيّة الواجبة؛ وهي الوصيّة بما يجب عليه من حقوقٍ وواجباتٍ، وكان مقصّراً في أدائها، سواءً أكانت هذه الحقوق والواجبات متعلّقةً في حقّ الله تعالى، كزكاةٍ لم يخرجها، أو حجٍّ لم يؤدّه مع استطاعته عليه، أو كانت هذه الحقوق والواجبات متعلّقةً في حق الآدميين؛ كأداء الأمانات، وردّ الحقوق إلى أصحابها، وسداد الديون، وتجب الوصية للأقارب من غير الورثة إن كانوا فقراء والموصي غنيّ.
- الوصيّة المكروهة؛ وتكون في حالة إن كان الورثة محتاجين، والموصي لا يملك المال الكثير؛ لأنّه بذلك يضيّق عليهم في أنصابهم.
- الوصيّة المحرّمة؛ وتكون الوصيّة حرام إذا زادت عن الثلث من المال؛ وذلك لورود النهي من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك، إلّا إن وافق عليها الورثة؛ لأنّ ذلك يكون بمثابة تنازلٍ منهم عن حقوقهم، وتكون محرّمةً إذا كانت لأحدٍ من الورثة، إلّا إن أجازها باقي الورثة أيضاً، ومع ذلك يجب أن يحرص الموصي على أن تكون وصيّته في حدّ الثلث، أو ما دونه، حتى وإن أجازها الورثة، حتى لا يُلحق الضرر بهم.
أركان الوصيّة
تتكوّن الوصيّة من أربعة أركانٍ، وفيما يأتي بيانها بشكلٍ مفصّلٍ:[٦]
- الموصي؛ وهو كلّ مكلّفٍ حرّ، فلا تصحّ الوصيّة من المجنون، والمعتوه، والصبي المميّز وغير المميّز، أمّا العبد فأن أوصى ومات وهو رقيقاً فالوصية باطلةً أيضاً، أمّا الكافر فيوصى بما يقتني أو يتموّل، ولا تصحّ وصيّته بما هو محرّم في الإسلام: كالخمر، والخنزير، ولا بما هو معصية: كبناء الكنائس، أو الإعانة في الكتب الخاصّة بدينهم.
- الموصى له؛ فإن كان الموصى له جهة عامّة، فيشترط أن يكون في طاعةٍ، حتى لو كان الموصي ذميّ، ويجوز للمسلم والذّمي الوصية لبناء المساجد وتعميرها: كالمسجد الأقصى، وترميم قبور الأنبياء، والعلماء، والصالحين، وكلّ ما يُمكن الانتفاع به، أو التبرّك به، وكذلك يمكن الوصية بفكّ أسرى الكفار من أيادي المسلمين، لأنّ الفائدة جائزة من ذلك.
- الموصى به؛ وله عدّة شروط، وهي:
- أن يكون مقصوداً؛ أي موجوداً، ويلحق بغير المقصود ما يحرّم اقتناؤه؛ لأنّه بحكم المعدوم.
- أن يكون قابلاً للانتقال من شخصٍ إلى آخر، فما لا يقبل الانتقال لا تصحّ به الوصية: كالحدود والقصاص، وكذلك لا تصحّ الوصيّة في الحقوق التابعة للأموال.
- ألّا يزيد عن الثلث من المال.
- أن يكون ملكاً للموصي؛ فلا يجوز له أن يُوصي بما يملكه غيره.
- الصيغة؛ وتتكوّن من الإيجاب والقبول، ويكون الإيجاب بأن يقول الموصي: أوصيت له بكذا، أو ادفعوا إليه بعد موتي كذا، أو هو له بعد موتي، وإن كتب وصيّته كتابةً وكان ينوي بها الوصية، فوصيّته صحيحة بلا خلاف، وإن كان أخرساً صحّت وصيّته بالإشارة والكتابة.
مبطلات الوصيّة
هناك عدّة أمور تبطل الوصية بفقدانها، منها:[٧]
- موت الموصى له؛ لأنّ الوصيّة حقّ له، فإن مات فلا حقّ له.
- قتل الموصى له الموصي.
- تلف الموصى به، كمن أوصى لغيره بسيّارةٍ ثمّ احترقت.
- ردّ الموصى له الوصيّة.
- إنكار الموصي للوصية وجحودها.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 180.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2120، صحيح.
- ↑ أحمد الزومان (13-7-2009)، “الوصية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-8-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الفريح (1-5-2015)، “حكم الوصية ومتى تكون مكروهة ومحرمة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2738، صحيح.
- ↑ “أركان الوصيّة”، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-9-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الطيلر، “الوصية ضوابط وأحكام”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-9-2018. بتصرّف.