عبادات

ما فضل قيام الليل

فضل قيام الليل

قيام الليل من العبادات التي لها فضائل تعود على العبد بالنَّفع في دُنياه، وآخرته، وقد كثُرَت النصوص التي تحثُّ على قيام الليل، وتدعو إليه في الكتاب، والسنّة النبويّة؛ فقد أمر به الله -تعالى- نبيّه -عليه الصلاة والسلام- فقال: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً)،[١] وممّا ورد في الثناء على هذه العبادة وعلى فاعليها في القرآن الكريم، قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً* وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً)،[٢][٣] ولقيام الليل فضائل عظيمة وجليلة أخرى، يُذكَر منها ما يأتي:[٤]

  • أثنى الله -تعالى- على مَن يقومون الليل، ووعدهم بالجزاء الوافي؛ قال -تعالى-: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[٥]
  • بيَّنَ الله -تعالى- أنّ قيام الليل من علامات المُتّقين، وهم يتّقون بقيام الليل عذابَ الله -تعالى-، ويرجون أن تكون لهم الجنّة، وهي صفة من صفات عباد الرحمن الصالحين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).[٦]
  • فضَّلَ الله -تعالى- الذين يقومون الليل على غيرهم من الناس بالأجر والمكانة عنده؛ فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).[٧]
  • بيَّنَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل من أسباب دخول الجنّة، وهو وَعدٌ من الله لعباده؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ)،[٨] ولا تكون ثمرة قيام الليل في الآخرة فقط؛ فالذي يقوم الليل يشعر بحلاوة، ولَذّة، وراحة، وسكينة في الدُّنيا أيضاً.
  • بيَّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ أفضل الصلاة بعد صلاة الفَرض هي صلاة قيام الليل؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).[٩]
  • وضَّحَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل شَرَف المؤمن وعِزّه؛ فهو إثبات حُبّه لله -تعالى-، وإخلاصه له، وإيمانه به، فيُجازيه الله؛ فيرفع مكانته ومنزلته، وهو من الفضائل التي يستحقّ أن يُغبَط عليها المسلم؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن جبريل -عليه السلام-: (شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ).[١٠]
  • بيَّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل سببٌ لتحقيق رحمة الله -تعالى- بالعبد، وبالأمّة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (رحمَ اللهُ رجلاٌ قامَ من الليلِ فصلَّى وأيْقظَ امرأتَه فصلتْ فإن أبَتْ نضحَ في وجهِها الماءَ, رحم اللهُ امرأةً قامتْ من الليلِ فصلَّت وأيقظتْ زوجَها فصلَّى ، فإن أبَى نضحتْ في وجهِه الماءَ).[١١] وقد أوصى -عليه السلام- أمّته بأن يقوموا الليل لتتحقق لهم فضائل قيامه.

فضل قيام الثُّلث الأخير من الليل

قيام الليل فيه خير وفضل للمؤمن في أيّ وقت من أوقات الليل، إلّا أنّ الثُّلث الأخير من الليل هو أفضل الأوقات وأشرفها؛ إذ يتجلّى الله -سبحانه وتعالى- في هذا الوقت على السماء الدُّنيا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له.).[١٢] وقيام هذه الساعة فيه خير كثير،[١٣] ويمتدّ هذا الوقت المبارك حتى طلوع الفجر، وفي ذلك دليل على رحمة الله -تعالى- ولُطفه بعباده؛ ليتَّسِع لهم وقت مُناجاته، وليسألوه من خيرَي الدُّنيا والآخرة، وفي ذلك حَثٌّ للعباد على استغلال هذا الوقت في الدُّعاء، والاستغفار؛ ابتغاء استجابة الله -تعالى-.[١٤]

فضل قيام رمضان وليلة القدر

وعد الله -سبحانه وتعالى- مَن قام ليل رمضان؛ إخلاصاً له، واحتساباً للأجر من عنده، وإيماناً به، بالتوبة والمغفرة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[١٥] ومَن قام مع الإمام مُصلِّياً في ليلة، وبَقِي حتى فرغَ الإمام من الصلاة، ثمّ انصرف، كتبَ الله له أجر تلك الليلة قِياماً، كما أنّ إحياء ليالي رمضان بالقيام، وخصوصاً العَشر الأخيرة منها، من سُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وأخصُّ الخير أن يُوفَّق المُسلم إلى قيام ليلة القَدر؛ فإن قامها مُؤمناً، مُحتسباً، راجياً رحمة الله، فقد غفر الله -تعالى- له ما تقدَّم من ذَنبه.[١٦]

ويُطلَق على قيام الليل في رمضان مُسمّى صلاة التروايح، وخصّيصاً على صلاة الليل في أوّله، وسُمِّيت بالتراويح؛ لأنّ المُصلّين يستريحون بعد كلّ أربع ركعات منها،[١٧] ومن القيام المُرغَّب فيه قيام العشر الأواخر من رمضان؛ لإدراك ليلة القَدر، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أيْقَظَنِي بَعْضُ أهْلِي، فَنُسِّيتُها فالْتَمِسُوها في العَشْرِ الغَوابِرِ)،[١٨] ولا ينشغل المسلم عن تحرّي هذه الليلة بأيّ شيء من شواغل الدُّنيا، بل يصرفُ كلّ اهتمامه نحو استغلالها، وتحصيل بَرَكتها، وقد سَنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف في المسجد في هذه العَشر.[١٩]

الحرص على قيام الليل

يُتاجر الصالحون المؤمنون بما يربو لهم عند ربّهم من الأعمال الصالحة؛ فينامون من الليل قليلاً، ويقومون باقي الليل؛ يناجون ربّهم، ويأنسون به في ظلمات الليل حين يسكن الناس؛ فيُورثهم -سبحانه وتعالى- رضاه، وحُبّه، ويُنوّر وجوههم، وبصيرتهم، ويرزقهم الإخلاص، والفِراسة، كما أنّ قيام الليل من الأعمال التي يُمتحَن بها إخلاص العبد؛ فلا منافق يقوم الليل، وهذا العمل هو أحد الأعمال التي تميّزت بها الأمّة الإسلاميّة، وتربّى عليها جيل الصحابة الأُوَل؛ فقد فُرِض عليهم قيام الليل بداية الدعوة مدّة سنة كاملة، وعلى الرغم من أنّ الله -تعالى- رفع عنهم وجوبه، إلّا أنّهم استمرّوا يقومونه، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُحذّر من تَركه؛ فقال مُوصِياً عَمْراً بن العاص -رضي الله عنه-: ( يَا عَبْدَ اللهِ، لا تَكُنْ بمِثْلِ فُلَانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)،[٢٠] وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خير قُدوة في تعبُّده لله -تعالى- بقيام الليل؛ فقد كان يقومه حتى تتورّم قدماه، فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: (لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا).[٢١][٢٢]

الأسباب المُعينة على قيام الليل

قيام الليل يحتاج من المسلم جُهداً، وتدرُّباً، واستعانة بالأسباب، ومن الأسباب التي تُعين المسلم على قيام الليل ما يأتي:[٢٣]

  • معرفة فضل قيام الليل، ومنزلته، وبركته، ومَعرفة وعد الله -تعالى- لأهل قيام الليل في الدُّنيا والآخرة، والإيمان به -كما ذُكِر في فقرة فضل قيام الليل-.
  • استعانة المسلم بالله -تعالى- على الشيطان، والعلم بأنّ الشيطان يقعد في طريق ابن آدم؛ ليُثبِّطَه عن الطاعات.
  • تذكُّر الموت؛ وهو من دواعي قصر الأمل؛ فيغتنم المسلم صحّته التي مَنَّ الله -تعالى- عليه بها، ويستغلّ وقته، وفراغه؛ فيقوم الليل ما قَدِرَ على ذلك.
  • النوم المُبكّر؛ ليستيقظ المسلم نشيطاً يقوم الليل، واتِّباع سُنَن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك، كقراءة المُعوَّذات، وأذكار النوم، والنوم على الجَنب الأيمن، وقراءة آية الكرسي، والآيتَين الأخيرتَين من سورة البقرة.
  • التقليل من الأكل، والشُّرب، وفضول الأعمال التي قد تُتعب الجسم، واجتناب المعاصي، والحرص على قيلولة النهار، والصلاة تطوُّعاً في الليل تكون مَثنى مَثنى.

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية: 79.
  2. سورة الفرقان، آية: 63-64.
  3. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 648، جزء 8. بتصرّف.
  4. أ.د. محمد بن إبراهيم بن سليمان الرومي (2013)، قيام الليل (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا، صفحة 29-60. بتصرّف.
  5. سورة السجدة، آية: 16-17.
  6. سورة الذاريات، آية: 15-17.
  7. سورة الزمر، آية: 9.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 2485، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
  10. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله وسهل بن سعد ، الصفحة أو الرقم: 89، صحيح.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3494، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، صحيح.
  13. سعيد بن وهف القحطاني، قيام الليل في ضوء الكتاب والسنّة.، الرياض: مؤسسة الجريسي، صفحة 14-17. بتصرّف.
  14. يحيى بن زكريا النووي، شرح النووي على مسلم (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 37-38، جزء 6. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 759، صحيح.
  16. د. أحمد مصطفى متولي، 58 فضلية من فضائل قيام الليل، صفحة 48-50. بتصرّف.
  17. د.سعيد بن وهف القحطاني، كتاب فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح، الرياض: مطبعة السفير، صفحة 53، جزء 1. بتصرّف.
  18. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1166، صحيح.
  19. عادل حسن يوسف الحمد (2010م)، كتاب برنامجك في رمضان (الطبعة الأولى)، -: جميعة مودة، صفحة 38-39. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 1159، صحيح.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837، صحيح.
  22. د. شريف فوزي سلطان (18-7-2017)، “قيام الليل دأب الصالحين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2020. بتصرّف.
  23. د. سعيد بن وهف القحطاني، قيام الليل فضله وآدابه، صفحة 44-52. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

فضل قيام الليل

قيام الليل من العبادات التي لها فضائل تعود على العبد بالنَّفع في دُنياه، وآخرته، وقد كثُرَت النصوص التي تحثُّ على قيام الليل، وتدعو إليه في الكتاب، والسنّة النبويّة؛ فقد أمر به الله -تعالى- نبيّه -عليه الصلاة والسلام- فقال: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً)،[١] وممّا ورد في الثناء على هذه العبادة وعلى فاعليها في القرآن الكريم، قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً* وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً)،[٢][٣] ولقيام الليل فضائل عظيمة وجليلة أخرى، يُذكَر منها ما يأتي:[٤]

  • أثنى الله -تعالى- على مَن يقومون الليل، ووعدهم بالجزاء الوافي؛ قال -تعالى-: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[٥]
  • بيَّنَ الله -تعالى- أنّ قيام الليل من علامات المُتّقين، وهم يتّقون بقيام الليل عذابَ الله -تعالى-، ويرجون أن تكون لهم الجنّة، وهي صفة من صفات عباد الرحمن الصالحين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).[٦]
  • فضَّلَ الله -تعالى- الذين يقومون الليل على غيرهم من الناس بالأجر والمكانة عنده؛ فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).[٧]
  • بيَّنَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل من أسباب دخول الجنّة، وهو وَعدٌ من الله لعباده؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ)،[٨] ولا تكون ثمرة قيام الليل في الآخرة فقط؛ فالذي يقوم الليل يشعر بحلاوة، ولَذّة، وراحة، وسكينة في الدُّنيا أيضاً.
  • بيَّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ أفضل الصلاة بعد صلاة الفَرض هي صلاة قيام الليل؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).[٩]
  • وضَّحَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل شَرَف المؤمن وعِزّه؛ فهو إثبات حُبّه لله -تعالى-، وإخلاصه له، وإيمانه به، فيُجازيه الله؛ فيرفع مكانته ومنزلته، وهو من الفضائل التي يستحقّ أن يُغبَط عليها المسلم؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن جبريل -عليه السلام-: (شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ).[١٠]
  • بيَّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ قيام الليل سببٌ لتحقيق رحمة الله -تعالى- بالعبد، وبالأمّة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (رحمَ اللهُ رجلاٌ قامَ من الليلِ فصلَّى وأيْقظَ امرأتَه فصلتْ فإن أبَتْ نضحَ في وجهِها الماءَ, رحم اللهُ امرأةً قامتْ من الليلِ فصلَّت وأيقظتْ زوجَها فصلَّى ، فإن أبَى نضحتْ في وجهِه الماءَ).[١١] وقد أوصى -عليه السلام- أمّته بأن يقوموا الليل لتتحقق لهم فضائل قيامه.

فضل قيام الثُّلث الأخير من الليل

قيام الليل فيه خير وفضل للمؤمن في أيّ وقت من أوقات الليل، إلّا أنّ الثُّلث الأخير من الليل هو أفضل الأوقات وأشرفها؛ إذ يتجلّى الله -سبحانه وتعالى- في هذا الوقت على السماء الدُّنيا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له.).[١٢] وقيام هذه الساعة فيه خير كثير،[١٣] ويمتدّ هذا الوقت المبارك حتى طلوع الفجر، وفي ذلك دليل على رحمة الله -تعالى- ولُطفه بعباده؛ ليتَّسِع لهم وقت مُناجاته، وليسألوه من خيرَي الدُّنيا والآخرة، وفي ذلك حَثٌّ للعباد على استغلال هذا الوقت في الدُّعاء، والاستغفار؛ ابتغاء استجابة الله -تعالى-.[١٤]

فضل قيام رمضان وليلة القدر

وعد الله -سبحانه وتعالى- مَن قام ليل رمضان؛ إخلاصاً له، واحتساباً للأجر من عنده، وإيماناً به، بالتوبة والمغفرة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[١٥] ومَن قام مع الإمام مُصلِّياً في ليلة، وبَقِي حتى فرغَ الإمام من الصلاة، ثمّ انصرف، كتبَ الله له أجر تلك الليلة قِياماً، كما أنّ إحياء ليالي رمضان بالقيام، وخصوصاً العَشر الأخيرة منها، من سُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وأخصُّ الخير أن يُوفَّق المُسلم إلى قيام ليلة القَدر؛ فإن قامها مُؤمناً، مُحتسباً، راجياً رحمة الله، فقد غفر الله -تعالى- له ما تقدَّم من ذَنبه.[١٦]

ويُطلَق على قيام الليل في رمضان مُسمّى صلاة التروايح، وخصّيصاً على صلاة الليل في أوّله، وسُمِّيت بالتراويح؛ لأنّ المُصلّين يستريحون بعد كلّ أربع ركعات منها،[١٧] ومن القيام المُرغَّب فيه قيام العشر الأواخر من رمضان؛ لإدراك ليلة القَدر، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أيْقَظَنِي بَعْضُ أهْلِي، فَنُسِّيتُها فالْتَمِسُوها في العَشْرِ الغَوابِرِ)،[١٨] ولا ينشغل المسلم عن تحرّي هذه الليلة بأيّ شيء من شواغل الدُّنيا، بل يصرفُ كلّ اهتمامه نحو استغلالها، وتحصيل بَرَكتها، وقد سَنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف في المسجد في هذه العَشر.[١٩]

الحرص على قيام الليل

يُتاجر الصالحون المؤمنون بما يربو لهم عند ربّهم من الأعمال الصالحة؛ فينامون من الليل قليلاً، ويقومون باقي الليل؛ يناجون ربّهم، ويأنسون به في ظلمات الليل حين يسكن الناس؛ فيُورثهم -سبحانه وتعالى- رضاه، وحُبّه، ويُنوّر وجوههم، وبصيرتهم، ويرزقهم الإخلاص، والفِراسة، كما أنّ قيام الليل من الأعمال التي يُمتحَن بها إخلاص العبد؛ فلا منافق يقوم الليل، وهذا العمل هو أحد الأعمال التي تميّزت بها الأمّة الإسلاميّة، وتربّى عليها جيل الصحابة الأُوَل؛ فقد فُرِض عليهم قيام الليل بداية الدعوة مدّة سنة كاملة، وعلى الرغم من أنّ الله -تعالى- رفع عنهم وجوبه، إلّا أنّهم استمرّوا يقومونه، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُحذّر من تَركه؛ فقال مُوصِياً عَمْراً بن العاص -رضي الله عنه-: ( يَا عَبْدَ اللهِ، لا تَكُنْ بمِثْلِ فُلَانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)،[٢٠] وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خير قُدوة في تعبُّده لله -تعالى- بقيام الليل؛ فقد كان يقومه حتى تتورّم قدماه، فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: (لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا).[٢١][٢٢]

الأسباب المُعينة على قيام الليل

قيام الليل يحتاج من المسلم جُهداً، وتدرُّباً، واستعانة بالأسباب، ومن الأسباب التي تُعين المسلم على قيام الليل ما يأتي:[٢٣]

  • معرفة فضل قيام الليل، ومنزلته، وبركته، ومَعرفة وعد الله -تعالى- لأهل قيام الليل في الدُّنيا والآخرة، والإيمان به -كما ذُكِر في فقرة فضل قيام الليل-.
  • استعانة المسلم بالله -تعالى- على الشيطان، والعلم بأنّ الشيطان يقعد في طريق ابن آدم؛ ليُثبِّطَه عن الطاعات.
  • تذكُّر الموت؛ وهو من دواعي قصر الأمل؛ فيغتنم المسلم صحّته التي مَنَّ الله -تعالى- عليه بها، ويستغلّ وقته، وفراغه؛ فيقوم الليل ما قَدِرَ على ذلك.
  • النوم المُبكّر؛ ليستيقظ المسلم نشيطاً يقوم الليل، واتِّباع سُنَن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك، كقراءة المُعوَّذات، وأذكار النوم، والنوم على الجَنب الأيمن، وقراءة آية الكرسي، والآيتَين الأخيرتَين من سورة البقرة.
  • التقليل من الأكل، والشُّرب، وفضول الأعمال التي قد تُتعب الجسم، واجتناب المعاصي، والحرص على قيلولة النهار، والصلاة تطوُّعاً في الليل تكون مَثنى مَثنى.

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية: 79.
  2. سورة الفرقان، آية: 63-64.
  3. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 648، جزء 8. بتصرّف.
  4. أ.د. محمد بن إبراهيم بن سليمان الرومي (2013)، قيام الليل (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا، صفحة 29-60. بتصرّف.
  5. سورة السجدة، آية: 16-17.
  6. سورة الذاريات، آية: 15-17.
  7. سورة الزمر، آية: 9.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 2485، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
  10. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله وسهل بن سعد ، الصفحة أو الرقم: 89، صحيح.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3494، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، صحيح.
  13. سعيد بن وهف القحطاني، قيام الليل في ضوء الكتاب والسنّة.، الرياض: مؤسسة الجريسي، صفحة 14-17. بتصرّف.
  14. يحيى بن زكريا النووي، شرح النووي على مسلم (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 37-38، جزء 6. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 759، صحيح.
  16. د. أحمد مصطفى متولي، 58 فضلية من فضائل قيام الليل، صفحة 48-50. بتصرّف.
  17. د.سعيد بن وهف القحطاني، كتاب فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح، الرياض: مطبعة السفير، صفحة 53، جزء 1. بتصرّف.
  18. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1166، صحيح.
  19. عادل حسن يوسف الحمد (2010م)، كتاب برنامجك في رمضان (الطبعة الأولى)، -: جميعة مودة، صفحة 38-39. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 1159، صحيح.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837، صحيح.
  22. د. شريف فوزي سلطان (18-7-2017)، “قيام الليل دأب الصالحين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2020. بتصرّف.
  23. د. سعيد بن وهف القحطاني، قيام الليل فضله وآدابه، صفحة 44-52. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى