عبادات

كم مقدار كفارة الصيام

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقدار كفّارة إفطار رمضان وأنواعها

للكفّارة ثلاثة أنواع، هي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ ويكون العِتق بأن يعتق رقبة عبد، والصيام بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع، ثمّ إن لم يجد عبداً، ولم يستطع أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، وتجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام.[١]

عِتق رقبة

اشترط جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية أنّ الرقبة التي يتمّ عتقها ينبغي أن تكون خالية من العيوب التي قد تُؤثّر في العمل؛ فقال الحنفية بشرط وجود النية، وأنّ المُعتَق ينبغي أن يكون عبداً كاملاً تُؤدّى به المنفعة؛ فالفاقد لبصره، أو قدرته على المشي غير صالح للعِتق، أمّا من عنده خلل في المنفعة، كمن قُطِعت إحدى يدَيه فيجوز إعتاقه، وقال المالكيّة أنّ وجود العيب في المُعتَق لا يمنع من جواز إعتاقه إن كان هذا العيب لا يُؤثّر في تصرُّفاته، ولا يمنعه من الكسب، أمّا الشافعية والحنابلة فقد منعوا أن يكون في الرقبة خلل واضح يمنعها من العمل.[٢]

ويُشار إلى أنّ العيوب التي في الرقبة مختلفة في درجتها، ولا يمكن حصرها في شيء مُعيّن، إلّا أنّهم اتّفقوا على حالات مُعيّنة إن وُجِدت في الرقبة فإنّها لا تُجزئ، وهي كما يأتي:[٣][٤]

  • الأعمى؛ لأنّ جنس المنفعة ذهب به؛ وهو البصر، والضرر في ذلك واضح.
  • المجنون جنوناً دائماً؛ لأنّ الأعضاء تتصرّف بناءً على العقل، والمجنون لا عقل له.
  • مقطوع اليدَين، أو الرجلَين، أو كليهما؛ لأنّه بعدمهما يمتنع عن العمل، إضافة إلى مَن فقد إبهامَيه، فإنّه لا يجزئ؛ لأنّ اليدَين لا تنفعان بشيء أثناء عدم وجودهما.
  • الجنين في بطن أمه؛ لأنّ أحكام الدنيا لا تسري عليه، كما يُعَدّ جزءاً من أمّه.
  • المريض مرضاً دائماً لا يُرجى زواله؛ لأنّه لا يُنتفَع منه، ولا يمكن شفاؤه غالباً.
  • الصمّ البُكم؛ لأنّ الأخرس كالأعمى، والأعمى لا يُجزئ، وقد اجتمع مع الخرس انعدام السمع، فزاد الضرر.
  • كبير السنّ؛ فإن كان قادراً على العمل والكسب، فإنّه يجزئ، وإلّا فلا.
  • الغائب الذي لا يُعلم عنه شيء؛ وخاصّة إن كانت غيبته طويلة؛ لأنّه مجهول الحياة، أو الموت.

واتّفق الفقهاء جميعهم على ضرورة إيمان المُعتَق في كفّارة القتل، واختلفوا فيما سواها من الكفّارات؛ فقال المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم بضرورة إيمان الرقبة، وأنّها لا تُجزئ إلّا إن كانت مؤمنة، وذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم ضرورة الإيمان، وأنّها تجزئ لو كانت غير مسلمة.[٥]

صيام شهرَين مُتتابعَين

يلجأ المسلم في الكفّارة إلى صيام شهرَين مُتتابعَين إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإن بدأ بالصيام مع بداية شهر من الأشهر الهجريّة، فإنّه يكمل الشهر، ويستمرّ في صيامه مع الشهر الذي يليه، ويعتمد في حسابه على رؤية الهلال، وإن ابتدأ صيامه أثناء الشهر الهجريّ، فإنّه يُكمله مع الشهر الذي يليه كاملاً مُعتمِداً على الهلال أيضاً، مع التنبيه إلى أنّ يوم القضاء لا يدخل ضمن الشهرَين، ويُشترَط أن يكون الشهران مُتتابعَين، حتى لو أفطر يوماً بعُذر شرعيّ، كالسفر، فإنّ ما صامه يُعَدّ تطوُّعاً، ويبدأ الصيام من جديد، أمّا الحنابلة فاعتبروا أنّ انقطاع الصيام لعُذر شرعيّ لا يقطع تتابُع الشهرَين، وإنّما يُكمل صيامه.[٦]

إطعام ستّين مسكيناً

والمقصود بالإطعام في الكفّارة: أن يُخرج المسلم طعاماً، أمّا المُراد بكلمة طعام؛ فهو كلّ ما يأكله الإنسان من أنواع الطعام المختلفة،[٧] وينتقل من وجبتْ في حقّه الكفّارة إلى الإطعام إنْ عجز عن الصوم؛ لكِبر في سِنّه، أو مرضه، أو خوفاً من أن يُحدث صيامه زيادةً في مَرضه،[٨] ويُطعم ستّين مسكيناً؛ لأنّ صيام شهرَين متتابعَين يعادل ستّين يوماً، فكان الإطعام لستّين مسكيناً عن كلّ يوم مسكين، واختلفوا في مقدار الإطعام؛ فقال أحمد إنّ لكلّ مسكين مُدّاً من القمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، وقال أبو حنيفة إن كان الإطعام من القمح فيُطعم كلّ مسكين نصف صاع، وإن كان من غير القمح فيُطعم صاعاً، وقال الشافعي وعطاء والأوزاعي إنّه يُطعِم مُدّاً ممّا شاء من الطعام،[٩] ويطعم في الكفّارة ما يُطعم عند الفطرة؛ سواءً كان قمحاً، أو شعيراً، أو تمراً، أو زبيباً، أمّا إن كان قوت أهل البلد من غير ذلك، فقال القاضي إنّه لا يُجزئ، وقال أبو الخطاب إنّه يُجزئ، لقول الله -تعالى-: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١٠]ولأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر طعاماً مُحدَّداً، وإنّما أطلقَه.[١١]

ويُشار إلى أنّ الصاع وحدة من وحدات الكَيل التي تعامل بها العرب والمسلمون منذ القِدم، وحتى قبل الإسلام، وهو وحدة الكيل الأساسية التي تفرّعت عنها غيرها من المكاييل، كالمُدّ، والقِسط، والعرق، وغيرها، وقد كان الصاع المتداول في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معروفاً فيما بينهم، واسمه الصاع النبويّ، أو الصاع الشرعيّ،[١٢] وهو شرعاً يوازي 2.948 كلغ، أي: ثلاث كيلو تقريباً،[١٣] والأربعة أمداد تُعتبَر صاعاً واحداً؛ والمُدّ هو الحفنة باليد المُتوسّطة؛ لا الكبيرة، ولا الصغيرة.[١٤] أمّا عند تقديره بالغرامات، فإنّه يزن ستّمئة غرامٍ من الطعام؛ من الأرز، أو القمح.[١٥]

سبب وجوب كفارة الصيام

تعدّدت آراء الفقهاء في الأسباب الموجبة لكفارة الصيام، وبيان ذلك فيما يأتي:[١٦]

  • الحنفية والمالكية: تنقسم الأسباب الموجبة للكفارة عندهم إلى قسمين، بيانها فيما يأتي:
    • الجماع عامداً في نهار رمضان؛ وتجب الكفارة إذا تحقّق الجماع صورة ومعنى؛ أي إذا جامع الرجل زوجته بشكل يتحقّق فيه الإدخال في القبل؛ لأنّ الشهوة لا تنقضي إلّا بذلك.
    • وصول الأكل أو الشرب إلى جوف الصائم عن طريق الفم بالعمد؛ لأنّ شهوة البطن لا تكتمل إلّا عن طريق الفم، ووضع المالكية شروطاً لوجوب الكفارة، كالتعمُّد، والإرادة والاختيار -فلا كفّارة على مُجبَرٍ أو ناسٍ-، والتعدّي على الحرمة، والعلم بحرمة ما يفعله، ووقوع الجماع في صيام رمضان لا غيره من الصيام، كالقضاء، أو الكفّارة.
  • الشافعية والحنابلة: تجب الكفارة عندهم على من أفسد صومه بجماع زوجته في نهار رمضان، ويفسد الصوم بمُجرّد الجماع، دون الاعتبار إن كان من قُبل أو دُبر، ولو جامع غير زوجته، كمن جامع الميتة، أو البهيمة، وسواء نزل شيء، أم لم ينزل، وبهذا يتّضح أنّ أهل الفقه مُجمعون على وجوب الكفّارة بحقّ من جامع عامداً في نهار رمضان، واختلفوا على وجوبها في حقّ من أكل أو شرب عامداً؛ فأوجبها الحنفية والمالكية، ولم يوجبها الشافعية والحنابلة.

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام

ذهب جمهور أهل العلم أنّ الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإن تيسّر له أداء واحدة منها أدّاها، وإنْ تيسّر له أداء أكثر من واحدة، فيتّبع الترتيب في الأداء، وخالف الحنابلة في ذلك؛ فقالوا بأنّ المرء إنْ كان عاجزاً عن أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تيسّر عليه أداؤها فيما بعد،[١٧][١٨] وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ فإن كانت بسبب الجماع فإنّها تتعدّد، وإلّا فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة.[١٨]

وتُعتبَر كلٌّ من كفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفّارة القتل من الكفّارات التي ينبغي أداؤها على الفور؛ بمعنى أنّ المُكلَّف يجب أن يؤدّيها بمُجرّد عِلمه بوجوبها عليه، وقدرته عليها؛ ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (أَتَى رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ في رَمَضَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما شَأْنُهُ؟ فَقالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قالَ: تَصَدَّقْ)،[١٩][٢٠] ولا يجوز أداء الكفّارة قبل حدوث ما يستدعيها؛ فلا يجوز مثلاً أداء كفّارة الجماع في رمضان قبل الجماع، والعكس هو الصحيح في ذلك.[٢١]

للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:

المراجع

  1. وهبة الزحيلي ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1740، جزء الثالث . بتصرّف.
  2. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 168-169. بتصرّف.
  3. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 170-172. بتصرّف.
  4. عبد الله الفريح (26-10-2015)، “تسمية العبد الآبق كافرا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-2-2020. بتصرّف.
  5. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الاولى )، صفحة 185. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 526، جزء الأول . بتصرّف.
  7. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 182. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفهية الكويتية ، صفحة 104، جزء 35. بتصرّف.
  9. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة ، صفحة 140-141، جزء الثالث . بتصرّف.
  10. سورة المائدة ، آية: 89.
  11. موفق الدين بن قدامة ، المغني لابن قدامة، صفحة 143، جزء الثالث. بتصرّف.
  12. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 199. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى صاع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2020. بتصرّف.
  14. فهد المشعل ، “الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة “، مجلة العلوم الشرعية ، العدد السادس والعشرون ، صفحة 214. بتصرّف.
  15. “وقت دفع الفدية للعاجز عن الصيام”، www.aliftaa.jo، 1-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2020. بتصرّف.
  16. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 70-72. بتصرّف.
  17. محمد الجاوي ، قوت الحبيب الغريب ، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 221. بتصرّف.
  18. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية )، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 527-528، جزء الأول. بتصرّف.
  19. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 1112، صحيح.
  20. رجاء المطرفي ، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 544. بتصرّف.
  21. رجاء المطرفي، الكفارات في الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى )، صفحة 535. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى